الحدود في الجبال : إن الجبال أو السلاسل الجبلية تعتبر من المعالم الجغرافية التي تفصل بيــــــن الدول , وان ما يميز الحدود الجبلية عن غيرها الثبات والاستقرار لمدة طويلة كما تتمـــيز كذلك بان الخلافات الدولية بشأنها تكون قليلة⁽¹⁾.

هذا وتعتبر السلاسل الجبلية من المناطق التي لا ينجذب إليها السكان بسبب وعورتها وارتفاعها فضلا عن انخفاض درجات الحرارة حول قممها وتراكم الثلوج , وبسبب ذلك تعد من أفضل الظواهر الطبيعية التي يمكن الاستناد إليها لتخطيط الحدود بين الدول المتجاورة , ومن أشهر السلاسل الجبليـــــة التي اعتمــدت كحدود جبال ( البرانس ) بين فرنسا واسبانيا وسلاسل جبال (اسكندناوه) بين النرويج والسويد.

ومع ذلك إن اعتماد الجبال حدودا ً سياسية لا يخلو من مشاكل, حيث يمكن أن تكـــــــون بؤرة للنــــــزاع كالحدود بين الولايات المتحدة وكندا في منطقة ( نيو- انجلاند ) وكذلك الحدود بين الأرجنتين وشيلي فــــي جبال الانديز الذي استمر مثارا ً للجدل لمدة نصف قرن تقريبا ً بسبب الجهل بالظروف الجغرافية لبعــض المناطق التي لم تكتشف بصورة نهائية إلى أن توصلت الدولتان إلى اتفاق عام 1902م ⁽²⁾.

أما عن كيفية تحديد الحدود في الجبال فهناك ثلاث صيغ أو طرق , الطريقة الأولى تتمثل بخط القمم والمقصود به الخط المثالي الذي يصل بين أعلى رؤوس الجبال ضمن سلسلة واحدة , والقاعدة أو الطريقة الثانية تتمثل بخط انقسام المياه الواقع بين حوضين مائيين وتمر الحدود من طرفي مجرى النهر كما هو الحال بالنسبة للحـــــــدود الفرنسية الايطالية التي تم إقرارها بموجب معاهدة تورينو (Turin ) في سنة 1860م , أما الطريقة الثالثة فإنها تتمثل بخط سفح الجبال والمقصود به مرور الحدود من قاعدة سلسلة جبلية ⁽³⁾.

هذا وقد تتطابق القاعدتان الأولى والثانية ( خط قمم الجبال وخط تقسيم المياه ) وقد يختلفان في حالات أخرى ومن الأمثلة على الاختلاف بين القاعدتين السابقتين في بعض معاهدات الحدود  المعاهدة المعقودة بين الأرجنتين وشيلي حيث افترضت المادة الأولى منها تطابق الخطين ولكن اتضح عند تطبيق المعاهدة عدم التطابق في جميع الأحوال وخاصة في الجزء الجنوبي ⁽⁴⁾, هذا وان الفقه الدولي لم يغلب أي من القاعدتين أو الخطين على الآخــر في حالــة اختــلاف الخــط الذي يصل بين أعلى القمم الجبلية والخــــــــــط الذي تتساقـــــــــــط عنده المياه, كما إن محاكم التحكـــيم أخـذت بالطريقة الأولى تارة وبالطريقة الثانية تارة أخرى⁽⁵⁾.

ومن الجدير بالذكر إن خط توزيع المياه قد أثار العديد من الصعوبات في تحديد الحدود , لان تعبير watershed) ) يفسر بأكثر من معنى فهو يعني الخط الفاصل للمياه المتدفقة في اتجاهين مختلفين , ويعني كذلك مستجمع المياه الذي يمد نهرا ً ما بالمياه ⁽⁶⁾.

أما بالنسبة للطريقة الثالثة المستعملة في تحديد الحدود الجبلية فإنها تتمثل بخط سفح الجبال , أي مرور الحدود من قاعدة السلسلة الجبلية ⁽⁷⁾, وحري بالبيان أن نذكر إن الطريقة الأخيرة غير محبذة في تحديد الحدود الجبلية , وذلك بسبب غموض المصطلح نفسه مما يؤدي إلى اختلافات كبيرة ⁽⁸⁾ فضلا ًعن إن سفح الجبل على رأي بعض الشراح لا يعتبر معيارا ً دقيقا ً يعول عليه في تحديد الحدود , لان انتهاء الجبل لا يكون على شكل مفاجئ ولكنه يتدرج من السهل لمسافة بعيدة قبل أن يتلاشى بصورة تامة⁽⁹⁾.

_____________

(1) د. حامد سلطان ,القانون الدولي العام وفت السلم,ط3,دار النهضة العربية,القاهرة,1968,ص528-529 .

(2) د. عبد الناصر أبو زيد,  مصدر سابق,ص31-32.

(3) عبد القادر رزيق المخادمي, نزاعات الحدود العربية,ط1,دار الفجر للنشر والتوزيع,القاهرة,2004,ص24.

(4) وسام زيدان الجبوري, مصدر سابق,ص47.

(5) د. حامد سلطان, مصدر سابق,ص529.

(6) وسام زيدان الجبوري, مصدر سابق,ص47.

(7) د. عصام العطية, القانون الدولي العام,ط3,المكتبة القانونية,بغداد,2010,ص313.

(8) د.صالح محمد محمود بدر الدين ,مصدر سابق,ص53 .

(9) وسام زيدان الجبوري, مصدر سابق,ص47.