تناول العلماء العرب في علم التجويد قواعد الأداء التي عن طريقها يتوصل قراء النص القرآني إلى نطق التلاوة التي نقلها الخلف عن السلف وتواترها القراء والشيوخ عبر الأجيال. وقد سجلت قواعد الأداء هذه الصورة الصوتية والشكل المنطوق- بأقصى دقة ممكنة في وسع الشيوخ والعلماء- للنص المجيد. وترتبط هذه القواعد بظواهر نطقية وصوتية متنوعة يهدف تحقيقها كلها إلى حفظ النص القرآني الشفوي دون تغيير أو تحريف بسبب عوامل التطور اللغوي بعامة والتطور الصوتي بخاصة.

من هذه الظواهر ظاهرة الإدغام بغنة التي ينفرد بها الأداء القرآني. وهي نوع غير تام من الإدغام بين صوامت وصوائت وأشباه صوائت صوائت معينة تنصهر في تحقيق صوتي أغن.

ويهدف البحث إلى تقديم وصف صوتي لظاهرة الغنة في التجويد القرآن من الناحية الفيزيائية (الأكوستيكية). وبذلك نوجه جل عنايتنا ونركز معظم درسنا على الغنة ذاتها ونكتفي بالإشارة فقط إلى ما يتصل بها من ظواهر وعمليات صوتية وفونولوجية أخرى مثل الإدغام والإخفاء والإقلاب في اصطلاح القدماء أو ما يندرج تحت ظاهرتي المماثلة Assimilation  أو المشاركة النطقية . Coarticulation

ونعنى بالغنة هنا اشتراك التجويف الأنفي في إصدار بعض الأصوات وتجمعاتها السياقية وأدائها بسمة نطقية خاصة ذات أثر فيزيائي وسمعي متميز. ومن ثم تشكل الغنة في اصطلاحنا :

1- الصفة المتممة لإصدار الأنفيات‏Nasals  (النون والميم) التي تتقابل بها مع الوقفيات الفمية (الدال والباء) كما يتبين ذلك في الثنائيات الصغرى الآتية :- كتب/ كتم، سد/ سن بر/ مر، دام/ نام 2- التغنين ‏Nasalization (1) الذى يصطحب بعض الأصوات في بعض لغات العالم وبخاصة الصوائب وشبه الصوائت.

ففي الفرنسية مثلا يوجد ثلاثة صوائت غناء :

كما يتبين ذلك في الثنائية الآتية :

(bo) (2) ­bon طيب/ (bo) جميل ‏beau وفي لغة اليوروبا (نيجيريا) تغن أشباه الصوائت مثل :

«هم» [] ، و«تلك» [].

. (33 : 1971Ladefoged ) وتتركز أهمية البحث في المظاهر التالية :

1- دراسة أحكام التجويد والأداء القرآني من منظور صوتي محض تصلح أن تكون فيما بعد نواة لتقديم هذه الأحكام في صورة صوتية ميسرة مشروحة.

2- دراسة الغنة مطلب صوتي عام يسعى إليه المتخصصون في جميع أنحاء العالم لتحديد سمتها الصوتية والفونولوجية في وصف علمي دقيق، وذلك باستقراء مظاهرها في لغات العالم- وتلاوة النصوص القرآنية غنية في ورود هذه الظاهرة.

وعلى العكس من ذلك، لا توجد هذه الظاهرة في عربيتنا الفصيحة.

3- دراسة الغنة من أصعب الأمور في مجال البحث الفيزيائي الدقيق، وقد اعترف بذلك كثير من أساطين العلم. فيقول فانت (149 : Fant ) : «إذا طلب مني بيانات وافية عن التغنين فليس لدى شي‏ء دقيق أقدمه. فهذا ملمح صعب المراس. وتكمن صعوبته في اختلافه وتنوعه وتغيره حسب أمور عديدة منها المتكلم نفسه والسياق الصوتي، ومدى الانفتاح الحاصل بين التجويفين الفمي والأنفي، وأيضا الاختلافات التشريحية والفسيولوجية بين الأفراد».

ويقول رومان ياكبسون (134 :Waugh Jakobson ) :

«وأود أن أضيف شيئا آخر، وهو أن أكوستيكية الصوائت المغنة ما زالت إحدى المسائل السجالية التي لم توضح التوضيح الكافي بعد».

ورأى كينيث مول ‏Kenneh Moll صعوبة الأمر عند ما حاول دراسة الخنة Nasatity  عند بعض المرضى في إحدى دراساته (100 : Sherman Spriesterbach ) .

4- حاجة ميدان «علاج أمراض التخاطب» Commun ication Disorders : وعلاج أمراض الكلام ‏Speech Therapy إلى بحوث تتناول الغنة في اللغة العربية للاستعانة بها في بحوث تتناول الغنة وبخاصة عن اللغة العربية تصلح أن تكون ركيزة أو للمقارنة بين الغنة الطبيعية السوية والخنة المرضية غير السوية.

(2) تدل العلامة ؟؟ فوق الصوت على التغنين.