أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-4-2016
2992
التاريخ: 2024-05-16
690
التاريخ: 11-4-2017
3948
التاريخ: 2024-05-27
784
|
فالنظرية الاسلامية تؤمن بأن الانسان ليس حيواناً اجتماعياً كما تزعم النظرية التوفيقية ، بل تعتبره كائناً كريماً ، رفعه الخالق سبحانه وتعالى بالعلم والعقل والادراك والتفكير ، ومنحه قابلية الاستخلاف في الارض. بمعنى ان الانسان المفكر طالما ارتقى عن الحيوان بدرجة التفكير والادراك ، فقد اختلفت عندئذ العلاقات والوظائف الاجتماعية بينه وبين الافراد ، كماً ونوعاً ، عن العلاقات الجمعية التي تجمع القطيع الواحد من الحيوانات ضمن مزرعة واحدة. فالحيوانات ضمن ذلك القطيع لا تعرف ضابطاً يضبط سلوكها...، ولا نظاماً يحدد شهوتها الهائجة ، على عكس النظام الاجتماعي الانساني الذي ينظم العلاقة... بين الذكر والانثى عن طريق. المؤسسة العائلية ، التي تعتبر من اهم المؤسسات الاجتماعية خدمة للإنسان.
وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لا ينظر للمؤسسة العائلية باعتبارها مؤسسة اجتماعية لتعويض الخسائر البشرية الحاصلة نتيجة موت الافراد فحسب ، بل ينظر لها باعتبارها محطة استقرار لعالمٍ متحرك ، تنتقل من خلالها ممتلكات الجيل السابق الى الجيل اللاحق عن طريق الارث والوصية الشرعية : ومحطة فحص وتثبيت انساب الافراد عن طريق اعلان المحرمات النسبية والسببية الناتجة عن الزواج ، والحاق الاولاد بآبائهم ، وجواز الاقرار بالنسب : ومركز حماية الافراد بتقديم شتى الخدمات الانسانية لهم بخصوص الملجأ والمطعم والدفء والحنان. ويعكس ذلك حث الاسلام على وجوب الانفاق على الاصول والفروع ، وهم الوالدان والاولاد ، ووجوب الانفاق على الزوجة : فالإسلام صمم لها حقاً مالياً اولياً تتملكه بالعقد والدخول ، وهو الصداق ، وحقاً مالياً آخر وهو النفقة مع ثبوت الطاعة والتمكين. ووجوب حق الرضاعة ، ويتحمل نفقتها الزوج ، وحق الحضانة ويتحملها الابوان ، والولاية للاب في زواج الصبي قبل بلوغه. والمدار ، ان الرجل البالغ القادر على التكسب والانتاج يجب عليه شرعاً اعالة زوجته واولاده وان نزلوا وابويه وان علوا ، لان الابوين عاجزان عن التكسب لسنهما ، والاولاد لقصورهما ، والزوجة لمعاوضتها.
واذا كانت العائلة محطة لشحن الطاقات العملية ، وقاعدة لتنشيط الانتاج الاجتماعي ، فإنها في نفس الوقت مركز لإشباع الحاجات العاطفية كالحب والحنان والعطف والرحمة ، ومكان لتهذيب السلوك الجنسي ، ومسرح لتعلم المعارف الاساسية قبل الخروج للساحة الاجتماعية ، كاللغة والاعراف والعادات والتقاليد والقيم الاخلاقية. فالعائلة اذن تساهم في خلق الفرد الاجتماعي الصالح للعمل والانتاج والمساهمة في بناء النظام الاقتصادي والسياسي للمجتمع.
ولا يقتصر اهتمام الاسلام على المستوى العائلي بالرجل ، بل اعطى المرأة اهمية خاصة منذ بداية انشاء المؤسسة العائلية. فتستطيع المرأة ان تشترط شروطاً شرعية جائزة في صيغة العقد ، الا ان تحرم حلالاً وتحلل حراماً ، وعلى الزوج وجوب الوفاء بتلك الشروط لعموم « المؤمنون عند شروطهم ». وحفظاً لحقوقها ، فقد اشترط في صحة عقد الزواج ان يكون لكليهما العقل ، والبلوغ ، والرشد ، والخلو من المحرمات السببية والنسبية. واوجب التعيين في عقد الزواج ، وابطل التعليق. وابطل شرط الخيار فلا تجري في صيغة العقد الاقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات. واوجب في صيغة عقد الزواج الايجاب منها والقبول منه. واحل لها الاسلام الخيار بين فسخ العقد او امضائه في العيوب الموجبة كالعيوب الجنسية مثل الخصاء والجب والعنن ، والعيوب العقلية كالاضطراب العقلي او الجنون. واحل لها ايضاً خيار الفسخ للتدليس ، وخيار الفسخ لتخلف الشروط ، اذا كان عدم النقص شرطاً من شروط العقد ، او وصفاً ، او بني العقد على اساسه. وفرض لها حق الصداق وهو حق من حقوقها المالية ، تملكه بالعقد كاملاً مع الدخول ، وشقاً مع عدم الدخول ، الا انه ليس شرطاً في صحة العقد. وبطبيعة الحال ، ومن اجل حفظ حقوق الزوجة ، فقد قسمت الشريعة الاسلامية المهر المخصص لها الى ثلاثة اقسام وهو : المهر المسمى ، ومهر المثل ، والتفويض. وهذه الاقسام تشمل مساحة واسعة من الضمانات المالية للزوجة ، كالصداق الذي تراضى عليه الزوجان وهو المهر المسمى ، او تعارف الناس عليه وهو مهر المثل ، او ترك التعيين لاحدهما وهو مهر التفويض. ولا شك ان المهر المالي المفروض يعتبر اول بوادر الاستقلال الاقتصادي والاستثماري للزوجة خلال حياتها. واوجب لها ايضاً النفقة مع ثبوت الطاعة والتمكين ؛ واوجب النفقة ايضاً للمعتدة من الطلاق الرجعي حاملاً كانت او حائلاً ، والمعتدة من الطلاق البائن اذا كانت حاملاً فقط. وقال بعض الفقهاء باستقرار نفقة الزوجة في ذمة الزوج ، حيث لو اخل بالنفقة كان عليه قضاؤها ، على عكس نفقة الوالدين والآباء. وترك الاسلام تحديد مقدار النفقة للمقاييس الارتكازية العقلائية التي تعارف عليها الناس.
وفي الأرث ، فان الزوجة ترث مع جميع المراتب. وفي كل مرتبة من مراتب الأرث ، فان للمرأة حضوراً متساوياً مع حضور الرجل ، ففي المرتبة الاولى ، حيث يرث الابوان والاولاد تدخل الام والبنات. وفي المرتبة الثانية ، حيث يرث الاجداد والاخوة تدخل الجدة والاخوات. وفي المرتبة الثالثة ، حيث يرث الاعمام والاخوال تدخل العمات والخالات. وتتغير السهام المفروضة بالنسبة للذكور والاناث حفظاً لمصالحهم الإجتماعية والاقتصادية. وفي احكام الوصية ، فان للموصي الحق في تعيين من اراد من النساء او الرجال وصية عهدية او تمليكيه من ثلث تركته. ولم تتوقف الاحكام الشرعية عند هذا الحد بل نظرت الى مصلحة المرأة بالنسبة للأنساب.
فصيانة لكرامة المرأة ، فقد الحق الاسلام المولود بالزوج بسبب الفراش اولاً ، حيث جعل المدار ، الادخال ، او الاراقة ، ومضي ستة اشهر من حين الانزال وهو اقل الحمل. وثانياً وطء الشبهة ، وهو الوطء مع جهل التحريم ؛ واساسه قاعدة « امكان الالحاق » التي تسالم عليها الفقهاء. وحرم بالنسب زواج الام ، والبنت ، والاخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الاخ ، وبنت الاخت ، وحرم بالسبب زواج زوجة الاب على الابن ، وزوجة الابن على الاب ، وام الزوجة على زوج ابنتها ، وبنت الزوجة ، والمطلقة ثلاثاً ، والمطلقة طلاق العدة ، ونكاح الشغار ، والزواج مع الارتداد والكفر ، والجمع بين الاختين ، والزوجة اذا قذفها زوجها بالزنا دون اثبات البينة ، والمعتدة من وفاة او طلاق بائن او رجعي او شبهة ، وافسد عقد زواج الرجل مع المرأة المتزوجة من رجل آخر. وفي كل هذه الاحكام الشرعية ، يكون الاصل حفظ حقوق المرأة وكرامتها ككيان مستقل جدير بالاحترام ؛ لأن عملية الزواج ليست عملية غريزية فحسب ، بل هي مسلك يؤدي بالمرأة الى طريق الامومة المتميز عرفاً وشرعاً. ومن الطبيعي ان لا سلطان للولي على المرأة البالغة ، حسب النظرية الاسلامية ، حيث ان لها الخيار في اختيار الزوج المناسب. وفي الطلاق ، فقد حفظت الشريعة كل حقوقها المالية والمدنية.
وعلى ضوء ذلك ، فان اتهام نظرية الصراع الاجتماعي المؤسسة العائلية بانها اول مؤسسة اضطهاديه يختبرها الفرد في حياته الاجتماعية مجرد تشخيص لمشكلة اجتماعية اقليمية كانت تعيشها اوروبا الغربية في القرون الماضية وتعاني من آثارها السلبية ، ولا يمكن تطبيقها على جميع المجتمعات الانسانية. فهل يستطيع ( فريدريك انجلز ) ان يحلل معنى الاضطهاد الاسري اذا كان للمرأة حق خيار الفسخ في العيوب الموجبة ، وحق الطلاق الخلعي ، وحق الاشتراط في صيغة العقد ضمن الحدود الشرعية؟ بل كيف يؤدي الاضطهاد الاسري الى الاضطهاد الاجتماعي ، كما يزعم ( انجلز ) وكلنا يعلم ان الاسر الرأسمالية الغنية اكثر نعومة في تعاملها مع النساء من الاسر الفقيرة؟
ويعكس قول فقهاء الامامية بعدم اعتبار الحاجز الطبقي او العنصري في تحقيق عملية الزواج ، عدالة الاسلام الاجتماعية. حيث « يجوز عندنا انكاح الحرة بالعبد ، والعربية بالعجمي ، والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ارباب الصنائع الدنية كالكناس والحجام وغيرها [ ان يتزوجوا ] بذوات الدين من العلم والاصلاح والبيوتات وغيرهم (1).
وقال اكثر الفقهاء بان شرط قدرة الزوج على النفقة ليس من شروط الكفاية لقوله تعالى : {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]
وهل ان الزواج قضية شخصية يجب ان تبنى على اساس الشعور والاعجاب المتبادل؟ ونجيب بـ « نعم ولا ». نعم ، ضمن الحدود الشرعية ؛ لان الزواج قضية شخصية ، ولا سلطان للولي على الرجل البالغ او المرأة البالغة حيث ان لها الخيار في انتقاء الزوج او الزوجة المناسبة ضمن الحدود العرفية التي يقرها المجتمع مثل الشرف والثقافة والرفعة المعنوية والنسب ونحوها. ولا ، لان الحب الخيالي الرومانتيكي الذي يؤدي الى كسر الحدود الشرعية لا يمكن ان يكون قاعدة للزواج الناجح ، ولا طريقاً للوصول الى العفة والنقاء الاجتماعي. فالحب المبني على الخروج عن الواقع ، والعيش في خيال الاحلام والاوهام لفترة طويلة يعيق العملية الابداعية والانتاجية للمجتمع ، ويولد في نفسي المتحابين شعوراً عظيماً بمستقبل بعيد عن واقع الحياة الاجتماعية. واذا ما تم الزواج وتبين ـ بعد فترة ـ ان الواقع غير الخيال ، تعرض ذلك الميثاق لهزات داخلية خطيرة. ويعضد رأينا الذي يرجح فشل الزواج المبني على الحب الرومانتيكي ، جنوح نصف حالات الزواج في المجتمع الامريكي اليوم الى الطلاق بعد اقل من سبع سنوات من بداية الزواج ، وما يترتب على ذلك من انحدار في المستوى الاخلاقي للعائلة الرأسمالية.
ولاشك ان نظرة الاسلام الرحيمة تجاه العلاقة الشهوية بين الذكر والانثى وربطها بإصلاح المشاكل الاجتماعية ، تضع الاسلام على قمة المؤسسات العلاجية الهادفة لمعالجة الامراض التي تنشئها الدوافع الغريزية البشرية. فلكي يكون النظام الاجتماعي قادراً على علاج امراضه الاجتماعية ، لابد وان يطرح اشكالاً مختلفة من الزواج بحيث تلائم مشاكل الافراد المتنوعة. وعلى ضوء ذلك ، فقد اجاز الاسلام النكاح الدائم ، والمؤقت ، وتعدد الزوجات وملك اليمين. واعتبر ما وراء ذلك تعدياً على الحدود الشرعية وظلماً اوجب على الافراد دفعه ، على الصعيد الكفائي. ولاريب ان اباحة هذا السلوك المتعدد كان الهدف منه معالجة المشاكل الاجتماعية التي تتركها الوحدة ، والحرمان ، والانقطاع ، وانفتاح الشهوات ، والضياع في الغربة والتيه في التيارات الضالة. وحدد لكل ذلك نظاماً في غاية الدقة والتنظيم ، لم يصل الى مستواه اي نظام قانوني غربي او شرقي ، قديم او معاصر ، حضاري او بدائي. واذا كانت النظرية الاجتماعية الرأسمالية تدعو بكل قوة الى الايمان بـ « المذهب الفردي » باعتباره طريقاً للعدالة الاجتماعية ، فلا يحق للفرد ان يتزوج بأكثر من زوجة واحدة ؛ فاذا كان الامر كذلك ، فنحن نرد على النظرية الرأسمالية بالسؤال النظري التالي : ايهما افضل للنظام الاجتماعي : الزواج المتعدد او تعدد الزوجات؟ فاذا كان الزواج المتعدد افضل ، فلماذا كل هذه العقد النفسية التي تحملها المرأة المطلقة اكثر من مرة؟ ومن الذي يصبح مسؤولاً عن رعاية الاطفال المتكونين من اكثر من اب ، ومن يحفظ حقوقهم الاجتماعية؟ بل اين الاستقرار النفسي الذي تعيشه العائلة اذا انكسرت الآصرة الجغرافية فابتعد الابناء عن آبائهم ، والبنات عن امهاتهم ، والاخوة عن اخوتهم ، والاخوات عن اخواتهن؟ أليس هذا تمزيقاً لأواصر الاسرة الواحدة؟
__________________
1 ـ الجواهر : ج 30 ص 106.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|