المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



اثير الدين ابو حيان الغرناطي (الاندلسي)  
  
8780   04:58 مساءاً   التاريخ: 29-03-2015
المؤلف : د. محمد المختار ولد أباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص328- 338
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة المصرية / أهم نحاة المدرسة المصرية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015 1775
التاريخ: 3-03-2015 9248
التاريخ: 29-03-2015 1522
التاريخ: 29-03-2015 2028

شخصيته و علمه

و بعد ابن الحاجب و القرافي، اتسعت دائرة نحو الفقهاء. لتشمل ما يمكن أن نسميه نحو العلماء، و ذلك بعودة النحويين الموسوعيين الذين شملت دراساتهم جميع معارف الثقافة الإسلامية، ابتداء بأبي حيان و انتهاء بالسيوطي، نبدأ الحديث عن أبي حيان.

كان أبو حيان من رواد هذه الحركة العلمية، و كان دوره فيها بارزا و متميزا، و لقد أحسنت الأستاذة خديجة الحديثي صنعا في كتابها عنه، فأبرزت مظاهر مواهبه المتعددة، إذ كان شاعرا مجيدا و ناقدا و لغويا بالمعنى الحديث، قمة في اللغة العربية، و باحثا في لغات الترك و الفرس و الحبشة.

و له زهاء عشرة كتب في القراءات، منها المورد الغمر في قراءة أبي عمرو، و المزن الهامر في قراءة ابن عامر، و الأثير في قراءة ابن كثير، و النافع في قراءة نافع، و الرمزة في قراءة حمزة، و النير الجلي في قراءة زيد بن علي، و الروض الباسم في قراءة عاصم، و غاية المطلوب في قراءة يعقوب، و تقريب النائي في قراءة الكسائي، و عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي.

و إذا كنا لا نعرف من هذه المصنفات الا أسماءها، فإن في تفسيره، الموسوم بالبحر المحيط استشهادات كثيرة من هذه القراءات.

و تقول خديجة الحديثي: أما شيوخ أبي حيان فكانوا نحو أربعمائة و خمسين شيخا، و أكثر من ألف مجيز. و قد ذكر مجموعة منها في إجازته للصفدي،

و ممن روى عنه في القراءات فخر الدين اسماعيل بن هبة اللّه المليحي المصري و من النحاة الخشني الابذي، و ابن الضائع و أبو جعفر بن الزبير(1).

و كانت إفادته من ابن مالك معروفة، فقد كان أبي حيان الفضل في نشر كتب ابن مالك، و شرحها و تذييلها للدارسين (2)،

و من أشهر ما عرف منها كتابا التذييل و الارتشاف. و يقول السيوطي لم يؤلف في العربية أعظم منهما و لا أجمع و لا أحصى للخلاف و الأحوال. و عليهما اعتمد في تأليف جمع الجوامع (3)،

ص328

و قال السيوطي في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: و استعين، في إكمال ما قصدت إليه من تأليف مختصر في العربية جامع لما في الجوامع من المسائل و الخلاف حاو لوجازة اللفظ و حسن الائتلاف محيط بخلاصة كتابي التسهيل و الارتشاف.

و تقول خديجة الحديثي: نجد السيوطي يعتمد كل الاعتماد على آراء أبي حيان في كتبه: همع الهوامع و الأشباه و النظائر، و البهجة المرضية في شرح الألفية، و لا تكاد تمر مسألة نحوية في هذه الكتب إلا و فيها رأي لأبي حيان.

و خلاصة القول فإن كتب السيوطي منبع فياض لآراء أبي حيان النحوية، و يستطيع الباحث أن يعتمد عليها في دراسته و التعرف على آرائه (4).

بين ابن مالك و أبي حيان:

الرأي السائد عند جمهور النحاة أن أبا حيان كان شديد الانحراف عن ابن مالك، شديد الاعتراض عليه، و أن موقفه كان عن حسد بسبب المعاصرة، و يستندون في هذا على كون أبي حيان عايشه مدة ثلاثين سنة و لم يأخذ عنه، و أنه كان يثلبه بقوله: إن ابن مالك كان منفردا بنفسه لا يحتمل أن ينازع أو يجادل و لا يباحث و إنه لم يكن ممن لازم في هذا الفن إماما مستبحرا به، و لا يعلم له فيه شيخ. فهو لم يجلس في حلقة الشلوبين إلا نحوا من ثلاثة عشر يوما. و لئن كان قد قرأ على ثابت بن خيار الكلاعي، فإن ثابتا عند أبي حيان لم يكن من المعدودين في الأندلس من أهل النحو و الجلالة و الشهرة و إنما ذكروه بأنه مقرئ للقرآن فاضل فيه (5).

و في معرض استشهاد ابن مالك بالحديث يقول أبو حيان: و المصنف رحمه اللّه قد أكثر من الاستدلال بما أثر في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين، و ما أمعن النظر في ذلك، و لا صحب من له التمييز في هذا الفن و لا استبحار و لا إمامة، و لذلك تضعف استنباطاته من كلام سيبويه و ينسب إليه مذاهب، و يفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب إليها سيبويه و لا أرادها(6).

و يصل به الأمر إلى نوع من التحامل عليه حينما قال إنه: نقل عن جميع النحويين خلاف ما قالوه لأن من يعاني علما يحتاج إلى مثوله بين يدي الشيوخ. و كما قيل إنه عرض به في أبيات يقول فيها:

ص329

يظن الغمر أن الكتب تهدى                    أخا ذهن لإدراك العلوم 
و ما يدري الجهول بأن فيها                  غوامض حيرت عقل الفهيم 
إذا رمت العلوم بغير شيخ                     ضللت عن الصراط المستقيم 
و تلتبس الأمور عليك حتى                   تصير أضل من توما الحكيم (7)
كما يروي أن تلاميذ أبي حيان هاجموا الفية ابن مالك إذ نسب إلى أحدهم قوله:

ألفية ابن مالك                         مطموسة المسالك 

و كم بها مشتغل                       أوقع في المهالك (8)
و قد خالفه في كثير من المسائل يرجع معظم الاختلاف فيها إلى الاختلاف في المنهج، ذلك أن أبا حيان أخذ على ابن مالك:

أولا: الاستشهاد بالحديث، بينما لا يزال أبو حيان ينتقد في كتاباته ذلك بحجة أنه قد يرويه بالمعنى من لا يحتج بروايته (9).

ثانيا: الاستشهاد ببعض قبائل العرب مثل: لخم، و جذام، و غسان، و أورد كلام أبي نصر الفارابي، في أول كتابه المسمى ب‍ «الألفاظ و الحروف» ، فإنه لم يؤخذ عن حضري قط و لا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم. فلم يؤخذ لا من لخم و لا من جذام فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر و القبط، و لا من قضاعة و لا من غسان و لا من إياد فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، و أكثرهم نصارى يقرأون في صلاتهم بغير العربية، و لا من تغلب و لا النمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان (10).

ثالثا: القياس على ما قلّ وروده. فلا يقاس عند أبي حيان على «اليضرب زيدا و الحمار اليجدع» ، و من المسألة التي أشار إليها ابن مالك في الخلاصة بقوله: و كونها بمعرب الأفعال قلّ.

ص330

و قد نص في غير الخلاصة أن ذلك يجوز اختيارا (11) و يرى أبو حيان أنه لا يقاس على قول الشاعر:

        أيها ذان كلا زاديكما                  ودعاني واغلا فيمن وغل 
شاهدا على جواز الاقتصار على اسم الإشارة بعده، فإنه-يقول أبو حيان-نادر شاذ لا يقاس عليه(12).

رابعا: أمّا الخلاف في الآراء فهو كثير جدا أحصت منه خديجة الحديثي أربعة عشر في الصرف و اثنين و عشرين في النحو(13). و في الحقيقة لا يمكن أن يضبط عدد لهذه الخلافات، فهي متفرقة متشعبة في شتى الكتب. نذكر منها على سبيل المثال: قوله في معرض الحديث عن «ما» و «مهما» و قول ابن مالك باستعمالهما ظرفي زمان، أنه نقل عن جميع النحويين خلاف ما قاله (14)، و قوله بنصب الحال بعد «ما» الاستفهامية بما تضمنت من معنى التعظيم مثل:

يا جارتا ما أنت جاره
و قال أبو حيان باحتمال التمييز(15) و قوله بزيادة الباء مع الحال المنفي مستدلا بقول الشاعر:
فما رجعت بخائبة ركاب              حكيم ابن المسيّب منتهاها (16)
لقد أثار موقف أبي حيان من ابن مالك حفيظة أنصار جمال الدين بن مالك فانبروا للدفاع عنه، و الرد على اعتراضات أبي حيان. و كان من بين الذين حملوا راية الانتصار لابن مالك جمال الدين ابن هشام عبد اللّه بن يوسف الأنصاري، و بهاء الدين أحمد بن علي السبكي، و ناظر الجيش محيي الدين محمد بن يوسف، و ابن الدماميني محمد بن أبي بكر المخزومي.

دفاع ابن هشام عن ابن مالك:

و كان دفاع ابن هشام أكثر عنفا، و دفاع ناظر الجيش أكثر شمولا. ذاك أن ابن هشام يبدو و كأنه بدوره يتحامل على أبي حيان، و لو كان من جملة شيوخه حيث درس عليه ديوان

ص331

زهير و طالع كتبه، و شرح بعضها، مثل: «اللحمة البدرية» و أكثر من انتقاده فيها و من تعقب آرائه. و لما وقف على كتاب «الشذا في أحكام كذا» ناقضه برسالة سماها «فوح الشذا بمسألة كذا» ذاكرا سبب تأليفه، قائلا إن أبا حيان لم يزد على أن ردد أقوالا حددها، و جمع عبارات و عددها، و لم يفصح كل الافصاح عن حقيقتها و أقسامها، و لا بيّن ما يعتمد عليه مما أورده من أحكامها، و لا نبه على ما أجمع عليه أرباب تلك الأقوال و اتفقوا، و لا أعرب عما اختلفوا فيه و افترقوا، فرأيت الناظر لا يحصل منه بعد الكد و التعب إلا على الاضطراب و الشغب(17).

و خطأه في مواضيع كثيرة خالف فيها أبو حيان قول ابن مالك منها ادعاؤه أن ابن مالك هو وحده الذي قال بفعلية «حرى» ، و يقول ابن هشام إن الواهم هو أبو حيان. لأن اللغويين أمثال السرقسطي و ابن طريف أنشدوا بيتا يشهد أنها من الأفعال. و هو قول الأعشى:

إن يقل هن من بني عبد شمس                فحرى أن يكون ذاك و كانا(18) 
و منها أن «كل» جاءت توكيدا في بيت الشاعر:
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم               يا أشبه الناس كل الناس بالقمر 
قال ابن مالك إنها توكيد، و خالفه أبو حيان و زعم أن «كل» في البيت نعت و ليست توكيدا و ليس قوله بشيء لأن «كلاّ» التي ينعت بها دالة على الكمال لا على عموم الأفراد (19).

و منها قول ابن مالك أن الباء تزاد في الحال المنفي عاملها كقوله:

فما رجعت بخائبة ركاب              حكيم بن المسيب منتهاها 
و قوله:
        كائن دعيت إلى بأساء داهمة فما انبعثت بمزؤود و لا وكل 
و خالفه أبو حيان و خرج البيتين على أن التقدير «بحاجة خائبة، و بشخص مزؤود» . و هذا التخريج- يقول ابن هاشم-ظاهر في البيت الأول دون الثاني لأن صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها. «فإذا قيل إن شخصا غير كذاب فهذا لا يفرض أنه لا يكذب» ، و لذلك قيل ( وَ مٰا رَبُّكَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ ((فصلت-الآية 46) ليست للمبالغة، و إنما هي للنسب مثل: ليس بنبال (20).

ص332

و من ردود ابن هشام على أبي حيان قوله إنه غلط في نقل كلام سيبويه و تصرف في كلام الصفار عليه و وهم فيه في مسألة عطف الخبر على الانشاء (21).

دفاع ناظر الجيش:

أما ردود ناظر الجيش على أبي حيان فقد تناولت بعض أحكام الاستثناء، و كون «حتى» قد تأتي بمعنى «إلى أن» و صيغ المصادر، و أفعال الشرط(22)، غير أن أهم رد عليه جوابه عن مسألتين ثنتين: أولاهما تصريح أبي حيان أن ابن مالك ضعفت استنباطاته لأنه لم يأخذ عن أئمة الشيوخ، فيقول ناظر الجيش «فما أعرف كيف يكون ذاك نقصا في رجل انتشر علمه و انته إلى رتبة بلغ بها أن يصحح ما أبطله غيره، و يبطل ما صححه غيره بالدلالة الواضحة و المستندات الراجحة. ثم قال في آخر كلامه: (أعذنا اللّه من حسد يسد باب الإنصاف، و يصد عن جميل الأوصاف) (23).

و الثانية في معرض الاستشهاد بالحديث، يقول ناظر الجيش: و أما إنكاره على المصنف الاستدلال بما ورد من الأحاديث الشريفة معتلا لذلك بأن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فيقال فيه: لا شك أن الأصل في المروي أن يروى باللفظ الذي سمع من الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و الرواية بالمعنى و إن جازت فإنما تكون في بعض كلمات الحديث المحتمل لتغيير اللفظ بلفظ آخر يوافقه معنى، إذ لو جوزنا ذاك في كل ما يروى لارتفع الوثوق عن جميع الأحاديث بأنها هي بلفظ الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و هذا أمر لا يجوز توهمه فضلا عن أن يعتقد وقوعه، ثم إن المصنف إذا ما استدل على مسألة بحديث لا يقتصر على ما في الحديث الشريف بل يستدل بكلام العرب من نثر و نظم ثم يردف ذلك بما في الحديث إما تقوية لما ذكر من كلام العرب، و إما استدلالا على أن المستدل لا يخص جوازه بالشعر، بل إنه يجوز في الاختيار أيضا، و لا يخفى على اللبيب أن قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لعمر رضي اللّه عنه «إن يكنه فلن تسلط عليه و إلا يكنه فلا خير لك في قتله» يبعد أن يكون مغيرا (24).

تقدير أبي حيان لابن مالك:

غير أن الذين صنفوا أبا حيان من خصوم ابن مالك لم يأخذوا بعين الاعتبار ما كان أبو حيان يوليه من تقدير لابن مالك و من تنويه بكتبه. فقد قال عنه: إنه كان رجلا صالحا معنيا بهذا الفن النحوي كثير المطالعة لكتبه. . . و نظم في هذا الفن كثيرا و نثر و جمع

ص333

باعتكافه على الاشتغال بهذا الفن و بمراجعة الكتب و مطالعة الدواوين العربية، و أتى من هذا العلم بغرائب، و حوت مصنفاته منها نوادر و عجائب (25) و قال: إنه لا يكون تحت السماء أنحى ممن عرف ما في تسهيله (26)،  و يروى أنه مدح ألفيته بقوله، و إن كنا لم نطلع على مصدره الأصلي:

ألفظ نظيم ذي الخلاصة أم درّ                أتلك معان تحت ذا اللفظ أم سحر 
فما جهل الأقوام مقدار حبها                  ولكن ثناهم أن مسلكها وعر 
كذا يترك الحسناء من بات مغرما            بها مستهاما ليس يمكنه المهر 
أتيت بشيء باذخ يا ابن مالك                 فأنت به حي و إن ضمك القبر 
و من عنايته بكتب ابن مالك كونه شرح الألفية في كتاب «منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك» . أما كتاب التسهيل فقد ألف عليه ثلاثة كتب، «التخييل الملخص من التسهيل» و «التكميل لكتاب التسهيل» و «التذييل و التكميل في شرح التسهيل» و تقول خديجة الحديثي: «و لا يزال الكتاب الأخير خير شاهد على اهتمام أبي حيان بابن مالك و شرحه لكتبه. فأبو حيان هو الذي جسّر الناس على مصنفاته، و رغبهم في قراءتها، و شرح لهم غامضها و خاض بهم في لججها، و فتح مقفلها و رغبهم فيها و ألزم نفسه أن لا يقرئ تلاميذه إلا في كتاب سيبويه أو في تسهيل ابن مالك أو في مصنفاته و كان هذا دأبه حتى آخر أيامه (27).

و لقد اعترف له بالمشيخة و الفضل في العلم و الأمانة في النقل، و صرح بصحبته. فيقول في تذكرته في باب الكلام عن التنازع «روى الشيخ جمال الدين محمد بن مالك صاحبنا أن الفراء في مثل هذه المسألة يجيز إعمال الثاني في الظاهر، و يضمر في الأول كما يقول سيبويه و أصحابه، لكنه إذا أضمر في الأول أوجب أن يكون الضمير بارزا بعد الثاني و معموله. فتقول مثلا ضربني و ضربت زيدا هو، و ضربني و ضربت الزيدين هما. و لم أقف على هذا النقل عن الفراء من غير كلام ابن مالك، و هو الثقة فيما ينقل و الفاضل حين يقول (28).

و يظهر من هذا أن انحراف أبي حيان عن ابن مالك، ليس بالقدر الذي يصوره المؤرخون. و أما ما نسب إليه من أن ابن مالك لم يتصدر على الشيوخ، فإنه قد يعني بذلك

ص334

شيوخه في الأندلس، و الدليل على ذلك اقتصاره على ذكر ثابت بن خيار. أما الجزم بأنه قد عرض به في قوله: إذا رمت العلوم بغير شيخ، فيرده ما قال في البيتين الأولين، فأبو حيان لا يدعي، و لا يمكن أن يدعي أن ابن مالك غمر جهول، و هو الذي مارس علمه و عرف قدره. و إطراؤه لخلاصته و تسهيله بفند انحيازه لما نسب إليه أتباعه من ذم الخلاصة.

أما المسائل التي خالفه فيها، فينبغي النظر هل هي من الآراء التي انفرد بها ابن مالك، أم من المسائل التي تابع فيها غيره، و حينئذ نقول إن أبا حيان لم يقلد ابن مالك، و لا غيره فيها، و من حق كل عالم على مستواه أن يختار بحرية. و لعل من أهم ما يجمع بين أبي حيان و ابن مالك حرص كل واحد منهما على حرية الاختيار، مثلهما في ذلك مثل ابن هشام الذي خالف ابن مالك في أكثر من مسألة، و خالف أبا حيان، لا تقليدا لابن مالك و إنما رأى أن الصواب مع ابن مالك.

ثم لا ننسى أن أبا حيان وافق ابن مالك في عديد من القضايا نذكر منها، فصل المضاف بأجنبي(29)، و أن «كان» الزائدة بين ما و فعل التعجب لا اسم لها و لا خير (30). و اتيان «من» لابتداء الغاية في الزمن (31)، و عدم نعت مجرور (رب)(32) و فعلية (حبذا)(33).

من طرائف أبي حيان:

و من طرائف إبداع أبي حيان قصيدة فريدة، بعث بها في شكل رسالة مؤثرة من مصر إلى موطنه غرناطة، و شيخه أبي جعفر بن الزبير، و ضمنها عرضا مفصلا لتاريخ النحو العربي، منذ نشأته إلى ذلك العهد (34)، و سنورد منها بعض المقتطفات.

فقد استهلها بمقدمة في فضل العلم عموما و النحو خصوصا فقال:

هو العلم لا كالعلم شيء تراوده                لقد فاز باغيه و أنجح قاصده 
و ما فضل الإنسان إلا بعلمه                  و ما امتاز إلا ثاقب الذهن واقده 
و قد قصرت أعمارنا و علومنا               يطول علينا حصرها و نكابده 
و في كلّها خير و لكن أصلها                 هو النحو فاحذر من جهول يعانده 
به يعرف القرآن و السنة التي                 هما أصل دين اللّه ذو أنت عابده 

ص335

ثم عرض لنشأة علم النحو على يد الإمام علي، مذكرا بجهود النحاة الأوائل:
و ناهيك من علم عليّ مشيّد                   مبانيه أعزز بالذي هو شايده 
لقد حاز في الدنيا فخارا و سوددا             أبو الأسود الديلي فللحرّ سانده 
هو استنبط العلم الذي جل قدره               و طار به للعرب ذكر نعاوده 
و ساد عطاء نجله و ابن هرمز               و يحيى و نصر ثم ميمون ماهده 
و عنبسة قد كان أبرع صحبه                 فقد قلّدت جيد المعالي قلائده 
ثم وقف عند الخليل بن أحمد الذي وصفه بأنه (واحد الدهر العقيم) :
و ما زال هذا العلم تنميه سادة                جهابذة تبلى به و تعاضده 
إلى أن أتى الدهر العقيم بواحد                من الأزد تنميه إليه فراهده 
إمام الورى ذاك الخليل بن أحمد              أقر له بالسبق في العلم حاسده 
و بالبصرة الغراء قد لاح فجره               فنارت أدانيه و ضاءت أباعده 
بأذكى الورى ذهنا و أصدق لهجة            إذا قدّ أمرا قلت ما هو شاهده 
هو الواضع الثاني الذي فاق أولا              ولا ثالث في الناس تصمى قواصده 
و بعد الخليل وصل إلى تلميذه النابغة سيبويه، فبين قيمة كتابه الفريد، و شكا إعراض الناس عنه في زمانه باستثناء أهل الأندلس، و ذكر ما يقوم به هو من مناصرة للكتاب في مصر و إحياء لدراسته بين أهلها:
و لما رأى من سيبويه نجابة                  و أيقن أن الحين أدناه باعده 
تخيره إذ كان وارث علمه                     و لا طفه حتى كأن هو والده 
و علّمه شيئا فشيئا علومه                     إلى أن بدت سيماه و اشتد ساعده 
فإذا ذاك وافاه من اللّه وعده                   و راح وحيد العصر إذ جاء واحده 
أتى سيبويه ناشرا لعلومه                      فلولاه أضحى النحو عطلا شواهده 
و أبدى كتابا كان فخرا وجوده                لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده 
و جمّع فيه ما تفرق في الورى               فطارفه يعزى إليه و تالده 
بعمرو بن عثمان بن قنبر الرضا             أطاعت عواصيه و ثابت شوارده 
عليك قران النحو نحو ابن قنبر               فآياته مشهودة و شواهده 
كتاب أبي بشر فلا تك قاربا                  سواه فكل ذاهب الحسن فاقده 
و لا تعد عما حازه إنه الفرا                   وفي جوفه كل الذي أنت صائده

ص336

إذا كنت يوما محكما في كتابه                 فإنك فينا نابه القدر ماجده 
و لست تبالى إن فككت رموزه                أعضّك دهر أم عرتك ترايده 
هو العضب إن تلق الهياج شهرته             و إن لا تصب حربا فإنك غامده 
تلقاه كل بالقبول و بالرضى                   فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده 
و لم يعترض فيه سوى ابن طراوة           و كان طريّا لم تقادم معاهده 
و جسّره طعن المبرد قبله                     و إن الثمالى بارد الذهن خامده 
هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة         يزيف ما قالا و تبدو مفاسده 
تكون صحيح العقل حتى إذا ترى             تباري أبا بشر، إذا أنت فاسده 
إلى أن يقول:
لقد كان للناس اعتناء بعلمه                   بشرق و غرب تستنار فوايده 
و الآن فلا شخص على الأرض قارئ       كتاب أبي بشر و لا هو رايده 
سوى معشر بالغرب فيهم تلفّت               إليه و شوق ليس يخبو مواقده 
و ما زال منا أهل أندلس له                   جهابذ تبدي فضله و تناجده 
و إني في مصر على ضعف ناصرى        لناصره ما دمت حيا و عاضده 
أثار أثير الغرب للنحو كامنا                   و عالجه حتى تبدت قواعده 
و أحيا أبو حيان ميت علومه          فأصبح علم النحو ينفق كاسده 
إذا مغربي حط بالثغر رحله                   تيقن أن النحو أخفاه لاحده 
و ختم القصيدة برسالة حنين و إجلال إلى بلده و شيخه فقال:
أخي إن تصل يوما و بلغت سالما             لغرناطة فانفذ لما أنا عاهده 
و قبل ثرى أرض بها حل ملكنا              و سلطاننا الشهم الجميل عوايده 
مبيد العدا قتلا و قد عمّ شرهم                 و محيي الندا فضلا و قد رم هامده 
أفاض على الإسلام جودا و نجدة             فعز مواليه و ذل معانده 
و عمّ بها إخواننا بتحية                        و خصّ بها الأستاذ لا عاش كايده 
جزى اللّه عنا شيخنا و إمامنا          و أستاذنا الحبر الذي عمّ فايده 
لقد أطلعت جيّان أوحد عصره                فللغرب فخر أعجز الشرق خالده 
مؤرخه نحويه و إمامه                        مضامينه جلت و صحت مسانده 
و ما أنس لا أنسى سهادى ببابه               بسبق و غيرى نايم الليل راقده 
فيجلو بنور العلم ظلمة جهلنا                  و يفتح علما مغلقات رصايده

ص337

و إني و إن شطت بنا غربة النوى            لشاكره في كل وقت و حامده
بغرناطة روحي و في مصر جثتي           ترى هل يثنّي الفرد من هو فارده 
أبا جعفر خذها قوافي من فتى                تتيه على غر القوافي قصايده 
يسير بلا إذن إلى الأذن حسنها                فيرتاح سمّاع لها و مناشده 
غريبة شكل كم حوت من غرايب             مجيدة أصل أنتجتها أماجده 
فلولاك يا مولاي ما فاه مقولي                بمصر و لا حبرت ما أنا قاصده 
لهذبتني حتى أحوك مفوقا                     من النظم لا يبلى مدى الدهر آبده 
و أذكيت فكري بعد ما كان خامدا             و قيد شرعي بعد ما ندّ شارده 
جعلت ختاما فيه ذكرك إنه                    لك المسك بل أعدى و إن عز ناشده 
و من تلامذة أبي حيان، سنقف قليلا عند ثلاثة منهم، أحدهم نحا نحو الفقهاء و هو عبد الرحيم الأسنوي، و الثاني مثّل النحوي التقليدي و هو ابن عقيل، و الثالث مثل نحو الأدباء و هو ابن أم قاسم المرادي. و ذلك بعد الحديث عن مكانة ابن هشام في مدرسة ابن مالك.

ص338

______________________

(1) أبو حيان النحوي:69-73.

(2) أبو حيان النحوي:327.

(3) بغية الوعاة: 1/ 272.

(4) أبو حيان النحوي:583.

(5) أبو حيان النحوي:329.

(6) أبو حيان النحوي:328-329.

(7) أبو حيان النحوي:330 و انظر البحر المحيط:4 /371.

(8) المرادي و كتابه توضيح مقاصد الألفية (عازيا لنفح الطيب) ص 140.

(9) ارتشاف الضرب من لسان العرب:1 /387.

(10) الاقتراح في علم أصول النحو:44-45.

(11) أبو حيان النحوي:334.

(12) أبو حيان النحوي:334-355.

(13) أبو حيان النحوي:340-364.

(14) البحر المحيط:4 /371، أبو حيان النحوي:229-230.

(15) أبو حيان النحوي:335.

(16) المغني:149-150 أبو حيان النحوي:335.

(17) أبو حيان النحوي:530-531(عازيا لفوح الشذا) و انظر الأشباه و النظائر:7 /271.

(18) أبو حيان النحوي:531(عزوا لشرح شذور الذهب) .

(19) مغنى اللبيب:256.

(20) مغنى اللبيب:149-150.

(21) مغنى اللبيب:627-630.

(22) أبو حيان النحوي:544-545-548-555.

(23) أبو حيان النحوي:559-560(عازيا لتمهيد القواعد: شرح ناظر الجيش على التسهيل) .

(24)) أبو حيان النحوي:558.)

(25) أبو حيان النحوي:329(عزوا للتذييل و التكميل) .

(26) أبو حيان النحوي:328(عزوا لنفح الطيب) .

(27) أبو حيان النحوي:327-328، أنظر: الدرر الكامنة: 4/ 303 -403.

(28) تذكرة النحاة:345.

(29) ارتشاف الضرب:2 /535.

(30) المصدر نفسه، ص 2 /95.

(31) المصدر نفسه، ص 441.

 (32) المصدر نفسه، ص 457.

(33) المصدر نفسه.

(34) أورده هذه القصيدة ابن الخطيب في الإحاطة، 3 /50-56.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.