أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015
1775
التاريخ: 3-03-2015
9248
التاريخ: 29-03-2015
1522
التاريخ: 29-03-2015
2028
|
شخصيته و علمه
و بعد ابن الحاجب و القرافي، اتسعت دائرة نحو الفقهاء. لتشمل ما يمكن أن نسميه نحو العلماء، و ذلك بعودة النحويين الموسوعيين الذين شملت دراساتهم جميع معارف الثقافة الإسلامية، ابتداء بأبي حيان و انتهاء بالسيوطي، نبدأ الحديث عن أبي حيان.
كان أبو حيان من رواد هذه الحركة العلمية، و كان دوره فيها بارزا و متميزا، و لقد أحسنت الأستاذة خديجة الحديثي صنعا في كتابها عنه، فأبرزت مظاهر مواهبه المتعددة، إذ كان شاعرا مجيدا و ناقدا و لغويا بالمعنى الحديث، قمة في اللغة العربية، و باحثا في لغات الترك و الفرس و الحبشة.
و له زهاء عشرة كتب في القراءات، منها المورد الغمر في قراءة أبي عمرو، و المزن الهامر في قراءة ابن عامر، و الأثير في قراءة ابن كثير، و النافع في قراءة نافع، و الرمزة في قراءة حمزة، و النير الجلي في قراءة زيد بن علي، و الروض الباسم في قراءة عاصم، و غاية المطلوب في قراءة يعقوب، و تقريب النائي في قراءة الكسائي، و عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي.
و إذا كنا لا نعرف من هذه المصنفات الا أسماءها، فإن في تفسيره، الموسوم بالبحر المحيط استشهادات كثيرة من هذه القراءات.
و تقول خديجة الحديثي: أما شيوخ أبي حيان فكانوا نحو أربعمائة و خمسين شيخا، و أكثر من ألف مجيز. و قد ذكر مجموعة منها في إجازته للصفدي،
و ممن روى عنه في القراءات فخر الدين اسماعيل بن هبة اللّه المليحي المصري و من النحاة الخشني الابذي، و ابن الضائع و أبو جعفر بن الزبير(1).
و كانت إفادته من ابن مالك معروفة، فقد كان أبي حيان الفضل في نشر كتب ابن مالك، و شرحها و تذييلها للدارسين (2)،
و من أشهر ما عرف منها كتابا التذييل و الارتشاف. و يقول السيوطي لم يؤلف في العربية أعظم منهما و لا أجمع و لا أحصى للخلاف و الأحوال. و عليهما اعتمد في تأليف جمع الجوامع (3)،
ص328
و قال السيوطي في همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: و استعين، في إكمال ما قصدت إليه من تأليف مختصر في العربية جامع لما في الجوامع من المسائل و الخلاف حاو لوجازة اللفظ و حسن الائتلاف محيط بخلاصة كتابي التسهيل و الارتشاف.
و تقول خديجة الحديثي: نجد السيوطي يعتمد كل الاعتماد على آراء أبي حيان في كتبه: همع الهوامع و الأشباه و النظائر، و البهجة المرضية في شرح الألفية، و لا تكاد تمر مسألة نحوية في هذه الكتب إلا و فيها رأي لأبي حيان.
و خلاصة القول فإن كتب السيوطي منبع فياض لآراء أبي حيان النحوية، و يستطيع الباحث أن يعتمد عليها في دراسته و التعرف على آرائه (4).
الرأي السائد عند جمهور النحاة أن أبا حيان كان شديد الانحراف عن ابن مالك، شديد الاعتراض عليه، و أن موقفه كان عن حسد بسبب المعاصرة، و يستندون في هذا على كون أبي حيان عايشه مدة ثلاثين سنة و لم يأخذ عنه، و أنه كان يثلبه بقوله: إن ابن مالك كان منفردا بنفسه لا يحتمل أن ينازع أو يجادل و لا يباحث و إنه لم يكن ممن لازم في هذا الفن إماما مستبحرا به، و لا يعلم له فيه شيخ. فهو لم يجلس في حلقة الشلوبين إلا نحوا من ثلاثة عشر يوما. و لئن كان قد قرأ على ثابت بن خيار الكلاعي، فإن ثابتا عند أبي حيان لم يكن من المعدودين في الأندلس من أهل النحو و الجلالة و الشهرة و إنما ذكروه بأنه مقرئ للقرآن فاضل فيه (5).
و في معرض استشهاد ابن مالك بالحديث يقول أبو حيان: و المصنف رحمه اللّه قد أكثر من الاستدلال بما أثر في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين، و ما أمعن النظر في ذلك، و لا صحب من له التمييز في هذا الفن و لا استبحار و لا إمامة، و لذلك تضعف استنباطاته من كلام سيبويه و ينسب إليه مذاهب، و يفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب إليها سيبويه و لا أرادها(6).
و يصل به الأمر إلى نوع من التحامل عليه حينما قال إنه: نقل عن جميع النحويين خلاف ما قالوه لأن من يعاني علما يحتاج إلى مثوله بين يدي الشيوخ. و كما قيل إنه عرض به في أبيات يقول فيها:
ص329
ألفية ابن مالك مطموسة المسالك
أولا: الاستشهاد بالحديث، بينما لا يزال أبو حيان ينتقد في كتاباته ذلك بحجة أنه قد يرويه بالمعنى من لا يحتج بروايته (9).
ثانيا: الاستشهاد ببعض قبائل العرب مثل: لخم، و جذام، و غسان، و أورد كلام أبي نصر الفارابي، في أول كتابه المسمى ب «الألفاظ و الحروف» ، فإنه لم يؤخذ عن حضري قط و لا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم. فلم يؤخذ لا من لخم و لا من جذام فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر و القبط، و لا من قضاعة و لا من غسان و لا من إياد فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، و أكثرهم نصارى يقرأون في صلاتهم بغير العربية، و لا من تغلب و لا النمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان (10).
ثالثا: القياس على ما قلّ وروده. فلا يقاس عند أبي حيان على «اليضرب زيدا و الحمار اليجدع» ، و من المسألة التي أشار إليها ابن مالك في الخلاصة بقوله: و كونها بمعرب الأفعال قلّ.
ص330
و قد نص في غير الخلاصة أن ذلك يجوز اختيارا (11) و يرى أبو حيان أنه لا يقاس على قول الشاعر:
رابعا: أمّا الخلاف في الآراء فهو كثير جدا أحصت منه خديجة الحديثي أربعة عشر في الصرف و اثنين و عشرين في النحو(13). و في الحقيقة لا يمكن أن يضبط عدد لهذه الخلافات، فهي متفرقة متشعبة في شتى الكتب. نذكر منها على سبيل المثال: قوله في معرض الحديث عن «ما» و «مهما» و قول ابن مالك باستعمالهما ظرفي زمان، أنه نقل عن جميع النحويين خلاف ما قاله (14)، و قوله بنصب الحال بعد «ما» الاستفهامية بما تضمنت من معنى التعظيم مثل:
و كان دفاع ابن هشام أكثر عنفا، و دفاع ناظر الجيش أكثر شمولا. ذاك أن ابن هشام يبدو و كأنه بدوره يتحامل على أبي حيان، و لو كان من جملة شيوخه حيث درس عليه ديوان
ص331
زهير و طالع كتبه، و شرح بعضها، مثل: «اللحمة البدرية» و أكثر من انتقاده فيها و من تعقب آرائه. و لما وقف على كتاب «الشذا في أحكام كذا» ناقضه برسالة سماها «فوح الشذا بمسألة كذا» ذاكرا سبب تأليفه، قائلا إن أبا حيان لم يزد على أن ردد أقوالا حددها، و جمع عبارات و عددها، و لم يفصح كل الافصاح عن حقيقتها و أقسامها، و لا بيّن ما يعتمد عليه مما أورده من أحكامها، و لا نبه على ما أجمع عليه أرباب تلك الأقوال و اتفقوا، و لا أعرب عما اختلفوا فيه و افترقوا، فرأيت الناظر لا يحصل منه بعد الكد و التعب إلا على الاضطراب و الشغب(17).
و خطأه في مواضيع كثيرة خالف فيها أبو حيان قول ابن مالك منها ادعاؤه أن ابن مالك هو وحده الذي قال بفعلية «حرى» ، و يقول ابن هشام إن الواهم هو أبو حيان. لأن اللغويين أمثال السرقسطي و ابن طريف أنشدوا بيتا يشهد أنها من الأفعال. و هو قول الأعشى:
و منها قول ابن مالك أن الباء تزاد في الحال المنفي عاملها كقوله:
ص332
و من ردود ابن هشام على أبي حيان قوله إنه غلط في نقل كلام سيبويه و تصرف في كلام الصفار عليه و وهم فيه في مسألة عطف الخبر على الانشاء (21).
أما ردود ناظر الجيش على أبي حيان فقد تناولت بعض أحكام الاستثناء، و كون «حتى» قد تأتي بمعنى «إلى أن» و صيغ المصادر، و أفعال الشرط(22)، غير أن أهم رد عليه جوابه عن مسألتين ثنتين: أولاهما تصريح أبي حيان أن ابن مالك ضعفت استنباطاته لأنه لم يأخذ عن أئمة الشيوخ، فيقول ناظر الجيش «فما أعرف كيف يكون ذاك نقصا في رجل انتشر علمه و انته إلى رتبة بلغ بها أن يصحح ما أبطله غيره، و يبطل ما صححه غيره بالدلالة الواضحة و المستندات الراجحة. ثم قال في آخر كلامه: (أعذنا اللّه من حسد يسد باب الإنصاف، و يصد عن جميل الأوصاف) (23).
و الثانية في معرض الاستشهاد بالحديث، يقول ناظر الجيش: و أما إنكاره على المصنف الاستدلال بما ورد من الأحاديث الشريفة معتلا لذلك بأن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فيقال فيه: لا شك أن الأصل في المروي أن يروى باللفظ الذي سمع من الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و الرواية بالمعنى و إن جازت فإنما تكون في بعض كلمات الحديث المحتمل لتغيير اللفظ بلفظ آخر يوافقه معنى، إذ لو جوزنا ذاك في كل ما يروى لارتفع الوثوق عن جميع الأحاديث بأنها هي بلفظ الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و هذا أمر لا يجوز توهمه فضلا عن أن يعتقد وقوعه، ثم إن المصنف إذا ما استدل على مسألة بحديث لا يقتصر على ما في الحديث الشريف بل يستدل بكلام العرب من نثر و نظم ثم يردف ذلك بما في الحديث إما تقوية لما ذكر من كلام العرب، و إما استدلالا على أن المستدل لا يخص جوازه بالشعر، بل إنه يجوز في الاختيار أيضا، و لا يخفى على اللبيب أن قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لعمر رضي اللّه عنه «إن يكنه فلن تسلط عليه و إلا يكنه فلا خير لك في قتله» يبعد أن يكون مغيرا (24).
غير أن الذين صنفوا أبا حيان من خصوم ابن مالك لم يأخذوا بعين الاعتبار ما كان أبو حيان يوليه من تقدير لابن مالك و من تنويه بكتبه. فقد قال عنه: إنه كان رجلا صالحا معنيا بهذا الفن النحوي كثير المطالعة لكتبه. . . و نظم في هذا الفن كثيرا و نثر و جمع
ص333
باعتكافه على الاشتغال بهذا الفن و بمراجعة الكتب و مطالعة الدواوين العربية، و أتى من هذا العلم بغرائب، و حوت مصنفاته منها نوادر و عجائب (25) و قال: إنه لا يكون تحت السماء أنحى ممن عرف ما في تسهيله (26)، و يروى أنه مدح ألفيته بقوله، و إن كنا لم نطلع على مصدره الأصلي:
و لقد اعترف له بالمشيخة و الفضل في العلم و الأمانة في النقل، و صرح بصحبته. فيقول في تذكرته في باب الكلام عن التنازع «روى الشيخ جمال الدين محمد بن مالك صاحبنا أن الفراء في مثل هذه المسألة يجيز إعمال الثاني في الظاهر، و يضمر في الأول كما يقول سيبويه و أصحابه، لكنه إذا أضمر في الأول أوجب أن يكون الضمير بارزا بعد الثاني و معموله. فتقول مثلا ضربني و ضربت زيدا هو، و ضربني و ضربت الزيدين هما. و لم أقف على هذا النقل عن الفراء من غير كلام ابن مالك، و هو الثقة فيما ينقل و الفاضل حين يقول (28).
و يظهر من هذا أن انحراف أبي حيان عن ابن مالك، ليس بالقدر الذي يصوره المؤرخون. و أما ما نسب إليه من أن ابن مالك لم يتصدر على الشيوخ، فإنه قد يعني بذلك
ص334
شيوخه في الأندلس، و الدليل على ذلك اقتصاره على ذكر ثابت بن خيار. أما الجزم بأنه قد عرض به في قوله: إذا رمت العلوم بغير شيخ، فيرده ما قال في البيتين الأولين، فأبو حيان لا يدعي، و لا يمكن أن يدعي أن ابن مالك غمر جهول، و هو الذي مارس علمه و عرف قدره. و إطراؤه لخلاصته و تسهيله بفند انحيازه لما نسب إليه أتباعه من ذم الخلاصة.
أما المسائل التي خالفه فيها، فينبغي النظر هل هي من الآراء التي انفرد بها ابن مالك، أم من المسائل التي تابع فيها غيره، و حينئذ نقول إن أبا حيان لم يقلد ابن مالك، و لا غيره فيها، و من حق كل عالم على مستواه أن يختار بحرية. و لعل من أهم ما يجمع بين أبي حيان و ابن مالك حرص كل واحد منهما على حرية الاختيار، مثلهما في ذلك مثل ابن هشام الذي خالف ابن مالك في أكثر من مسألة، و خالف أبا حيان، لا تقليدا لابن مالك و إنما رأى أن الصواب مع ابن مالك.
ثم لا ننسى أن أبا حيان وافق ابن مالك في عديد من القضايا نذكر منها، فصل المضاف بأجنبي(29)، و أن «كان» الزائدة بين ما و فعل التعجب لا اسم لها و لا خير (30). و اتيان «من» لابتداء الغاية في الزمن (31)، و عدم نعت مجرور (رب)(32) و فعلية (حبذا)(33).
و من طرائف إبداع أبي حيان قصيدة فريدة، بعث بها في شكل رسالة مؤثرة من مصر إلى موطنه غرناطة، و شيخه أبي جعفر بن الزبير، و ضمنها عرضا مفصلا لتاريخ النحو العربي، منذ نشأته إلى ذلك العهد (34)، و سنورد منها بعض المقتطفات.
فقد استهلها بمقدمة في فضل العلم عموما و النحو خصوصا فقال:
ص335
ص336
ص337
ص338
______________________
(1) أبو حيان النحوي:69-73.
(2) أبو حيان النحوي:327.
(3) بغية الوعاة: 1/ 272.
(4) أبو حيان النحوي:583.
(5) أبو حيان النحوي:329.
(6) أبو حيان النحوي:328-329.
(7) أبو حيان النحوي:330 و انظر البحر المحيط:4 /371.
(8) المرادي و كتابه توضيح مقاصد الألفية (عازيا لنفح الطيب) ص 140.
(9) ارتشاف الضرب من لسان العرب:1 /387.
(10) الاقتراح في علم أصول النحو:44-45.
(11) أبو حيان النحوي:334.
(12) أبو حيان النحوي:334-355.
(13) أبو حيان النحوي:340-364.
(14) البحر المحيط:4 /371، أبو حيان النحوي:229-230.
(15) أبو حيان النحوي:335.
(16) المغني:149-150 أبو حيان النحوي:335.
(17) أبو حيان النحوي:530-531(عازيا لفوح الشذا) و انظر الأشباه و النظائر:7 /271.
(18) أبو حيان النحوي:531(عزوا لشرح شذور الذهب) .
(19) مغنى اللبيب:256.
(20) مغنى اللبيب:149-150.
(21) مغنى اللبيب:627-630.
(22) أبو حيان النحوي:544-545-548-555.
(23) أبو حيان النحوي:559-560(عازيا لتمهيد القواعد: شرح ناظر الجيش على التسهيل) .
(24)) أبو حيان النحوي:558.)
(25) أبو حيان النحوي:329(عزوا للتذييل و التكميل) .
(26) أبو حيان النحوي:328(عزوا لنفح الطيب) .
(27) أبو حيان النحوي:327-328، أنظر: الدرر الكامنة: 4/ 303 -403.
(28) تذكرة النحاة:345.
(29) ارتشاف الضرب:2 /535.
(30) المصدر نفسه، ص 2 /95.
(31) المصدر نفسه، ص 441.
(32) المصدر نفسه، ص 457.
(33) المصدر نفسه.
(34) أورده هذه القصيدة ابن الخطيب في الإحاطة، 3 /50-56.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|