المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الذنب يسود القلب
4-5-2019
DrugLikeness
15-2-2018
أحمد بن فارس
28-12-2015
مرئيات علماء الاجتماع للمثقف / جرامشي GRAMSCI
14-2-2021
مواد الأساس Substrates
26-4-2020
ادغال الاراضي غير الزراعية
21-11-2016


الطباق  
  
8637   04:53 مساءاً   التاريخ: 25-03-2015
المؤلف : أبو هلال العسكري
الكتاب أو المصدر : كتاب الصناعتين الكتابة والشعر
الجزء والصفحة : ص307-320
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البديع /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2015 1720
التاريخ: 25-03-2015 2510
التاريخ: 25-03-2015 3579
التاريخ: 25-03-2015 2628

  قد أجمع الناس أن المطابقة في الكلام هي الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء الرسالة أو الخطبة أو البيت من بيوت القصيدة مثل الجمع بين البياض والسواد والليل والنهار والحر والبرد  وخالفهم قدامة بن جعفر الكاتب فقال المطابقة إيراد لفظتين متشابهتين في البناء والصيغة مختلفتين في المعنى كقول زياد الأعجم ( ونُبئتُهم يَسْتَنْصِرُون بكاهلٍ ** وللَّوْمِ فيهم كاهِلٌ وسَنَامُ )  وسمى الجنس الأول التكافؤ وأهل الصنعة يسمون النوع الذي سماه المطابقة التعطف قال وهو أن يذكر اللفظ ثم يكرره والمعنى مختلف وستراه في موضعه إن شاء الله  والطباق في اللغة الجمع بين الشيئين يقولون طابق فلان بين ثوبين ثم استعمل في غير ذلك فقيل طابق البعير في سيره إذا وضع رجله موضع يده وهو راجع إلى الجمع بين الشيئين قال الجعدي ( وخيلٍ تطابق بالدارِعين ** طباقَ الكِلابِ يَطَأْنَ الهرَاسَا )  وفي القرآن ! (سبع سماوات طباقا)! أي بعضهن فوق بعض كأنه شبه بالطبق يجعل فوق الإناء قال امرؤ القيس (طَبَقُ الأَرْضِ تَحرَّى وتَدُرْ **)

وكل فقرة من فقر الظهر والعنق طبق وذلك أن بعضها منضود على بعض فما في كتاب الله عز وجل من الطباق قوله تعالى! (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)!  وقوله تعالى! (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)! أي من الكفر إلى الإيمان وقوله عز وجل! (باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)!  وقوله سبحانه (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وهذا على غاية التساوي والموازنة وقوله تعالى! (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)!  وقوله جل شأنه (ولا يملكن لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) وقوله عز اسمه! (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون)!  وقوله سبحانه! (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)!  وقوله جل ذكره! (وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا)!  وقد تنازع الناس هذا المعنى قال ابن مطير (تضحك الأرضُ مِنْ بُكاءِ السماءِ **) وقال آخر (ضحك المُزْنُ بِهَا ثُمَّ بَكَى **) وقال آخر (فله ابتسامٌ في لَوامِعِ بَرْقِهِ ** وله بُكاً مِنْ وَدْقِهِ المُتَسَرِّبِ) وقال آخر (لاَ تَعْجَبِي يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ** ضَحِكَ المَشِيبُ بِرَأسِهِ فَبَكى)

فلم يقرب أحد من لفظ القرآن في اختصاره وصفائه ورونقه وبهائه وطلاوته ومائه وكذلك جميع ما في القرآن من الطباق  ومما جاء في كلام النبي & من الكلام المطابق قوله للأنصار ( ( إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع ) ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( ( خير المال عين ساهرة لعين نائمة ) ) يعني عين الماء ينام صاحبها وهي تسقي أرضه وقوله عليه الصلاة والسلام ( ( إياكم والمشارة فإنها تميت الغرة وتحيي العرة ) )  ومن سائر الكلام قول الحسن ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت وقال أيضا رضي الله عنه إن من خوفك حتى تبلغ الأمن خير ممن يؤمنك حتى تلقى الخوف وقال أبو الدرداء رضي الله عنه معروف زماننا منكر زمان قد فات ومنكره معروف زمان لم يأت وقال بعضهم ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك وقال عبد الملك ما حمدت نفسي على محبوب ابتدأته بعجز ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم وقالوا الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة وقال أعرابي لرجل إن فلانا وإن ضحك لك فإنه يضحك منك فإن لم تتخذه عدوا في علانيتك فلا تجعله صديقا في سريرتك وقال علي رضي الله عنه أعظم الذنوب ما صغر عندك وشتم رجل الشعبي فقال إن كنت كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا فغفر الله لي وأوصى بعضهم غلاما فقال إن الظن إذا أخلف فيك أخلف منك ونحوه قول الآخر لا تتكل على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك وقال الحسن أما تستحيون من طول ما لا تستحيون ونحوه قول الأعرابي فلان يستحي من أن يستحي وقال من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن خاف الناس أخافه الله من كل شيء .

وقيل لأبي داود وابنته تسوس دابته في ذلك فقال كما أكرمتها بهواني معناه إن كانت تصونني عن سياسة دابتي وتتبذل مني فها إني أصونها وأتبذل دونها بالقيام في أمر معاشها وإصلاح حالها فأخذ اللفظ بعضهم فقال في السلطان ( أُهُينُ لَهُمْ نفسِي لأكرمها بهمْ ** ولن تكرمَ النفسُ التي لا تهينُها )  وقال بعضهم لعليل إن أعلك الله في جسمك فقد أصحك من ذنوبك وقال بعضهم الكريم واسع المغفرة إذا ضاقت المعذرة  وقال كثير بن هراسة يوما لابنه يا بني إن من الناس ناسا ينقصونك إذا زدتهم وتهون عليهم إذا أكرمتهم ليس لرضاهم موضع فتقصده ولا لسخطهم موقع فتحذره فإذا عرفت أولئك بأعيانهم فأبدلهم وجه المودة وامنعهم موضع الخاصة ليكون ما أبديت لهم من وجه المودة حاجزا دون شرهم وما منعتهم من موضع الخاصة قاطعا بحرمتهم  وقال خالد بن صفوان لرجل يصف له رجلا ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية  وقال آخر في العمل ما هو ترك للعمل ومن ترك العمل ما هو أكثر العمل  وقال آخر إنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن بأن نطيع الله فيه  وقال الحسن كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب  وقال سهل بن هرون من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه فيها ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها  وكتب رجل إلى محمد بن عبد الله إن من النعمة على المثني عليك ألا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عونا على تجاوزها

  وفي الحديث ( ( ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ) ) وقال معاوية ليس بين أن يملك الملك جميع رعيته أو يملكه جميعها إلا حزم أو توان  وقال بعضهم إذا شربت النبيذ فاشربه مع من يفتضح بك ولا تشربه مع من تفتضح به  وقال بعضهم سوداء ولود خير من حسناء عقيم وقال ابن السماك للرشيد يا أمير المؤمنين تواضعك في شرفك أشرف من شرفك  وقال ابن المعتز طلاق الدنيا مهر الآخرة وقالوا غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله  وشرب أحدهم بحضرة الحسن بن وهب قدحا وعبس فقال له والله ما أنصفتها تضحك في وجهك وتعبس في وجهها وقال طاهر بن الحسين لابنه التبذير في المال ذمه حسب التقتير فيه فاتقي التبذير وإياك والتقتير وقال أعرابي أتيت بغداد فإذا ثياب أحرار على أجساد عبيد إقبال حظهم إدبار حظ الكرم شجر فروعه عند أصوله شغلهم عن المعروف رغبتهم في المنكر  وقال أعرابي الله مخلف ما أتلف الناس والدهر متلف ما أخلف الله فكم من منية علتها طلب الحياة وحياة سببه التعرض للموت وهذا مثل قول الشاعر ( تأخرتُ أسْتَبْقِى الحياةَ فَلَمْ أَجِد ** لنفسِي حياةً مثلَ أَنْ أَتَقَدَمَا )  وقال آخر كدر الجماعة غير من صفو الفرقة وقال بعضهم وكان اعتدادي بذلك اعتداد من لا تنضب عنه نعمة تغمرك ولا يمر عليه عيش يحلو لك  وقال بعضهم وكان سروري بذلك سرور من لا تأفل عنه مسرة طلعت عليك ولا تظلم عليه محلة أنارت لك.

وقال المنصور لا تخرجوا من عز الطاعة إلى ذلك المعصية ووصف أعرابي غلاما فقال ساع في الهرب قطوف في الحاجة  وكتب سعيد بن حميد في كتاب فتح ظنا كاذبا لله فيه حتم صادق وأملا خائنا لله فيه قضاء نافذ  وقال الأفوه الأودي سهما تقر به العيون وإن كان قليلا خير مما وجلت به القلوب وإن كان كثيرا ونحوه قول الشاعر ( ألاَ كُلُّ مَا قَرَّتْ به العينُ صَالِحُ ** )  ومن الأشعار في الطباق قول زهير ( لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَاُد الرِّجالَ إِذَا ** ما اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقا ) وقول امرئ القيس ( مكرّ مفَرٍّ مُقْبلٍ مُدْبرٍ معاً ** كجُلمودِ صَخْر حطَّه السَّيْلُ مِنْ عَلِ ) وقول الطفيل الغنوي يصف فرسا ( بسَاهِم الوَجْهِ لم تُقْطَعْ أَبَاجلُه ** يُصَانُ وهو ليَوْمِ الرَّوْعِ مَبْذُول ) وقول الآخر ( رَمَى الحِدْثانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ ** بمقدارٍ سَمَدْنَ له سُمُودًا ) ( فَرَدَّ شُعورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ** وَرَدَّ وُجوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا ) وقال حسين بن مطير ( ومبتّلَةُ الأردافِ زَانَتْ عُقُودَها ** بأحْسَنَ مِمَّا زيَّنَتْها عُقُودُها )

 ( بِصُفْرٍ تَراقيها وحُمْرٍ أكُفُّها ** وسُودٍ نَواصِيها وبِيضٍ خُدُودُها ) وقال في وصف السحاب ( ولَهُ بلا حُزْنٍ ولا بمسرّةٍ ** ضَحكٌ يُرَاوِحُ بَيْنَهُ وبُكاءُ ) وقال آخر ( لَئِنْ ساءني أَنْ نِلْتَنِي بمَسَاءةٍ ** لَقَدْ سَرَّنِي أَنِّي خَطَرْتُ ببالك ) وقال النابغة ( وإنْ هَبَطا سَهْلا أَثَارَا عَجَاجَةً ** وإنْ عَلَوَا حَزْنا تَشظَّتْ جَنَادِلُ ) وقال مسافع ( أبعدَ بني أُمِّي أُسَرُّ بمُقْبِلٍ ** مِنَ العَيْش أو آسَى على إِثْرِ مُدْبِرِ ) ( أُولاَكَ بَنُو خَيْرٍ وشرٍّ كليهما ** وأَبناءُ معروفٍ ألمَّ ومُنْكَرِ ) وقال أوس بن حجر ( أطعنا رَبنا وعَصَاهُ قومٌ ** فَذُقْنَا طَعْمَ طاعتِنا وذَاقُوا ) وقال الفرزدق ( لَعَن الإلهُ بني كُلَيْبٍ إنهمْ ** لا يعِذرون ولا يَفُونَ لجارِ ) ( يستيقظونَ إلى نَهيقِ حمارِهم ** وتَنَام أعينُهمْ عن الأوْتَارِ ) وقال امرؤ القيس ( بماءِ سحابٍ زَلَّ عَنْ ظَهْرِ صَخْرَةٍ ** إلى بَطْنِ أخرى طيّب طعمه خَصِرْ )

وقال النابغة ( ولا يَحْسَبُون الخيرَ لا شرَّ بعدَه ** ولا يحسبُون الشَّرَّ ضَرْبةَ لاَزِبِ ) وقال بيهس بن عبد الحرث يصف الشيب ( حتى كأنّ قديمَه وحديثَه ** ليلٌ تَلَفَّعَ مُدْبِرًا بنَهارِ ) فطابق بين قديم وحديث وليل ونهار فأخذه الفرزدق فقال ( والشَّيْبُ يَنْهَضُ في الشباب كأنَّه ** لَيْلٌ يَصيحُ بجانبيه نهارُ )  طابق بين الشيب والشباب والليل والنهار وهذا أحسن من قول بيهس سبكا ورصفا وفيه نوع آخر من البديع وهو ( ( يصيح بجانبيه نهاره ) ) أخذه من قول الشماخ ( ولاقى بصَحْرَاء الإهالة سَاطِعًا ** من الصبح لما صاحَ بالليل نَفَّرا ) وقال أبو دواد قبله ( تَصِيحُ الرُّدَيْنيّاتُ في حَجَبَاتِهْم ** صِيَاحَ العوالي في الثِّقَافِ المثقَّبِ ) وقال آخر ( تَصيح الرُّدَيْنِيّاتُ فينَا وفيهمُ ** صياحَ بنات الماء أَصْبَحْنَ جُوَّعا ) وقال آخر في صفة قوس ( في كَفّه مُعْطِية مَنُوعُ ** ) وقال آخر ( مَرِحَتْ وصَاحَ المرْوُ من أَخْفَافِهَا ** ) وقال آخر في صفة ناقة ( خَرْقاءُ إلاّ أنها صَناعُ ** )

وقال آخر ( فجاء ومحمودُ القِرَى يستفزُّه ** إليها ودَاعِي الليل بالصُّبح يصفُرُ ) ومما فيه ثلاث تطبيقات قول جرير ( وباسِطُ خَيْرٍ فيكمُ بيمينه ** وقَابضُ شرٍّ عنكمُ بشِمَالِيَا ) فطابق بباسط وقابض وخير وشر ويمين وشمال ومثله قول الآخر ( فلا الجودُ يُفْني المالَ والجَدُّ مُقْبِلٌ ** ولا البُخْلُ يُبقي المالَ والجَدُّ مُدْبِرُ ) ومثله قول الآخر ( فسِرِّى كإعلاني وتلك سجيّتي ** وظلمةُ ليلى مِثْلُ ضوءِ نَهارِيَا ) ومما فيه طباقان قول المتلمس ( وإصلاحُ القليلِ يَزِيدُ فيه ** ولا يَبْقى الكثيرُ على الفَسَادِ ) وقال أوس بن حجر ( فتَحْدِركم عَبْسٌ إلينا وعَامِرٌ ** وتَرْفَعُنَا بَكْرٌ إليكم وتَغْلِبُ ) ( إذا ما علوْا قالوا أَبُونا وأمنا ** وليس لهم عَالين أُمٌّ ولا أَبُ ) وقول قيس بن الخطيم ( إذا أنْت لم تَنْفَعْ فضُرَّ فإنّما ** يُرَجَّى الفتى كَيْمَا يضُرَّ وينفعَا )  وهذا تطبيق وتكميل ومثله قول عدي بن الرعلاء ( ليسَ مَنْ مَاتَ فاستراحَ بميْتٍ ** إنّما الميْتُ مَيِّتُ الأحياء )  فاستوفى المعنى في قوله ليس من مات فاستراح بميت وكمل في قوله إنما الميت ميت الأحياء وقد طابق جماعة من المتقدمين بالشيء وخلافه على التقريب لا على الحقيقة وذلك كقول الحطيئة

 ( وأَخذلت أَطْرَاَر الكلام فلم تَدعْ ** شَتْمًا يضُرّ ولا مَدِيحًا ينفعُ ) والهجاء ضد المديح فذكر الشتم على وجه التقريب وهكذا قول الآخر ( يَجْزُون من ظُلمِ أهلِ الظلم مَغْفِرةً ** ومن إساءةِ أَهْلِ السوءِ إحْسانا ) فجعل ضد الظلم المغفرة  ومن المطابقة في أشعار المحدثين قول أبي تمام ( أصمّ بك الناعي وإن كان أسمَعَا ** وأصبَحَ مَغْنَى الجودِ بَعْدَكَ بَلْقَعَا ) وقالوا هذا أحسن ابتداء في مرثية إسلامية وقال أبو تمام أيضا ( وضَلَّ بك المرتادُ من حيث يَهْتَدِي ** وضرَّتْ بك الأيامُ من حيثُ تَنْفَعُ ) ( وقَدْ كان يُدْعى لابسُ الصَّبْرِ حازماً ** فأصبح يُدْعَى حازِما حين يَجْزَعُ ) وقال سديف في النساء ( وأصحّ ما رأتِ العيون جوارِحا ** ولهن أمْرَضُ ما رأيْتَ عُيُونا ) وقال عمارة بن عقيل ( وأَرَى الوحشَ في يميني إذا ما ** كان يوماً عنانُه بشِمَالي ) وقال أبو تمام ( فيم الشماتة إعلاناً بأُسْدِ وغى ** أَفْنَاهُمُ الصَّبْرُ إِذْ أَبْقَاكُم الجزَعُ ) فجاء بتطبيقتين في مصراع  وقال البحتري ( إن إيامه من البِيضِ بيضٌ ** ما رأيْنَ المفارق السودَ سُودَا ) وقال النمري ( ومَنازلٌ لكَ بالحِمى ** وبها الخليطُ نُزُولُ )

 ( أيامهنّ قصيرةٌ ** وسرورهنَّ طَوِيلُ ) ( وسُعُودهنّ طوالعٌ ** ونُحُوسُهُنّ أفُولُ ) ( والمالكية والشَّبَاب ** وقينة وشَمُولُ ) وقال آخر ( براذينُ ناموا عن المكرمات ** فأيقَظَهُمْ قَدَرٌ لم ينمْ ) ( فيا قبحَهم في الَّذِي خَوَّلوا ** ويا حسنَهم في زَوال النّعمْ ) وقال آخر ( أفاطِمَ قدْ زُوِّجْتِ من غير خِبْرةٍ ** فتًى منْ بني العباس ليسَ بِطائِل ) ( فإنْ قُلتِ مِنْ آلِ النبيّ فإنه ** وإنْ كانَ حُرَّ الأصلِ عبدُ الشمائلِ ) ونحوه في معناه لا في التطبيق قول علي بن الجهم في بعض بني هاشم ( إن تَكُنْ منهم بلا شك فللعود قُتَارُ ** ) ومثله ( فما خبثٌ من فِضَّة بعجيبِ ** ) ومثله ( لئيم أتاه اللؤمُ من عندِ نفسه ** ولم يأته من عند أمّ ولا أبِ ) وقول أبي تمام ( نثرت فريدَ مَدَامِعٍ لم تُنْظَمِ ** والدمعُ يَحْملُ بَعْضَ ثقل المُغْرَمِ ) ( وصلتْ نجيعاً بالدموع فخدُّها ** في مثل حاشية الرِّداء المُعَلَمِ ) أخذه من قول أبي الشيص ( وصلت دماً بالدمع حتَّى كأنما ** يُذاب بعيني لؤلؤٌ وعقيق ) وقول أبي تمام ( جفوفُ البلى أسرعَتْ في الغُصنِ الرَّطبِ ** )

وقوله ( قد يُنْعِمُ اللهُ بالْبَلْوَى وإِن عَظُمَتْ ** ويَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ القومِ بالنِّعَمِ ) وقول الآخر ( عَجِلَ الفراقُ بما كرهتُ وطَالما ** كانَ الفراقُ بما كرهتُ عَجولا ) ( وأرى التي هَام الفؤاد بذكرها ** أصبحتُ منها فارغا مشغولا ) وقال بكر بن النطاح ( وكأن إظلامَ الدروع عليهمُ ** ليلٌ وإشراق الوجوه نهارُ ) وقول أبي تمام ( أصبحت في روضة الشَّباب هَشيما ** وغدت ريحُه البليل سموما ) ( شعلة في المفارق استودعتني ** في صميم الفؤاد ثُكْلاً صميما ) ( غُرةٌ مرة ألا إنما كنت ** أغر أيام كنت بهيما ) ( دِقة في الحياة تُدْعى جلالا ** مثل ما سُمِّي اللديغ سليما ) وقول آخر ( فخلسْت منها قُبلة ** لما رويت بها عطشتُ ) وقلت ( إذا معشر في المجد كانوا هَواديًا ** فقيسُوا به في المجد عادوا تَواليا ) ( رأيتُ جمال الدَّهْر فيك مجددا ** فكن باقيا حتى تَرَى الدَّهْر فَانيا ) وقلت ( قل لمن أدنيه جَهْدي ** وهو يقصينيَ جَهدهْ ) ( ولمنْ ترضاه مَوْلاك ** ولا يرضاكَ عبدَهْ ) ( أَمَليح بمليح الشكْل ** أن يُخْلِفَ وعدَه )

 ( أمْ جميل بجميل الوجْه ** أنْ ينقُضَ عهدَهْ ) ( ما الذي صدَّك عني ** ليت ما صدَّكَ صدَّهْ ) وقلت ( فلماذا أبيعُه وبِنفسي أشتريهِ ** ) وقلت ( في كلِّ خلقِ خُلَّةٌ مَذْمومةٌ ** وَوَرَاء كلِّ مُحَبَّبٍ مكروهُ ) ومن عيوب التطبيق قول الأخطل ( قلتُ المقامُ وناعبٌ قالَ النَّوَى ** فعصيْتُ قولي والمطاعُ غُرَابُ ) وهذا من غث الكلام وبارده وقال ( كَمْ جَحْفَلٍ طارتْ قدامِي خَيْلُهُ ** خلَّفْتُهُ يَوْمَ الوَغَى منتوفا ) ( أعْلَمْتُ نَابك وهو رأسٌ أنه ** سيكون بعدَك حافرا ووظِيفَا ) وقال آخر في القاسم بن عبيد الله ( مَنْ كان يَعْلَمُ كَيْفَ رِقَّةُ طَبْعِهِ ** هو مقسم أَنَّ الهواءَ ثَخِينُ ) وقال أبو تمام ( فيا ثلجَ الفؤاد وكانَ رَضْفًا ** ويا شبعي بمقدمه ورِيّي ) وقال ( وإذ الصنعُ كان وحشاً فملّيت ** برَغْم الزَّمان صنعاً ربيباً ) وقال ( قدْ لانَ أكثرُ ما تريد وبعضُهُ ** خَشِنٌ وإني بالنجاح لَوَاثِقُ )

وقوله ( لَعَمْرِي لقد حرَّرتُ يومَ لقيتُهُ ** لو أنَّ القضاءَ وحدَهُ لم يُبَرَّدِ ) وقوله ( وإن خفرتْ أموالَ قومٍ أكفُّهْم ** من النيل والجدْوى فكفّاه مقطعٌ ) وقوله ( يومٌ أفاضَ جوى أغاض تعزِّيًا ** خاضَ الهوى بَحْرَى حِجاه المُزْبِدِ ) فجعل ( ( الحجى ) ) في هذا البيت ( ( مزبدا ) ) ولا أعرف عاقلا يقول إن العقل يزبد وليس المزبد هاهنا نعتا للبحرين لأنه قال ( ( بحرى حجاه المزبد ) ) فلو جعل ( ( المزبد ) ) نعتا للبحرين لقال المزبدين وخوض الهوى بحر التعزي أيضا من أبعد الاستعارة  ونحو منه قوله أيضاً ( يا يوم شرَّدَ يوم لَهوى لَهوه ** بصَبابتي وأذَلَّ عِزَّ تَجلُّدِي ) وقوله ( غرضَ الظلامُ أو اعترته وَحْشةٌ ** فاستأنستْ رَوَعاته بسهادي ) ( بل ذَكرةٌ طرَقتْ فلما لم أبتْ ** باتتْ تفكرُ في ضروبِ رُقَادِي ) ( أغرَتْ همومي فاستلبْنَ فصولها ** نَوْمي ونمنَ على فضول وِسادِي ) وهذه الأبيات مع قبح التطبيق الذي في أولها وهجنة الاستعارة لا يعرف معناها على حقيقته    .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.