آية (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ)... وزعمهم بدلالتها على المتقدمين على امير المؤمنين |
2343
07:03 صباحاً
التاريخ: 17-11-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2019
870
التاريخ: 18-11-2019
774
التاريخ: 18-11-2019
550
التاريخ: 14-11-2019
548
|
قالوا: أفليس قد وردت الأخبار بأن أبا بكر كان يعول على مسطح ويتبرع عليه، فلما قذف عائشة في جملة أهل الإفك امتنع من بره، وقطع عنه معروفه، وآلى في الامتناع من صلته (1)، فأنزل الله تعالى : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] . وأخبر أن أبا بكر من أهل الفضل والدين والسعة في الدنيا، وبشره بالمغفرة والأجر العظيم، وهذا أيضا يضاد معتقدكم فيه.
قيل لهم: لسنا ندفع أن الحشوية قد روت ذلك، إلا أنها لم تسنده إلى الرسول صلى الله عليه وآله، ولا روته عن حجة في الدين، وإنما أخبرت به عن مقاتل والضحاك وداود الحواري والكلبي وأمثالهم ممن فسر القرآن بالتوهم، وأقدم على القول فيه بالظن والتخرص ... وهؤلاء بالإجماع ليسوا من أولياء الله المعصومين ولا أصفيائه المنتجبين، ولا ممن يلزم المكلفين قولهم والاقتداء بهم على كل حال في الدين، بل هم ممن يجوز عليه الخطأ وارتكاب الأباطيل.
وإذا كان الأمر على ما وصفناه لم يضرنا ما ادعوه في التفسير، ولا ينفع خصومنا على ما بيناه ممن يوجب اليقين، على أن الآثار الصحيحة والروايات المشهورة والدلائل المتواترة قد كشفت عن فقر أبي بكر ومسكنته، ورقة حاله وضعف معيشته، فلم يختلف أهل العلم أنه كان في الجاهلية معلما، وفي الإسلام خياطا(2)، وكان أبوه صيادا، فلما كف بذهاب بصره وصار مسكينا محتاجا، قبضه عبد الله بن جدعان لندي(3) الأضياف إلى طعامه، وجعل له في كل يوم على ذلك أجرا درهما(4)، ومن كانت حاله في معيشته على ما وصفناه، وحال أبيه على ما ذكرناه، خرج عن جملة أهل السعة في الدنيا، ودخل في الفقراء فما أحوجهم إلى المسألة والاجتداء! وهذا يبطل ما توهموه.
على أن ظاهر الآية معناها موجب لتوجهها إلى الجماعة دون الواحد، والخطاب بها يدل على تصريحه على ذلك، فمن تأول القرآن بما يزيله عن حقيقته، وادعى المجاز فيه والاستعارة بغير حجة قاطعة، فقد أبطل(5) بذلك وأقدم على المحظور وارتكب الضلال.
على أنا لو سلمنا لهم أن سبب نزول هذه الآية امتناع أبي بكر من بر مسطح، والايلاء منه بالله تعالى لا يبره ويصله ، لما أوجب من فضل أبي بكر ما ادعوه، ولو أوجبه لمنعه من خطأه في الدين، وإنكاره النص على أمير المؤمنين عليه السلام، وجحده ما لزمه والاقرار به على اليقين، للاجماع على أن ذلك غير عاصم من الضلال، ولا مانع من مقارفة الآثام، فأين موضع التعلق بهذا التأويل في دفع ما وصفناه آنفا لولا الحيرة والصد عن السبيل؟
وبعد: فليس يخلو امتناع أبي بكر عيلولة مسطح والإنفاق عليه من أن يكون مرضيا لله تعالى، وطاعة له ورضوانا، أو أن يكون سخطا لله ومعصية وخطأ، فلو كان مرضيا لله سبحانه وقربة إليه لما زجر عنه وعاتب عليه، وأمر بالانتقال عنه وحض على تركه وإذا لم يك لله تعالى طاعة، فقد ثبت أنه معصية مسخوطة وفساد في الدين، وهذا دال على نقص الرجل وذمه، وهو بالضد مما توهموه.
على أن مسطحا من بني عبد مناف(6)، وهو من ذوي القربى للنبي صلى الله عليه وآله، وما نزل من القرآن في إيجاب صلته وبره والنفقة عليه فإنما هو شئ على استحقاقه ذلك عند الله تعالى، ودال على فضله، وعائد على قومه بالتفضل وأهله وعشيرته، وكاشف عما يجب بقرابة النبي صلى الله على وآله من التعظيم لمحسنهم، والعفو عن مسيئهم، والتجاوز عن الخاطئ منهم، وليس يتعدى ذلك إلى المأمور به، ولا يكسبه شيئا، وفي هذا إخراج لأبي بكر من الفضيلة بالآية على ما شرحناه.
على أن مسطحا، وإن كان من بني عبد مناف، فإنه ابن خالة أبي بكر، لأن أمه أثاثة بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم، وكان أبو بكر يمونه لرحمه منه، دون حقه بالهجرة والإيمان، فلما كان منه من أمر عائشة ما كان امتنع من عيلولته وجفاه، وقطع رحمه غيظا عليه وبغضا له، فنهاه الله تعالى عن ذلك، وأمره بالعود إلى بره، وأخبره بوجوب ذلك عليه لهجرته وقرابته من النبي صلى الله عليه وآله، ودل بما أنزله فيه على خطئه في حقوقه وقطيعته من استحقاقه لضد ذلك بإيمانه وطاعته لله تعالى وحسن طريقته، فأين يخرج من هذا فضل بأبي بكر؟! إلا أن تكون المثالب مناقب، والذم مدحا، والقبيح حسنا، والباطل حقا، وهذا نهاية الجهل والفساد.
ويؤكد ذلك أن الله عز وجل رغب للنهي عن قطيعة من سماه في صلته في المغفرة إذا انتهى عما نهاه عنه، وصار إلى مثل ما أمره به، حيث يقول: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] .
فلولا أنه كان مستحقا للعقاب لما جعل المغفرة له بشرط الانتقال، وإذا لم تتضمن الآية انتقاله مع ما دلت عليه، قبحت حاله وصارت وبالا عليه، حسب ما ذكرناه.
فأما ادعاؤهم أن الله تعالى شهد لأبي بكر بأنه من أهل الفضل والسعة، فليس الأمر كما ظنوه، وذلك لقوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ } [النور: 22] إنما هو نهي يختص بذكر أهل الفضل والسعة، يعم في المعنى كل قادر عليه، وليس بخبر في الحقيقة ولا المجاز.
وإنما يختص بذكر ما سميناه على حسب اختصاص الأمر بالطاعات بأهل الإيمان حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 20] و { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] .
وإن كان المعني من الأمر بذلك عاما لجميع المكلفين، والمراد في الاختصاص من اللفظ ما ذكرناه ملاءمة الوصف لما دعا إليه من الأعمال، وهو يجري مجرى قول القائل لمن يريد تأديبه ووعظه: لا ينبغي لأهل العقل والمروءة والسداد أن يرتكبوا الفساد، ولا يجوز لأهل الدين والعفاف أن يأتوا قبائح الأفعال، وإن كان المخاطب بذلك ليس من أهل المروءة والسداد، ولا أهل الديانة والعفاف، وإنما خص بالمنكر ما وصفناه لما قدمناه وبيناه.
فيعلم أن ما تعلق به المخالف فيما ادعاه من فعل أبي بكر من لفظ القرآن على خلاف ما توهمه وظنه، وأنه ليس من الخبر في شئ على ما بيناه.
وأما قولهم : أن أبا بكر كان من أهل السعة في الدنيا بظاهر القرآن، فالقول فيه كالمتقدم سواء، ومن بعد ذلك فإن الفضل والسعة والنقص والفقر من باب التضايف، فقد يكون الإنسان من ذوي الفضل بالإضافة إلى من دونه من أهل الضائقة والفقر ، ويكون مع ذلك مسكينا بالإضافة إلى من هو أوسع حالا منه، وفقيرا إلى من هو محتاج إليه.
وإذا كان الأمر على ما وصفناه، لم ينكر وصف أبي بكر بالسعة عند إضافة حاله إلى مسطح وأنظاره من المضطرين بالفقر ومن لا معيشة له ولا عائدة عليه، كما يكون السقف سماء لمن هو تحته، وتحتا لمن هو فوقه ويكون الخفيف ثقيلا عندما هو أخف منه وزنا، والقصير طويلا بالإضافة إلى من هو أقصر منه، وهذا ما لا يقدح في قول الشيعة، ودفعها الناصبة عما ادعته لأبي بكر من الاحسان والإنفاق على النبي صلى الله عليه وآله، حسب ما تخرصوه من الكذب في ذلك، وكابروا به العباد، وأنكروا به ظاهر الحال، وما جاء به التواتر من الأخبار، ودل عليه صحيح النظر والاعتبار، وهذا بين لمن تدبره.
وقد روت الشيعة سبب نزول هذه الآية من كلام جرى بين بعض المهاجرين والأنصار، فتظاهر المهاجرون عليهم وعلوا في الكلام، فغضبت الأنصار من ذلك، وآلت بينها أن لا تبر ذوي الحاجة من المهاجرين، وأن تقطع معروفها عنهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآية، فاتعظت الأنصار بها، وعادت إلى بر القوم وتفقدهم، وذكروا في ذلك حديثا طويلا وشرح جوابه أمرا بينا.
فإذا ثبت مذهبهم في ذلك سقط السؤال من أصله، ولم يكن لأبي بكر فيه ذكر، واستغني بذلك عن تكلف ما قدمناه، إلا أنا قد تطوعنا على القوم بتسليم ما ادعوه، وأوضحنا لهم عن بطلان ما تعلقوا به فيه، استظهارا للحجة وإصدارا عن البيان، والله الموفق للصواب.
ثم يقال لهم: خبرونا عما ادعيتموه لأبي بكر من الفضل في الدنيا، لو انضاف إلى التقوى، ونزول القرآن أن تصريح الشهادة له به عودا بعد سدى، هل كان موجبا لعصمته من الضلال في مستقبل الأحوال، ودالا على صوابه في كل فعل وقول، وأنه لا يجوز عليه الخطأ والنسيان، وارتكاب الخلاف لله تعالى والعصيان؟ فإن ادعوا له بالعصمة من الآثام، وأحالوا من أجله عليه الضلال في الاستقبال، خرجوا عن الاجماع، وتفردوا بالمقال، بما لم يقبله أحد من أهل الأديان، وكابروا دلائل العقول وبرهان السمع، ودفعوا الأخبار.
وقيل لهم: دلوا على صحة ما ادعيتموه من ذلك. فلا يجدون شيئا يعتمدونه على كل حال.
وإن قالوا: ليس يجب له بالفضل والسعة وسائر ما عددناه وانضاف إليه ونطق به القرآن العصمة من الضلال، بل جائز عليه الخطأ مع استحقاقه لجميعه ومقارفة الذنوب في الاستقبال.
قيل لهم: فهب أنا سلمنا لكم الآن من تأويل الآية على ما اقترحتموه، ما أنكرتم في ضلال الرجل فيما بعد من إنكاره النص على أمير المؤمنين عليه السلام، ودفعه عما أوجب الله تعالى عليه الاقرار به من الفرض، وتغيير حاله من الفضل بالنقص، إذ كانت العصمة مرتفعة عنه، والخطأ جائز عليه، والضلال عن الحق موهوم منه ومظنون به، فلا يجدون حيلة، في دفع ذلك، ولا معتمدا في إنكاره، ... إنما ذكرته للتأكيد والبيان، وهو مما لا محيص لهم عنه، والحمد لله.
____________
(1) أسباب النزول للسيوطي 2: 30، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12: 207، الكشاف 3: 222 تفسير البيضاوي 2: 119، تفسير الرازي 23: 186.
(2) ذكر ابن رسته في الأعلاق النفيسة: 192 أن أبا بكر كان بزازا.
(3) ندوت القوم: جمعتهم في مجلس، والمراد هنا يدعوهم إلى الطعام. " الصحاح - ندا - 6: 2505 ".
(4) أنظر الشافي 4: 24 و 25، تلخيص الشافي 3: 238.
(5) أي جاء بالباطل. " المعجم الوسيط - بطل - 1: 61 ".
(6) هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف. أنظر جمهرة أنساب العرب: 73، سير أعلام النبلاء 1: 187.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
بالتعاون مع العتبة العباسية مهرجان الشهادة الرابع عشر يشهد انعقاد مؤتمر العشائر في واسط
|
|
|