أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-03-2015
1804
التاريخ: 4-03-2015
1882
التاريخ: 4-03-2015
1794
التاريخ: 4-03-2015
1323
|
فإن قيل : فقد أجمع النحويين ـ على بكرة أبيهم ـ على القول بالعوامل ، وإن اختلفوا، فبعضهم يقول : العامل في كذا كذا ، وبعضهم يقول : العامل فيه ليس كذا إنما هو كذا على ما نفسره بعد إن شاء الله . قيل : إجماع النحويين ليس بحجة على من خالفهم ، وقد قال كبير من حذاقهم ، ومقدم في الصناعة من مقدميهم ، وهو ابو الفتح بن جني في خصائصه :
ص231
" اعلم أن اجماع اهل البلدين (يعني البصرة والكوفة) إنما يكون حجة اذا اعطاك خصمك يده أن لا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص ، فإذا لم يعط بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه ، وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره في قرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ ، كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله " أمتي لا تجتمع على ضلالة " . وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة ، فكل من فرق له عن علة صحيحة ، وطريق نهجة ، كان خليل نفسه وأبا عمرو فكره(1) ، إلا أنا مع هذا الذي رأيناه ، وسوغنا مرتكبه لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة - التي قد طال بحثها ، وتقدم نظرها ، وتتالت أواخر على أوائل ، وأعجازاً على كلاكل ، والقوم الذين لا يشك في ان الله ـ سبحانه وتقدست اسماؤه ـ قد هداهم لهذا العلم الكريم ، وأراهم وجه الحكمة في الترحيب له(2) والتعظيم وجعله ببركاتهم وعلى أيدي طاعاتهم ، خادماً لكتابه المنزل ، وكلام نبيه المرسل ، وعوناً على فهمهما ، ومعرفة ما أمر به ، أو نهي عنه الثقلان ـ إلا بعد أن يتفهمه إتقاناً ، ويتثبته عرفاناً ، ولا يخلد الى سانح خاطره ، ولا الى أول نزوة من نزوات تفكره ، فإذا هو حذا على هذا المثال ، وباشر بإنعام تصفحه أحناء الحال ، أمضي الرأي فيما يريه الله منه غير معازبه(3) ولا غاص من السلف ـ رحمهم الله ـ في شيء منه ، فإنه إذا فعل ذلك سدد رأيه ، وشيع بالتوفيق خاطره ، وكان للصواب مئنة(4) ، ومن التوفيق مظنة . وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر
ص232
الجاحظ : ما على الناس شيء اضر من قولهم ك ما ترك الاول للاخر شيئا . وقد قال ابو عثمان المازني : واذا قال العالم قولا متقدما فللمتعلم الاقتداء به والانتصار له ، والاحتجاج لخلافه ان وجد الى ذلك سبيلا ، وقال الطائي الكبير :
يقول من تقرع اسماعه كم ترك الاول للآخر ؟
فمما جاز خلاف الاجماع الواقع فيه منذ بدئ هذا العلم ، والى آخر هذا الوقت ، ما رايته انا في قولهم " هذا جحر ضب خرب" .
فهذا يتناوله آخر عن اول ، وتال عن ماض ، على انه غلط من العرب ، لا يختلفون فيه ولا يتوقفون عنه ، وانه من الشاذ الذي لا يحمل عليه ، ولا يجوز رد غيره اليه . واما انا فعندي ان في القران من مثل هذا الوضع نيفا على ألف موضع " .
قال المؤلف ـ رضي الله عنه ـ هنا قطعت نص كلامه ، لأني أوردته وقصدي الإيجاز ، وإنما سقت قوله المتقدم اتباعاً لمن ألف الاتباع ، فمذهب الجماعة في قول العرب " هذا جحر ضب خربٍ " ما ذكره ، واختار ابو الفتح ان يكون على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه ، وقال ان في القرآن نيفاً على ألف موضع ، وتقديره عنده " هذا جحر ضب خربٍ جحره " " فخرب " نعت " لضب " ، كما يقال : " هذا فرس عربي قارح فرسه " فقارح نعت لعربي وصف به ، وان كان للفرس ، لأنه من سببه ، فحذف الجحر الذي هو المضاف ، وهو فاعل مرفوع ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو الضمير إذا كان فاعلاً باسم الفاعل ، أو بالصفة المشبهة باسم الفاعل ، استكن فيها على مذهبهم ، وحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه مطرد ، واستكنان
ص233
الضمير في الصفة مطرد . لكن لقائل ان يقول لأبي الفتح : إن الحذف للمضاف لا يجوز الا في المواضع التي يسبق الى فهم المخاطب المقصود من اللفظ فيها كقوله تعالى (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها )(5) . واما في المواضع التي يحتاج في معرفة المحذوف منها الى تأمل كثير ، وفكر طويل ، فلا يجوز حذفه لما فيه من اللبس على السامعين . وهذا من المواضع البعيدة ، والدليل على ذلك أنه قد مر هذا القول على أسماع قوم فهماء عارفين بالنحو واللغة ، فلم يهتدوا الى هذا المحذوف ، لأنه لو ظهر لكان قبيحاً ، لو قالت العرب " هذا جحر ضب خرب جحره " قبح ، لأنه عي من القول ، تغني عنه ضمةُ الباء ، ويكون الكلام وجيزاً فصيحاً ، فلما كان أصله هكذا ، ثم تكلف فيه ما تكلف من الحذف لما لا يسبق حذفه الى الفهم بعد . ثم إنه لو كان المضاف اليه ظاهراً لكان أبين ، ولكنه حذف المضاف ، واستكن المضاف اليه ، فعزب عن الفهم ، وصار فهمه مع هذا الحذف والإضمار من تكليف ما لا يستطاع ، واستجاز ابو الفتح الرد على كل من تقدم بظن ليس بالقوي ، فكيف بنا ونحن نرد عليهم الظنون الضعيفة بالأدلة الواضحة التي لا امتراء فيها لمنصف .
فإن زعم النحويون أنهم لم يريدوا بقولهم في " أزيداً أكرمته ؟ " وما أشبهت إن " أكرمت " الذي انتصب به زيد مرادٌ للمتكلم، ولا أن الكلام ناقص دونه ، وإنما هو شيء موضوع مصطلح عليه ، يتوصل به الى النطق بكلام العرب ، كما فعل المهندسون حين وضعوا خطوطاً مصنوعة ـ هي في الحقيقة أجسام ـ مواضع الخطوط التي هي أطوال لا أعراض لها أعماق، ونقطاً ـ هي أيضاً أجسام ـ مواضع النقط
ص234
التي هي نهايات الخطوط ، والتي لا اطوال لها ولا اعراض ولا اعماق ، وقدروا في الفلك دوائر ونقطاً ، وتوصلوا بذلك الى البرهان على ما أرادوا ان يبرهنوا عليه ، ولم يخل ايقاع هذه مواضع تلك بما قصدوا ، بل حصل اليقين للمتعلمين تلك الصنعة ، مع معرفتهم بوضع هذه موضع هذه . قيل : النحويون ليسوا بهؤلاء ، لأنهم قالوا : إن كل منصوب فلا بد له من ناصب لفظي ، فإن جعلوا هذه المحذوفات التي لا يجوز إظهارها معدومة على الإطلاق في اللفظ وفي الإرادة . والكلام تام دونها ، فقد أبطلوا ما ادعوه من أن كل منصوب فلابد له من ناصب ، وأيضا فإن وضع الأجسام مواضع الخطوط والنقط الهندسة تقريب وعونٌ للمتعلم ، ووضع هذه العوامل لا شيء من ذلك ، بل تقدير وتخييل .
ص235
_________________
(1) اي امام نفسه كالخليل بن احمد ، وابي عمرو بن العلاء .
(2) رجب الرجل غيره ترجيباً : عظمه .
(3) المعازة : المغالبة .
(4) المئنة : العلاقة .
(5) يوسف 82 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|