أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2019
1702
التاريخ: 2-5-2017
2728
التاريخ: 2024-10-27
310
التاريخ: 2024-10-25
108
|
الجبر والاختيار وعلاقتهما بالتاريخ
إنّ أحداث التاريخ على قسمين:
قسم منها أحداث خارجة عن إرادة الإنسان مثل الزلازل، والفيضانات، والصواعق، والبرد، والحرّ، والفصول الأربعة، وما أشبه، ممّا ليس للإنسان أي يدٍ في صنعه، فإنّ الزلازل إذا جاءت هدمّت، وخربت، وغيّرت كثيراً من معالم البلد، وكذلك سائر الأحداث التي ليس للإنسان دخل فيها.
وقسم بيد الإنسان، يصنعه بإرادته. فلا جبريّة في التاريخ مطلقاً، ولا اختيارية في التاريخ مطلقاً، بل التاريخ هو هذان الأمران.
يقـول المنطقيّون إن كـل حقيقة ممكنة، لها علة صحيحة، أو علّة غير صحيحة.
مثلاً: فقد يحارب المحاربون لعلّة صحيحة مثل الدفاع عن أنفسهم، أو إزالة الديكتاتور الذي يملأ البلاد فساداً، وقد يحارب المحاربون للاستعمار، والاستثمار، والسيطرة على الآخرين، فالعلّة الأولى علّة صحيحة، والعلّة الثانية علّة غير صحيحة، بالنسبة إلى ما تحت اختيار الإنسان.
فالظواهر الاجتماعية، والحوادث التاريخية، مثل أيّة ظاهرة أخرى تابعة لأصل العلّية والمعلولية، وخاضعة لنظام خاصّ جعله الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، مثل كون النار محرِقَة، وكون الماء مبرّداً للأشياء، وكون (3×3=9(، وإنّما الفرق أنّه في الظواهر، والحوادث الإنسانية الاختيارية، التي تشكّل إرادة الإنسان نفسها جزءاً من أجزاء العلّة التامّة، فإنّ لبعض الأشياء علّة تامّة، ولبعض الأشياء علة ناقصة، ولبعض الأشياء علّية تامّة، ولبعض الأشياء علّية ناقصة. فإرادة الإنسان من العلّية الناقصـة حيث إنّ الإنسان لا يتمـكّن من إرادة التنفيذ إلاّ في إطار خاصّ مجعول لله سبحانه وتعالى .
مثلاً: الإنسان لا يتمكّن أن يخلق حيواناً؛ لأنّه ليس في إطار قدرته، وإنّما يتمكّن أن يأتي بالشرط، أو السبب، أو المعدّ، أو المانع، أو ما أشبه ذلك، من المقدّمات التي ذكرها الأصوليون في مباحثهم المفصّلة.
ومن هذه الجهة لا يتمكّن الإنسان من التنبؤ المستقبلي إلاّ في حدود خاصّة، فإنّه مع الاعتراف بشمول أصل العلّية لكلّ العالم سبباً ومسبّباً، وصحّة كون الشيء ما لم يجب لم يوجب، ومعنى الوجوب توفّر جميع أجزاء علّته، لا يمكن القول بإمكانية التنبؤ اليقيني لمستقبل المجتمع والتاريخ حتّى مع الإلمام الكامل بالقوانين الاجتماعية والتاريخية، وذلك لأنّ الإنسان لا يعرف التدخّلات الخارجية التي لا يعلم بها، وإلى هذا أشار القرآن الحكيم بقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ} [الإنسان: 30] (1)، ومشيئة الله قد تكون مباشرة وقد تكون للأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى إيجاباً أو سلباً، فالإنسان له جهتان، جهة جبرية، وجهة اختيارية، فلا يصحّ أن يقال إنّ أفراد الإنسان خاضعون للجبر الاجتماعي، أو التاريخي، نعم أفراد الإنسان خاضعون للجبر التكويني. فالناس في الواقع يتمتّعون بحرّية تامّة في المجتمع والتاريخ، في الإطار الذي حدّده الله سبحانه وتعالى لهم، وحتّى إنّهم يستطيعون التحرّك ضدّ مسيرة المجتمع والتاريخ بل إنّهم قادرون على تغيير مسيرة المجتمع والتاريخ.
فاعتقاد بعضهم بالضرورة التاريخية وجبريتها، وأنّها تشبه تماماً القوانين الطبيعية، والفيزيائية، والحسابية، وما أشبه ذلك، من حيث ضرورتها، وحتميتها، غير تامّ، ولذا لا يتمكّن عالم الاجتماع، أو فيلسوف التاريخ أن يتنبّأ بصورة يقينية حتمية لمستقبل مجتمع معيّن، أو مستقبل المجتمع البشري بأكمله ممّا يسمّى بالتاريخ.
نعم، حدود الإنسان وجهاته المخلوقة لله سبحانه وتعالى ككونه ذكراً، أو أنثى، جميلاً، أو قبيحاً. وكذلك بالنسبة إلى الجمادات، والنباتات، والحيوانات، التي هي موضوع دراسة العلوم الطبيعية، والفيزيائية، واقعة تحت هيمنة جبرية القوانين الطبيعية، والفيزيائية، ولا يملك الإنسان لها، أو لنفسه أيّة إرادة.
وما ذكرناه من خصوصيات الإنسان إنّما هي قابلة للتغيير أيضاً في الإطار الذي جعله الله سبحانه وتعالى مثل تحوّل رجل إلى امرأة، أو امرأة إلى رجل؛ كما يقوم به العلم في النادر من الناس، أو تبديل الجميل قبيحاً، أو القبيح جميلاً، باستخدام العمليّات الجراحية التجميلية، أو ما أشبه، وذلك أيضاً في إطار محدود جدّاً ممّا كشف عنه العلم.
وقبال أولئك الجبريين، يعتقد البعض الآخر أنّ نظرية القوانين الاجتماعية والتاريخية وجبريتها، لا تصل في شدّتها وقوّتها إلى الحدّ الذي تُسلب فيه اختيار الناس، وتصادر حرّياتهم. فالإنسان ليس أداة مسيّرة بيد روح المجتمع، أو التاريخ، بحيث يوجهه المجتمع أنّى شاء لينفّذوا أهدافه، وهو يتخيّل أنّه يشبع رغباته الشخصية.
أقول: الناس ليسـوا مسلوبي الاختيـار والإرادة، والحرّية ليست وهمـاً وخيالاً. وقد بيّن الإسلام حدود ذلك بقوله: (لا جبرٌ ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين)(2). فالإنسان قادر على أن يكون في مقدّمة القافلة، وفي مؤخّرتها، وفي وسطهـا. ويستطيع أن يسرع فـي مشيـه أو يبطـئ، ويستطيـع أن يكـون راكبـاً أو راجلاً، ويستطيع أن يأكل أو يصوم، ويستطيع أن يتزوّج أو يبقى عزباً، إلى غير ذلك في الحدود التي أقرّها الله سبحانه وتعالى للإنسان.
وكذلك بالنسبة إلى الحيوان، لكن الحيوان يختلف عن الإنسان بأنّه في الدرجة النازلة.
أمّا الجماد، والذي منه الماء أيضاً، وإن كان سائلاً ـ بالاصطلاح العام ـ، فحدوده أقلّ، وأقلّ من حدود الحيوان، هذا مع أنّا لا نعرف إطلاقاً عن الحيوان والجماد شيئاً إلاّ القدر الضئيل، الذي هو أقلّ من واحد في المليار أو أقلّ.
وعلى هذا، فالقوانين الاجتماعية، والقوانين الطبيعية، والقوانين التاريخية، تحدّ من حرّية الإنسان، وإرادته، واختياره، لكنّها لا تُلغيها، ولا تفنيها، إلغاءً مطلقاً، أو فناءً مطلقاً، فالقوانين الاجتماعية، والقوانين التاريخية؛ لا تصطدم بحرّية الإنسان إلاّ بالقدر المقرّر له، كما أنّ حرّية الإنسان بالقدر المقرّر له؛ لا تلغي القوانين الاجتماعية والتاريخية، فبينهما نسب جزئية لا مطلقاً. فالإنسان مستسلم بقدر فقط وفي بعض الجهات لجبر التاريخ وفلسفته، وجبر المجتمع.
وهذا أساس كلّ القوانين والأديان سواء كانت سماوية أو غير سماوية، فإنّ كلّ دين، وكلّ نظام خلقي، أو حقوقي، قائم على كون إرادة الإنسان حرّة، ولو كان الإنسان غير مختار وغير حرّ، فكيف يصحّ أمره أو نهيه، مدحه أو ذمّه، إنذاره أو تبشيره، تحذيره أو ترهيبه، توبته أو عقوبته، توجيهه أو إرشاده؟ ولذا نشاهد أن كثيراً من الآيات القرآنية وكثيراً من الروايات فيها تصريح، أو تلويح، أو تلميح، على أنّ القوانين الاجتماعية والتاريخية، لا تسلب من الإنسان اختياره بأيّ شكل من الأشكال، قال سبحانه وتعالى: {قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] (3)، وفي آية أخرى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170] (4)، هذا هو السبب في تحوّل المجتمعات من حالة إلى حالة، مثل تحوّل المجتمع من الإسلام الذي كان سائداً عليه حوالي خمسة قرون إلى مجتمع مسيحي ـ وللإسلام والمسيحية مفاهيم متضادة أحياناً مثل مفهوم التثليث أو التوحيد، ومفهوم تعدّد الأزواج أو وحدتها إلى غير ذلك ـ، ثمّ تحوّل الأمر من المسيحية إلى الشيوعية التي لها خصوصيات خاصّة أحياناً تصل إلى حدّ التناقض مع المسيحية، وهكذا بالنسبة إلى الغربيين من حيث كانوا وطنيين ثمّ تحوّلوا إلى مسيحيين ثمّ تحوّل بعضهم مثل البوسنيين إلى مسلمين، أو مثل تحوّل المسيحية إلى الشيوعية بالنسبة إلى أوربا الشرقية أو ما أشبه ذلك.
والمقصود من هذا البحث أنّ الذي يريد أن يبيّن فلسفة التاريخ الغابر، أو روح التاريخ للمستقبل، عليه أن يلاحظ هذه الخصوصية، فإنّ كلّ انحراف عن هذا الوسط، يكون خلاف الواقع سابقاً، وخلاف المتوقّع مستقبلاً.
_____________
(1) سورة الإنسان : الآية 30.
(2) الكافي (أصول) : ج1 ص160 ح13، بحار الأنوار : ج4 ص 197 ب 3 ح 2 (بالمعنى).
(3) سورة الزخرف : الآية 23.
(4) سورة المائدة: الآية 104.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|