أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2017
3380
التاريخ:
1832
التاريخ: 9-1-2017
2945
التاريخ: 2023-06-14
817
|
كيفية استنباط السنن التاريخية
فلسفة التاريخ هي قواعد كلّية مستنبطة من مجموعة الأحداث، بمعنى أن تكون المقدّمات متعلّقة بالتاريخ العالمي باستقراء المواد المختلفة من الأمم والشعوب، والشرق والغرب، والإمبراطوريات القديمة والحديثة، والانتصارات والانكسارات.
ومن الواضح أنّ هذه القواعد لا تحتاج إلى الاستقراء الكلّي، الذي لا يمكن تحقيقه بالنسبة إلى الإنسان في هذا العصر، فكيف بالعصور القديمة، وقد كتب جماعة من العلماء فلسفة التاريخ، ولم يشكل عليهم بأنّهم لاحظوا بعض العصور، أو بعض الأمم، وذلك لأنّ الاستقراء إذا كان معلّلاً، لم يحتج إلى تصفح جميع الجزئيات.
مثلاً: من يريد أن يقول كلّ حيوان يحرّك فكّه الأسفل عند المضغ حيث لا يستند هذا الإدعاء إلى علّة عامة مشتركة، يحتاج إلى أن يشاهد الإنسان كلّ حيوان حيوان، بينما إذا وصل الأمر إلى الاستقراء المعلّل، لم يحتج إلى الاستقراء التامّ، ولذا فرّق المنطقيّون بين الاستقراء التام وبيـن الاستقراء الناقص، وبين الاستقراء المعلل وغيره، فكما أنّا لا نشاهد إلاّ بعض النيران، ومع ذلك نقول: كلّ نارٍ حارّةٍ، أولا نشاهد إلاّ بعض أقسام الضرب، ومع ذلك نقول إنّ الضرب أمرٌ غير محبذ، كذلك بالنسبة إلى فلسفة التاريخ لوحدة الطبيعة الإنسانية من جهات متعدّدة، فإنّها تكمن خلف اختلاف الشعوب، وتمايز ألوانها وعوائدها، ومن ثمّ فمن النتائج الكلّية المستخلصة من مادّتها المحدودة يمكن أن تطبّق على غيرها من المجتمعات.
مثلاً: إذا رأينا أنّ الشاب له قوّة الاندفاع، فإنّه لا يحتاج الأمر إلى أن نشاهد كلّ شابٍّ شاب. بل إذا رأينا ألوفاً من الشباب لهم هذه الخاصّية، نقول بأنّ كلّ شاب، له قوّة اندفاعية إلاّ الشاب المريض، أو ما أشبه ذلك، وهكذا إذا رأينا الشيوخ لهم هدوء، وسكينة، وعدم اندفاع، فإنّه لا يحتاج إلى أن نرى كلّ الشيوخ، بل نقول ذلك بالنسبة إلى كلّ الشيوخ؛ لاكتشاف ذلك الكلّي من عشرات المئات من الشيوخ الذين شاهدناهم، وكذلك الحال في كثير من القضايا مثل قولهم: الربا شرارة الحروب، والخمارون ينتهون إلى أمراض القلب، والمدمنون للمخدّرات ينتهون إلى ضعف الأعصاب، إلى غير ذلك من القضايا الكلّية التي لا اختلاف فيها إطلاقاً، مع أنّ التاريخ العالمي لدى معظم فلاسفة التاريخ كانت أبحاثه مركَّزة على مجتمعات معيّنة وأزمنة معيّنة، لأنّ الإنسان ليس في طول الزمان من أوّل الخلقة إلى آخرها، ولا في سعة الأمر من الناس الذين هم في عصره من الأشخاص المتشتّتين في شرق الأرض وغربها.
وعلى هذه الأمور تترتّب كلّ القضايا باستثناء الضروريات الحسابية، أو الرياضية، أو ما أشبه ذلك، كالطبّ، والهندسة المعمارية، والمحاماة، والقضاء، وألف علم وعلم، كلّها حاصلة من مثل تلك المفردات.
نعم، العلوم الضرورية كالحساب، والهندسة العلمية، وبعض مسائل الفيزياء، والكيمياء، وما أشبه ذلك هي من الضرورات بحيث لا تحتاج إلى جمع المفردات الكثيرة وإلاّ فالعلوم التجريبيّة كافّة بحاجة إلى جمع المفردات الكثيرة حتّى يكتشف منها السرّ العامّ، والفلسفة الجامعة لكلّ تلك المفردات في المنحى الذي قصده العالم.
الأسباب والمسببات
إن معرفة فلسفة التاريخ تحتاج إلى استكشاف العلل والمعلولات، والأسباب والمسبّبات، وذلك كما في الحديث: (أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب) (1)، وفي القرآن الحكيم ذكر مرتين قوله سبحانه وتعالى: ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً)) (2) فإنّ الله جعل الدنيا دار أسباب ومسبّبات باستثناء ما قد يفعله من المعجزات الخارقة.
مثلاً: الإنسان إذا صار مريضاً؛ احتاج إلى الدواء، لكن الله سبحانه وتعالى أجرى على يد عيسى المسيح (عليه السلام) الشفاء بدون الدواء. كما أنّه جعل كذلك في نار إبراهيم، فإنّ النار تكون محرقة، بينما جعل الله سبحانه وتعالى النار لإبراهيم (عليه السلام) برداً وسلاماً.
والحاصل: أنّه بدون الصور المستثناة، تكون الدنيا دنيا الأسباب والمسبّبات، ومن يريد فلسفة التاريخ، واكتشاف الروح العامة؛ يجب أن يعرف الأسباب والمسبّبات كأسباب النهوض، وأسباب السقوط، وأسباب الغنى، وأسباب الفقر، وأسباب الصحّة العامّة، وأسباب المرض العام.
مثلاً: أسباب الصحّة العامة، تكمن في مراعاة الماء، والهواء، والنوم واليقظة، والإملاء، والإفراغ، فإذا كان الهواء غير نقيٍّ، أو الماء غير صحّي، يسبّب ذلك أمراضاً للإنسان بل والحيوان والنبات أيضاً، إلى غير ذلك من العلل والمعلولات، والأسباب والمسبّبات، ممّا قد يكون أسباباً ومسبّبات متعدّدة حتّى
الوصول إلى النتيجة المطلوبة، وقد يكفي في الوصول للنتيجة وجود سبب ومسبّب واحد.
وعلى أي حال: فمن يريد فلسفة التاريخ يجب أن يلاحظ هذا الأمر في كلّ شيء يريد تحصيل النتيجة من مقدّماته.
ثم إنّ هذه المقدّمات قد تكون قريبة، وقد تكون بعيدة، مثلاً: الماء، والهواء، والتراب، والحرارة؛ مقدّمة للحصول على المركب، أو المعجون الفلاني، الذي هو ناتج عن ماء التفّاح، وشجرة التفّاح الناتج عن الأرض الخصبة، إلى غير ذلك من الأمثلة. من غير فرق بين أن تكون الأسباب مترتّبة بعضها على بعض كالمثال المتقدّم، أو في عرض واحد مثل احتياج الفقه إلى اللغة، والصرف، والنحو، والبلاغة، والمنطق، والأصول، والحديث، والرجال، وما أشبه ذلك، فإنّها لا تترتّب بعضها على بعض بل كلّها في عرض واحد.
ومن الواضح أنّ التعليل يجب أن يكون تعليلاً لجملة من الأمور الكافية للاستكشاف لا أمراً جزئياً خارجياً، كما هو حال التاريخ، إذ التاريخ يكتفي في سرد حالة زيد، وعمر، وبكر، وتجارة خالد وخويلد، وعلم فلان وفلان، وفي التاريخ يجب أن يلاحظ ذلك.
التعليل الظاهري والباطني
مـن يريد معرفـة فلسفـة التاريخ، واكتشاف الروح العامة، يجب عليه معـرفة التعليـل الباطنـي، ولا يكتفي بالتعليل الظاهـري، فإنّ التعليلات الظاهريـة لا تكفـي لكشف الـروح العامّـة، وإنّمـا الذي يكشـف الـروح العامـة هو التعليلات الباطنية، بأن ينظر إلى ما وراء أحداث التاريخ والأسباب الواقعية.
مثلاً: هـارون العبّاسي ذهب إلـى خراسان لأجل الاصطياف، هذا كـان ظاهر الأمر، أمّا باطن الأمر هـو رغبته فـي إخماد الفتن التي نشبت هناك مـن جرّاء أخذ علي بن ماهان (3) حاكمه في خراسان الضرائب المرهقة التي سببّت هيجان الناس ومن ثمّ الثورة (4). وهكذا في كثير من الأمور علل ظاهرية وعلل باطنية، والعلل الظاهرية بمفردها لا تتمكّن من كشف الروح العامة وفلسفة التاريخ.
ومن الواضح أنّ التعليل التاريخي بحاجة إلى جملة من العلوم كالمنطق، والحكمـة، والأصول المصطلـح فـي أصـول الفقـه، والحساب، ومـا أشبه ذلك، فإنّ اكتشـاف الـروح العامـة بحاجـة إلى هذه الأمـور. ومنـه يعلـم أنّـه لا يراد بالفلسفـة هنـا الفلسفـة عنـد الفلاسفـة الحكمـاء كابـن سينا، والفارابي (5)، وقبل ذلك أرسطو، وبعد ذلك الحاج السبزواري (6)، والملاّ صدرا (7)، ومن أشبههم، بل المراد بالفلسفة هنا الأعمّ من وجه والأخص بالوجه من الفلسفة المصطلحة.
___________
(1) الكافي (أصول): ج1 ص183 ح7 وبصائر الدرجات: ص6 و ص505 باب معرفة العالم، وقريب منه في غوالي اللآلي: ج3 ص 286 باب النكاح.
(2) سورة الكهف: الآيات 89 و92.
(3) علي بن عيسى بن ماهان، تولى ديوان الجند في عهد المهدي العباسي، حكم خراسان في عهد هارون العباسي، سيّره الأمين العباسي لمحاربة أخيه المأمون، قتل سنة 195ه (811م).
(4) وكان ذلك في شعبان سنة 192ه حيث خرج عليه رافع بن الليث واستولى على ما وراء النهر ؛ لأن واليه علي بن ماهان قد أرهق الأهالي بالضرائب ما يقدر بحمل ألف وخمسمائة جمل.
(5) أبو نصير محمد بن محمد بن طرخان الفارابي، عالم وفيلسوف وحكيم، أتقن العلوم الحكمية وبرع في العلوم الرياضية، وكتب في الفلسفة والفلك والمنطق والرياضيات والهندسة والموسيقى والنبات، ولد في إقليم خراسان سنة 260ه (873م)، وقيل: 257ه (870م)، عاش ثمانين سنة، وكان يجيد اللغة التركية والعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والعبرية، وكان يسعى للتوفيق بين فلسفة أرسطو وأفلاطون، ودرس في بغداد الرياضيات والطب والفلسفة، وكان على اتصال بالصاحب بن عباد وغادرها لما أصابها من اضطرابات اجتماعية وسياسية وهجوم الديلم عليها وما أحدثوه من فتن ومصائب وتقتيل ثم سافر إلى حلب سنة 329ه (941م) فاتّصل بسلطانها، سيف الدولة بن حمدان ؛ وأقام في كنفه مدة وأكرمه وقربه، ثم سافر معه إلى دمشق عندما استولى عليها ثم توجه إلى مصر سنة 338ه (949م) ؛ وتوفي فيها سنة 339ه (950م) وصلى عليه سيف الدولة الحمداني، بلغت مؤلفاته المائة غير أن أغلبها فقد، والموجود منها حوالي الأربعين :(31) بالعربية و(6) بالعبرية و(2) باللاتينية، من مؤلفاته: (المدينة الفاضلة، (التعليم الثاني، (إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، (السياسة المدنية و(السيرة الفاضلة، (ماينبغي أن يتقدم قبل تعلم الفلسفة، (الموسيقى الكبير.
(6) المولى هادي بن مهدي السبزواري، حكيم وفيلسوف وفقيه وشاعر وعارف، ولد في مدينة سبزوار الإيرانية سنة 1212ه، ثم هاجر منها إلى أصفهان للدراسة وبقي فيها عشر سنوات، تتلمذ عند الشيخ محمد تقي ؛ صاحب (هداية المسترشدين، والشيخ محمد إبراهيم الكلباسي ؛ صاحب (إشارات الأصول، والملاّ إسماعيل الإصفهاني، والملاّ علي نوري، ثم انتقل إلى مدينة مشهد الرضا سنة 1242ه ؛ وأخذ يدرس فيها، ثم انتقل إلى سبزوار سنة 1252ه وطفق يدرس فيها الفلسفة والعلوم الإلهية 37 سنة، توفي سنة 1289ه ودفن في مسقط رأسه، ومن تلامذته الشيخ محمد كاظم الخراساني ؛ صاحب (كفاية الأصول، والملاّ عبد الكريم القوجاني، وله أكثر من عشرين مؤلفاً منها: (شرح المنظومة وهي على قسمين: في المنطق والفلسفة، وكتاب (شرح الأسماء الحسنى و(شرح على المثنوي ؛ لجلال الدين الرومي، و(تعليقات على كتاب الأسفار الأربعة، و(حاشية على الشواهد الربوبية، و(حواشٍ على رسالة المبدأ والمعاد ؛ لصدر المتألهين، و(مجموعة رسائل و (إرجوزة في الفقه( ؛ سماها (النبراس( و (الجبر والاختيار( و (شرح دعاء الصباح( و (غرر الفوائد( في الحكمة. ترجمه المآثر والآثار: ص147.
(7) محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي، المشهور ب(الملا صدرا أو (صدر المحققين، فيلسوف وحكيم وعارف ومفكر إسلامي، ولد في شيراز في الربع الأخير للقرن العاشر الهجري، وتوفي في البصرة سنة 1050ه (1640م) في طريقه لحج بيت الله الحرام للمرة السابعة، تتلمذ عند السيد الميرداماد والشيخ البهائي، ومن أبرز تلامذته الفيض الكاشاني واللاهيجي ؛ صاحب (الشوارق، من مؤلفاته: (الحكمة المتعالية في المسائل الربوبية(، المسمى ب(الأسفار الأربعة، و(المبدأ والمعاد، و(مفاتيح الغيب، ولايخفى أن فلسفته قائمة على التوفيق بين المشّائيين والإشراقيين وعلى تطابق الشرع والعقل. ترجمه روضات الجنات: ص331، المنجد في الأعلام: ص398، الموسوعة الإسلامية: ج5 ص280 ـ 281.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|