أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2019
![]()
التاريخ: 17-4-2019
![]()
التاريخ: 17-4-2019
![]()
التاريخ: 16-4-2019
![]() |
المعجم:
لقد رأينا أن اللغة العربية الفصحى مكوَّنة من أنظمة لغوية هي النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي للغة, وحين نسمي أفكارًا مركبة ما نظامًا فلا بُدَّ أن تكون بين بعضها وبعض علاقات عضوية معينة, وكذلك أوجه خلاف بين كل واحدة منها وبين الأخرى؛ بحيث تؤدي كل واحدة منهما في النظام وظيفة تختلف عمَّا تؤديه الأخرى, فللنظام إذًا تكامل عضوي واكتمال وظيفي يجعله جامعًا مانعًا بحيث يصعب أن يستخرج منه شيء أو أن يضاف إليه شيء, ومن طبيعة النظام اللغوي أن يصلح "للجدولة" -إن صح هذا التعبير- فيكون له من معانيه بعد رأسي وبعد آخر أفقي, ويكون من التقاء كل معنى في البعد الرأسي بمعنى آخر في البعد الأفقي وحدة معنية من وحدات النظام. ولما كان طابع النظام اللغوي عضويًّا إلى هذا الحد أصبح من الصعب على اللغات أن تستعير الواحدة منها جزءًا من نظام الأخرى, ومن ثَمَّ لم نجد لغة تستعير من لغة أخرى أحد أصواتها أو ظاهرة سياقية من ظواهرها أو صيغة صرفية أو حرف زيادة أو ملحقًا من ملحقاتها, أو علاقة نحوية من علاقاتها.
والسؤال الذي ينبغي أن نعرف إجابته الآن هو: "هل يمكن أن يكون المعجم نظامًا من أنظمة اللغة كما كان النظام الصوتي والصرفي والنحوي؟ " للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ننظر في الأمور الثلاثة التي نسبناها إلى أنظمة اللغة لنرى في كل أمر ما إذا كان يتحقق أولًا يتحقق المعجم. وهذه الأمور الثلاثة هي:
أ- العلاقات العضوية والقيم الخلافية بين المكونات.
ب- الصلاحية للجدولة "أي أن يوضع في صورة جدول".
جـ- عدم إمكان الاستعارة بين لغة ولغة.
أما من حيث العلاقات العضوية فليس بين كلمات المعجم أيّ علاقة عضوية, وقد يكون بين كل طائفة من هذه الكلمات علاقة اشتقاقية معنية
ص312
هي اشتراكها في أصول المادة, ولكن هذه العلاقة الاشتقاقية تختلف عمَّا نقصده من العلاقة العضوية؛ لأن العلاقة العضوية لأية وحدة من وحدات النظام تدخلها في علاقة خلافية مع بقية الوحدات جميعًا أيًّا كان موضعها من النظام, فإذا نظرنا مثلًا إلى جدول الصرف وأخذنا وحدة من وحداته التقسيمية كالاسم مثلًا, وجدنا هذا الاسم يختلف عن كل ما عداه, وقد بينَّا ذلك تحت عنوان أقسام الكلم العربي في موضعه من هذا الكتاب, فالاسم يختلف عن الصفة باعتبارات, وعن الفعل باعتبارات أخرى, وعن الضمير والخالفة والظرف والأداة كذلك، وكل ذلك في إطار النظام الصرفي. وكذلك لو نظرنا في المعاني التصريفية كالتكلم أو الخطاب والغيبة, أو الإفراد والتثنية والجمع, أو التذكير والتأنيث, وجدنا أن كل معنى من هذه المعاني كله مكانه في النظام لا يتركه ولا يطغي على أماكن المعاني الأخرى. فالتكلم والخطاب يتصلان بالأفعال والضمائر, ولكن الغيبة تضم إن هذين الأسماء والصفات؛ لأن الاسم والصفة في قوة ضمير الغيبة كما يقول النحاة, ولذلك يسند الفعل إليهما على الصورة التي يسند بها إلى ضمير الغيبة. ذلك هو ما نقصده بالعلاقات العضوية بين وحدات النظام. والمعجم ليس كذلك ومن ثَمَّ تنتفي عن كلماته سمة العلاقات العضوية فلا يكون نظامًا.
والأمر الثاني هو صلاحية أيّ نظام لغوي للجدولة, وقد رأينا كيف أمكن وضع النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي للعربية الفصحى في صورة جداول ذات أبعاد رأسية وأخرى أفقية تتشابك فيها العلاقات, وتقوم القيم الخلافية في كل جدول حارسًا أمينًا لأمن اللبس في النظام والسياق معًا. وواضح أن المعجم لا يمكن أن يوضع في صورة جدول؛ لأنه كما قلنا تنقصه العلاقات العضوية بين مكوناته, ومن شروط إمكان أي جدول أن يوضع أن يكون بين مكوناته هذه العلاقات العضوية كما ذكرنا. وإذا كان المعجم غير صالح للجدولة فلا يمكن أن يكون نظامًا لغويًّا.
والأمر الثالث الذي تتميز به الأنظمة اللغوية هو صعوبة الاستعارة بالنسبة لوحداتها من لغة إلى أخرى, فلا تستعار أداة ولا رتبة ولا صيغة
ص313
ولا باب نحوي من لغة إلى لغة أخرى في العادة, والملاحظ أن مجال الاقتراض بين اللغات هي الكلمات المفردة وهي مكونات المعجم. ولقد اشتملت اللغة العربية منذ الزمن القديم في العصر الجاهلي على مفردات مستعارة من لغات أخرى في الشرق والغرب؛ كالسكر من السنسكريتية, والإبريسيم والاستبرق من الهلوية, والإقليم والقسطاس والدينار من الإغريقية, ولكن العربية الفصحى لم تستعر من واحدة من هذه اللغات قاعدة ولا طريقة من طرق التركيب ولا أداة ولا جزءًا آخر من أجزاء أنظمتها. ومعنى ذلك كله أن المعجم لا يمكن لهذا السبب أن يوصف بأنه نظام.
هذه فروق ثلاثة بين الأنظمة اللغوية وبين المعجم, وهناك أمر آخر يرجع إلى الوظيفة الاجتماعية للغة في عمومها؛ فالمعروف أن لغة كل قوم إنما تسمي تجاربهم الاجتماعية فتضع للمسميات اسمًا, وتضع للأعمال أفعالًا, وتضع للعلاقات فيما بينهما أدوات تربط بين الكلمات في السياق. ويتم كل ذلك في حدود العرف المحلي لهؤلاء القوم, ومن ثَمَّ تختلف المفردات من لغة إلى لغة؛ لأن تعارف جماعة ما لا يتشابه بالضرورة مع تعارف الجماعة الأخرى. زد على ذلك أن الجماعات تختلف بيئاتها فتختلف مسمياتها, فإذا كانت بيئة ما تسمي "الجمل" فإن بيئة أخرى تسمي "اللاما", وبيئة ثالثة تسمي "الفيل", وكذلك قد تسمي بيئة من البيئات طعامًا لا يكون معروفًا للبيئة الأخرى, ومثل الطعام والعادة والآلة والتقليد وأنواع التجارب المختلفة؛ ومعنى هذا أن أية لغة من لغات العالم لا يتصور لها أن تسمي التجارب الإنسانية جميعًا؛ لأن اللغة محلية, ولأن أصحابها لا يعرفون جميع التجارب الإنسانية, فحتى لو تصورنا أن اللغة في عمومها تنتظم التجارب الإنسانية كلها في نظام معين "وهو أمر غير ممكن لتوالي حدوث تجارب إنسانية جديدة باستمرار", فإن أية لغة محلية لا يمكن أن تنتظم هذه التجارب جميعًا.
وإذا لم يكن المعجم كما رأينا نظامًا من أنظمة اللغة؛ لأنه لا تتوافر له مقومات النظام فلا بُدَّ أن يكون منهج المعجم متجهًا إلى دراسة "قائمة" من الكلمات تشتمل على جميع ما يستعمله المجتمع اللغوي من مفردات.
ص314
ومن طبيعة هذه القائمة الضخمة التي هي في حوزة المجتمع في عمومه ألا يحيط بها فرد واحد من أفراد هذا المجتمع مهما بلغ حرصه على استقصائها؛ لأن ظاهرتي الارتجال والتوليد وهما مستمرتان لا بُدَّ أن تقفا به دون الإحاطة بالكلمات المرتجلة والمولَّدة التي هي في طريقها إلى الشيوع العرفي. ولكن أفراد المجتمع يتوزعون مفردات هذه القائمة فيما بينهم؛ كل بحسب بيئته وثقافته وحياته الاجتماعية, فيستقل كل فرد بطائفة منها يعرف معانيها معرفة عامة, ويعرف ما لبعض هذه المعاني من ظلال دقيقة مختلفة. أما ما في أيدي الآخرين من هذه القائمة فلا يتفق ما لدى كل فرد منم إلّا مع بعض ما لدى الفرد الذي كنا نتكلم عنه, ويبقى بعد ذلك أكثر ما في أيديهم مجهولًا بالنسبة لهذا الفرد جهلًا لا يزيله إلّا أن يعنى المتخصصون من هذا المجتمع بتدوين كل مفردات اللغة ومعانيها في صورة معجم ليرجع إليها هذا وذاك من الراغبين في الاطلاع على هذه المفردات والمعاني. لهذا كان تدوين المعجم ضرروة لغوية لكل مجتمع متقدم, وكان لا بُدَّ أن يتم تدوين المعاجم على صورة تمكن كل فرد يطلع عليها أن يعرف الكثير من المعلومات التي توضح ما يحيط بمادتها الأساسية وهي الكلمة.
ص315
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|