أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-3-2019
2354
التاريخ: 10-4-2016
3217
التاريخ: 9-4-2016
3418
التاريخ: 30-3-2019
2611
|
عندما يتحدث الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن العدالة الاجتماعية، فانه لا يتحدث عن المساواة المطلقة، فهناك فرق بين المساواة والعدالة.
فالمساواة بين زيد وعمرو مثلاً لا تكتمل الا على سبيل القضية النسبية لا على سبيل القضية المطلقة، بمعنى ان المساواة المطلقة بين الافراد لا يمكن ان تتم الا في الرياضيات، لان ذلك العلم يتعامل فقط بالكميات والاعداد النقية المطلقة، اما في الواقع الخارجي فان فردين متساويين في الفقر والحاجة، ربما لا يتساويان في امور اخرى كالعمر والتفكير والذكاء والطاقة الكامنة للعمل.
ولم يطرح امير المؤمنين (عليه السلام) فكرة «المساواة» في افكاره وخطبه ورسائله الا في العطاء الذي كان يقدمه بيت المال للفقراء،حيث يُفترض فيه ان يشبع حاجاتهم الاساسية، الا ان الناس _ وبسبب اختلاف قدراتهم العقلية والجسدية _ لا يمكن ان يوضعوا على درجة اجتماعية واحدة بالدقة العقلية ؛ لان ذلك مستحيل على صعيد الواقع الخارجي، ولم نجد موارداً من الموارد الفقهية يشير بشكلمن الاشكال الى فكرة «المساواة التكوينية» على المسرح الاجتماعي، ولكن رسالة السماء قدمت فكرة «العدالة الاجتماعية» وحاول الامام (عليه السلام) في عهده الحافل بالمنجزات، بلورة مصاديقها العملية.
وقد اعلن الاسلام عن ثلاثة مبادئ نجملها فيما يلي:
اولاً: ان الاختلافات التكوينية بين الافراد هي واقع حقيقي لا يمكن انكاره او تجاهله، ولذلك فان فكرة «المساواة» تصدق فقط في «المساواة» في معونة المظلومين واسترجاع حقوقهم من الظالمين، وفي «المساواة» في العطاء من بيت المال لذوي الحاجة والمسكنة من الامة، وقد وردت روايات تؤكد ذلك منها:
1 _ قال (عليه السلام) عند بيعة الناس له: «... فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسَّم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد».
2 _ ومن كلام له (عليه السلام) لما عوتب على التسوية في العطاء: «أتأمرونِّي ان اطلب النصر بالجور فيمن وُلِّيتُ عليه! والله لا أطُورُ بهما سَمَر سَميرٌ، وما أمّ نجمٌ في السماءِ نجماً! لو كان المال لي لسوَّيت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله».
3 _ ولَّى امير المؤمنين (عليه السلام) بيت مال المدينة عمارَ بن ياسر وابا الهيثم بن التيهّان فكتب: «العربي والقرشي والانصاري والعجمي وكل من في الاسلام من قبائل العرب واجناس العجم [سواء]، فأتاه سهل بن حنيف بمولى له (عبد) اسود، فقال: كم تعطي هذا؟ فقال له امير المؤمنين (عليه السلام): كم أخذت انت؟ قال: ثلاثة دنانير وكذلك اخذ الناس، قال: فأعطوا مولاه مثل ما اخذ ثلاثة دنانير».
اذن، فالمساواة في العطاء للفقراء تخلُقُ جوّاً من العدل، وإحقاقاً للحق، وانصافاً للمظلوم من ظالمه، وتلك العدالة في العطاء للفقراء تجبرُ الاختلافات التكوينية التي خُلقت اصلاً مع الافراد دون ارادتهم.
ثانياً: لما كان تحقيق المساواة العقلية بين الناس امراً مستحيلاً، كان لا مفرّ للامام (عليه السلام) من تحقيق المساواة العرفية التي هي شكل من اشكال العدالة، عن طريق الانصاف والعدل والميزان، كما قال (عليه السلام): «..، ايها الناس، اعينوني على انفسكم، وايمُ الله لانصفن المظلوم من ظالمه، ولاقودنَّ الظالم بخزامته، حتى اوردهُ منهلَ الحق وإن كان كارهاً»، وهو منسجمٌ مع الآيات القرآنية الواردة في هذا المعنى، مثل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90]، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 - 3] ، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، وتلك آيات شريفات اكدت على عدالة توزيع الثروة، وحسن تعامل الناس فيما بينهم على صعيد المال، وجعلت للفقراء حقاً محسوباً في اموال الاغنياء، بمعنى ان الشريعة لم تجعل للاغنياء الخيار في مساعدة الفقراء او اهمال مساعدتهم، بل فرضت عليهم ذلك الوجوب بقوة التشريع.
ثالثاً: كما ان بيت المال يوزع الحقوق على الفقراء بالتساوي، فانه في الوقت نفسه يأخذ من ارباب العمل والزراعة: الخَراج، وهي ضريبة تدخل بيت المال بضميمة موارد اخرى كالغنائم والصدقات ونحوها، وقد نهى (عليه السلام) زياد بن ابيه _ عامله على فارس _ عن زيادة الخراج، بقوله (عليه السلام): «استعملِ العدلَ، واحذرِ العسفَ والحيفَ...».
والاختلاف بين الفاضل والمفضول في الشريعة يعكس الاختلاف في القدرات العقلية والجسدية بين الافراد، وقد ورد في الكتاب المجيد ما يشير الى ذلك: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [النحل: 76] ، {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
ومنطوق الآيتين الشريفتين يعكس نفي التساوي بين الافراد، والتفاضل في الرزق، والتفاوت في القدرة على التصرف بالمال، والتفاوت في القدرة بين المهتدي وغير المهتدي كلها تعتبر من السنن التكوينية وتعدّ جزءً لا يتجزأ من التصميم الالهي للخلق والتكوين.
الا ان ذلك التفاضل التكويني لا يترك آثاره الاجتماعية الا على صعيد ترجمة ذلك التفاضل الى منفعة يقدمها الفاضل للمفضول، بمعنى ان الرزق _ الذي منحه الخالق عزّ وجلّ الى الفاضل _ اذا لم يُخرَج منه الحق الشرعي ويُسلِّم للمفضول، أصبح نقمةً آلهية على الفاضل نفسه.
وبكلمة، فان التفاضل التكويني، والاختلاف في القدرات العقلية والجسدية انما تنجبر اذا التزم الجميع بتطبيق الاحكام الشرعية، وهي: العدالة في اخذ الضريبة من الاثرياء، والعدالة في توزيعها على الفقراء.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|