أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-02-2015
3678
التاريخ: 20-01-2015
3720
التاريخ: 8-02-2015
3244
التاريخ: 8-02-2015
3677
|
وكان فتح مكة دون اراقة دماء، ودفع العدو الجزية في تبوك، احد نتائج بطولة امير المؤمنين (عليه السلام) في المعارك التي خاضها ضد المشركين، ومن الطبيعي فان الرغبة في القتال عند الناس يمكن ان تُصوَّر على اساس ان لها دوافع عدوانية شريرة، ولكن ذلك التصور لا ينطبق على بطولة علي (عليه السلام) للاسباب التالية :
اولاً : ان طبيعة التربية النبوية لعلي (عليه السلام) كانت منصبّة على تعليمه طرق تمييز الخير من الشر، والحق من الباطل، والمعبود من العابد، والخالق من المخلوق، فصورة الرغبة في القتال هنا تفترض ان الحرب هي وسيلة من وسائل محق الشر وازهاق الباطل وتثبيت الخير واحقاق الحق، فالبعد الواقعي هنا ليس بُعداً عدوانياً، بقدر ما هو يقين بقدرة الخير والحق على الانتصار على الشر والباطل كما اشار الذكر الحكيم الى ذلك بالقول: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8]، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ...} [الشورى: 24]، فاليقين عند علي (عليه السلام) وهو في ساحة المعركة يُفرز سلوكاً عقلياً جامحاً بضرورة هدم الشرك والالحاد عبر الفرص التي يهيئها اشتباك الاسنّة وتلاحم الايدي وتطاير الرؤوس.
ثانياً : ان التعامل الاخلاقي لعلي (عليه السلام) في الحروب التي ذكرناها في عرض الكتاب اكثر من مرة مثل: عدم الكرّ عندما يفرّ العدو، والصفح عن المسيء عندما يتمكن منه، وكشح الوجه عن عورات اعدائه عندما يضطرون لاظهارها وقت الشدة، كلها تدلُّ على ان بطولته (عليه السلام) كانت عملية اخلاقية صاغها السلوك العقلي الديني.
ثالثاً : اننا لانستطيع ان نأخذ صفة الشجاعة عند الامام (عليه السلام) بصورة منفصلة عن الصفات الشخصية الاخرى كالزهد والتقوى والتعفف عن ملاذ الدنيا الفانية، فاذا اضفنا تلك الصفات في القدرة على نبذ ملذات الدنيا - حلالها فضلاً عن حرامها- الى البطولة الخارقة، لكان العامل الشخصي المحرِّك للحرب عند علي (عليه السلام) عاملاً اخلاقياً نابعاً عن جوهر الدين في محاربة الشر والباطل بما فيه من ظلم ورذيلة وفساد، بينما لو درسنا صفة الشجاعة عند افراد مثل عمرو بن عبد ود او مرحب او ابو جرول، لتبين لنا ان تلك الصفة اتخذت صفة العدوانية لانها كانت تمثل الغرور، والتكبر، والفساد الاخلاقي، والشرك بالله سبحانه وهو اعظم الفساد.
رابعاً : ان الصور المرسومة في ذهن المؤمن - كصور الحياة الآخرة مثلاً من جنة ونعيم وملائكة وقرب من المولى عز وجل- تساهم في الاندفاع نحو القتال في ساحة المعركة، فيحكي لنا القرآن الكريم بان الله سبحانه وتعالى قد أخذ على نفسه عهداً للمؤمنين بان لهم الجنة والنعيم مقابل جهادهم المشركين والكافرين، فيقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ...} [التوبة: 111]، فالصور الذهنية هنا صورٌ اخلاقية ليست لها طبيعة عدوانية، فامير المؤمنين (عليه السلام) وهو يحمل تصوراته عن الخالق سبحانه وتعالى والحياة الآخرة لا يمكن ان يختار غير الحرب طريقاً لتوصيل الرسالة، امام اعداء لا يفهمون الا لغة القتال، وقد قال عز وجل: {...وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً...} [التوبة: 36].
خامساً : ان بطولة علي (عليه السلام) في المعارك الطاحنة كانت عاملاً مهماً من عوامل الردع النفسي ضد العدو، وقد اشرنا الى ذلك آنفاً وسوف نشير اليه من زاوية جديدة، وبذلك فقد ساهمت تلك البطولة في الحفاظ على دماء الناس واعراضهم، لان الردع كان يقتضي استسلام الجيش المقابل، عدا ما كان من شأن الحروب الخارجة عن القاعدة، وبذلك حفظ الاسلام الارواح والنفوس من القتل، فدخلوا في الاسلام، وانفتح لهم الطريق بعد ذلك لفهم معاني الدين دون اكراه، وكان فتح مكة من انصع الامثلة على صحة نظرية الردع في التعامل مع العدو.
سادساً : ان بطولة علي (عليه السلام) لم تكن حباً في اذى الناس، ولم تكن قضية غريزية من اجل القتل والتدمير، بل كانت تلك البطولة مصمَّمة على اساس ان ينتشر الخير والعدل بين البشر، فقد كان علي (عليه السلام) يحسن الى الفقراء ويرعاهم، ويجوع حتى يشبعوا، ويلبسهم النظيف الجديد ويلبس الرث البالي، فكيف تكون صفة الشجاعة لانسان مثله (عليه السلام) غريزة لحب القتل ؟! اذن، كانت شجاعة الامام (عليه السلام) حالة عقلية البسها الدين ثوب الكمال، وبذلك نفهم ان بطولة علي (عليه السلام) التي كان من ثمارها فتح مكة وتبوك دون سفك دماء، كانت عملية اخلاقية تستلهم من مبادئ الدين كل اصولها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|