أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2015
3734
التاريخ: 29-01-2015
3441
التاريخ: 5-5-2016
7670
التاريخ: 17-2-2019
2534
|
يقول تعالى في محكم كتابه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25] فالعُجب الذي اصاب بعض المسلمين يومئذٍ يعبّر عن اختلاط التصور الذهني بالتصديق الواقعي. فتصوروا _ خطأً _ ان مجرد الكثرة العددية كافية في حتمية النصر على العدو.
والعُجب: معناه تناقص القوة العقلية في النظر الى القضايا الواقعية الخارجية. وبمعنى آخر: ان العُجب لا يجعل النظر البصري مختلفاً في القوة والكثافة ؛ ولكنه يجعل الصور العقلية التي يحللها الذهن صوراً غير واقعية. وهنا تصبح الحقائق الواقعية الخارجية مجرد سراب خادع للنظر. فتصبح الكثرة العددية امراً مبالغاً فيه، وتصبح الاشياء والصفات المضادة للكثرة كالشجاعة والاقدام مجرد قضايا هامشية اقل من حجمها الحقيقي الواقعي.
والاصل في المسألة، ان الصور العقلية المخزونة في ذهن الانسان، والتي تحصل غالباً من مجموعة تراكمات ذهنية سابقة، هي التي تحدد الصورةالجديدة للواقع القديم. فالذين انهزموا في حنين بعد ان اعجبتهم كثرة المسلمين، انما انطلقوا من موقع سراب الصور العقلية التي حملوها قبل الاسلام، وايمانهم القَبَلي بان الكثرة _ لا الايمان والثبات _ هو الذي يحدد مصير المعركة الحاسمة. وفي ذلك دلالة على ان عناصر الايمان لم تكن راسخة في عقولهم ولا في نفوسم.
ولا شك ان الصورة الذهنية عن القضايا الخارجية تتحول الى قضية معرفية. فهنا عندما يُثار عُجب البعض بالكثرة العددية، فانهم يبنون عليها قضايا خاصة بالمعرفة مثل: عدم الجدية في قتال العدو، والايمان بهزيمة العدو لا محالة، والتفكير بالغنائم. ولذلك فقد كانوا اول من فرّ من المعركة، لانهم تصوروا _ خطأً _ ان الكثرة ستكون عاملاً من عوامل حمايتهم من سيوف العدو.
وبذلك كان العُجب بالكثرة العددية، يعني ادراكَ أمرٍ ذهني يخالف حقيقته الواقعية. وهذا هو عين «السراب». ذلك ان السراب هو نتيجة رؤية خاطئة عن الحقيقة يترتب عليها تعبير خاطىء ايضاً. فقد يرى الانسان الضمآن في صحراء جرداء قاحلة سراباً يحسبه ماءً، كما قال تعالى ممثلاً لاعمال الكافرين: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: 39] فالسراب يعبّر عن الاختلاف بين الحقيقة الخارجية وبين الادراك الخاطىء للانسان. وقد وجدنا ذلك في تصرف بعض المسلمين يوم حُنين واُحد والخندق. ولكننا لم نجد ذلك ابداً في تصرفات امير المؤمنين (عليه السلام) الذي ثبت مع النبي (صلى الله عليه واله) يوم حنين ولم تعجبه الكثرة العددية اصلاً. وهذا يعني انه (عليه السلام) تعلم من رسول الله (صلى الله عليه واله) طريقة ادراك الحقائق بما هي حقائق خارجية لا يتسرب اليها الوهم او الخيال او السراب. وقد وجدنا ذلك في تصرفاته الاخرى في اُحد عندما قتل ابطال المشركين ولم ينهزم، وفي الخندق عندما برز لقائد المشركين وقتله في حين كان الاخرون يخلطون الحقائق بالادراكات التي تُظهِر لهم استحالة هزيمة المشركين.
ورؤية الحقائق الخارجية كما هي وادراكها ادراكاً قريباً من ادراك الحقيقة المطلقة هو من فضائل الامام (عليه السلام) ومزاياه. فهو الذي تنبأ بهزيمة اهل الجمل لاحقاً، ومقتل الخوارج قبل عبور النهر، وتسلط معاوية على رقاب الناس بعده، وموعد استشهاده وعلى يد من. وهذا يعني انه (عليه السلام) كان ينظر الى الحقائق الخارجية بعين بصيرة، ويدرك تلك الحقائق ادراكاً تاماً لا كما يدرك الآخرون السراب في الصحراء ويحسبونه ماءً، ولا كما يدرك الآخرون كثرة المسلمين في حُنين ويحسبونه ايذاناً بالنصر المؤزر الحاسم على المشركين.
وبكلمة، فان العُجب من قبل البعض في حنين كان مثالاً ناصعاً على عدم عصمة هؤلاء وعدم قدرتهم على الادراك الواقعي. ذلك لانهم كانوا يعانون من العجز على ربط حقائق العالم الخارجي بالادراكات الذهنية في شروط النصر الالهي، ورجوعهم الى التفكير القَبَلي والادراك الذهني البعيد عن الدين.
بينما كان الادراك الذهني للامام (عليه السلام) بخصوص حقائق العالم الخارجي ادراكاً كاملاً متطابقاً مع نظرة الشريعة. فهنا امران:
الاول: ان الصورة الذهنية عند الامام (عليه السلام) كانت ترى العالم الخارجي، بما فيه من حقائق، رؤية واقعية بعيدة عن الوهم. وذلك ناتج من تربية رسول الله (صلى الله عليه واله) له وعصمته (عليه السلام) في الدين. ولذلك فقد كان مؤهلاً لولاية الامة الاسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) ولاية شرعية.
الثاني: ان الرؤية «السرابية» التي تبتعد عن الواقع والتي كان يراها البعض من المسلمين في حُنين، ينبغي ان تبعدهم عن ولاية الامة. لان الخلل بين فهم الواقع الحقيقي وربطه بالادراك الذهني يجلب على الامة المحن والويلات والخسائر العظيمة على مستوى الدين والحياة. وقد وقع ذلك فعلاً عندما تولى امور الامة من هو ليس اهلاً لها. وقد قال (عليه السلام): «ايّها الناس انّ احقّ الناس بهذا الامر (أي الخلافة) اقواهم عليه، واعلمهم بأمر الله فيه...».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|