أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-25
4357
التاريخ: 30-01-2015
3508
التاريخ: 27-10-2015
3759
التاريخ: 18-4-2022
7121
|
... عندما تكسرت اصنام قريش في فتح مكة على يدي رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، قال (صلى الله عليه واله): ايه ايه {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. فما هو الباطل الذي حُكم عليه بالموت والزوال؟ وما هو الحق الذي اُقرّ له بالحياة؟
يعبّر الحق من صفات الكمال المطلق، وكل شيء يتصل بالله سبحانه هو الحق: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33]، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114]، {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} [الحج: 6]. بينما لا يمثّل الباطل الا الشيطان وكل ما يدعو اليه هو شر وفساد، كما اشار تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62].
أ - الباطل:
هناك تساؤل وجيه يمكن ان يطرح في هذا المقام وهو: هل ان الباطل قضية متعلقة بالاخلاق او انه قضية متعلقة بالدين؟ وهل يمكن طرد الباطل من العقل، ثم من الحياة الاجتماعية، من دون مساعدة الدين؟
طبيعياً، يعدُّ الباطل حقيقة مسقلة بذاتها بسبب قابلية النفس الانسانية على الاقتراب منه او الابتعاد عنه. واهم مصاديق الباطل: الفجور والكفر. فقد خلق الله سبحانه النفس الانسانية والهمها الفجور والتقوى فقال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8].
فالنفس الانسانية كيان يمتلك القدرة والعلم والحكمة، وقد سواها سبحانه وتعالى ورتب خلقها ونظّم قواها واعضائها. والقى في روعها وافاض عليها صوراً علمية من التصور والتصديق، وعرّفها صفات الافعال من التقوى والفجور. فالعنوان المشترك بين التقوى والفجور هو متن الفعل. مثال ذلك: اكل المال وهو مشترك بين اكل مال اليتيم وهو فجور، واكل المال الحلال وهو من التقوى. ومثال آخر: المباشرة وهو عمل مشترك بين الزنى وهو فجور، والزواج الشرعي وهو من التقوى. ومثال ثالث: العبادة وهو عمل مشترك بين عبادة الصنم وهو فجور، وعبادة الله سبحانه وهو تقوى.
والمحصَّل من الآيات الشريفة هو ان الله عزّ وجلّ عرّف الانسان بخصائص الافعال من فجور او تقوى، وميّز له الافعال المتصلة بالتقوى والاخرى المتصلة بالفجور.
ومن تلك الآيات الشريفة نستلهم ان هناك تناقضاً منطقياً بين الحق والباطل. فلابد ان يهزم احدهما الآخر ويدحره، ولا يمكن ان يجتمعا في مكان واحد في نفس الوقت. بل لابد من استقلالية تحمي احدهما عن الآخر. فاما هذا واما ذاك. أي اما الفساد والظلم والشيطان: وهو الباطل. واما الخير والصلاح والعدالة: وهو الحق.
ولم يقف القرآن الكريم موقفاً حيادياً من الباطل بل ادانه في مواطن عديدة، فخاطب اهل الكتاب: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عمران: 71] ، وخاطب عبدة الاوثان: {... أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] ، ونقل عن المنكرين{وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56]. ونقل عن الكافرين ومجادلتهم بالباطل لدحض الحق: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: 5]، وخاطب المسلمين بضرورة مراعاة شرعية التعامل التجاري عبر قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وادان الكافرين اجمالاً بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52].
ومن ذلك نفهم ان طبيعة الاشياء في الكون تتناغم مع الخير والصلاح والعدالة والتوحيد، ومن كل ما يمثله الحق من مفاهيم وافكار. وعندما يقوم الانسان بفعل الباطل من فساد وظلم وعبادة للشيطان والوثن، فانه انما ينتهك طبيعة الاشياء التي خلقها الله سبحانه. فهنا لابد من دحر الباطل الذي ينتهك النظام الكوني المبني على اساس العدالة والخير والتوحيد. كما قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون: 71].
ومجيء الاسلام كان انذاراً للباطل بالتوقف عن الوجود في ذات المؤمن على الاقل. فالمؤمن بتعاليم الدين السماوي يؤمن بالحق ويبني وجوده الاجتماعي والذاتي الجديد على اساس ايقاف الباطل وحذفه من حياته. وهذا يعني اننا اذا الغينا الباطل من الساحة الاجتماعية، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) بتحطيم الاصنام، فان ذوات الناس سوف تنفتح على الخير والاستماع الى الحق. وهنا يتخير الانسان بحرية، في ذلك الجو المنفتح وتلك الارضة الواسعة، بين الحق والباطل.
ولو كان الباطل قضية متعلقة بالاخلاق لاستطاع الانسان دحرها من دون مساعدة الدين، بل لكان العقل سلاحاً كافياً من اسلحة دحر الباطل. ولكن الحقيقة تقول بان للباطل كياناً مستقلاً لا يقف امامه الا الدين. فمع ان العقل يدعو الى التوحيد والعدل، الا ان العقل المجرد عن الايمان قد يدعو الى الفساد والدمار والشرك. فالعقل لوحده لا يستطيع دحر الباطل. ولو كان العقل كافياً لادراك معاني الوجود لانتفى دور الدين في الحياة الانسانية. فقضية الباطل اذن ليست متعلقة بالفلسفة الاخلاقية فقط، بل ان ازالة الباطل موكولة الى تعاليم الدين ومقدار ادائها من قبل المؤمنين.
فلا شك ان زوال الباطل يتحقق عندما يمارس المكلّفون تكاليفهم الشرعية ويتنعمون برحمة القوانين الدينية، وعندها ينتفي الفساد والظلم والشرك. فتثبيت الحق مرهون بتقوية شوكة الدين. ومن هنا نفهم مغزى مخاطبته (صلى الله عليه واله) لعلي (عليه السلام): ايه ايه {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].فبتحطيم رمز الوثنية والشرك في مكة، بدأ الاذعان لتقبل فكرة انتصار الاسلام وانتشار قيمه السماوية في الخير والعدالة والمحبة والصلاح على مبادئ الظلم والفساد والشرك. ومن هنا جاء الحق وزهق الباطل بكل ما تحمله تلك الالفاظ من معان ومفاهيم وافكار. فقد جاء الحق عبر رسالة السماء محمّلاً بمفاهيم العدالة والخير والاخوة والمحبة والتعاون، وعندها انفتح الباب للانسان لاختيار طريق الخير بدل طريق الشر، وعندها كانت الحكمة الالهية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] لان الانسان بطبيعته يختار الخير على الشر، ويختار الحق على الباطل.
ذلك ان الباطل يؤدي دائماً الى الالم والمعاناة على صعيد الانسانية، ولا يؤدي الشر إلا الى الحرب، والظلم، والاجحاف بحقوق الآخرين. ولذلك فان الدين يحارب الباطل اينما وُجد، لان الدين لا ينمو ولا يستقر بوجود الباطل. فالدين يدعو الى الصفاء، والامانة، والمحبة، والولاء. بينما يدعو الباطل الى الخيانة، والبغض، والدماء، والاضطراب.
وبكلمة فان الشر يحطم الروح الانسانية، ويعكر الصفاء الذهني والنفسي الذي يجلبه الدين، ويدمر الفرص العقلائية لانتخاب الدين كبديل في الحياة تمشياً مع قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]. اما الخير _ وهو احد مصاديق الحق _ فانه يجلب على الانسان سعادة ابدية، لان الخير يربط الانسان بالله سبحانه، ويربط الافراد بعضهم ببعض عن طريق القيم العليا في الحب والتعاون والتآخي. وجوهر الفكرة ان العقل لا ينهض الى مستوى طرد الباطل. فلابد من تدخل الدين في طرد الباطل من النفس أولاً ثم سحق الباطل على المستوى الاجتماعي واحقاق الحق عن طريق الادارة الدينية للمجتمع.
ب - الحق:
ان الحق في ذاته أمرٌ حسنٌ له قيمة اخلاقية عليا في حياة الانسان. فالحق يشمل الخير في كل جوانبه، ولذلك وصف الله سبحانه نفسه بانه الحق المبين كما قال: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25].
ولكن يمكن تصنيف الحق، فيما نحن فيه، الى صنفين: الحق على الصعيد الذاتي، والحق على الصعيد الموضوعي.
فعلى الصعيد الذاتي: فقد وصف الله عزّ وجلّ نفسه بالحق، لان الحق يمثل كل جوانب الخير، فهو تعالى الحق الذي يحقق كل شيء حق، ويجري في الاشياء النظام الحق. فالمولى عزّ وجلّ هو الذي يمسك بأسباب الخير والعدالة والقوة والعزة والقدرة. هو الذي خلق الخلق والحياة وصمم الكون والاشياء لتكون خيراً بذاتها. وقد ورد في القرآن الكريم ما يدلل على ذلك. فهو علّة جميع العلل من الايجاد والتدبير والملك والإماتة والبعث، كما في قوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام: 62]، {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]. والامر كله بيده فهو الخالق لكل شيء المدبر لكل امر، وليس لغيره الا الاوهام من اجل الابتلاء والامتحان، فقال: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44]، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} [الحج: 6]، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25].
وتلك بديهيات لا ستار عليها بوجه من الوجوه. فالحق من اسماء الله الحسنى لثبوته تعالى بذاته وصفاته ثبوتاً لا يقبل الزوال ويمتنع عن التغيير.
وعلى الصعيد الموضوعي: فان الحق _ بقيمه الاخلاقية _ قد تمثل بالاسلام. فالاسلام ليس فرداً ولا شخصاً ولا مفردة، بل هو موضوعٌ للخير العام. فهذا الدين يمثل حالة معنوية لنشر العدالة بين الناس، ويعكس صورة لنظامٍ في ادارة صلة الانسان بربه، وصورة لنظام الادارة الاجتماعية والحقوقية. ولذلك عُبّر عن الدين بانه الحق، كما يُستخلص من التأمل في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 26]، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [البقرة: 119]، {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213]، {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33]. وفي الآيات الكريمات دلالة ظاهرة على ان الدين الذي نزل على محمد (صلى الله عليه واله) هو حق فيما وافق ما بين يديه من الكتب، وحق فيما خالفه لكون القرآن مهيمناً على جميع الكتب السماوية السابقة.
وبذلك يكون الحق الذي بشرّ بمجيئه رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما كان علي (عليه السلام) يكسر الاصنام يمثل كل معاني الخير والعدالة والتوحيد والعبودية لله الواحد القهار. وان كان ذلك الحقُ يغطي مساحة قانونية او معنوية او انسانية او طبيعية، فانه انما يدلّ على شمولية الدين لكل تلك الحقوق. فالدين يحفظ حق الانسان في التعبد، وحق الانسان في العيش بكرامة تحت اجواء الخير. وبكلمة، فان الحق هو بشرى السماء للبشرية المعذّبة التي تبحث عن طريق للهداية والنجاة من العذاب.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|