أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2014
3573
التاريخ: 11-12-2014
3368
التاريخ: 4-5-2017
3291
التاريخ: 11-12-2014
3158
|
عندما نستخدم لفظ «القراءة» أو «الكتابة»، فاننا لابد ان نستخدم معهما القرينة ونحدد نوع القراءة والكتابة. فالقراءة أو الكتابة حقيقة ثقافية من حقائق الدين. وذلك لسببين:
الاول: ان الكتاب السماوي الذي يأتي به الدين، هو الطريقة المكتوبة لمخاطبة اهل الارض. والا، فلا يصحّ تسمية الخطاب الشفهي كتاباً.
الثاني: ان المبادئ الدينية لابد ان تُحفظ مكتوبة او مخطوطة من اجل ان تستعملها الاجيال اللاحقة مصونة من أي تغيير او تزييف.
والقاعدة ان الكتابة متلازمة مع القراءة، فلا قيمة للمكتوب اذا لم يُقرأ. فالعلاقة غير قابلة للتفكيك هنا بين الخطاب السماوي _ المكتوب _ وبين المكلّف القادر على قراءة ذلك الخطاب. وهذا هو الذي دعا رسول الله (صلى الله عيله واله) _ وهو النبي الامي_ الى حثّ المسلمين على تعلّم القراءة والكتابة، خصوصاً في غزوة بدر عندما اشترط على اسراه الذين يجيدون ذلك الفن تعليم المسلمين القراءة والكتابة مقابل اطلاق سراحهم. فما لم تكن الامة متعلمة، تقرأ وتكتب، فانها لا تستطيع فهم معاني القرآن العظيم. ذلك لان الكتاب _ بمعناه التركيبي _ يعني مجموعة من الكلمات والحروف المنظّمة التي لا تفهمها الا الشريحة التي درست وتعلّمت انطباق الالفاظ اللغوية على معانيها الفكرية عبر الحروف والكلمات.
وفي ضوء تلك الافكار نقرر ان من ميزات الكتاب المخطوط:
1- القابلية على استنساخه وتكثيره بكميات أكبر ونشره على مساحة أوسع في الولايات والامصار، بشرط ان تكون الامة مثقفة ومتدينة وقادرة على القراءة.
2- قابلية الكتاب المخطوط على حفظ المادة المخطوطة من الضياع والتحريف.
وكتابة الوحي هنا مقيّدة تماماً بالنقل الامين لالفاظ القرآن الكريم على الورق أو على ادوات الكتابة السائدة في ذلك الزمان على شكل حروف وكلمات. فهي لا تتضمن ابداعاً للافكار والآراء، او تبادلاً للقيم بين الكاتب والقارئ، ولا تتضمن أحكاماً يصدرها المؤلف. فالكتابة هنا مختصة فقط بالامانة القصوى والدقة المتناهية في نقل الخطاب الشفهي الى مادة مكتوبة. فكاتب الوحي يحتاج - ضمن خصائصه- الى ملكة في التقوى والخوف من الله ويقين تامبالدرجة الاولى، وقدرة على القراءة والكتابة بالدرجة الثانية. وقد كان افضل المرشحين لذلك العمل على الاطلاق: علي بن ابي طالب (عليه السلام). وكان البقية من الافراد من اتجاهات ومشارب شتى مثل: زيد بن حارثة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن ابي سرح وغيرهم من الذين كتبوا القرآن، انما سمح لهم رسول الله (صلى الله عيله واله) بالكتابة كان من اجل اتمام الحجة على الاعداء. والا فان خط علي (عليه السلام) كان كافياً لحفظ القرآن الكريم.
ولا شك ان التسلح بالسلاح اللفظي والعقلي من اجل نقل المادة الشفهية الى مادة مكتوبة، ينبغي في حالة كتابة الوحي ان يكون خالياً من أي تعبير شخصي أو رأي فردي. وهو ما قصدناه للتوّ بالتقوى واليقين عند الكاتب. فالكاتب هنا موظف فقط لاتمام تلك العملية الامينة وهي نقل المادة الشفهية الى مادة مكتوبة. فهنا لا يحق للكاتب مطلقاً التلاعب بأفكار الكتاب الالهي من خلال اضافة كلمة أو حذف آية او تبديل معناها. ولذلك فعندما حاول عبد الله بن ابي سرح التلاعب بالفاظ القرآن الكريم عند تدوينه عبر تبديل (سميع بصير) بـ (سميع عليم) أو تبديل (والله بما تعملون خبير) بـ (والله بما تعملون بصير) نزل فيه قرآن يُدينه واستحق القتل على ذلك، لانه اضاف من هواه وعقله الفاسد اضافات الى اقدس كتاب سماوي موجّه بلغة الخالق عزّ وجلّ الى المخلوقين المكلّفين.
وفي اغلب الحالات يكون الكاتب - الذي توفرت فيه شروط التقوى واليقين- هو القارئ الاول للكتاب. فما بالك بعلي (عليه السلام) والقرآن، فلم يكن علي (عليه السلام) كاتب الوحي فحسب، بل كان أكثر الناس قراءةً لكتاب الله المجيد، واكثرهم استلهاماً لمعانيه وأفكاره واحكامه بعد رسول الله (صلى الله عيله واله).
وليس غريباً ان نجزم بان الحفاظ على القرآن المجيد مصوناً بين الدفتين عبر التدوين، ساهم دون شك في حفظ أفكار القرآن، ومفاهيمه، وكلماته، ورسالته السماوية في الهداية. وبذلك اصبح الكتاب السماوي المجيد يعيش فيما وراء حدود الاجيال، والثقافات، والعلوم، والمعرفة الحقة المتجددة مع تغيير المجتمعات الانسانية.
وبكلمة فان القرآن عندما دُوِّن، فانما اُريد له ان يكون الكتاب الاول المقروء عند اهل الارض. فهو كتاب السماء الخالد لهداية البشر الى خالقهم وبارئهم عزّ وجلّ. ذلك ان الثقافة الرسمية للاسلام ودولته مستمدة بشكل مباشر من مفاهيم القرآن الكريم وأفكاره واحكامه. وهنا اصبح القرآن الكريم، كتاب الامة الاول الذي تعتني به وتقرأه، فكان الجهد الذي بذله علي (عليه السلام) بالدرجة الاولى وبعض الصحابة في الدرجة الثانية في كتابة القرآن الكريم موفقاً في تحمل مسؤولية حفظ كتاب الله المجيد وصيانته من كل تحريف في وقت كان المجتمع العربي الاسلامي يعيش حالة استثنائية مريرة من حالات تزوير احاديث النبي (صلى الله عيله واله) وسنته الشريفة بما يخدم السلطة وأهدافها.
ولا شك ان كتابة الوحي كانت متعلقة بقطبين هما: القراءة والمجتمع. فتدوين القرآن الكريم انما تمّ من اجل ان تقرأ الامة كتابها السماوي وتهتدي بهديه. فـ«القراءة والمجتمع» تعني هنا انه يمكن للدين تحديد حجم المخاطَبين ومقدار تماسكهم الاجتماعي وتركيبتهم الطبقية وقلوبهم وضمائرهم عبر الخطاب الالهي الموجّه لهم. وبتعبير آخر، فان القرآن المكتوب يصل الى جميع طبقات المجتمع القادرة على القراءة من أغنياء وفقراء، وتجار وعمال، ومزارعين وكسبة، وعلماء ومفكرين، وفقهاء ومحدثين، ويخاطب كل مجموعة باللغة التي تفهمها. فـ «القراءة والمجتمع » تعبّر عن حجم الرباط العقلي والروحي الذي يقوم القرآن الكريم بشدّ المجتمع به، افراداً وجماعةً. وبالتالي يقوم القرآن بشدّ الفرد والجماعة بالله سبحانه وتعالى وباحكامه وتشريعاته. ولذلك كان على الملايين من الامة الاسلامية في كل لحظة من لحظاتها وعلى مدى الزمن ان تقرأ ذلك الكتاب العظيم.
وهنا ينبغي ملاحظة نقطة مهمة اُخرى وهي ان القرآن الكريم يخاطب العقل البشري. فهو ليس كتاباً دُوِّن في زمن معين فخالط الوضع الاجتماعي في ذلك الزمان مشاعر الناس، وليس كتاباً دُوِّن في مكان معين فانبهر الناس بمؤلفه واسلوبه الفكري ومشاعره القومية. بل ان القرآن الكريم يمثّل الكليات التي ارادت السماء أن تنقلها الى الارض. فهو كتاب لم يقيّد بحدود القومية ولا اللغة والزمن والتأريخ والثقافة. بل هو أكبر من حجم القومية واللغة والزمن والتأريخ والثقافة. لان هذا الكتاب المجيد ينقل قارئه الى عالم السماء والآخرة والتوحيد والعظمة والجبروت.
ولذلك كان تدوينه وصيانته من اعظم الاعمال التي قام بها علي (عليه السلام) جنباً الى جنب بطولاته المشهودة وزهده وتعففه. ذلك ان القرآن _ الذي يعبّر عن كلام الله سبحانه _ كتابٌ حيٌّ كُتبت له الحياة الى الابد. والموت الثقافي للكتب يحصل فقط لتلك التي يخطها الانسان بيمينه. فمن المعلوم ان 99% من الكتب التي تُكتب تندثر بعد فترة زمنية معينة، ويبقى منها اقل من 1 % فقط تتداوله الاجيال. وحتى ان ما تتداوله الاجيال يندثر رويداً رويداً بسبب اختلاف كليات الازمنة المتلاحقة. فتلك الكتب تفقد نكهتها واسلوبها ومشاعر مؤلفيها بعد عدد غير محدّد من السنين. اما كلام الله عزّ وجلّ وكتابه القرآن المجيد فانه محفوظ ومصان الى يوم القيامة. وهذا يفسّر لنا الاهتمام البالغ للامام (عليه السلام) بكتابة القرآن الكريم وجمعه في حياة رسول الله (صلى الله عيله واله)، والاهتمام الشديد بتدقيقه والاعتناء به بعد وفاته (صلى الله عيله واله).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|