المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4543 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


القرآن ليس معجزة أو كتاب سماوي وإنما هو من صنع البشر  
  
2185   09:26 صباحاً   التاريخ: 18-1-2019
المؤلف : الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
الكتاب أو المصدر : الإسلام و شبهات المستشرقين
الجزء والصفحة : 319- 327
القسم : العقائد الاسلامية / شبهات و ردود / القرآن الكريم /

[جواب الشبهة] : تقوم هذه الشبهات على تأكيد بشريّة القرآن الكريم ، ولكون الأُسلوب البلاغي للقرآن الكريم هو أحد الأسرار الأساسيّة لإثبات إعجازه وكونه وحياً إلهيّاً تحدّى البشر بأنْ يأتوا بمثله أو بعشرِ سوَر مثله بل بسورةٍ من مثله ، وأنْ يدعوا مَن استطاعوا لذلك من دون الله إنْ كانوا صادقين ، كان مطعنهم الأوّل موجّه لها لنفيها كأساس لذلك الإعجاز ، وبتتبّعٍ تفصيليٍّ لمفردات هذه الشبهات يمكننا أنْ نقسّمها إلى قسمين : قسمُ يُحاول أنْ يبرز نقصاً أو خطأً في الأُسلوب البلاغي والمحتوى البياني للقرآن الكريم  (1) .

وقسمٌ آخر يُحاول أنْ يقيم الدليل على كون القرآن الكريم ليس بمعجزة في جانبه البلاغي لقدرة البشر على أنْ يأتوا بمثله وهذا القسم يشتمل على ما يلي :

الشبهة الأُولى : لمّا كانت الفصاحة والبلاغة القرآنيّة هي الأساس الأوّل في الإعجاز القرآني ، ولمّا كان للعرب قواعد وأُسُس لتلك الفصاحة والبلاغة ، تشكّل المقياس الرئيسي لديهم في تمييز ما هو بليغ وفصيح عن غيره ، نجد أنّ بعض آيات القرآن الكريم تأتي خلافاً لتلك القواعد ، أو لا تنطبق عليها تمام الانطباق ، وعليه فإنّ القرآن الكريم يفتقد لنهج الفصاحة والبلاغة على الأُصول والقواعد العربيّة ، فهو إذن ليس معجزاً ببلاغته .

وهنا سوف نكتفي بمناقشة أصل الفكرة والأساس الذي تقوم عليه هذه الشبهة ، ونفي إمكان الاعتماد على هذا الأساس في الطعن بإعجاز القرآن فنقول :

1 ـ من خلال مراجعة تاريخ تأسيس قواعد اللغة العربيّة نجد أنّها ظهرت في زمن لاحق لنزول القرآن الكريم ، وذلك عندما بدرت الحاجة إلى هذه القواعد خوفاً على اللغة العربيّة والنص القرآني الذي نزل على نسَقِها ، من الاختلاط والضياع نتيجة اتّساع نطاق الدعوة الإسلاميّة ، وامتداد رقعة دولتها ، وتداخل العرب بغيرهم من الشعوب الأعجميّة . ولم يُثبِت لنا التاريخ مبادرةً قبل مبادرةِ أبي الأسود الدؤلي تحت إشراف وإرشاد الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أيّام خلافته .

على أنّ عمليّة وضع قواعد اللغة العربيّة كانت عبارة عن اكتشاف قام به بعض المهتمّين بشؤون اللغة العربيّة ، على أساس ما كان يتّبعه العرب من أساليبٍ في البيان والنطق خلال كلامهم ، وليس اختراعاً أوّليّاً من قِبل واضعي اللغة العربيّة . إذاً فكلام العربي الأصيل هو المصدر الأساسي في بناء القاعدة اللغويّة وصياغة تفصيلاتها ، والقرآن الكريم كان في مقدّمة تلك المصادر المعبّرة عن الكلام العربي الأصيل ، بل أوثقه وأبلغه على الإطلاق . لذا نجد أنّ جميع ما وصلنا من صياغات لقواعد اللغة العربيّة كانت تجعل القرآن الكريم مقياساً يحكم عليها بالصحّة أو الخطأ . وهذا هو الذي يجب أنْ ننحوه في لحاظ قواعد اللغة العربيّة وليس العكس .

2 ـ يُضاف إلى ذلك أنّنا لم نجد ما بين نزول القرآن الكريم وحتّى اكتشاف وتدوين قواعد اللغة العربيّة أنّ التاريخ قد نقل لنا نقداً أو مطعناً في بلاغة القرآن وبيانه صدر من العرب المعاصرين لنزوله ، وهم أهل البلاغة والفصاحة وذوو الخبرة والمعرفة المحيطة باللغة العربيّة ، رغم شدّة عداء العديد منهم للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتكذيبهم لنزول الوحي الإلهي عليه بالقرآن الكريم .

بل نجدهم على العكس من ذلك ، فقد أذعنوا لعظمة بلاغة القرآن الكريم واستسلموا لجمال بيانه الساحر ، حتّى وصفه بعضهم لشدّة تأثّره به بأنّه سِحر ، كنايةً عن مدى إيمانه بدقّة انسيابه البياني وانسياقه التعبيري ، بشكلٍ يفوق مطلقاً ما هو مألوف لديهم من صيَغ البلاغة والبيان والتعبير .

الشبهة الثانية : إنّ المتميّزين والعارفين من أهل اللغة العربيّة قادرون على الإتيان بمثل الكلمات القرآنيّة أو بعضها . وهذا يعني أنّهم قادرون على الإتيان بكلمات قرآنيّة ؛ لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، وهكذا يصبح من المعقول ـ بل المجزوم به ـ أنّ هذه القدرة يمكنها أنْ تمتد للإتيان بسورة أو بعدّة سور أو قل بمثل القرآن كلّه .

وفي معرض ردّ هذه الشبهة نقول : إنّ الإعجاز القرآني لا يكمن في كلمات متناثرة ومستقلّة بعضها عن البعض الآخر ، إنّما هو في التركيب البياني بين الكلمات والأُسلوب الصياغي لها ، وفي المحتوى والمضمون للمعاني والأفكار التي يُعبّر عنها ذلك التركيب والأسلوب في سياقات متعانقة الصلة منسجمة الحلقات .

فشتّان بين افتراض القدرة على الإتيان بكلمات متناثرة مهما كان عددها ، وبين القدرة على نظمها على نَسَقِ الصياغات البلاغيّة في تركيب جمالي معبّر ، ولا يحتاج هذا التمييز بين القدرتين إلى برهان ، فهو أمرٌ وجداني يحسّه كلُّ عاقل ملتفت ، حيثُ نجد أنّ الكثيرين قد يملكون قابليّة النطق بكلمات عربيّة عديدة ولكنهم لا يستطيعون أنْ ينظموا منها شعراً أو مقطوعة أدبيّة بليغة ، أو يصوغوا منها خطاباً فصيحاً شأنَهم في ذلك شأن مَن يقوم بتوفير المواد الإنشائيّة وإنجاز أعمال محدودة وبسيطة منها ، إلاّ أنّهم لا يستطيعون أنْ يشيّدوا أبنيةً ومشاريعَ هندسيّة دقيقة وضخمة رغم اشتمالها على تلك الأعمال المحدودة والبسيطة .

ونفس الكلام يأتي في المحتوى والمضمون ، فمن نتصّور فيه القدرة على تقديم فكرة أو فكرتين ، لا نتصوّر فيه القدرة على تقديم هذا الكم الكبير والمتناسق من الأفكار المتنوعة والمفاهيم المترابطة ، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار نفس الظروف الموضوعيّة والذاتيّة التي نزل فيها القرآن الكريم والتحدّي الذي كان فيها .

الشبهة الثالثة : إنّ تحدّي القرآن للعرب عدّة مرّات قد اكتنفته عوامل وظروف منعت العرب آنذاك من معارضة القرآن وإظهار قدرتهم على الإتيان بمثله ، فهم لم يعارضوه لأنّه معجز بل بسبب تلك العوامل والظروف المانعة . ويمكن تحديد مرحلتين تاريخيّتين تميّزت كل مرحلة منهما بعوامل وظروف مانعة اختصّت بها وهما :

المرحلة الأولى : مرحلة التنزيل القرآني ، حيث اتسمت بسيطرة المسلمين وسطوتهم على الواقع السياسي والاجتماعي للحاضرة العربيّة ، ومحاربتهم لكل من يظهر العِداء للإسلام أو يتحدّاه ، ممّا أبرز عوامل الخوف والرهبة في نفوس العرب المعاصرين ، فأحجموا عن المعارضة والتحدّي للقرآن حفاظاً على أنفسهم وأموالهم من سطوة المسلمين .

المرحلة الثانية : مرحلة الخلافة الأُمويّة وممّا بعدها والتي أعقبت سلطة الخلفاء الأربعة الأُوّل .

وقد عرف عن الأُمويّين أنّ خلافتهم لم تقم على أساس الحفاظ على الإسلام والالتزام به والدعوة إليه ، فكان من الممكن إظهار المعارضة والتحدّي للقرآن ، إلاّ أنّ الأُنس الذهني بمعانيه المتينة والألفة النفسيّة لألفاظه الجميلة جعلته من المرتكزات التي يتوارثونها جيلاً بعد آخر ، فانصرفوا نفسيّاً وذهنيّاً عن التفكير بمعارضته وتحدّيه .

وردّ هذه الشبهة يكمن بملاحظة ما يلي :

1 ـ إنّ أوّل تحدٍّ بالقرآن الكريم للمشركين وطلب معارضته ولو بسورة مِن مثله جاء في سورتَي يونُس وهود ، وهما مكيّتان ، أي في أوّل مراحل الدعوة الإسلاميّة حين كان المسلمون مضطهدين ومطاردين ، وكان المشركون في أوج قدرتهم ، ومع كلّ ذلك لم يستطع أيٌّ من بلغائهم أن يقابل التحدّي بالمعارضة ، مع العلم أنّ شوكة وسلطة المسلمين لم تظهر إلاّ بعد الهجرة إلى المدينة المنورة ، وانحصرت بحدودها إلى إنْ تمَّ النصر بفتح مكّة أو آخر عهد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

2 ـ أنّ ظهور شوكة المسلمين وامتداد سلطانهم في الجزيرة العربيّة أواخر عصر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعصر الخلفاء الأربعة بعده ، لم يلغِ وجود الكفّار ، ولم يمنعهم من إظهار كفرهم ، خصوصاً إذا كان على مستوى الاحتجاج وقبول التحدّي بالمعارضة ، والدليل على ذلك بقاء مجموعات عديدة من المشركين على دياناتهم كما هو شأن أهل الكتاب ، وقد أقرّهم الإسلام على ذلك ، ورعى مصالحهم الإنسانيّة والاجتماعيّة في ظلّ الدولة الإسلاميّة ، شأنهم في ذلك شأن المسلمين ، ومع كلّ ذلك لم نجد مَن تصدّى لمعارضة القرآن الكريم وادّعى القدرة على الإتيان بمثله ، رغم أنّهم كانوا يحاولون الاجتهاد بمحاجَجات مختلفة أُخرى انتصاراً لدياناتهم على الإسلام .

3 ـ لو سلّمنا أنّ فرضيّة وجود الخوف من معارضة القرآن الكريم بسبب السيطرة الإسلاميّة ، إنّما منعت المشركين من إظهار هذه المعارضة والتجاهر بها ، إلاّ أنّ معارضتهم السريّة كانت مُمكنة في إطار تجمّعاتهم الخاصّة ، ولو ثبتت مثل هذه المعارضة لأظهروها في الفرَص السانحة ، ولنُقلَت الينا كما نقلت نصوص أهل الكتاب الدينيّة فيما بعد وخصوصاً قصص العهديَن الخرافيّة المعارضة للقرآن الكريم .

4 ـ من الطبيعي فيما عُهِد في الكلام البليغ وإنْ علت رتبته ، أنّه يفقد رونقه ويتضاءل وقعه الجميل على الحسّ البشري كلّما تكرّر على المسامع ، ويتحوّل بالتدريج إلى كلام عادي في شدّه وتحريكه البلاغي . فنرى الجديد من المقطوعات الأدبيّة أو القصائد البليغة يشدّ ويحرّك السامع أكثر من المكرّر وإنْ كان أقلّ منه بلاغةً وبياناً ، ويتركّز هذا الحس كلّما تعدّد التكرار ، ولو طبّقنا هذا الأمر على القرآن الكريم لوجدناه على العكس من ذلك ، حيث يُجمِع أهل اللغة وأرباب البلاغة العربيّة أنّ حسّهم وتذوّقهم لبلاغة القرآن الكريم ومعانيه الجميلة المتناسقة تزداد شدّةً وحسناً كلّما أكثروا من قراءته وترديد آياته ، ثمّ إنّنا لا نجد ذلك منحصراً بهم ، بل يعمّ عادة الناطقين باللغة العربيّة على اختلاف مستوياتهم وحسّهم الأدبي . وهذا يؤكّد الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم لا أنْ يكون نقصاً عليه .

ولو سلّمنا وافترضنا أنّ التكرار يُوجب الأُنس الذهني والأُلفة النفسيّة بالقرآن وبالتالي الانصراف عن معارضته ، فهذا إنّما يتمّ عند المسلمين المؤمنين به والتالين له بشوقٍ وعقيدة ، أمّا غيرهم مِن بُلغاء العرب وفصحائهم فليسوا كذلك ، فهم مترّبصون به ، وبإمكانهم قَبول التحدّي ومعارضته لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً .

الشبهة الرابعة : من خلال عقد مقارنة بين ما جاء في القرآن من قصص الأنبياء ، وما جاء في كتب العهدين المتداولة ( التوراة والإنجيل ) نجد أنّ ما جاء في القرآن يختلف كثيراً في تفصيلات الحوادث ونسبتها إلى الأنبياء وأُممهم السالفة عمّا جاء في تلك الكتب . ولمّا كانت هذه الكتب ممّا يعترف القرآن بها أنّها من الوحي الإلهي ، وكان هو وحيَاً إلهيّاً أيضاً فكيف يُخالفها في ذلك ؟ وهل يُمكن أنْ يناقض الوحي الإلهي نفسه في الإخبار عن الأحداث والوقائع التاريخيّة؟

ثمّ إنّ القرآن جاء في مجتمعٍ وأُمّةٍ منفصلة عن تاريخ أنبياء تلك الكتب السماويّة وأُممهم ، في حين أنّ تلك الكتب بَقِيَت متداولة جيلاً بعد آخر في أُمم هؤلاء الأنبياء ، وهذا يعني أنّهم أدقّ معرفةً واطلاعاً بأوضاع هؤلاء الأنبياء وما جرى لهم مع آبائهم وأجدادهم ، فيكون ذلك دليلاً على صِدق ما جاء في كتب العهدَين دون ما جاء في القرآن ، وعليه يدلّ القرآن على صِدق نبوّة مَنْ جاء به .

ودفع هذه الشبهة يتمّ بلحاظ ما يلي :

1 ـ إنّ ادعاء بقاء كتب العهدَين متداولة ، كما أُنزلت على أنبيائها في أُممهم جيلاً بعد آخر هو أوّل الكلام ، إذ أنّ الصلة بين أجيال تلك الأمم لا تشكّل دليلاً على بقاء تلك الكتب سليمةً وبعيدةً عن يدِ التحريف والتزوير ، خصوصاً إذا عرفنا أنّ انفصالاً تاريخيّاً قد وقع بين تلك الأُمم وأنبيائهم ، ممّا أفقد تلك الأُمم القدرة على الاحتفاظ بأُصول كتب العهدَين كما أُنزلت على هؤلاءِ الأنبياء ، فكثُرت في نصوصها الاجتهادات وطالتْها يد التحريف والتزوير جيلاً بعد آخر ، ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة في معرض بيانه لواقع أُمم هؤلاء الأنبياء التي نزلت فيهم تلك الكتب (2) .

2 ـ إنّ عقد المقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم من قصص الأنبياء ، وما جاء في كتب العهدَين المتداولة ، والتعرّف على مواطن الاختلاف ، يدعو بنفسه إلى تصديق القرآن الكريم دون كتب العهدَين وليس العكس ؛ وذلك لأنّ تفاصيل قصص هؤلاء الأنبياء في القرآن الكريم ، جاءت دقيقة ومتطابقة تمام الانطباق مع الأصول العقليّة والثوابت العقائديّة لواقع الأنبياء وصفاتهم الأساسيّة ، في حين أنّنا نجد خلاف ذلك في التوراة والإنجيل ، فهما يذكران العديد من الخرافات والأباطيل ، وينسبان إلى أنبياء تلك الفترة مواقف لا تتّفق والصفات الواقعيّة للأنبياء وسلوكيّات لا تليق برُسُل الله وأُمنائه على أرضه ودينه (3) . بل إنّها تتنافى مع صفات أصل الصلاح والإصلاح من عامّة الناس .

وعليه فإنّ العرض القرآني لقصص الأنبياء ووقائعهم ، يظهر لنا جانباً مهمّاً من إعجاز القرآن الكريم ؛ لانسجامه وائتلافه مع طبيعة الصفات الواقعيّة للأنبياء والرُسُل التي أرشدت إليها العقول وأقرّتها العقائد الدينيّة ، ويؤكّد يقيننا بأنّ مصدرها الوحي الإلهي ، وليس كتب العهدَين وأمثالها كما يدّعون .

هذه خلاصة لِما يرد على ما استلَلْناه من شُبهاتٍ مبثوثة ، إجمالاً وتفصيلاً في طيّات دسِّ وتشويه المستشرقين ، خصوصاً في دائرة المعارف الإسلاميّة ، على أنّنا أجبْنا عن غير هذه الشُبهات سلفاً (4) .

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع : الشيخ البلاغي ، جواد ، الهدى إلى دين المصطفى 1 : 330 فما فوق .

(2) كقوله تعالى في تحريف بني إسرائيل للتوراة : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].

وكذلك قوله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13] . وغيرهما من الآيات الشريفة.

(3) للوقوف على نماذج من ذلك يُمكن الرجوع إلى كتاب الهدى إلى دين المصطفى للعلاّمة البلاغي ، الجزء الثاني .

(4) لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة ما يلي :

أ ـ الشيخ البلاغي ، محمّد جواد ، الهدى إلى دين المصطفى ، الجزأين الأوّل والثاني .

ب ـ السيّد الخوئي ، أبو القاسم ، البيان في تفسير القرآن .

ج ـ الشيخ معرفة ، محمّد هادي ، التمهيد في علوم القرآن الجزء الرابع .




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.