1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ الاسلامي : الدولة العباسية : خلفاء بني العباس المرحلة الثانية : عصر سيطرة العسكريين الترك : المعتضد بالله :

المعتضد ومعاوية

المؤلف:  صباح علي البياتي

المصدر:  الصحوة

الجزء والصفحة:  ص455- 464

10-10-2017

1458

كتاب المعتضد في معاوية

إن موقف العباسيين المتقلب من معاوية كان منبعثاً من الظروف السياسية المحيطة بالدولة من جهة، وبوجهة نظر خلفاء بني العباس من جهة اُخرى، فقد لاحظنا أن الموقف في بداية قيام الدولة العباسية، وفي زمن خليفتهم الأول السفاح بالتحديد كان يتميز بالنكاية في الاُمويين والانتقام منهم بهدف استئصالهم، وكذلك بذمّهم وإسقاطهم أمام الرأي العام تقرباً من الناس الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالأمويين. إلاّ أن الموقف بدأ يتغير منذ عهد خليفتهم الثاني أبو جعفر المنصور، خاصة بعدما بدأت ثورات العلويين ضد دولة بني العباس; فاتجه اهتمام هؤلاء الى بني عمهم من العلويين الثوار ومحاولة النيل منهم بشتى الطرق، واستمر هذا الاتجاه المعادي للعلويين -والمهادن للاُمويين في الوقت نفسه- حتى أيام الخليفة المأمون بن هارون الرشيد الذي بدأ يقرّب العلويين ويمتدحهم، ويذم الاُمويين، حتى إنه أمر بإنشاء كتاب بلعن معاوية بن أبي سفيان! ولكن يبدو أن الكتاب لم يُقرأ على الناس في المساجد كما كان قد تقرّر، لأسباب لعل أهمها هو تحذير بعض خواص المأمون له من إمكان ثورة العامة وانتشار القلاقل، ذلك لأن الاعلام الاُموي كان قد نجح في تعبئة رأي عام مؤيد له، أو على الأقل يكنّ الاحترام والحب لمعاوية بن أبي سفيان -كونه صحابياً- وقيام البعض بنشر فضائله المختلقة حتى ترشح في أذهان الكثير من العوام صحتها وصدقها، وربما كانت هناك أسباب اُخرى ثبطت من عزم المأمون، حتى جاء الخليفة المعتضد، فأمر باخراج الكتاب -كما يذكر الطبري في حوادث سنة أربع وثمانين ومائتين- فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وذُكر أنها نسخة الكتاب الذي اُنشيء للمعتضد بالله:

بسم الله الرحمن الرحيم... (إلى أن قال):

وقد انتهى الى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم، وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية، وقلّدوا فيها قادة الضلالة بلا بيّنة ولا بصيرة، وخالفوا السنن المتبعة الى الأهواء المبتدعة... تعظيماً لمن صغّر الله حقّه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه من بني اُمية الشجرة الملعونة... فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى في ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين، وفساداً لمن قلّده الله أمر المسلمين، وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين، وإقامة الحجة على الشاكّين، وبسط اليد على العاندين.

وأمير المؤمنين يرجع إليكم معشر الناس، بأن الله عزّوجل لما ابتعث محمداً بدينه، وأمره أن يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته.. فكان من استجاب له وصدّق قوله واتبع أمره، نفر يسير من بني أبيه... وكان ممن عانده ونابذه وكذبه وحاربه من عشيرته، العدد الأكثر، والسواد الأعظم، يتلقونه بالتكذيب من قصده، وينالون بالتعذيب من اتبعه، وأشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة، وأولهم في كل حرب ومناصبة، لا يرفع على الإسلام راية إلاّ كان صاحبها وقائدها ورئيسها من كل مواطن الحرب منذ بدر واُحد والخندق والفتح... أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني اُمية الملعونين في كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع، لما مضى علم الله فيهم وفي أمرهم، ونفاقهم وكفر أحلامهم، فحارب مجاهداً، ودافع مكايداً، وأقام منابذاً حتى قهره السيف، وعلا أمر الله، وهم كارهون، فتقوّل بالإسلام غير منطو عليه، وأسرَّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون، وميّز له المؤلفة قلوبهم، فقبله وولده على علم منه، فممّا لعنهم الله به على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، وأنزل به كتاباً، قوله {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60] (1)، ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني اُمية! ومنه قول الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به: "لعن الله القائد والراكب والسائق"، ومنه ما يرويه الرواة من قوله: يا بني عبد مناف تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جنة ولا نار! وهذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78] (2)، ومنه ما يروون من وقوفه على ثنيّة اُحد بعد ذهاب بصره، وقوله لقائده: هاهنا ذببنا محمداً وأصحابه! ومنه الرؤيا التي رآها النبي (صلى الله عليه وآله) فوجم لها، فما رُئي ضاحكاً بعدها، فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] (3)، فذكروا أنه رأى نفراً من بني اُمية ينزون على منبره! ومنه طرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه، وألحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يختلج، فقال له: "كن كما أنت"، فبقي على ذلك سائر عمره، إلى ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة في الإسلام، واحتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو اُريق بعدها، ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] (4)، من ملك بني اُمية، ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه، فدافع أمره، واعتلّ بطعامه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):"لا أشبع الله بطنه"، فبقي لا يشبع، ويقول: والله ما أترك الطعام شبعاً ولكن اعياءً، ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "يطلع من هذا الفج رجل من اُمتي يحشر على غير ملتي"، فطلع معاوية! ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إذا رأيتم معاوية على منبري فأقلتوه!" ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال: "إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي: يا حنان يا منان، الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين"!.

ومنه انبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكاناً، وأقدمهم إليه سبقاً، وأحسنهم فيه أثراً وذكراً: علي بن أبي طالب، ينازعه حقه بباطله، ويجاهد أنصاره بضلاّله وغواته، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون. يستهوي أهل الغباوة، ويموّه على أهل الجهالة بمكره وبغيه اللذين قدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخبر عنهما.

فقال لعمار: "تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم الى الجنة" ويدعونك الى النار، مؤثراً للعاجلة، كافراً بالآجلة، خارجاً من ربقة الاسلام، مستحلا للدم الحرام، حتى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته، ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه، مجاهداً لله، مجتهداً في أن يُعصى الله فلا يطاع، وتبطل أحكامه فلا تقام، ويخالف دينه فلا يُدان، وأن تعلو كلمة الضلالة، وترتفع دعوة الباطل... حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما أتبعها، وتطوّق تلك الدماء وما سُفك بعدها، وسنّ سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها الى يوم القيامة، وأباح المحارم لمن ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها...

ثم مما أوجب له به اللعنة:

 قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، فيمن قتل من أمثالهم، في أن تكون له العزّة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة، والله عزّوجل يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] (5).

ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله: ادعاؤه زياد بن سمية، جرأة على الله، والله يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } [الأحزاب: 5] (6)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول "ملعون من ادعى الى غير أبيه، أو انتمى الى غير مواليه"، ويقول: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فخالف حكم الله عزّوجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش، والعاهر لا يضره عهره، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في اُم حبيبة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي غيرها من سفور وجوه، ما قد حرّمه الله، وأثبت بها قربى قد باعدها الله، وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله، ولم ينل الدين تبديل شبهه!

ومنه إيثاره بدين الله، ودعاؤه عباد الله الى ابنه يزيد المتكبر الخمّير صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والاخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطّلع على خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره، فلما تمكن منه ما مكنه منه، ووطأ له، وعصى الله ورسوله فيه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش، مما ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عبد نفسه وغليله، وظن أن قد انتقم من أولياء الله، وبلّغ النوى لأعداء الله، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه:

جزع الخزرج من وقع الأسل *** ليت أشيــاخي ببـــدر شهدوا

وعـــدلنا ميل بــــــدر فاعتدل *** قــــد قتلنا القوم من ساداتكم

ثم قـــالوا: يــــــا يزيد لا تُسل *** فـــــــــأهلوا واستهلوا فرحاً

مـــن بني أحمــــد ما كان فعل *** لستُ من خندف إن لم انتقم

خبــــرٌ جاء ولا وحـــــي نزل! *** ولعـــــتْ هــــاشم بالملك فلا

هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع الى الله ولا الى دينه ولا الى كتابه ولا الى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله.

ومن أغلظ ما انتهك واعظم ما اخترم: سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع موقعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له ولأخيه بسيادة شباب الجنة، اجتراءً على الله وكفراً بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم، لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عمره، واجتث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته.

هذا الى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم، وهدم بيته واستحلال حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم إياه بالنيران. لا يألونه احراقاً واضراباً، ولما حرّم الله منه استباحة وانتهاكاً، ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا، ولمن أمّنه الله به إضافة وتشريداً...

اللهم العن أبا سفيان بن حرب، ومعاوية ابنه، ويزيد بن معاوية، ومروان ابن الحكم وولده، اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلالة وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومغيّري الأحكام ومبدّلي الكتاب وسفاكي الدم الحرام...الخ.

قال الطبري: وذكر أن عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يُعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، فمضى يوسف ابن يعقوب فكلم المعتضد في ذلك وقال له: يا أمير المؤمنين، إني أخاف أن تضطرب العامة ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة! فقال: إن تحركت العامة أو نطقت وضعت سيفي فيها. فقال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبيين الذين هم في كل ناحية يخرجون، ويميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم، وفي هذا الكتاب اطراؤهم، أو كما قال: وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنةً وأثبت حجة منهم اليوم!

فأمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواباً، ولم يأمر في الكتاب بعده بشيء!

وذكر الطبري أيضاً أن المعتضد قد أمر فنودي في الجامعين بأن الذمة برية ممن اجتمع من الناس على مناظرة أو جدل، وأن من فعل ذلك أحلّ بنفسه الضرب، وتقدّم الى الشُّرّاب والذين يسقون الماء في الجامعين ألاّ يترحموا على معاوية ولا يذكروه بخير (7).

أما ابن الأثير - الذي نعى على الطبري عدم إخراجه قصة استلحاق زياد ابن أبيه- فإنه هنا يخالف منهجه ذاك، فلا يورد كتاب المعتضد بالله، ويكتفي بالقول في حوادث سنة (284 هـ).

وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب يُقرأ على الناس، وهو كتاب طويل قد أحسن كتابته، إلاّ أنه قد استدل فيه بأحاديث كثيرة على وجوب لعنه عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا تصح! وذكر في الكتاب يزيد وغيره من بني اُمية، وعُملت به نسخ قرئت بجانبي بغداد...

ثم يذكر ابن الأثير بعض أعمال المعتضد وحيلة عبيد الله في اقناع المعتضد عن طريق القاضي يوسف بن يعقوب لصرفه عن قراءة الكتاب، وقال: وكان عبيد الله من المنحرفة عن علي (عليه السلام)! (8).

وتابعه على ذلك ابن كثير الدمشقي فقال:

وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر فحذّره ذلك وزيره عبدالله بن وهب وقال: إن العامة تنكر قلوبهم ذلك، وهم يترحمون عليه ويترضّون عنه في أسواقهم وجوامعهم، فلم يلتفت إليه، بل أمر بذلك وأمضاه وكتب به نسخاً الى الخطباء بلعن معاوية، وذكر فيها ذمه وذم ابنه يزيد بن معاوية وجماعة من بني اُمية، وأورد فيها أحاديث باطلة في ذم معاوية وقرئت في الجانبين من بغداد، ونهيت العامة عن الترحم على معاوية والترضي عنه، فلم يزل به الوزير حتى قال له فيما قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الصنيع لم يسبقك أحد من الخلفاء إليه، وهو مما يرغب العامة في الطالبيين وقبول الدعوة إليهم! فوجم المعتضد عند ذلك تخوفاً على الملك، وقدّر الله تعالى أن هذا الوزير كان ناصبياً يكفّر علياً، فكان هذا من هفوات المعتضد! (9).

ويجدر بنا أن نشير الى بعض الاُمور المهمة فيما يتعلق بأمر هذا الكتاب وموقف المؤرخين منه.

منها: أن الترحم على معاوية والترضي عنه كان شائعاً في زمن العباسيين للأسباب التي أوردناها سابقاً، والخلفاء العباسيون وإن كانوا في دواخلهم يكنون البغضاء والحقد لمعاوية وبني اُمية أجمعين، إلا أنهم كانوا لا يجهرون بذلك، ولا يمنعون الرواية في فضائلهم والترضي عنهم، أو بالأحرى اختلاق الفضائل لهم توهيناً لشوكة العلويين، وقد بدا ذلك واضحاً في إعراض المعتضد عن الكتاب - رغم قناعته به واستعداده لوضع السيف في العامة إذا ما اعترضوا عليه- عندما حذّره وزيره وقاضيه من مغبة التفاف العامة حول العلويين وميلهم إليهم، فعند ذاك نظر المعتضد الى مصلحة دولته وملك بني العباس، فأهمل الكتاب!

لقد أوردت كتاب المعتضد - مختصراً بعض الشيء لطوله- بهدف توضيح موقف العباسيين من معاوية، والكشف عن الملابسات التي تكتنف مواقفهم منه، ولكي لا يتوهم القاريء بأن مجرد وضع اسمه على أبواب المساجد في عاصمة العباسيين يدل على تعظيمهم إياه، فلطالما خالفت السياسة المبادئ.

والأمر الآخر، هو الكشف عن مواقف بعض المؤرخين من الكتاب وعدم ايراده في كتبهم، والحكم على الأحاديث النبوية التي وردت فيه بذم معاوية وأبيه وأخيه بعدم الصحة، رغم أن هؤلاء الحفاظ قد خرّجوا الكثير منها – مع محاولة تأويلها- وسوف نتطرق الى مواقف الحفاظ من الأحاديث التي ذكرت فضائل معاوية ومثالبه بعد أن نستعرض هذه الأحاديث التي وردت في كتاب المعتضد وتبيّن مدى صحتها أو عدمه، مع ترك بعض الاُمور التي سبق وأن تناولناها في مباحث سابقة. واُود أن اُشير أخيراً الى موقف ابن كثير وهو يعبّر عن سروره الواضح لأن الله قدّر لهذا الكتاب رجلا ناصبياً منحرفاً عن علي بن أبي طالب ليمنعه من الظهور، ويعتبر الكتاب من هفوات المعتضد.

____________

(1) الاسراء: 60.

(2) المائدة: 78.

(3) الأسراء: 17.

(4) القدر: 3.

(5) النساء: 93.

(6) الأحزاب: 5.

(7) تاريخ الطبري 10: 54.

(8) الكامل في التاريخ 7: 485.

(9) البداية والنهاية 11: 97.

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي