x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
طريق التقدم
المؤلف: محمد تقي فلسفي
المصدر: الطفل بين الوراثة والتربية
الجزء والصفحة: ج2، ص254ـ256
2-2-2017
2100
يبذل الطفل نشاطاً بصورة طبيعية في طريق الوصول إلى الكمال المنشود، ويستغل طاقته الطفولية في هذا السبيل. إن تشجيع الوالدين والأصدقاء يفسح المجال أمامه للتقدم اكثر، ويمد سراج الأمل والتضامن في نفسه بالوقود باستمرار... وفي النتيجة تتفتح مواهبه واحدة بعد الأخرى وعلى العكس من ذلك فإن إهمال الوالدين أو تزمتهما يضعف النشاط الفردي عند الطفل ويبعث فيه الفتور والملل في سلوك طريق الجد والعمل. إن تكرار هذا السلوك المذموم يهدم روح الطفل ويتضمن نتائج وخيمة. ولأجل أن يتضح الأمر بصورة أجلى للمستمعين الكرام نستشهد بالمثال التالي :
صبي صغير السن لم يمض على دخوله المدرسة أكثر من عدة أشهر وقد تعلم بعض الدروس من كتاب الصف الأول. والآن قد كتب صفحة كاملة لأول مرة ، وأظهر نتائج جهوده على صفحة من القرطاس. إن هذه الكتابة تعتبر الانتصار العلمي العظيم لهذا الصبي... فهي خلاصة الأتعاب التي بذلت معه طيلة عدة أشهر، وهي ـ بعدُ ـ مرآة تعكس شخصيته. يثبت عينيه نحو باب الدار ويعدّ الدقيقة بعد الأخرى لقدوم والده وإراءة هذا الأثر اللامع له... إنه يأمل في التشجيع و الإستحسان من أبيه، وهذه الساعة هي أسعد ساعات حياته.
يدخل الأب الى البيت، فيركض الصبي لكي يريه ما كتبه ثم يظل ينظر إلى أبيه بعينين نافذتين. إن الأب العاقل، الأب الواعي.. يقرأ كتابة الصبي بإمعان، فيبتسم... ثم يحمله بين ذراعيه، ويعامله باللطف والمحبة ويكرر الاستحسان والثناء عليه وبهذا يكافئه بأحسن صورة. إن سلوك الأب يمنح الصبي روحا طرية ، فيزداد نشاطه وجدّه ، ويستمر في التقدم العلمي بكل شوق ورغبة.
أما الأب الجاهل ، الأب المهمل ... فإنه يفاجىء الصبي بعكس ما كان يتوقع. لا يقرأ كتابته ، وإذا قرأها فلا يستحسن ولا يثني عليه. وأشدّ من ذلك أن بعض الآباء يجبرون الاخفاق والفشل الذي يلاقونه خارج المنزل بالشدة والخشونة مع الزوجة والأطفال فيرزمون بالصبي الذي كله أمل ورجاء، وبهذا يقتلون روح التقدم فيه، ويحطمون شخصيته، ويطفئون سراج أمله واطمئنانه.
يبتعد الطفل عن أبيه بروح منكسرة، وقلب متحطم، وينام ليلته مع خاطرة مرة. قد لا يتنبه الأب الى سلوكه الأهوج أبداً، ولكن الطفل لا ينسى هذا الموقف المؤلم. إن القسم الأكبر من مآسي الأفراد وتعاستهم ينبع من خاطرة مرة، أو نقطة طفيفة... ثم تتسع حتى تعود عليه بالدمار والانهيار.
إن الأطفال الذين لا يلاقون تشجيعاً واستحساناً على أفعالهم الطيبة التي يقومون بها، بل يقابلون بالتحقير والاهانة من قبل الوالدين، تندحر شخصياتهم ويصابون بعقدة الحقارة، ويقعون في شرك المشاكل والمآسي الكثيرة. ومن هذه العوارض الخجل المفرط في مواجهة الناس.
(إن الأشخاص الذين تلمسون الخجل وسرعة الانفعال منهم ،تجدونهم مستهترين ومشاكسين، أو يلاحظ عليهم الخمول والهدوء، أو الثرثرة والفضول، أو البرودة وضعف الإرادة، أو التهور والسطحية... هم رجال لا يملكون اطمئناناً بأنفسهم ويفقدون الاعتماد على النفس أي أنهم يتصورن أن المجتمع لا يعترف بهم كما ينبغي ولا يحلّهم المحل الذي يستحقونه).
إذن يجب على الوالدين، ضمن القيام بواجباتهما التربوية، الانتباه إلى هذه النقطة المهمة، فيستحسنا الأفعال الصالحة التي تصدر من أطفالهما ويفرّحاهم بالمدح والثناء... وهذا هو أحسن الوسائل للوقاية من نشوء الخجل المفرط وضعف النفس فيهم.
لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : ( إذا نظر الوالد الى ولده فسرّه ، كان للوالد عتق نسمة )(1).
ومن البديهي أن المدح والثناء عن استحقاق أفضل الوسائل لبعث السرور في نفس الطفل، وهذا يشتمل على أجر أخروي ومكافأة إلهية في نظر الإسلام، بغض النظر عن فوائده التربوية. لقد اهتم الأئمة (عليهم السلام) بهذا الموضوع كثيراً، وطبقوه في أسلوبهم التربوي الأمثل بالنسبة الى أطفالهم... إذ كانا يشجعونهم على الأفعال المفيدة التي تصدر منهم ويرغبونهم في الاستزادة منها.
والقصة التالية نموذج طريف لما تقدم.
ـ نموذج عن الاستحسان :
كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) جالساً يوماً في بيته، وقد جلس على جانبيه طفلاه الصغيران : العباس ، وزينب.
( قال علي (عليه السلام) للعباس: ـ قل : واحد.
فقال : واحد.
فقال : ـ قل : اثنان.
قال : استحي أن أقول باللسان الذي قلت ، واحد : اثنان !
فقبّل علي (عليه السلام) عينيه... ثم التفت الى زينب ـ وكانت على يساره ـ فقالت : يا أبتا ، أتحبّنا ؟
قال : نعم يا بنيتي ، أولادنا أكبادنا !.
فقالت : يا أبتاه ، حبّان لا يجتمعان في قلب المؤمن ، حبّ الله ، وحب الأولاد. وإن كان لا بدّ فالشفقة لنا والحب لله خالصاً.
فازداد علي (عليه السلام) بهما حباً )(2).
إن تقبيل الإمام (عليه السلام) عيني طفله الصغير على صراحته واستقامته وازدياد حبه له ولأخته الصغيرة مكافأة جميلة لهما على ما صدر منهما. وفي الواقع فإن بيت علي (عليه السلام) كان طافحاً بالتوحيد والإيمان، مليئاً بالحب الإلهي والفناء في ذاته... ولذلك فإن الأطفال قد تلقوا تربية سليمة وطفحت قلوبهم ـ كأبيهم ـ بحب الله وتوحيده.
_____________
1ـ مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج2، ص626.
2ـ المصدر السابق ص635.