x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإسلام وعزة النفس
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص266ــ277
2023-09-10
6771
لقد أقام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل أربعة عشر قرناً وبوحي من الله سبحانه وتعالى قواعد الدولة الإسلامية الفتية على أساس من القوانين العادلة ، وحدد صلاحيات الحكومة وحقوق الناس في شتى مجالات الحياة من خلال سن بعض القوانين الحكيمة.
فمنذ أن أطلق دعوته إلى الاسلام راح النبي (صلى الله عليه وآله) يعطي المسلمين دروساً في عزة النفس والكرامة وعلو الهمة وجبلهم بالكرامة المعنوية والفضائل الروحية. وقد ذكر القرآن الكريم عزة المسلمين في مصاف عزة الله سبحانه وتعالى وعزة رسوله (صلى الله عليه وآله) حينما قال : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وذلك لما لهذه المسألة من أهمية بالغة .
محاربة الله:
إن كرامة المسلمين وعزتهم نساء ورجالاً، فقراء وأغنياء ، ضعفاء وأقوياء محفوظة ومحترمة في الدين الاسلامي ، حتى ان بعض الروايات قد ذكرت أن الله سبحانه وتعالى يعتبر إهانة العبد المسلم بمثابة محاربته.
عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا محمد إن ربك يقول من أهان عبدي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة(1).
إجتناب الذل:
ينبغي على المسلم أن يصون كرامته ويحفظ عزته ويتجنب الذل والحقارة ، ولا يحق لأي مسلم أن يعمل بما يؤدي إلى إذلاله وحطته. وحول هذا الموضوع هناك الكثير من الأحاديث والروايات التي جاءت على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه(2).
وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : إن الله عز وجل فوض إلى المؤمن اموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه(3).
وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام): ساعة ذل لا تغني بعز الدهر(4).
وقال علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) : ما أحب ان لي بذل نفسي حمر النعم(5).
لقد اهتم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيما اهتمام بموضوع العزة والكرامة في جميع برامجه العبادية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية ، وجعل كل تعاليمه منسجمة مع هذه الخصلة الحميدة وذلك ليقتدي به المسلمون في الدفاع عن كراماتهم وصون عزتهم. وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض التعاليم التي جاء بها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والتي تدخل في هذا السياق.
العبادة - قبل بزوغ فجر الاسلام كان الجهل متفشياً في مكة بشكل دفع أهلها إلى عبادة الأصنام والخضوع لجماد من صنع أيديهم. ومن أجل إنقاذ المشركين من ذل الشرك والعبودية والضعة والحقارة ، انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو الناس لعبادة الله الواحد الأحد ومحاربة المعبودات المصطنعة ، وراح يفهم الناس بأن المسلم لا يحق له التذلل والعبودية لغير الله سبحانه وتعالى .
فقد حطم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بدعوته للوحدانية قيود الشرك والضلالة وأنقذ أمته من ذل العبودية لغير الله ، ليضع في أعماق الأمة أسس الشخصية الإنسانية والحرية والعزة والكرامة.
وأصبح أولئك الذين كانوا بالأمس يعبدون الأصنام من حملة رايات الحرية في ظل التوحيد الاسلامي. ولم يكتفوا بالقضاء على جذور الشرك والضلالة في مكة وحدها، بل راحوا يحاربون عبدة الشمس والقمر ، والحجارة والخشب وأولئك الذين كانوا يخرون ساجدين أمام السلاطين والأمراء والجبابرة وما أكثرهم في تلك الفترة ، فانقذوا الكثير من الشعوب والأمم من قيود الذل والأسر والعبودية.
الحكم: لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى جانب كونه قائداً دينيا ومرشداً روحياً للمسلمين يحكم الناس على أساس القوانين الإسلامية. وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في مقام الحاكم كالأب الحنون الرؤوف، حيث كان يهتم بالحقوق الأخلاقية والكرامة الإنسانية لكل فرد من أفراد المجتمع الاسلامي، وكان يحترم عزتهم وكرامتهم.
ففي ظل حكم النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يحق لأحد أن يذل نفسه أو يهين الآخرين ويستحقرهم. ولم يكن يسمح لأحد بالتملق والتزلف أمامه، بل كان ينبه وينصح كل من كان يرى في سلوكه نوعاً من الذل والضعة والحقارة.
أخلاق الرسول (صلى الله عليه وآله):
وباختصار فإن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد شيد صرح الحكومة الاسلامية على اساس الحرية واحترام شخصية الإنسان وكرامته ، وبقي (عليه السلام) معتمداً هذا المنهج الإنساني في الحكم طوال حياته. وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) واتساع رقعة الإسلام ، بقي العمل جارياً بهذا المنهج في جميع أرجاء المعمورة ، حيث اندثرت العادات والتقاليد المذلة التي كانت الحكومات قد سنتها الواحدة تلو الاخرى ، وتحررت الشعوب من الذل والعبودية .
وعلى سبيل المثال سنكتفي بالإشارة إلى قصة تاريخية قصيرة. كانت الأنبار من مدن ايران في عهد الساسانيين . وكانت هذه المدينة كما جاء في معجم البلدان تقع على نهر الفرات إلى الغرب من بغداد التي كانت تبعد عنها حوالى العشرة فراسخ. وقد أسسها شابور ذو الأكتاف ، كما أن أبا العباس السفاح كان أول خليفة عباسي يبني فيها قصوراً ويعيش فيها حتى مماته.
«كان اسم هذه المدينة «فيروز شابور» ، وقد سميت بالأنبار لأنها كانت مخزناً لإمدادات جيوش الساسانيين من طعام ومعدات حربية وغير ذلك مما يحتاجه العسكر الساساني الذي كان يخوض في الغالب حروباً مع الروم على الحدود الغربية للدولة الساسانية ، ومن يومها عرفت المدينة باسم الأنبار (وأنبار كلمة فارسية تعني مخزن)م(7).
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار فترجلوا له واشتدوا بين يديه : ما هذا الذي صنعتموه ؟ ، فقالوا خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال والله ما ينتفع بهذا امراؤكم وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم وتشقون به في آخرتكم وما أخسر المشقة ورائها العقاب وأربح الدعة معها الأمان من النار(8).
الصحبة : ينص المنهج الأخلاقي في الاسلام على أن تقوم الصحبة بين المسلمين على أساس الفضيلة والعدالة والاحترام المتبادل، وقد أكدت الأحاديث والروايات الاسلامية على هذا الموضوع معتبرة هذا المنهج حقاً من حقوق الصحبة ، والإنسان الذي لا يراعي هذه الحقوق الأخلاقية ولا يهتم بشخصية الآخرين وكرامتهم ليس أهلاً للصحبة والصداقة .
قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) : وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً وإلا فلا اقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمك(9).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا خير لك في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له(10).
ولم يكف الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) بتحذير المسلمين من مصاحبة من لا يقيم للحق وزنا ومن هم بعيدون كل البعد عن الفضيلة والأخلاق، بل وأكدوا على عدم اتخاذ من هم في مستوى يفوق مستواهم المالي والاجتماعي صديقاً وصاحباً ، لأن في ذلك ذلهم ومسكنتهم.
الثروة : إن من العوامل التي قد تتسبب في جرح كرامة الإنسان وعزة نفسه وتدفعه نحو المذلة والدنائة هو المال . وقد جاء الاسلام ليشجع الناس على الكد والعمل من أجل الحصول على لقمة العيش التي بها يحفظون كرامتهم وعزتهم دونما حاجة إلى مد يد العوز للآخرين ، كما حذر الاسلام من الطمع والجشع والحرص كي لا يصبح الإنسان عبداً للمال، ففي كلا الحالتين مذلته وشقاؤه.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): المسئلة طوق المذلة تسلب العزيز عزه والحسيب حسبه(13).
وعنه (عليه السلام) : المذلة والمهانة والشقاء في الطمع والحرص(14).
فالإنسان الذي تطبع على الكرامة النفسية والسجايا الأخلاقية ونشأ عزيز النفس حصين الطبع يعرف قيمته الإنسانية، يعيش على الدوام كريم النفس عالي الهمة ، لا يمد يد العوز إلى الآخرين ولا يفرط بكرامة نفسه أبداً .
وقد فضل الاسلام للإنسان أن يعيش كريماً مع الفقر والحاجة على أن يعيش ذليلاً حقيراً مع المال والثروة. والمسلمون الحقيقيون يفضلون تحمل الجوع والفقر على أن يعرضوا عزتهم وكرامتهم للمذلة والمهانة.
قال الله تعالى في كتابه : {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273].
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : الصبر على الفقر مع العز أجمل من الغنى
وعنه (عليه السلام) : الجوع خير من ذل الخضوع(16).
وخلاصة القول إن مبدأ احترام عزة الإنسان وكرامته وتجنب الذل والهوان هو مبدأ ثابت في الاسلام ينطبق على كافة شؤون المسلمين المادية والمعنوية. فالمشرع الاسلامي قد وضع كل القوانين الفردية والاجتماعية آخذاً بعين الاعتبار ذلك المبدأ الإنساني الذي منه انطلقت البرامج والتعاليم الدينية.
النظام الإستبدادي والجزاء القاسي:
تحتاج الأنظمة الاستبدادية التي لا تعير أدنى اهتمام لكرامة الإنسان الذي يعيش في ظلها حياة أشبه ما تكون بحياة الحيوانات الحبيسة ، تحتاج إلى قوانين جزائية صارمة وقاسية كي تتمكن من تمرير سياساتها الاستبدادية . فهناك يجب أن تخاف الشعوب من أساليب التعذيب المختلفة وممارسات الظلم السائدة لتؤدي المسؤوليات التي تلقى على عاتقها.
وعلى النقيض من ذلك الأنظمة العادلة التي تحفظ حقوق الشعوب وتحترم كرامتها ويعيش كل فرد في ظلها معززاً مكرماً اجتماعياً ، فهي لا تحتاج إلى سن قوانين جزائية ظالمة واللجوء إلى ممارسات الترهيب والتعذيب. فهناك ، الخوف من العار والفضيحة الاجتماعية هو الذي يدفع بالناس إلى تأدية واجباتهم على أحسن وجه.
«تكون قسوة القوانين الجزائية في الأنظمة الاستبدادية التي تعتمد سياسة الترهيب والتعذيب مناسبة نوعاً ما، بيد أنها غير مناسبة للأنظمة الدستورية والجمهورية التي تقوم على أساس الكرامة والتقوى. وفي ظل الحكومات المعتدلة يكون حب الوطن والحياء والخوف من الملامة والانتقاد عاملاً من العوامل التي تحول دون وقوع جرائم ، وأكبر عقاب يتلقاه المذنب هو ثبوت إدانته وافتضاح أمره ، ومن هنا كان عقاب القوانين المدنية للمذنبين يسيراً ودونما حاجة لمزيد من القسوة والعنف.
وفي مثل هذه البلدات يسعى مشرعو القوانين إلى الحيلولة دون وقوع جرائم من خلال تعليم الناس على الأخلاق الحسنة لا من خلال تعذيبهم وتشديد قوانين الجزاء بحقهم»(17).
«يقول (مونتسكيو) : كثرت في زمننا حالات الهروب من خدمة العلم أثناء الحروب، فتقرر أن تكون عقوبة الهارب من خدمة العلم الإعدام ، ومع ذلك لم تنخفض نسبة الهاربين.
والسبب واضح وطبيعي جداً ، فالجندي الذي تكون حياته مهددة بالخطر يومياً لا يبالي لمثل هذه العقوبة أو إنه يستصغرها. ولكن هذا الجندي اعتاد على أن يخشى العار، إذن كان يجب الاستفادة من هذه النقطة ووضع قانون عقوبة يلحق به وصمة عار يبقى جبينه يندى لها طوال حياته. فوضع عقوبة الإعدام في مثل هذه الحالة يعتبر تخفيفاً جزائياً وليس تشديداً كما كانوا يتصورون»(18).
اعتمد الرسول لأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل أربعة عشر قرناً على مسألة العار وسوء السمعة والسخط الاجتماعي كعقاب للمجرمين والمذنبين ، فجاءت توصياته للمسلمين بتجنب صحبة المذنبين ومقابلتهم بوجوه مكفهرة ، لأن ذلك من شأنه أن يحد من الجرائم والذنوب. وهنا نشير إلى حادثة وقعت في صدر الاسلام لأشخاص فروا من القتال في صفوف المسلمين.
حينما أراد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إعداد الجيش لخوض معركة تبوك أعلن النفير العام ، وتهيأ المسلمون للقتال ، فخرجوا في اليوم المحدد متوجهين نحو جبهة القتال ، إلا أن ثلاثة من الأنصار هم كعب بن مالك وهلال بن أمية وابن ربيع مكثوا في المدينة متخلفين عن المسلمين وما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون مبرر.
ولما عاد الرسول بجيشه إلى المدينة دخل عليه هؤلاء الثلاثة طالبين منه الصفح عما بدا منهم ، إلا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يحدثهم ودعا المسلمين إلى مقاطعتهم ، حتى هجرهم جميع المسلمين بصغارهم وكبارهم حتى أسرهم هجرتهم وكانت تقدم إليهم الطعام في مواقعه دون أن تتحدث معهم.
واستمرت المقاطعة حوالى خمسين يوماً حتى ضاقت عليهم الأرض ، فكانوا يغادرون المدينة أحياناً لشدة ما حل بهم ويلتجئون إلى التلال والمرتفعات المحيطة بالمدينة ، فيستغفرون الله تعالى نادمين على فعلتهم طالبين منه العفو والصفح بأعين دامعة ، حتى تقبل الله توبتهم وعفا عن خطاياهم.
قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118].
وذات يوم وعقب صلاة الصبح أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن قبول الله سبحانه وتعالى توبة هؤلاء الثلاثة، وطلب إنهاء المقاطعة ليعود هؤلاء إلى حياتهم الاجتماعية ويستعيدوا عزتهم وكرامتهم . وقد أثار هذا النبأ موجة من البهجة والسرور عمت أهالي المدينة .
إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يجاز المتخلفين الثلاثة بالسجن والتعذيب أو الإعدام ، بل استغل مسألة العزة والكرامة الاجتماعية وعاقبهم بسوء السمعة والعار والفضيحة ، وكان إعراض الناس عنهم ومقاطعتهم لهم أصعب بالنسبة لهم من السجن وأشد ألماً من أي عقاب، وبالرغم من أنهم كانوا أحراراً غير مقيدين إلا أنهم شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم نتيجة مقاطعة الناس لهم .
إذن فحينما تقوم أركان المجتمع في دولة ما على مبدأ العزة والكرامة ، لن يكون هناك حاجة لسن قوانين جزائية صارمة وقاسية من أجل ضبط الأوضاع ، فالعار والفضيحة وسوء السمعة بالنسبة للإنسان الشريف أشد عذاباً من التعذيب والسجن أو الإعدام.
إن الكرامة الإنسانية تعتبر دافعاً نحو الاستقامة والصلاح ومحرك للإنسان نحو الاحساس بمسؤولياته. فالإنسان الذي يربى في أسرة تحترم كرامة النفس وعزتها وينشأ على السجايا الفاضلة ، لا بد وأن تقوده ميوله النفسية ودوافعه الأخلاقية والإنسانية إلى طريق الفضيلة والخير والصلاح .
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الكريم يرى مكارم أفعاله ديناً عليه ينضيه(19).
الشاب والكرامة:
إن مرحلة الشباب هي مرحلة حب الكرامة وعزة النفس ، والشاب بطبعه متعطش للرفعة والشموخ ومناعة الطبع وهو ينفر من كل ما من شأنه أن يؤدي به إلى الذل والهوان.
إن الميل إلى العزة الذي يتجلى بشكل كامل خلال مرحلة الشباب يعتبر من أركان سعادة الإنسان، فإذا ما تمكن الشاب من الحفاظ عليه في أعماقه وتنسيق أقواله وأفعاله معه لاستطاع أن يرسي أسس سعادته وهنائه طوال حياته. أما الشاب الذي يتجاهل كرامته وينكر عزته ويستعد لارتداء رداء الذل والمهانة ، فإنه بعمله هذا يكون قد مهد لبؤسه وشقائه وخطا خطوة نحو الانحراف والسقوط .
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الرجل حيث اختار لنفسه ، إن صانها ارتفعت وإن ابتذلها اتضعت(20).
فالشاب الذي يتحلى بعزة النفس والكرامة ليس فقط لا يستسلم للخطيئة ولا يذل نفسه بانتهاك حقوق الآخرين ، وإنما إذا أسدى خدمة للآخرين فإنه لن يتوقع منهم الشكر والثناء ولن يطلب منهم ذلك لأنه يعلم أن في ذلك ذله ومهانته.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : اعلم ان كل مكرمة تأتيها أن صنيعة صنعتها إلى احد من الخلق فإنما اكرمت بها نفسك وزينت بها عرضك فلا تطلبن من غيرك شكر ما صنعت إلى نفسك(21).
أما الشاب الذي يهدر عزته وكرامته ولا يأبه إن هو استسلم للذل والهوان ، فإنه معرض للسقوط في الرذيلة ، لأنه لا يخشى العار والفضيحة ، وقد يلجأ إلى كل ما هو غير مباح لبلوغ أمانيه النفسية.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من تذلل لأبناء الدنيا تعرى من لباس التقوى(22).
_________________________
(1) مستدرك الوسائل 2، ص 103.
(2) تاريخ اليعقوبي، ص 67.
(3) الكافي5، ص63.
(4) غرر الحكم ، ص 434.
(5) مستدرك الوسائل2، ص364.
(6) بحار الأنوار 6، ص 153.
(7) تاريخ إيران الإجتماعي، ص 86 .
(8) نهج البلاغة، الكلمة 36.
(9) تحف العقول، ص 266.
(10) تاريخ اليعقوبي، 66.
(11) مكارم الأخلاق ص 131.
(12) نفس المصدر.
(13و14) غرر الحكم، ص99و96.
(15) غرر الحكم، ص89 .
(16) فهرست الغرر، 125.
(17) روح القوانين، ص 101.
(18) روح القوانين ، ص105.
(19 و20) غرر الحكم ، ص 90 و80.
(21) الجعفريات، ص236.
(22) فهرست الغرر، ص126.