1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الجغرافية الطبيعية

الجغرافية الحيوية

جغرافية النبات

جغرافية الحيوان

الجغرافية الفلكية

الجغرافية المناخية

جغرافية المياه

جغرافية البحار والمحيطات

جغرافية التربة

جغرافية التضاريس

الجيولوجيا

الجيومورفولوجيا

الجغرافية البشرية

الجغرافية الاجتماعية

جغرافية السكان

جغرافية العمران

جغرافية المدن

جغرافية الريف

جغرافية الجريمة

جغرافية الخدمات

الجغرافية الاقتصادية

الجغرافية الزراعية

الجغرافية الصناعية

الجغرافية السياحية

جغرافية النقل

جغرافية التجارة

جغرافية الطاقة

جغرافية التعدين

الجغرافية التاريخية

الجغرافية الحضارية

الجغرافية السياسية و الانتخابات

الجغرافية العسكرية

الجغرافية الثقافية

الجغرافية الطبية

جغرافية التنمية

جغرافية التخطيط

جغرافية الفكر الجغرافي

جغرافية المخاطر

جغرافية الاسماء

جغرافية السلالات

الجغرافية الاقليمية

جغرافية الخرائط

الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

نظام الاستشعار عن بعد

نظام المعلومات الجغرافية (GIS)

نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)

الجغرافية التطبيقية

جغرافية البيئة والتلوث

جغرافية العالم الاسلامي

الاطالس

معلومات جغرافية عامة

مناهج البحث الجغرافي

الجغرافية : الجغرافية البشرية : الجغرافية السياسية و الانتخابات :

الحدود الهندسية ومشكلات الدول الجديدة

المؤلف:  محمد رياض

المصدر:  الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا

الجزء والصفحة:  ص204-209

22-1-2016

6470

من المشكلات التي تثيرها عمليات تخطيط الحدود تلك الخطوط الهندسية التعسفية سواء كانت فلكية أو غير فلكية التي اتبعت في تعيين مناطق النفوذ الاستعمارية في فترة تبرعم الاستعمار أو نمو دول جديدة داخل مناطق المستعمرات السابقة، والأمثلة على الحدود الهندسية كثيرة، والولايات المتحدة على رأس قائمة دول تشتد فيها هذه الظاهرة التعسفية، فالجانب الغربي من حدود أمريكا وكندا خط عرض ٤٩ شمالا وحدود أمريكا والمكسيك حدود فلكية وهندسية على التوالي، وحدود الولايات في داخل أمريكا غالبيتها الساحقة خطوط فلكية وهندسية معا، ولو تصورنا أن هذه الولايات كانت دولا مستقلة فإن ذلك كان يعطينا على الفور عظم الخسائر الناجمة عن مثل هذا التقسيم المفتعل، والحال نفسه ينطبق على حدود ألاسكا وكندا خط طول ١٥١ غربا وحدود الولايات والأقاليم الكندية باستثناء خط تقسيم المياه في حدود يوكن وكولمبيا، ونهر أوتاوا بين أونتاريو وكويبك.

والعالم العربي مليء بالحدود الهندسية: فهناك خط ٢٢ شمالا بين مصر والسودان وخط ٢٥ شرقا بين مصر وليبيا، وأطوال من الخطوط الهندسية تحد سوريا والعراق والأردن والسعودية وليبيا والسودان والصحراء الجزائرية وموريتانيا والصحراء الإسبانية، ولا تخرج هذه الحدود عن أشكالها الهندسية إلا في مناطق العمران والنطاقات الاستراتيجية مثل حدود الجزائر مع تونس، أو حدود اليمن مع عسير السعودية، بينما تختفي خطوط الحدود تماما في مناطق اللامعمور مثل الحدود اليمنية السعودية وغيرها كثير.

وفي أفريقيا مجموعة من الخطوط الهندسية تتكامل مع مجموعة من خط الحدود الملتزمة بالأنهار أو بعض خطوط تقسيم المياه، وهذه أو تلك قطعت الاتصال بين أبناء مجموعة حضارية واحدة مثل الزاندي بين السودان وزائيري، والبقارة بين السودان وتشاد، والباكونجو بين زائيري والكنغو برازافيل وأنجولا وكابندا البرتغاليتين وقبائل الأيوي بين غانا وتوجو، وعشرات الأمثلة الأخرى في غالبية الدول الأفريقية.

لم تكن خطورة هذه الحدود التعسفية كامنة وقت تخطيطها بالدرجة التي نراها اليوم متضخمة ومتأزمة في عهد الاستقلال، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها:

1-  في إبان الحكم الاستعماري تتضافر حكومات الاستعمار على سياسة إقرار الأمن،  وقمع كل المشاعر القبلية التي تظهر بين الحين والآخر، وتركز على تأمين مناطق الحدود حيث تتصل القبائل ببعضها أو حيث تظهر عشائر متقاربة لغويا وأسطوريا، وهكذا تقوم حكومات الاستعمار في المستعمرات المتجاورة بتأمين الحدود المشتركة من الجانبين للمحافظة على (السلام الاستعماري).

2- في خلال الحكم الاستعماري تربط المستعمرة داخل حدودها التعسفية بعجلة  الاقتصاد الرئيسية للدولة صاحبة المستعمرة، ويصبح هناك حد أدنى من النمو الاقتصادي خارج الحدود المرسومة بواسطة قوى الاستعمار، ومن ثم لا توجد مشكلات اقتصادية تضغط على المستعمرة في اتجاه التكامل الأرضي صوب المستعمرات المجاورة، ويؤمن هذا التوازن الاقتصادي مع احتياجات القوى الاستعمارية أن وسائل الحركة والاتصال الحديدية والبرية والنهرية توجه كلها من داخلية المستعمرة إلى موانئها، وتبتعد عن الارتباط بشبكة الحركة في الدولة أو المستعمرة المجاورة.

3-  حينما تحصل المستعمرات على استقلالها فإنها تصبح دولة داخل الحدود  التعسفية التي رسمت إبان العهد الاستعماري، وبخروج القوى الاستعمارية المتضافرة في حماية الأمن وقمع مشاكل الأقليات على الحدود، فإن أوضاع الأقليات والقبائل المقتسمة بواسطة الحدود القومية الجديدة تصبح متفجرة وفي حاجة إلى ممارسات دبلوماسية كثيرة ودقيقة لمعالجة مثل هذه المواقف، لكن لم تحل الدبلوماسية الهادئة غالبية هذه المشاكل: ففي الصومال استعرت الحرب والاشتباكات الدموية مع إثيوبيا من أجل تعديل خط الحدود الذي يفصل قسما من الصوماليين داخل حدود إثيوبيا، ومشكلة الأيوي سكان توجو ما زالت مكمن خطر ونزاع مستقبلي بين توجو وغانا، وذلك برغم ضم الأيوي نهائيا إلى دولة غانا، وقد حل الاستفتاء مشكلة تقسيم الكاميرون الإنجليزية بين طرفي النزاع: نيجيريا (حصلت على القسم الشمالي) والكاميرون (حصلت على القسم الجنوبي)، وفي أفريقيا مشكلات أخرى كامنة ويمكن أن تتفجر إذا تأزم الموقف لأية أسباب.

4- الأشكال الاقتصادية للدول الجديدة في المستعمرات السابقة أصبحت تقسم على الأقل نظريا برغبة ملحة وأكيدة في التقدم والتنمية القومية، لكن يعوق هذه التنمية التوجيه السابق لخطوط الحركة في اتجاه الموانئ الاستعمارية الرئيسية من ناحية، وارتباطها بعجلة الاقتصاد الاستعماري السابق من ناحية ثانية، وقد أدى هذا إلى تنافس شديد بين الدول المستقلة الجديدة التي تنتج محاصيل أو خامات أولية متشابهة مما يضعف طاقة هذه الدول في رفع أسعار صادراتها، وفي الوقت نفسه نجد أن اقتطاع الحدود التعسفية للأقاليم التي يمكن أن تتكامل اقتصاديا يؤدي إلى مزيد من الضعف ومزيد من التنافس بدل التكامل.

5-  ومما يزيد من حدة التناقض الاقتصادي أن الدول الجديدة بدلا من التكامل  الإقليمي وقعت في مزيد من التنافس بارتباطاتها مع التكتلات الاقتصادية التي نشأت مؤخرا في دول أوروبا الاستعمارية السابقة، فمجموعة الدول التي كانت فيما سبق مستعمرات فرنسية وقعت في حوزة الاقتصاد الفرنسي وتكتل السوق الأوروبية، ومجموعة المستعمرات الإنجليزية السابقة وقعت ضمن اتفاقات الكومنولث البريطاني اقتصاديا وسياسيا، ولسنا نعرف ما سيؤدي إليه دخول بريطانيا كتلة السوق الأوروبية إلى مزيد من الضعف في موقف الدول الأفريقية عامة سواء منها تلك التي كانت مستعمرات فرنسية أو إنجليزية بحكم وقوعها كلها ضمن دائرة نفوذ اقتصادية واحدة تشمل كل أوروبا الغربية، ومما يشهد على ضراوة الروابط الاقتصادية بين القوى الأوروبية والدول الأفريقية الجديدة أن دولة غينيا التي اختارت الخروج من المجموعة الفرنسية عقب حصولها على الاستقلال مباشرة تعاني موقفا متجمدا في صورة حرب اقتصادية باردة ومتعمدة شنتها عليها فرنسا.

وخلاصة القول أن الحدود التعسفية في مناطق المستعمرات السابقة الذكر قد أدت إلى مشكلات عديدة: مشكلات حدود وأقليات، ومشكلة تنمية اقتصادية عاجزة عن التقدم دون موافقة رءوس الأموال الغربية (مثل مشكلة تمويل سد الفولتا في غانا التي تحولت إلى قضية سياسية اقتصادية أودت بحكومة نكروما)، وبالتالي فإن الدول الجديدة وجدت نفسها في مأزق حرج: حدودها غير منطقية وتحمل في طياتها مشكلات كامنة أو متفجرة، ومصالحها القومية الاقتصادية مفروض عليها وصايات مختلفة خارجية، والمفروض أن تعمل هذه الدول في إطار قومي متعارض تماما مع ما هو كائن من تناقضات ضد تكامل هذا الإطار القومي.

وقد اقترح بعض الزعماء الأفريقيين للخروج من هذا التناقض بين كيان الدولة كما يجب أن تكون، وبين إطاراتها الحدية المفتعلة والمشحونة بالمشكلات، وجذورها الاقتصادية المتنافسة والمناهضة لجوهر التنمية القومية الاقتصادية الاجتماعية؛ اقترحوا صيغا مختلفة للتكاملات الإقليمية في صورة وحدات سياسية كبرى أو ائتلافات إقليمية في صور سياسية أو إدارية أو تجمعات اقتصادية، لكن مثل هذه الآراء كانت سابقة لأوانها تاريخيا؛ لأن ( ١) الكثير من القادة الجدد كانت تربطهم بالقوى الاستعمارية مصالح مشتركة، أو (٢) أن القادة الجدد غير المرتبطين أحكم رباطهم فيما بعد أو أزيلوا من الوجود عندما كانوا يتخذون مواقف متصلبة وحل محلهم قادة مرنين. وتشهد على الحالة الأولى حكومة نيجيريا التي أعقبت الاستقلال وقبل أن تطيح بها ثورة الأيبو والثورة المضادة لها، فقد كانت الحكومة الاتحادية النيجيرية، وحكومات الأقاليم الثلاثة تتكون من كبار الملاك والمساهمين في النشاطات الاقتصادية، فضلا عن كونهم أعضاء مجتمعات وعشائر الرئاسات التقليدية، ويشهد على الحالة الثانية إزاحة لومومبا من الحكم عقب استقلال زائيري كنغو كنشاسا سابقا وتولي حكومات مرنة القيادة مثل حكومة سيريل أدولا، أو حكومات منحازة للقوى الاستعمارية مثل حكومة مويس تشومبي.

وفي الحالات التي تم فيها ائتلاف إقليمي مثل اتحاد مالي مالي والسنغال فإن القوى الاستعمارية قد ساعدت على تفكيكه فيما بعد مستغلة عدم وجود قومية ناضجة، بل على العكس تفرق في الولاء بين القبيلة والتجمع الحضاري واللغوي والولاء غير المفهوم لنظام الدولة الحديثة، ومشكلة تعدد الولاء بين المجتمع المحلي والدولة الجديدة من المشكلات الكبيرة التي تواجه الدول الأفريقية وتزيد من ضعف وجودها، فالدولة في غالبية أفريقيا المدارية ليست متجانسة قوميا، وهي تكاد أن تكون إطارا سياسيا خارجيا يحدد مساحة من الأرض تسكنها مجموعة من الأقليات (التجمعات القبلية واللغوية)، ولا يوجد فيها إلا في أحوال قليلة مجموعة حضارية سائدة عدديا ومنتشرة مكانيا، وهناك حالات متعارضة كثيرة نذكر منها حالة السودان وزائيري، ففي السودان توجد عدة مجموعات حضارية، لكن تسودها المجموعة الشمالية والوسطى المتكونة من العرب المسلمين، بينما في الجنوب هناك عدة مجتمعات حضارية مختلفة لغة ونظاما سياسيا سلفيا ودينا — اختلاط إسلامي وكاثوليكي وبروتستانتي على خلفية وثنية قوية وسائدة ومن ثم فإن السودان قد تلون بلون المجموعة الحضارية الكبيرة، وينعكس ذلك في تمركز الحكم في الخرطوم العربية، وارتباط السودان بجامعة الدول العربية، ويؤيد ذلك كله خلفية تاريخية من الحكم العربي ابتداء من عام ١٥٠٤ ، وتركز النشاط الاقتصادي الحديث والمكون لعصب الدولة السودانية في داخل النطاق العربي الأوسط، وقد شعر الجنوبيون من تلقائهم ونتيجة إيعازات خارجية وأخطاء داخلية بدور صغير في حياة السودان القومية؛ ومن ثم جاءت ثورتهم الطويلة ( بمساعدات خارجية )، والتي  وجدت لها مؤخرا حلا مقبولا في صورة شكل من الحكم الذاتي أنهى هذا الموقف المتأزم. أما في زائيري فإنه توجد عشرات من المجتمعات الحضارية المتكافئة قوة وانتشارا، وإن كان يبرز من بينها الباكونجو في الغرب والبانجالا في الشرق والبالوبا واللوندا في كاتنجا والجنوب الشرقي واللنجالا في الشمال، ومن ثم فإن الحكم المركزي ما لم يكن قويا سوف يواجه ظهور النزاعات الاستقلالية على السطح في مكان أو آخر من هذه المساحة الشاسعة، ويجب أن نضيف إلى ذلك أن القوى الأجنبية لها دورها الفعال في الإبقاء على تكامل زائيري الإقليمي أو إثارة الحركات الثورية الانفصالية متى كان هذا أو ذاك مناسبا لمصالحها.

وبالمثل كان موقف باكستان الشرقية بنجلاديش والغربية متأزما برغم رابطة الدين، فقد كان كل شيء يعاكس الوحدة: عدم تكامل أرضي ولغات مختلفة واتجاهات اقتصادية مختلفة وسيطرة الغربيين على الحكم واستئثارهم به في كل باكستان، وإلى جانب هذه الدوافع للانفصال جاء دور الهند التي لا تريد أن تكون جارتها وشريكتها في شبه القارة الهندية دولة كبيرة قوية، مما كان له أكبر الأثر في الإسراع بتفكيك دولة باكستان إلى دولتين.