1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الجغرافية الطبيعية

الجغرافية الحيوية

جغرافية النبات

جغرافية الحيوان

الجغرافية الفلكية

الجغرافية المناخية

جغرافية المياه

جغرافية البحار والمحيطات

جغرافية التربة

جغرافية التضاريس

الجيولوجيا

الجيومورفولوجيا

الجغرافية البشرية

الجغرافية الاجتماعية

جغرافية السكان

جغرافية العمران

جغرافية المدن

جغرافية الريف

جغرافية الجريمة

جغرافية الخدمات

الجغرافية الاقتصادية

الجغرافية الزراعية

الجغرافية الصناعية

الجغرافية السياحية

جغرافية النقل

جغرافية التجارة

جغرافية الطاقة

جغرافية التعدين

الجغرافية التاريخية

الجغرافية الحضارية

الجغرافية السياسية و الانتخابات

الجغرافية العسكرية

الجغرافية الثقافية

الجغرافية الطبية

جغرافية التنمية

جغرافية التخطيط

جغرافية الفكر الجغرافي

جغرافية المخاطر

جغرافية الاسماء

جغرافية السلالات

الجغرافية الاقليمية

جغرافية الخرائط

الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

نظام الاستشعار عن بعد

نظام المعلومات الجغرافية (GIS)

نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)

الجغرافية التطبيقية

جغرافية البيئة والتلوث

جغرافية العالم الاسلامي

الاطالس

معلومات جغرافية عامة

مناهج البحث الجغرافي

الجغرافية : الجغرافية البشرية : الجغرافية السياسية و الانتخابات :

الجيوبوليتيكا الألمانية

المؤلف:  محمد رياض

المصدر:  لأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا

الجزء والصفحة:  ص 67-76

20-1-2016

15259

كان رودلف كيلين (R. Kjellen (1 - المؤرخ والعالم السياسي السويدي ( ١٨٦٤ – 1992) - هو أول من بدأ استخدام مصطلح الجيوبوليتيكا، وقد كتب كيلين كتابين أولهما نشر في ليبزيج عام ١٩١٧ باسم ( الدولة كمظهر من مظاهر الحياة)، والثاني نشره عام 1920 باسم (الاسس اللازمة لقيام نظام سياسي)، وفي هذين الكتابين نجد كيلين يستخدم خلفية كبيرة من:

(١) الفلسفة العضوية. (٢) فلسفة هيجل. (٣) الكثير من الآراء المتعارضة التي تظهر من كتابات راتزل وماكيندر.

وقد طور كيلين أبحاثه إلى ما عرف فيما بعد باسم نظرية الدولة، وقد قسم الدراسات المرتبطة بالدولة إلى الموضوعات التالية:

(أ) السياسة الأرضية : الجيوبوليتيكا Geopolitik.

(ب) السياسة الشعوبية: إتنوبوليتيكا Ethnopolitik .

(ج) السياسة الاجتماعية :  Sozialpolitik.

(د) السياسة الاقتصادية :  Oekopolitik.

(ع) السياسة الإدارية :  Kratopolitik.

وقد نقل عن راتزل أفكار الدولة ككائن عضوي، تكون الأرض التي يعيش عليها الجسد، وتكون العاصمة القلب والرئتين، وتكون الطرق والأنهار الأوردة والشرايين، ومناطق التعدين والإنتاج الزراعي هي بمثابة الأطراف، وأن أهم ما تعنى به الدولة هو القوة، وأن حياة الدولة تعتمد على التربية والثقافة والاقتصاد والحكم وقوة السلطان، وفي رأيه أن الجغرافيا يجب أن تسخر لخدمة الدولة، التي هي الفرض الأسمى للدراسة، وبذلك تتحول الجغرافيا في مجملها إلى جيوبوليتيكا، وخلاصة القول أن أفكار كيلين كلها ليست جديدة، بل عالجها آخرون من قبله، وإن كان هو أول من نادى بقوة بجعل الدراسة موجهة توجيها خاصا لخدمة الدولة، وهو ما سنجد له تطبيقا عمليا على يد مؤسس الجيوبوليتيكا الألمانية كارل هاوسهوفر وابنه البرخت.

كارل هاوسهوفر K. Haushofer ومدرسة ميونخ:

بدأ هاوسهوفر حياته ضابطا في الجيش القيصري الألماني، وذهب إلى اليابان معلما للمدفعية في الفترة ١٩٠٨- ١٩٠٩ ، وكان لهذه الرحلة أثر كبير على تكوينه السياسي  والعسكري  ذهب بحرا عبر قناة السويس، وعاد برا بطريق سيبيريا وخدم خلال الحرب العالمية الأولى ووصل إلى رتبة جنرال، وبعد الحرب تقاعد ولكنه كان قد حصل على درجة الدكتوراه عام ١٩١١ ؛ مما أدى إلى تعيينه أستاذا للجغرافيا والتاريخ الحربي في جامعة ميونخ سنة 1920. وفي عام 1924 أسس (معهد ميونخ للجيوبوليتيكا) و (مجلة السياسة)(2) التي ظلت تنشر آراء السياسة وجذبت معه مجموعة من كبار اساتذة الجغرافيا الألمانية مثل إيريخ أوبست E. Obst وأوتو ماول O. Maull وجوستاف فوشلر هاوكه G. F. Hauke وأوتو يسن O. Jessen وغيرهم كثير، بالإضافة الى البرخت هاوسهوفر.

وقد تأثر هاوسهوفر كثيرا بآراء كل من سبقوه في كتابات السياسة الأرضية العامة وخاصة راتزل وكيلين وماكيندر وماهان، وأخطر ما كان في فلسفة هاوسهوفر السياسية الدعوة إلى التوسع الألماني والصراع والحرب الشاملة.

وأكثر المصطلحات الجديدة التي عبرت عن آراء مدرسة ميونخ التي تصادف أنها أيضا كانت مهد ومكانة ولادة النازية الهتلرية هي مصطلحات توسيعية أو ذات صبغة استراتيجية حربية، ومن أكثر المصطلحات شيوعا تلك التي تعبر عن فكرة (المجال الحيوي Lebensraum) التي تدعو لأن يكون لألمانيا وغيرها من القوى التي أهلها هاوسهوفر للنمو مجال تمد فيه جذورها الاقتصادية والسياسية، كذلك كان مصطلح (الكفاية الذاتية الاقتصادية) من المصطلحات الشائعة في كتابات هذه المدرسة في فترة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى.

وإلى جانب هذه المصطلحات نجد ثلاثة مبادئ أساسية تتردد دائما في كتابات مدرسة ميونخ وتحدد الاستراتيجية العامة لهذه المدرسة، تلك المبادئ هي:

(1)مبدأ (الدولة العملاقة او الكبرى) الذي دعا إليه فريدريك راتزل.

(2)مبدأ (الجزيرة العالمية) الذي طوره ماكيندر في كتاباته 1904، 1919.

(3)مبدأ ازدواجية القارات : واحدة في الشمال والاخرى في الجنوب، وتكونان معا كتلة إقليمية قارية ذات اكتفاء ذاتي؛ فالشمالية تقدم المصنعات والجنوبية هي مجالها الحيوي في إنتاج الخامات والتسويق (انظر خريطة 1).

لقد تفاعلت هذه المبادئ الثلاثة معا وكونت الخطوط الرئيسية لأفكار هاوسهوفر، ففي رأيه أن عالم الغد بالنسبة له يجب أن يسير على نمط الدول الكبرى، وهو يتوقع أن تكون هذه هي الموجة السياسية المستقبلية. ونحن نعتقد أن ما توقعه هاوسهوفر في محله، فالاتجاه العام بعد نصف قرن من كتاباته هو تكوين مقدمات الدولة الكبرى في أنحاء عديدة من العالم، وخاصة أوروبا ذات التاريخ الطويل في التركيبات الدولية صغيرة المساحة كتلة السوق الأوروبية الغربية، وكتلة دول الكوميكون في شرق أوروبا، وفي هذا المجال نجد نوايات غير ناضجة لتكتلات إقليمية في أفريقيا والعالم العربي لأسباب داخلية وخارجية معا.

ولكن هاوسهوفر كان ينظر إلى الدولة الكبرى من زاوية قومية بحتة، وليست زاوية تشاركية بين الشعوب والدول كما هو حادث الآن لهذا يرى أن من المحتم على ألمانيا أن تبتلع الدول الصغرى غرب وشرق ألمانيا، وأنه لا بأس من تنفيذ ذلك بقوة السلاح لتأمين سيطرة ألمانيا الكاملة على أوروبا القارية.

ورأى هاوسهوفر في جزيرة ماكيندر العالمية الإطار العام المكاني للسيطرة الألمانية وتكوين نظام عالمي جديد، وقد كان لمدرسة ميونخ هدفان جوهريان في الجزيرة العالمية: الهدف الأول السيطرة على روسيا لتأمين الحكم الألماني على كل أورو آسيا، والهدف الثاني تدمير الإمبراطورية البريطانية وقوتها البحرية لتأمين السيطرة الألمانية الكاملة على كل الجزيرة العالمية (أوروبا – آسيا – أفريقيا).

لكن تحقيق هذين الهدفين لا يستدعي بالضرورة الحرب الشاملة، فقد كان هاوسهوفر يرى أن الدول القارية تمتلك مميزات جوهرية بالقياس إلى القوى البحرية، ومن ثم كان ينظَر إلى تحقيق اتحاد أو تحالف ألماني روسي على أنه حجر الزاوية في تكوين نواة الوحدة الأورو آسيوية التي تشتمل على إضافة تكتل واسع آخر يتكون من الصين واليابان، وفي الحقيقة نجد أن كارل هاوسهوفر لم يأل جهدا خلال منشوراته وأبحاثه في العشرينيات والثلاثينيات من أجل الدعوة إلى صداقة ألمانية سوفيتية، ودعوة إلى اليابان أن تطور علاقاتها مع كل من الصين والاتحاد السوفيتي.

لقد أثرت أفكار راتزل عن الرابطة الموجودة بين القوى الدولية الكبرى والمسافات القارية الكبيرة على الجيوبوليتيكيين الألمان تأثيرا مباشرا تجلى في ظهور مبدأين: أولهما فكرة أوروبا الكبرى، وثانيهما فكرة الأقاليم الكبرى (انظر خريطة 1) ولقد تكلم هؤلاء السياسيون عن شرق أوروبا على أنه جزء أرضي واقع تحت تأثير القوانين الجيوبوليتيكية الأوروبية، ومن ثم دعوا إلى وحدة أوروبية لكافة أرجاء القارة على أنها شيء وراثي ومن طبيعة الأشياء. وحدود أوروبا في الشرق — كما خططها هؤلاء السياسيون هي خط يمتد من مصب نهر الدينسنر إلى بحيرة بيبوس تشود حاليا الواقعة على حدود جمهورية إستونيا السوفيتية، وبعبارة أخرى كان الحد الشرقي لأوروبا هو خط حدود الاتحاد السوفيتي عام ١٩٣٩.

خريطة (2)، (3) : نماذج للحدود المتداخلة في أوروبا. نظرا لتحدد القوميات بوضوح فإن الحدود تتداخل بكثرة في معظم أجزاء أوروبا في المناطق التي يسودها الاستقرار كسويسرا وهولندا واسكندنافيا، ويكون تداخلها مثارا للنزاعات في المناطق التي لم تستقر كالبلقان.

وقد اعتبر هاوسهوفر أن الاتحاد السوفيتي هو بداية آسيا، ولهذا فإنه رأى أن أوروبا بما فيها دول شرق أوروبا السلافية (بولندا وتشيكوسلوفاكيا والبلقان) يجب أن تتحد تحت زعامة ألمانيا، وذلك كشرط أساسي لإمكان قيام اتفاقات مع الاتحاد السوفيتي على مصير أورو آسيا كلها؛ أي أن ألمانيا يجب أن تقوى مساحيا بحيث تغطي كل أوروبا لكي تستطيع أن تكون في موقف القوة حين التفاوض مع الاتحاد السوفيتي. بعبارة أخرى نجد في هذا تأكيدا واضحا لمبدأ راتزل عن ارتباط الدولة الكبيرة والمساحة الكبيرة.

وعلى هذا النحو نرى هاوسهوفر وزملاءه يعتنقون مبدأ الاستيلاء على شرق أوروبا كمفتاح لقوة ألمانيا وإمكانها إجبار الاتحاد السوفيتي دون حرب على الجلوس مع الألمان للتفاوض بشأن حكم أورو آسيا، هنا أيضا نجد واحدا من مبادئ ماكيندر يلعب دوره في أفكار مدرسة ميونخ السياسية، فقد سبق لماكيندر أن أكد دور شرق أوروبا كعنصر حاسم في التأثير على مصير قلب العالم، وكان ماكيندر يرى أن احتمال استيلاء الألمان على شرق أوروبا أو استيلاء الروس عليه عامل ممهد لتدعيم نفوذ الدولة المنتصرة في التحكم في قلب العالم، وبعبارة أخرى كان ماكيندر يرى أن شرق أوروبا هو مفتاح التحكم في الجزيرة العالمية؛ لأنها العتبة المؤدية إلى قلب العالم.

وفي هذا المجال يجب أن نذكر أن مدرسة ميونخ لم تطالب أبدا بحرب شاملة تدخلها ألمانيا ضد الاتحاد السوفيتي، بل إن هاوسهوفر كان يتشكك في إمكانيات وقدرات استراتيجية حرب الصاعقة الألمانية ضد المساحة الضخمة والموارد الكبيرة للاتحاد السوفيتي، فإن كانت هذه الاستراتيجية قد نجحت في بلاد ذات مساحة محدودة كبولندا وفرنسا وهولندا إلا أن نصيبها من النجاح في المساحات السوفيتية الواسعة أمر محفوف بالمخاطر.

وقد اقترحت مدرسة ميونخ الجيوبوليتيكية نظاما جديدا للسيطرة على القارات في صورة مفهوم الأقاليم الكبرى Pan Regions (انظر الخريطة 1) وتتكون هذه الاقاليم من :

أمريكا الكبرى: وتضم كلا من دول الأمريكتين تحت زعامة الولايات المتحدة. أورو أفريقيا: وتضم كل أوروبا عدا الاتحاد السوفيتي وكل أفريقيا وكل العالم العربي الآسيوي وتركيا وذلك تحت الزعامة المشتركة لبرلين وروما.

روسيا الكبرى: وتضم معظم الاتحاد السوفيتي عدا شرق سيبيريا، كما تضم أيضا إيران وأفغانستان والهند كلها بما في ذلك باكستان الحالية وكان مصير روسيا الكبرى معلقا باتفاقات روسيا مع ألمانيا، وإذا لم يحدث هذا الاتفاق فإن كل روسيا الكبرى كانت ستصبح جزءا من الإمبراطورية الألمانية.

آسيا الشرقية الكبرى:

وهذه تضم اليابان وشرق الاتحاد السوفيتي والصين وجنوب شرق آسيا وبورما وإندونيسيا وأستراليا ومعظم عالم المحيط الهادي تحت زعامة اليابان، ويلاحظ أن هذه الأقاليم الكبرى تسير وفق مبدأ القارات المزدوجة الشمالية والجنوبية حسب ما أشرنا إليه من قبل، وكانت مدرسة ميونخ ترى أنه لا بد من وجود مناطق فاصلة بين الدول الكبرى داخل التقسيمات القارية، وأن هذه المناطق ونظام الاكتفاء الذاتي للدول الكبرى سوف يؤدي إلى إيجاد التوازن الدولي المرغوب.

ولا شك أن هاوسهوفر لم يتمكن من إيجاد صيغة التوازن اللازمة بين أقاليمه الكبرى الثلاث في العالم القديم أورو أفريقيا وروسيا الكبرى وآسيا الشرقية الكبرى وبين العالم الجديد أمريكا الكبرى ولهذا يرى أنه لا بد من اتحاد كل أقاليم العالم القديم للوقوف على قدم المساواة مع العالم الجديد، ويعني هذا أن بذور الحرب بين ألمانيا واليابان كانت واردة عند أصحاب مدرسة ميونخ على أنها احتمال مستقبلي من أجل السيطرة العالمية.

وفشل فكرة الأقاليم الكبرى أمر واضح؛ لأنها لا يمكن أن تتحقق إلا بالحرب، كما أن القارات الجنوبية في كل إقليم كبير ليست بعيدة البعد الكافي عن مراكز القوى الأخرى في القارات الشمالية، وبالتالي يمكن أن تمارس قوة أخرى شمالية دورا هاما على قارة جنوبية تابعة لقوة شمالية غيرها، فمثلا أمريكا الجنوبية لا تبعد عن أمريكا الشمالية بمسافة أقل كثيرا من بعدها عن أوروبا، بل إنها أقرب إلى أورو أفريقيا منها إلى أمريكا الشمالية، وبذلك يمكن أورو أفريقيا أن تمارس نفوذا متزايدا في أمريكا الجنوبية يناهض وينافس النفوذ الذي تمارسه أمريكا الشمالية عليها، وبالمثل أفريقيا كجزء مكمل لأورو أفريقيا ليس بعيدا بعدا كافيا عن روسيا الكبرى بحيث يمكن للنفوذ الروسي أن يمارس دورا منافسا في أفريقيا لدور أوروبا على وجه العموم، وألمانيا على وجه الخصوص، وكذلك الهند تقع قريبة من آسيا الشرقية الكبرى أكثر من قربها للاتحاد السوفيتي.

هذا عن المبادئ العامة لمدرسة ميونخ السياسية، أما عن المبادئ الأساسية التي شكلت المنطلق الأساسي للجيوبوليتيكا الألمانية فقد تلخصت في عدة اعتبارات أهمها ما يلي :

الدولة كائن حي (راتزل) :

ومن ثم جاء تشخيص هاوسهوفر للأمراض التي تشكو منها الدولة مبنيا على مشكلة الأرض التي تحتلها؛ ولهذا ظهر مبدأ (المجال الحيوي) للدولة الذي يدعوها إلى التوسع الأرضي من أجل إيجاد حلول لمشاكلها السكانية والاقتصادية والعسكرية، ويحسن موقعها وعلاقاتها المكانية الأرضية.

مبدأ الكفاية الاقتصادية للدولة:

وهذا المبدأ يقوم على عدة مقاييس رسمها هاوسهوفر وزملاؤه كشروط أساسية لمقومات الدولة القوية، وقد أكدت النظرية على أربعة مقاييس هي: (أ) عدد وفير من السكان. (ب) نسبة مواليد مرتفعة. (ج) تماثل وتشابه تام بين دم السكان (السلالة). (د) توازن عادل بين سكان الريف والمدن.

والمقياسان الأول والثاني مفهومان تستند إليهما الدولة لتدعيم قواها وتجديد هذه القوى بارتفاع نسبة المواليد، ولهذا يأتي المقياس الرابع مؤيدا لهذا الاتجاه، فهاوسهوفر لا يحبذ السكن المدني كثيرا؛ لأنه بطبيعته يؤدي إلى إنقاص نسبة المواليد، كما أن قلة سكان الريف سوف تقلل بالضرورة مدى تحكم الناس في إنتاج التربة الزراعية بمعناها الواسع، وبذلك يشترك العاملان معا في تقليل قوة الدولة العسكرية وتجديد هذه القوة، وفي تقليل الإنتاج الزراعي العام مما يؤدي إلى إضعاف الكفاية الذاتية للدولة. وأخيرا فإن المقياس الثالث يريد أن يفترض أن تجانس الشعب سلاليا هو أحد دعامات قوة الدولة، لكن هذه النظرة الضيقة السلالة فقط تعبر عن منطلق عنصري يرتبط بسيادة الجرماني، وهو في ذلك مؤيد للعنصرية النازية تمام التأييد. (3) لكن الكفاية الذاتية للدولة الكبرى يجب أن تمتد إلى مسطحات كبيرة من اليابس الارضي في صورة (الاقتصاد الكبير مكانيا Grossraum Wirtschaft) ولهذا نجد الدعاية والمصالح الالمانية تتوغل في كثير من أجزاء القارة، وخاصة في جنوب شرق القارة بلغاريا ورومانيا وفي وسط القارة.

والاهتمام بالبلقان عامة في نظر الاقتصاد الألماني راجع إلى أنه كان في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية يكون منطقة إنتاج الأغذية والمواد الأولية، وهي ما تحتاجه ألمانيا الصناعية، وبذلك فإن التكامل الاقتصادي بين الصناعة والزراعة في نظر الجيوبوليتيكيين كان يتمثل خير تمثيل في الارتباط  بين ألمانيا والدول المتخلفة صناعيا وعلى رأسها دول البلقان، وتجدر الإشارة إلى أن ٨٠٪ من صادرات بلغاريا فيما قبل الحرب كانت تتجه إلى ألمانيا، وكذلك كانت المجر داخلة في دائرة النفوذ الاقتصادي الألماني بدرجة كبيرة، كما كان لبترول رومانيا أثره في جذب المصالح الألمانية، وكانت ألمانيا تدفع مقابل المواد الأولية التي تحصل عليها من دول البلقان سلعا صناعية ألمانية بأسعار أعلى من الأسعار العالمية كثيرا؛ مما جعل ألمانيا مدينة مزمنة لدول البلقان، وهكذا أدت الروابط الاقتصادية الألمانية المتغلغلة في البلقان بمعظم دول المنطقة إلى الانضمام إلى الحلف الألماني راضية أو مكرهة، وفي هذا كتب الأستاذ أوتو ماول قائلا إن التغلغل الاقتصادي الكامل له تماما نفس الآثار المترتبة على الاحتلال العسكري).

العواصم والتأثيرات النفسية:

اهتمت مدرسة ميونخ بموضع العواصم على أنه دليل على قوة واستقرار الدولة، ولهذا فإن عددا من الدول نقل عواصمه من مكامن الخطر إلى مناطق أكثر حماية في الداخل، وأهم الأمثلة على ذلك نقل العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة، ومن سان بطرسبرج - ليننجراد - إلى موسكو، (ويمكننا أن نضيف إلى ذلك ما حدث مؤخرا من نقل العاصمة الباكستانية من كراتشي إلى إسلام أباد، والعاصمة البرازيلية من ريو ديجانيرو إلى برازيليا)، ولكن يجب أن ننظر إلى هذه العملية من زاويتين: الأولى ما أوردته مدرسة على اعتناء الدولة بالتنمية الداخلية لبلادها.

وترى مدرسة ميونخ أن للعواصم تأثيرا نفسيا على الشعوب، فسقوط العاصمة يؤدي إلى إشاعة اليأس بين السكان، خاصة إذا كانت العاصمة في موقع جغرافي متوسط وجيد، مثل باريس أو موسكو، وترى هذه المدرسة أن سقوط باريس قد عجل بسقوط فرنسا، ولهذا نجد الألمان يحاولون الحصول على موسكو، وفي مقابل ذلك وقف السوفيت إلى النهاية مانعين سقوطها؛ مما كان له أثره الكبير في ضعضعة العزيمة الألمانية وتقوية الإرادة السوفيتية.

استراتيجية المواقع والاستراتيجية العسكرية:

في المجالات العسكرية كانت مدرسة ميونخ ترى أن القوة برغم انقسامها إلى القوات البرية والبحرية والجوية إلا أن للقوة البرية دورا حاسما؛ لأنها هي التي تستولي على المجالات الأرضية، ولكن ذلك لا يقلل من دور القوات البحرية والجوية، وإن كانت في نظر هاوسهوفر قوات مكملة للقوات البرية.

ويرى أن القواعد الحربية قد أصبحت تفقد قيمتها الاستراتيجية التي كانت لها في الماضي فلم يعد لجبل طارق أو لسنغافورة الأهمية التي لكل إسبانيا أو ماليزيا، وعلى هذا النحو فإن التحكم في قناة السويس دون التحكم في مصر يصبح قليل الأهمية، ومن هنا فإن المناطق التي تقع فيها هذه القواعد الحربية أو البحرية تصبح أهم من الناحية الاستراتيجية من قيمة القاعدة ذاتها.

مناطق الصدام بين الدول المتنافسة:

يرى هاوسهوفر أن نفوذ الدول المتصارعة على السلطة ينتهي إلى مناطق حساسة هي مناطق الاحتكاك الحقيقي بين نفوذ دولتين، وفي مثل هذه المناطق غالبا تبدأ المعارك السياسية أو العسكرية، وقد ضرب هاوسهوفر مثالا لذلك بالفلبين الواقعة بين دائرتي النفوذ الأمريكية واليابانية، وحينما ينشغل اليابانيون بأمور سياسية أو عسكرية داخلية أو بعيدة عن الفلبين نرى مطالب أهل الفلبين من أجل الاستقلال عن أمريكا تشتد وتظهر على مسرح السياسة المحلية الفلبينية، لكن هذه المطالب سرعان ما تخبو وتحل محلها مظاهر الولاء نحو أمريكا حينما تصبح روح التوسع العسكري الياباني تجاه الفلبين ملموسة وواضحة.

وليست مناطق الصدام وحدها هي التي تظهر في كتابات هاوسهوفر وغيره، بل مصطلحات أخرى متعددة مثل مجالات الدفع Zerrungaraeume ونطاقات الخطر Gefahrenzonen ومناطق الاهتزاز Schuetterzonen وخطوط القوى Kraflinien، والأخيرة توضح اتجاهات القوى المتصارعة في إقليم من أقاليم الصدام أو الخطر (انظر خريطة 2) كمثال.

والملاحظ أن هاوسهوفر الأب (4)والابن ومدرسة ميونخ عامة لم تضع فقط تصورا نظريا لسياسات الأرض كما فعل ماكيندر وغيره، بل أتبعوا هذا التصور بمبادئ تطبيقية في نظرهم من أجل تنفيذ ما افترضوه من صور، ولهذا تخلو كل الكتابات الجيوبوليتيكية العلمية من مبادئ تطبيقية، بل إنها تصور إمكانيات الماضي والحاضر على ضوء العلاقات الأرضية حسبما يرى الكاتب، أما مدرسة ميونخ فقد كانت حقا محاولة تنفيذية لمخططات نظرية تعسفية أريد لها التطبيق بالقوة العسكرية وحدها، ولهذا فشلت هذه المدرسة فشلا ذريعا ونقدت نقدا مرا، وذلك بالرغم من أن الكثير من الكتابات العلمية لهذه المدرسة هي كتابات جغرافية ممتازة، فمثلا ذكر البرخت هاوسهوفر في كتابه الذي لم يكتمل بعنوان (الجغرافيا السياسية العامة والجيوبوليتيكا) أن هناك في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا حقيقة أساسية يجب تركيز الدرس عليها، ألا وهي مسألة العلاقات المتغيرة بين المحيط المكاني للإنسان وبين أشكال الحياة السياسية.

وخلاصة القول أن الجيوبوليتيكا الألمانية كانت مليئة بالمتناقضات الجغرافية؛ لأنها كانت لا تعرف حدودا علمية تنتهي إليها، وهي بارتباطها بالتطبيق العملي للسياسة التوسعية الجرمانية، لم يعد يهمها أن تواجه بالنقد العلمي، وبذلك فقدت العنصر الأساسي في تكوينها كنظرية علمية.

____________________________

(1)Kjellen, R. “Der Staat als Lebensform”, Leipzig 1917.

(2)Zeitschrift Für Geopolitik, 1924–1945 ff 1951.

 (3) في هذا المجال لا يفوتنا أن نذكر أن مدرسة ميونخ قسمت الشعوب إلى شعب سيدHerrenvolk --وهو الشعب الألماني — وشعوب مساعدة أو معاونة Hilfenvolk، وهم بقية الشعوب الأوروبية. أما النازية فكانت ترى أقساما أخرى للناس، أعلى البشر مرتبة هم الجرمان النورديون، يليهم السلافيون والشرقيون في مرتبة دون البشر، ثم الزنوج أنصاف قردة، وأخيرا اليهود كجماعة طفيلية تحتل الدرك الأسفل في السلم الاجتماعي.

Haushoffer, K. “Grenzen in ihrer geographischen und politischen Bedeutung” 1927. (4)

*  “Geopolitik des Pazifischen Ozeans”, 1938.

wehtpolitik

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي