

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

الأحاديث القدسيّة

علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة


علم الرجال

تعريف علم الرجال

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)

أصحاب الائمة (عليهم السلام)

العلماء من القرن الرابع إلى القرن الخامس عشر الهجري
شرح الأبيات (424 ــ 435)
المؤلف:
شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي
المصدر:
فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث للعراقي
الجزء والصفحة:
ج2، ص 206 ــ 213
2025-12-27
15
424 - وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيزَ مَعْ ... إِسْمَاعِهِ جَبْرًا لِنَقْصٍ إِنْ وَقَعْ
425 - قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَلَا غِنَى عَنْ ... إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ
426 - وَسُئِلَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ حَرْفَا ... أَدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى
427 - لَكِنْ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ مَنَعْ ... فِي الْحَرْفِ يَسْتَفْهِمُهُ فَلَا يَسَعْ
428 - إِلَّا بِأَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الشَّارِدَهْ ... عَنْ مُفْهِمٍ وَنَحْوُهُ عَنْ زَائِدَهْ
429 - وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ قَدْ قَالَ: " نَا ... إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ " مِنْ حَدَّثَنَا
430 - مِنْ قَوْلِ سُفْيَانٍ وَسُفْيَانُ اكْتَفَى ... بِلَفْظٍ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى
431 - كَذَاكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَفْتَى ... اسْتَفْهِمِ الَّذِي يَلِيكَ حَتَّى
432 - رَوَوْا عَنِ الْأَعْمَشِ كُنَّا نَقْعُدُ ... لِلنَّخَعِيِّ فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ
433 - الْبَعْضُ لَا يَسْمَعُهُ فَيَسْأَلُ ... الْبَعْضَ عَنْهُ ثُمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ
434 - وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ وَقَوْلُهُمْ ... يَكْفِي مِنَ الْحَدِيثِ شَمُّهُ فَهُمْ
435 - عَنَوْا إِذَا أَوَّلُ شَيْءٍ سُئِلَا ... عَرَفَهُ وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلَا
السَّادِسُ: (وَيَنْبَغِي) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ؛ حَيْثُ لَمْ يَنْفَكَّ الْأَمْرُ غَالِبًا عَنْ أَحَدِ أُمُورٍ، إِمَّا خَلَلٌ فِي الْإِعْرَابِ أَوْ فِي الرِّجَالِ، أَوْ هَذْرَمَةٌ، أَوْ هَيْنَمَةٌ، أَوْ كَلَامٌ يَسِيرٌ، أَوْ نُعَاسٌ خَفِيفٌ، أَوْ بُعْدٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ (لِلشَّيْخِ) الْمُسْمِعِ (أَنْ يُجِيزَ) لِلسَّامِعِينَ رِوَايَةَ الْكِتَابِ أَوِ الْجُزْءِ أَوِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ لَهُمْ (مَعْ) إِسْمَاعِهِ لَهُمْ (جَبْرًا لِنَقْصٍ) يَصْحَبُ السَّمَاعَ (إِنْ يَقَعْ) بِسَبَبِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ لِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ: وَأَجَزْتُ لَهُ رِوَايَتَهُ عَنِّي مُخَصِّصًا مِنْهُ بِالْإِجَازَةِ مَا زَلَّ عَنِ السَّمْعِ لِغَفْلَةٍ أَوْ سَقْطٍ عِنْدَ السَّمَاعِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ. وَكَذَا كَانَ ابْنُ رَافِعٍ يَتَلَفَّظُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ السَّمَاعِ قَائِلًا: أَجَزْتُ لَكُمْ رِوَايَتَهُ عَنِّي سَمَاعًا وَإِجَازَةً لِمَا خَالَفَ أَصْلَ السَّمَاعِ إِنْ خَالَفَ، بَلْ (قَالَ) مُفْتِي قُرْطُبَةَ وَعَالِمُهَا (ابْنُ عَتَّابٍ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَوْقَانِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ، هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ الْجُذَامِيُّ الْمُتَوَفَّى فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائِةٍ (462هـ) فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَلَدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ عَنْهُ مَا مَعْنَاهُ: (وَ) الَّذِي أَقُولُ: إِنَّهُ (لَا غِنَى) [بِالْقَصْرِ لِلْمُنَاسَبَةِ] ، لِطَالِبِ الْعِلْمِ، يَعْنِي: فِي زَمَنِهِ فَمَا بَعْدَهُ (عَنْ إِجَازَةٍ) بِذَاكَ الدِّيوَانِ أَوِ الْحَدِيثِ (مَعَ السَّمَاعِ) لَهُ (تُقْرَنُ) بِهِ ؛ لِجَوَازِ السَّهْوِ أَوِ الْغَفْلَةِ أَوِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى الطَّالِبِ وَالشَّيْخِ مَعًا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَكَلَامُهُ إِلَى الْوُجُوبِ أَقْرَبُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ، حَتَّى إِنَّهُ لِكَوْنِ مَدَارِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَانَ يَخَافُ عَاقِبَتَهَا، وَيُظْهِرُ مَهَابَتَهَا، حَتَّى كَانَ يَقُولُ: مَنْ يَحْسُدُنِي فِيهَا جَعَلَهُ اللَّهُ مُفْتِيًا، وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْهَا كَفَافًا، ثُمَّ عَلَى كَاتِبِ الطَّبَقِةِ اسْتِحْبَابًا التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إِجَازَةِ الْمُسْمِعِ فِيهَا، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَهَا فِي الطِّبَاقِ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ الْأَنْمَاطِيِّ الْمِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُتَوَفَّى فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشَرَ وَسِتِّمَائَةٍ (619هـ) ، وَكَانَ دَأْبُهُ النُّصْحَ وَكَثْرَةَ الْإِفَادَةِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ اسْتَجَازَ لِخَلْقٍ ابْتِدَاءً مِنْهُ بِدُونِ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَكْثَرِهِمْ، وَتَبِعَهُ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَسَنَةِ ؛ أَعْنِي: كِتَابَةَ الْإِجَازَةِ، فِي الطِّبَاقِ مَنْ بَعْدَهُ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ نَفْعٌ كَثِيرٌ، فَلَقَدِ انْقَطَعَتْ بِسَبَبِ إِهْمَالِ ذَلِكَ وَتَرْكِهِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ رِوَايَةُ بَعْضِ الْكُتُبِ لِكَوْنِ رَاوِيهَا كَانَ قَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الطَّبَقَةِ إِجَازَةُ الْمُسْمِعِ لِلسَّامِعِينَ، فَمَا أَمْكَنَ قِرَاءَةُ ذَلِكَ الْفَوْتِ عَلَيْهِ بِالْإِجَازَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا، كَمَا اتَّفَقَ فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ اللَّهِ بْنَ الصَّوَّافِ الشَّاطِبِيِّ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلنَّسَائِيِّ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْهُ سِوَى مَسْمُوعِهِ مِنْهُ عَلَى الصَّفِيِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَاقَا فَقَطْ، هَذَا مَعَ قُرْبِ سَمَاعِهِ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَكَرَ فِيهِ ابْنُ الْأَنْمَاطِيِّ كِتَابَتَهَا، وَلَكِنْ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنِ اشْتَهَرَ، عَلَى أَنِّي قَدْ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ سَبَقَ الْأَنْمَاطِيَّ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، حَيْثُ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى تَقْيِيدِ سَمَاعٍ لِبَعْضِ نُبَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بِنَحْوِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَتَّابٍ، فَقَالَ: سَمِعَ هَذَا الْجُزْءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وَأَجَازَ مَا أُغْفِلَ وَصُحِّفَ وَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ عَلَى الصِّحَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مَنْزَعٌ نَبِيلٌ فِي الْبَابِ جِدًّا - انْتَهَى.
وَتُغْتَفَرُ الْجَهَالَةُ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُجِيزَ بِسَبَبِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِفْصَاحُ بِذَلِكَ حِينَ رِوَايَتِهِ إِلَّا إِنْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ سَمِعَ كَاذِبٌ؛ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ، وَلَا تَجْبُرُ الْإِجَازَةُ مِثْلَ هَذَا. نَعَمْ، إِنْ أَطْلَقَ الْإِخْبَارَ كَانَ صَادِقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ ثَالِثِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ
وَإِنَّمَا كُرِهَ إِطْلَاقُهُ فِي الْإِجَازَةِ الْمَحْضَةِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ، أَوْ لِإِيقَاعِهِ تُهَمَةً إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَصْلًا، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ هُنَا لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ مُثْبَتًا بِغَيْرِ خَطِّهِ؛ لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ عَنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
وَإِذَا انْتَهَتْ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَةِ الَّتِي كَانَ تَأْخِيرُهَا أَنْسَبَ لِتَعَلُّقِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا، وَلِتَكُونَ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا، وَلَكِنْ هَكَذَا هِيَ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ اغْتِفَارُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ، يَعْنِي: سَوَاءٌ أَخَلَّتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا بِفَهْمِ الْبَاقِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى لَا يُشْتَرَطُ، وَسَوَاءٌ كَانَ يَعْرِفُهُمَا أَمْ لَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَإِلَّا فَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابٍ النَّسَائِيِّ يَقُولُ: وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا كَذَا وَكَذَا؛ لِكَوْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لَمْ يَسْمَعْهَا جَيِّدًا وَعَلِمَهَا.
(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ، هُوَ (ابْنُ حَنْبَلٍ)، مِنِ ابْنِهِ صَالِحٍ؛ حَيْثُ قَالَ لَهُ: إِنْ أَدْمَجَ الشَّيْخُ أَوِ الْقَارِئُ (إِنْ حَرْفَا) يَعْنِي: لَفْظًا يَسِيرًا (أَدْغَمَهُ) فَلَمْ يَفْهَمْهُ السَّامِعُ؛ أَيْ: لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا، أَتَرَى لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ؟ (فَقَالَ: أَرْجُو) أَنَّهُ (يُعْفَى) عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضِيقَ الْحَالُ عَنْهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ، فَقَيَّدَ الْعَفْوَ بِكَوْنِهِ يَعْرِفُهُ، وَتَمَامُهُ: قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ: الْكِتَابُ قَدْ طَالَ عَهْدُهُ عَنِ الْإِنْسَانِ لَا يَعْرِفُ بَعْضَ حُرُوفِهِ، فَيُخْبِرُهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا فِي الْكِتَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَعْنِي يُوقِفُهُ عَلَى الصَّوَابِ، فَيَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ. (لَكِنْ) الْحَافِظُ (أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) بْنُ دُكَيْنٍ (مَنَعْ) مِنْ سُلُوكِهِ (فِي الْحَرْفِ) يَعْنِي: فِي اللَّفْظِ الْيَسِيرِ مِمَّا يَشْرِدُ عَنْهُ فِي حَالِ سَمَاعِهِ مِنْ سُفْيَانَ وَالْأَعْمَشِ الَّذِي (يَسْتَفْهِمُهُ) مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ (فَ) قَالَ: (لَا يَسَعْ) مَنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهُ (إِلَّا بِأَنْ) أَيْ: أَنْ.
(يَرْوِيَ تِلْكَ) الْكَلِمَةَ (الشَّارِدَهْ عَنْ مُفْهِمٍ) أَفْهَمَهُ إِيَّاهَا مِنْ صَاحِبٍ (وَنَحْوُهُ) مَرْوِيٌّ (عَنْ زَائِدَهْ)، هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ. قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ: سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلَافِ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوَهَا، فَكُنْتُ أَسْتَفْهِمُ جَلِيسِي، فَقُلْتُ لِزَائِدَةَ، فَقَالَ لِي: لَا تُحَدِّثْ مِنْهَا إِلَّا بِمَا تَحْفَظُ بِقَلْبِكَ، وَتَسْمَعُ بِأُذُنِكَ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُهَا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ.
وَكُلُّ هَذَا إِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ بِنَفْسِهِ، أَوِ اسْتَفْهَمَ، أَوْ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْحَرْفِ الْحَقِيقِيِّ، وَالثَّانِيَ فِي الْكَلِمَةِ، يُخَالِفُ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَحْمَدَ (وَ) أَيْضًا فَأَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ (خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ) الْمَخْرَمِيُّ بِالتَّشْدِيدِ، نِسْبَةً لِمَحِلَّةٍ بِبَغْدَادَ (قَدْ قَالَ: نَا) مُقْتَصِرًا عَلَى النُّونِ وَالْأَلِفِ ؛ (إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا مِنْ قَوْلِ) شَيْخِهِ (سُفْيَانَ) بْنِ عُيَيْنَةَ حِينَ تَحْدِيثِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِخُصُوصِهِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: قُلْ: حَدَّثَنَا، فَيَمْتَنِعُ وَيَقُولُ: إِنَّهُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ عِنْدَ سُفْيَانَ لَمْ أَسْمَعْ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِ " ح د ث ". فَهَذَا مُخَالِفٌ لِأَحْمَدَ بِلَا شَكٍّ. هَذَا (وَسُفْيَانُ) شَيْخُهُ (اكْتَفَى بِ) سَمَاعِ (لَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنْ) لَفْظِ (الْمُمْلِي) إِذِ الْمُسْتَمْلِي (اقْتَفَى) أَيِ: اتَّبَعَ لَفْظَ الْمُمْلِي، وَذَاكَ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِي قَالَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ لَا يَسْمَعُونَ، فَقَالَ: أَتَسْمَعُ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَسْمِعْهُمْ.
وَلَعَلَّ سَمَاعَ خَلَفٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِمْلَاءِ (كَذَاكَ) أَبُو إِسْمَاعِيلَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَفْتَى) مَنِ اسْتَفْهَمَهُ فِي حَالِ إِمْلَائِهِ، وَاسْتَعَادَهُ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ: (اسْتَفْهِمِ الَّذِي يَلِيكَ) ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ بَيْنَ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ كَانَ يَعْظُمُ الْجَمْعُ فِي مَجَالِسِهِمْ جِدًّا، وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً، وَيَصْعَدُ الْمُسْتَمْلُونَ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَيُبَلِّغُونَ عَنِ الْمَشَايِخِ مَا يُمْلُونَ، أَنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُسْتَمْلِيَ دُونَ سَمَاعِ لَفْظِ الْمُمْلِي جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنِ الْمُمْلِي، يَعْنِي بِشَرْطِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُمْلِي لَفْظَ الْمُسْتَمْلِي، وَإِنْ أَطْلَقَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْعَرْضِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَمْلِيَ فِي حُكْمِ الْقَارِئِ عَلَى الْمُمْلِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ فِي الْأَدَاءِ لِذَلِكَ: سَمِعْتُ فُلَانًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَرْضِ، بَلِ الْأَحْوَطُ بَيَانُ الْوَاقِعِ كَمَا فَعَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَقُولُ: وَثَبَّتَنِي فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، أَوْ وَأَفْهَمَنِي فُلَانٌ بَعْضَهُ، حَسْبَمَا يَجِيءُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ صِفَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ. وَلِقَصْدِ السَّلَامَةِ مِنْ إِغْفَالِ لَفْظِ الْمُمْلِي، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ: مَا كَتَبْتُ قَطُّ مِنْ فِي الْمُسْتَمْلِي، وَلَا الْتَفَتُّ إِلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ، إِنَّمَا كُنْتُ أَكْتُبُ عَنْ فِي الْمُحَدِّثِ، وَكَذَا تَوَرَّعَ آخَرُونَ وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْأَوَّلُ أَصْلَحُ لِلنَّاسِ (حَتَّى) إِنَّهُمْ (رَوَوْا عَنْ) سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ (الْأَعْمَشِ) الْحَافِظِ الْحُجَّةِ، أَنَّهُ قَالَ: (كُنَّا نَقْعُدُ لِلنَّخَعِيِّ) إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَالْحَلْقَةُ مُتَّسِعَةٌ.
(فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ الْبَعْضُ) مِمَّنْ يَحْضُرُ (وَلَا يَسْمَعُهُ فَيَسْأَلُ) ذَلِكَ الْبَعِيدُ (الْبَعْضَ) الْقَرِيبَ مِنَ الشَّيْخِ [ (عَنْهُ) عَمَّا قَالَ الشَّيْخُ] (ثُمَّ كُلٌّ) مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الشَّيْخِ أَوْ رَفِيقِهِ (يَنْقُلُ) كُلَّ ذَلِكَ عَنِ الشَّيْخِ بِلَا وَاسِطَةٍ (وَكُلُّ ذَا) أَيْ: رِوَايَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ رَفِيقِهِ أَوِ الْمُسْتَمْلِي عَنْ لَفْظِ الشَّيْخِ (تَسَاهُلٌ) مِمَّنْ فَعَلَهُ، وَلِذَا كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرَوْنَ لَهُ التَّحْدِيثَ بِمَا اسْتَفْهَمَهُ إِلَّا عَنِ الْمُفْهِمِ، وَلَا يُعْجِبُ أَبَا نُعَيْمٍ - كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ - صَنِيعُهُمْ هُنَا، وَلَا يَرْضَى بِهِ لِنَفْسِهِ.
(وَقَوْلُهُمُ) كَالْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ تَبَعًا لِلْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: (يَكْفِي) مِنْ سَمَاعِ (الْحَدِيثِ شَمُّهُ) الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ: سَمِعْتُ بُنْدَارًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْفِيهِمُ الشَّمُّ.
(فَهُمْ) أَيِ: الْقَائِلُونَ ذَلِكَ - كَمَا قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ، حَسْبَمَا نَقَلَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ عَنْهُ - إِنَّمَا (عَنَوْا) بِهِ (إِذَا أَوَّلُ شَيْءٍ) أَيْ: طَرَفُ حَدِيثٍ (سُئِلَا) عَنْهُ الْمُحَدِّثُ (عَرَفَهُ)، وَاكْتَفَى بِطَرَفِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقِيهِ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْتُبُونَ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ لِيُذَاكِرُوا الشُّيُوخَ فَيُحَدِّثُوهُمْ بِهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُنْتُ أَلْقَى عُبَيْدَةَ بْنَ عَمْرٍو السَّلْمَانِيَّ بِالْأَطْرَافِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ الْأَطْرَافِ (وَمَا عَنَوْا) بِهِ (تَسَهُّلَا) فِي التَّحَمُّلِ وَلَا الْأَدَاءِ. وَمَيْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَضْلُ وَزَائِدَةُ.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)