أحبّاء الله والاستفادة من الهداية والسعي نحو منزل الآخرة
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 59 ــ 61
2025-12-17
19
من أجل أن تفتح نافذة النور والضوء في قلب الإنسان، ومن أجل أن يتمكن من رؤية الفضاء الموجود أمامه، والعثور على موقعه والتعرف على المسار الصحيح، فليس لديه خيار سوى تلطيف البيئة التي أمامه وإزالة الحجب والستائر من أمام عينيه إن أكثر العوامل تأثيرا لتحقيق هذه الغاية هو الخوف والحزن اللذان يضيء بهما الله نور الهداية ومصباح الرشاد في قلب المؤمن ليحرره من فخ الغفلة، ومن هنا نجد أن الإمام يبين أثر الخوف والحزن بقوله: (فزهرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبه).
إن الشخص الذي أضاء في قلبه مصباح الهداية وزالت الكدورة والظلام من قلبه يرى بيئته بوضوح ويعرف الطريق، ويعرف أين هي الوجهة، ويعرف بأي زاد يمكن له الوصول إلى ذلك المقصد، إنه يعرف رأس المال الثابت والحقيقي ويسعى للحصول عليه، ويتجنّب أن يصرف عمره والفرص الذهبية من أجل أمور واهية لا قيمة لها، إنه ليس كالشخص الذي يسير في جو غائم ضبابي وبالكاد يرى أمام قدميه ولا يمكنه أن يرى أبعد من ذلك، إن الشخص الذي تكون عينا قلبه معصوبتين، لا يمكنه رؤية الوجهة الرئيسية للحياة كي يتحرك باتجاهها، وينصب تركيزه على الظواهر فقط والملذات سريعة الانقضاء، إنه لا يفكر إلا في متع الدنيا وملذاتها، ولا يُفكر إلا فيما يأكل وكيف يرضي شهوته وبماذا يستمتع وكيف يستمتع، إنه غافل عن المصائب والآثار السيئة لهذا الانغماس والهوس بالملذات ذات العاقبة السيئة.
(وَأَعَدَّ القرى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ البعيد وَهَوْنَ الشَّدِيد).
عندما يفتح الله عيون قلب الإنسان، فإنه يعتقد أن الدنيا ليست مكانا دائما وليست مكانا ينبغي أن يتعلق به القلب، كذلك يعتقد أن الآخرة هي مسكنه الأبدي، ولذلك تجده أنه يستخدم كل رأس ماله وقوته لتوفير الزاد والراحلة لحياته الأبدية في عالم الآخرة، إنه ليس مثل الغافلين الذين يرون أن الموت بعيد، ويسعون للاستمتاع بالملذات والشهوات المادية إنه يرى الموت ويرى وقت ترك الدنيا ويرى القيامة أمرا قريبا، ويرى أنها تنتظره في أية لحظة، وهو على استعداد تام للسفر إلى ديار البقاء، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7].
من البديهي أن الإنسان عندما يرى نفسه على وشك الموت، ويدرك أنه من أجل الدخول بنحو سعيد إلى ديار الآخرة فإنه يحتاج إلى أن يهيء الزاد الكافي، وإلى تجنب القيام بما سيؤدي إلى الهلاك الأبدي والحرمان من السعادة، عندها سيكون ترك المعاصي سهلا بالنسبة إليه، بل سيكون أمرا مبهجا بالنسبة إليه، فهو ليس مثل طلاب الدنيا ومن خسر قلبه لصالح الملذات الدنيوية، بحيث لا يفرغون من أمور الدنيا ولو لحظة واحدة، ويصعب عليهم جدا - في المقابل - التفكير في الآخرة والعمل من أجلها، حتى الصلاة التي هي أعلى رأس مال أخروي فإنهم يُصلونها بصعوبة، ومن هنا يقول الله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
إن الشخص الذي نوّر الله قلبه بنور الإيمان، يجد أن أثمن أوقاته وأكثرها شوقا ونشاطا، عبارة عن الساعات التي يصلي فيها صلاته، فهو يرى أن الصلاة فرصة للأنس بالمعشوق، وأنه يُمارس عشقه ولا يشعر بالتعب، يروى: أن الشيخ الأنصاري عاد إلى منزله في أحد أيام النجف الحارة وذلك عند الظهر بعد الدرس، وطلب ماءً باردا؛ لأنه كان عطشاً، وقبل أن يحضروا الماء اغتنم الفرصة وبدأ بالصلاة، فأحضروا الماء ووضعوه إلى جانبه، ولكن بما أنه كان يقرأ سورة طويلة، لذا فقط طالت صلاته جدا، وفي هذه الفترة أصبح الماء البارد حارا تماما، وبعد الصلاة، شرب مقدارا من ذلك الماء الحار، ثم عاد إلى الصلاة.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة