طرق تعزيز السلوك الجيد عند الأبناء / إصلاح البيئة
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص205ــ213
2025-11-26
36
إن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها تأثير عميق وفعال في حياته وتبلور شخصيته، ودعمه في ممارسة السلوك الجيد والحسن ذلك أن الإنسان منذ نعومة أظفاره يتأثر وينفعل بما يجري حوله من ممارسات حسنة وجيدة أو قبيحة وسيئة. وأنه يكتسب مزاجه وأخلاقه وطريقة تفكيره من المحيط والبيئة التي يعيش فيها.
والبيئة التربوية تشمل جميع مواقع التأثير في الواقـع الاجتماعي وأهمها: الاسرة، الاصدقاء، حلقات الذكر، المسجد، علماء الدين، المدرسة.
إن للوالدين، ولسلوك العائلة، ووضعيّة الطفل في العائلة، دوراً كبيراً في تحديد شخصيّته وصقلها وبلورتها وتحديد معالمها.
كما أن للمعلم والأصدقاء، والمجتمع ووسائله الإعلامية، وعاداته، وأسلوب حياته، الأثر المباشر والكبير على سلوك الطفل وكيفية تفكيره.
الأسرة
هي المحيط الاجتماعي الأول الذي يفتح الطفل فيه عينيه على الحياة، فينمو ويترعرع في وسطه، ويتأثر بأخلاقه وسلوكياته، ويكتسب منه صفاته وعاداته وتقاليده. فالطفل يرى في أبويه وخصوصاً والده الصورة المثالية لكل شيء، ولذا تكون علاقته معه علاقة تقدير وإعجاب وحب واحترام من جهة ومن جهة أخرى علاقة مهابة وتصاغر، ولذا فهو يسعى دائماً إلى الاكتساب منه، وتقمص شخصيته، ومحاكاته وتقليده، والمحافظة على كسب رضاه.
في حين يرى في الأم مصدراً لتلبية ما يفتقر إليه من حب وعطف وحنان وعناية ورعاية واهتمام، لهذا فإن شخصية الأم تؤثر تأثيراً بالغاً في نفسية الطفل وسلوكه حاضراً ومستقبلاً.
ومن هنا فإنّ لأوضاع الأسرة وظروفها الاجتماعية والعقائدية والأخلاقية والسلوكية والاقتصادية وغيرها، طابعها وآثارها الأساسية في تكوين شخصية الطفل ونموّها.
الطفل يتأثر بكل ذلك، وينعكس هذا على تفكيره وعواطفه.
ومشاعره وإحساساته ووجدانه وسلوكه، وجميع تصرفاته.
فعلاقة الوالدين مع بعضهما، وكيفية تعامل أفراد الأسرة، من إخوة وأقارب فيما بينهم، توحي إلى الطفل بنوعية السلوك الذي يسلكه في الحاضر والمستقبل.
فهو حينما يرى أن هذه العلاقة قائمة على الود والعطف والحنان والتقدير والاحترام والتعاون فإنه يألف هذا السلوك، ويتأثر به.
فتكون علاقته بوالديه وإخوته وبقية أفراد أسرته والآخرين قائمة على هذا المنحى، وعندما يخرج إلى المجتمع فهو يبقى في تعامله معه على هذا الأساس أيضاً.
أما إذا كان الطفل يعيش في وسط أسرة متفككة منهارة، تقوم علاقاتها على الشجار والخلاف وعدم الاحترام والتعاون، فإنّه يبني علاقته بالآخرين على هذا الأساس. فينشأ معانياً من الجفاء والقسوة والانحلال والتفكك وعدم الانسجام، ويتكوّن لديه الشعور بالنقص، وربما ينشأ مريضاً نفسياً وانتقاميًا حقوداً على الجميع، وكم هي الامثلة التي حفل بها التاريخ من هذا النمط الذين كانوا وبالاً على المجتمعات.
والإسلام الحنيف يولي أهميّة فائقة للطفل، ويركز على تربيته التربية الصالحة المفيدة ولذلك نجد أن أهل البيت السلام (عليهم السلام) أبدوا أهمية خاصة بالأسرة، وحثوا الوالدين على القيام بمسؤوليتهما في التربية وتشجيع الولد على ممارسة الأعمال الحسنة والصالحة وتلقى هذه المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق الوالد.
قال الامام زين العابدين (عليه السلام): ((وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر الى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه))(1).
وقال أيضاً: وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فانه سبب للتوبة، والمداراة له وترك مماحكته فان ذلك أدنى لرشده(2).
ودور الاسرة لا يحدد بسلوك أفرادها ودعمها على الأفعال الحسنة فحسب بل يحدد جميع مقومات الشخصية الفكرية والعاطفية والنفسية حيث ينعكس التعامل مع الأبناء على اتزانهم النفسي والانفعالي، ولهذا يختلف الوضع النفسي من فرد لآخر في اسرة واحدة أو في اسر متعددة تبعاً لنوع المعاملة معه من حيث الرعاية أو الاهمال.
ويتأثر الانسان وخصوصاً في مراحل حياته الاولى بأصدقائه وأصحابه؛ حيث تنعكس آراؤهم ومشاعرهم وممارساتهم على مقومات شخصيته عن طريق الاحتكاك والتلقين والاستهواء، والتي تهيأ العقول للتلقي، والقلوب للاستجابة والارادة.
الأصدقاء
ويتأثر الانسان بأصدقائه من حيث متبنياته الفكرية ونظرته الى الكون والحياة، ومن ثم مواقفه العملية وممارساته السلوكية؛ فإنّ الولد الذي يرافق الأصدقاء الذين يكثرون الذهاب إلى بيوت العبادة والمساجد وغيرها من الأماكن المقدسة فلاشك سيبقى يواصل هذا السلوك الجيد والعمل الصالح معهم ولهذا نرى أن روايات أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد على ضرورة اختيار الاصدقاء الصالحين وتجنب الطالحين فقد جاء في كتاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الحارث الهمداني جاء فيه: واحذر صحابة من يفيل رأيه، ويُنكر عمله، فإن الصاحب معتبر بصاحبه ... وإياك ومصاحبة الفساق، فإنّ الشر بالشر ملحق(3).
وحذر (عليه السلام) من مصادقة المنحرفين فقال: إياك ومصادقة الأحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل، فانه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر؛ فإنه يبيعك بالتافه، وإياك ومصادقة الكذاب؛ فانّه كالسّراب يقرب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب(4).
كما حذرت من معاشرة الفساق والسفهاء ذلك انها تؤدي الى فساد الاخلاق كما ورد في حديث الامام محمد الجواد (عليه السلام) فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء(5) وفي مقابل هذه التحذيرات حثّ أهل البيت (عليهم السلام) على مصادقة ومجالسة الصالحين والاتقياء؛ لأنّها وسيلة من وسائل اصلاح الفكر والسلوك؛ وتدعم الولد وتسانده في إستمرارية السلوك الجيد الذي يمارسه فان الانسان يتأثر بأفكار وسلوك المحيطين به، وخصوصاً إذا كان ذلك الفرد من المحبوبين والمقربين إليه.
قال الامام زين العابدين (عليه السلام): ((مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح))(6).
وقال (عليه السلام): ((جالسوا أهل الدين والمعرفة، فان لم تقدروا عليهم فالوحدة))(7).
وحثّ الامام محمد الباقر (عليه السلام) ((على مصاحبة واتباع الناصحين فقال: اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش..))(8) آنس وأسلم، فان أبيتم إلا مجالسة الناس، فجالسوا أهل المروّات؛ فانهم لا يرفثون في مجالسهم(9).
المساجد ومجالس الذكر
إن المساجد تسهم بشكل فعّال في تربية الانسان واصلاحه وترغيبه في السلوك الحسن، وأنه خير محيط للانسان للارتباط بالله سبحانه وتعالى وبعالم الغيب، حيث يجعل الانسان يعيش أجواء معنوية وروحية يتعالى فيها على مادية الحياة ويتسامى فيها فكراً وعاطفة ثمّ سلوكاً، قال الامام الحسن (عليه السلام) من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّه على الهدى أو تردّه عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشية(10).
وكذا مجالس وحلقات الذكر فإنها بيئة اجتماعية متكاملة تترك آثارها الملموسة على الانسان تأثراً بالجماعة التي تتألف منها المجالس وحلقات الذكر؛ حيث تخلق أجواءً تربوية فكرية وسلوكية تؤثر تدريجياً على المشاركين فيها، وقد أطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مجالس الذكر وحلقات الذكر مصطلح ((رياض الجنّة)). قال (صلى الله عليه وآله): ((بادروا إلى رياض الجنة، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة ؟ قال : ((حلق الذكر))(11).
وسئل (صلى الله عليه وآله) ((أين رياض الجنّة؟ فقال: مجالس الذكر، فاغدوا وروّحوا في ذكر الله))(12).
ومن مصاديق مجالس الذكر هي مجالسة الصالحين فقد ورد عن الامام زين العابدين (عليه السلام): ((مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح))(13).
ومنها مجالس زيارة المؤمنين فإنّ لها دور في ثبات الطفل وإستمراره على الأعمال الصالحة قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): ((تزاوروا فان في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض؛ فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم))(14).
ومن أبرز مصاديق مجالس الذكر هو مجلس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) فإنه مدرسة تربوية كاملة تربي الأجيال المتتالية على السلوك الحسن والأخلاق النموذجية، وتحفظهم من التلوث والوقوع في مستنقع الفساد، وتصونهم من الأعمال القبيحة، وتبقيهم على ما هم عليه من الصلاح والخير بل تغير النفوس المتلوثة بالفساد وتهديها إلى الخير والصلاح وهذا ما رأيناه بأعيننا فكم من شاب منحرف صلحت سريرته عندما إتصل بهذه المدرسة التربوية والأخلاقية وصار ممّن يضرب بهم المثل في الصلاح والتقوى بل أصبح هادياً ومرشداً لغيره، ولعل السبب في هذا الأمر الغيبي هو أن الصلاح يعد من أبرز أهداف بل ربما نستطيع أن نقول أنه الهدف الوحيد الذي قامت عليه هذه النهضة المباركة وقد صرّح بذلك الامام الحسين (عليه السلام) حيث قال: ((إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي))(15) ولذلك فإن كل من إتصل بهذه النهضة المباركة إستلهم مفهوم الصلاح من الإمام الحسين (عليه السلام) وصار يبحث عما يصلح أمره ويحسن سلوكه الفردي والإجتماعي.
وقد ورد في زيارة الإمام (عليه السلام): ((وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى))(16) فإن حفظ قيم عاشوراء وإحياء فكر الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافه ورسالته، عامل مهم في هداية الإنسان وإنقاذه من الغرق ونجاته من الضلالة والهلاك.
____________________________
(1) تحف العقول: ص 263.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 625.
(3) نهج البلاغة: ص 460.
(4) نهج البلاغة: ص 475.
(5) كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج 2 ص 349.
(6) الكافي: ج 1 ص 20.
(7) مكاتيب الأئمة: ج 3 ص 221.
(8) المحاسن: ج 2 ص 604.
(9) رجال الكشي: ص 497.
(10) تحف العقول: ص 235.
(11) أمالي الصدوق: ص 363.
(12) مكارم الأخلاق: ص 307.
(13) تحف العقول: ص 283.
(14) الكافي: ج 2 ص 186.
(15) بحار الأنوار: ج 44 ص 329.
(16) كامل الزيارات: ص 228.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة