السرايا أو المناوشات الأولى بعد الهجرة					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						هاشم معروف الحسني					
					
						
						 المصدر:  
						سيرة المصطفى "ص"					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ص306-313					
					
					
						
						2025-11-04
					
					
						
						23					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				لقد اتفق أكثر المؤرخين وكتاب السيرة ان النبي ( ص ) قبل ان تنتهي السنة الأولى من هجرته ، وقبل ان تبدو له بوادر الاطمئنان على أوضاع المدينة وجوارها ، بدأ يبعث السرايا لخارج المدينة ويختار لقيادتها الاكفاء الأشداء من بين أصحابه .
ويدعي ابن سعد في طبقاته ان عدد مغازيه التي اشترك فيها بنفسه كانت سبعة وعشرين غزوة ، وعدد سراياه التي كانت تتألف من الثلاثين والأربعين والخمسين وما يزيد على المائتين أحيانا كانت سبعا وأربعين سرية ، ويرجح الكثير من الكتاب ان تلك السرايا كانت بقصد الانتقام من قريش وانهم قد صمموا عليها منذ ان وضعتهم اقدامهم في المدينة ، ولكن الذي منعهم من تنفيذها بتلك السرعة هو انصرافهم إلى إعداد مساكنهم وتنظيم وسائل عيشهم ، ويضيف إلى ذلك أصحاب هذه الأفكار ان تلك الغزوات قد وضع محمد تصميمها قبل هجرته يوم اجتمع بالأوس والخزرج بالعقبة لآخر مرة وقرر فيها بنود الاتفاق الذي ينص على الدفاع والقتال ، وعلى أثرها نزلت الآيات التي تضع حدا لذلك العهد وتؤذن ببداية عهد جديد يتسم بالشدة والدفاع عن النفس .
وأصحاب هذه النظرية ومن تبعهم من المستشرقين يؤيدونها بأن النبي ( ص ) قد بعث عمه الحمزة في عدد من المهاجرين إلى شاطئ البحر فالتقى بأبي جهل بن هشام ومعه ثلاثمائة من المكيين وكادت الحرب ان تقع لولا ان مجدي بن عمرو الجهني قد حجز بين الفريقين ، وكان موادعا لهما ، فانصرفوا ولم يكن بينهم قتال .
وبعد ذلك بعث عبيدة بن الحارث في ستين راكبا وسار بهم حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية الحرة فلقي فيها جمعا من قريش ، ولم يكن بينهم قتال ، غير أن سعد بن أبي وقاص رمى بعضهم بسهم ، وكان أول سهم رمي بالإسلام على حد تعبير ابن هشام وغيره ، ويمضي أصحاب هذا الرأي في سرد الغزوات ويستخلصون منها ان الغرض الأول منها كان الانتقام من قريش واعلان الحرب على كل من لم يخضع للدعوة الإسلامية .
وقد تعصب لهذا الرأي المستشرقون لأنه يوافق أهدافهم الرامية إلى الدس على الإسلام والتشويش عليه ، وأضافوا إلى ذلك ان المهاجرين وأهل المدينة وضعوا في حسابهم نهب تجارة قريش التي كانت تبعث بها مكة والطائف إلى خارج الحجاز بصورة دائمة ، وكانت تبلغ في بعض الأحيان ألفي بعير ، والنهب والسلب كانا من طباع أهل البادية .
ويدعي هؤلاء بأن النهب والسلب كانا من الأسباب الرئيسية لالتفات سكان المدينة حول محمد بن عبد اللّه ( ص ) إلى غير ذلك من المزاعم التي لا تؤيدها سيرة محمد وتاريخ الدعوة ومبادئ الإسلام التي تهدف أول ما تهدف إلى الرحمة والعفو وتوفير الاطمئنان والأمان والحياة الحرة السعيدة لجميع الناس ، ولم يشأ النبي ( ص ) في يوم من الأيام ان يكره أحدا على التخلي عن دينه ولا ان يفرض سطوته ويتأله على الناس ، وقد عاهد اليهود والمشركين حين دخوله المدينة ، وضمن لهم حرية التصرف كما يريدون على شرط ان لا يعتدوا ولا يتعاقدوا مع أحد عليه وعلى أصحابه ، وترك لهم ان يمارسوا دينهم كما يشاؤون ، وفعل مع نصارى نجران مثل ذلك ، في حين انه كان حينما وفدوا عليه أقوى منه حين عاهد المشركين واليهود في المدينة وغيرها ، والمتتبع لسير الدعوة وأهدافها لا يبقى لديه مجال للتردد في أن محمدا لم يكن في يوم من الأيام ليخطط للانتقام والثأر ، وقد عفا عن قاتل عمه الحمزة وعمن أكلت من كبده ومثلت به أفحش تمثيل وأقساه .
ولو كان يحقد على قريش ويطمع في اذلالها كما يدعي المستشرقون ، ويضع في حسابه ما فعلته معه خلال ثلاثة عشر عاما حتى اضطر أخيرا ان يخرج ليلا هاربا بدمه ، لكان باستطاعته ان يستوفي لنفسه منها حينما ظفر وكانت تظن انه سيفعل ، ولكنه بدلا من أن يثأر لنفسه وللمعذبين من أصحابه دخل مكة عام الفتح مطأطئا رأسه خجلا من قومه كأنما كان يعيش بينهم في امن وأمان وتعظيم واحترام وأعلن كلماته الخالدة التي تمثل سماحة الإسلام وأهدافه العليا .
اليوم يوم المرحمة من دخل داره فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن إلى غير ذلك من البلاغات التي أعلنها لتسبقه إلى مكة ، فمن كان يحمل هذه الروح الطيبة الطاهرة ويدعو إلى الرحمة والسلام ، والمحبة والأمن والأمان ، فمن الظلم الفاحش ان تفسر حركاته بالانتقام لنفسه ولأصحابه وهو لا يزال في مطلع عهده الجديد يعالج هو وأصحابه وأنصاره مشكلة المنافقين والمشركين واليهود في المدينة وجوارها لا سيما وقد رأى منهم موقفا لا يقل في أخطاره عن موقف قريش وأتباعها ، فلا بد وان يكون لتلك السرايا والغزوات في مطلع هجرته والتي كانت تتألف من اعداد محدودة لا تشكل خطرا على أخصامه وتوالت بشكل متتابع بين الحين والآخر لا بد وان يكون لها سر غير الجنوح إلى الانتقام والثأر من القرشيين كما يدعيه أعداء الإسلام ، ويمكن تلخيص الأهداف من تلك الغزوات المتتالية بالنحو التالي .
لقد كانت بيعة العقبة الثانية التي تمت بين الأوس والخزرج من جهة وبين محمد واتباعه من جهة ثانية ، وخفيت على قريش وغيرها من سكان مكة في بداية الأمر ولم يعلموا بها إلا بعد فوات الأوان ، وكان من أهم نصوصها ان يمنعوا المسلمين مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وعشائرهم .
وتم بين الطرفين اللقاء في يثرب وكانت حفاوتهم به بالغة أقصى حدودها واقبالهم على الإسلام يزيد يوما بعد يوم ، وظل فريق منهم على الشرك واظهر بعضهم الإسلام وأسرّ النفاق ، وكان في المدينة وجوارها من اليهود ما لا يقل عن عرب يثرب ، ولكنهم عاهدوه في بداية الأمر كما ذكرنا ، وانتقضوا عليه بعد اشهر قليلات من توقيع المعاهدة بينهم وبينه وبدءوا يتآمرون مع المشركين والمنافقين ، والنبي يعالج الأمور بالحكمة والحسنى ويغضي كثيرا عن سيئاتهم حتى لا يؤدي الأمر إلى معركة أهلية في مقره الجديد قد لا تكون من صالحه بالنهاية .
ولكنهم بالرغم من كل مواقفه التي اتسمت باللين والتساهل والتغاضي ، فقد بدءوا يتصلون بالقبائل المتاخمة لحدود المدينة ويجاهرون بموقفهم العدائي منه ومن أصحابه وجعلوا يتصلون بالمكيين ويتآمرون معهم على المسلمين في داخل المدينة .
وبدأت قريش من جانبها تعد العدة للغزو من الخارج ومحاصرة محمد وأصحابه في داخل المدينة مع أعوانهم اليهود والمنافقين قبل ان يستفحل خطر الإسلام ، وتشير الأحاديث في بعض تلك السرايا إلى هذه الحقيقة .
فقد جاء في كتب السيرة ان عبيدة بن الحارث التقى في طريقه بجمع عظيم من قريش ، كما وان الروايات التي تعرضت لسرية الحمزة تنص على أنه التقى بأبي جهل بن هشام في ثلاثمائة راكب من أهل مكة وكانت سريته مؤلفة من ثلاثين مقاتلا فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني إلى غير ذلك مما يشير إلى أن قريشا كانت ترسل من قبلها السرايا بأعداد كبيرة مجهزة بالعتاد اللازم ، وإذا لم تكن الغاية منها التضييق على النبي ( ص ) ومحاصرته في المدينة بين عدوين من أشرس خلق اللّه اليهود بمن معهم من المشركين والمنافقين من جهة وقريش وأتباعها من جهة أخرى ، وليس ذلك ببعيد ويؤيده منطق الحوادث في ذلك العصر ، إذا لم تكن الغاية منها ذلك ، فمن الجائز أن تكون تلك التحركات من جانب قريش لتطمين القبائل العربية التي تسكن خارج المدينة من خطر محمد والتعاقد معها على مناهضته ، وفي الوقت ذاته لحماية تجارتها .
ومما يشير إلى ذلك ان النبي في الغزوة التي أرسلها بقيادة عبد اللّه بن جحش الأسدي كتب له كتابا وامره ألا يفتحه إلا بعد يومين من مسيرته ، ولما فتحه في الوقت الذي حدده له النبي ( ص ) وجد فيه إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة فترصد لنا قريشا وأخبارها وتحركاتها ، ولم يأمره فيه بالحرب ، ومعنى ذلك أنه كان يحاذر من تحركات قريش وغزوها ، ودسائسها . وان سراياه الأولى كانت للاستكشاف حتى لا يؤخذ من حيث لا يعلم .
ومما يدل على أن بعض الأعراب من خارج المدينة بدءوا يتحركون ضد النبي ( ص ) بتحريض من الداخل والخارج ان غزوة صفوان كان سببها كما يدعي ابن هشام وغيره ان كرز بن جابر الفهري أغار بمن معه من الأعراب على المدينة واستولى على الإبل والمواشي التي كانت مع الرعاة وفر بها .
ولما علم النبي ( ص ) بالأمر خرج بنفسه مع جماعة من المسلمين واشتد في طلبه إلى أن بلغ النبي واديا يقال له صفوان ، وكان قد فاته الرجل ، وتعرف هذه الغزوة بغزوة بدر الصغرى ، أو الأولى على حد تعبير بعضهم .
وكان من المتعين ان لا يقف النبي من تلك التحرشات والتحديات موقف المتخاذل الضعيف فأمره اللّه سبحانه بتلك السرايا لتفهم قريش ومن يساندها من اليهود والمنافقين والأعراب انه بالمرصاد في كل وقت لكل من تحدثه نفسه ان يقف في طريق الدعوة ويحول بينه وبينها ، ولم يتراجع عنها يوم كان وحيدا في ثلة من أصحابه وقد أذاقته قريش كل أنواع الأذى والبلاء ، فأولى به ان يمضي في دعوته ، وقد أصبح لديه من الأنصار والأتباع ما يستطيع ان يرد بهم كيد المعتدين ويمضي في دعوته حيث النصر الأكيد باذن اللّه .
هذا على أن هذا المظهر من النبي والتصميم على المضي في دعوته وخروجه بنفسه أحيانا مع عدد من أصحابه إلى خارج المدينة ، وأكثر الأعراب لا يزالون على شركهم ومناهضتهم للاسلام ، هذا المظهر يثير في نفوس أصحابه العز والتصميم والاصرار على المضي معه ، وفي الوقت ذاته يكون حافزا لمن يرغب في الإسلام ان يبقى على تصميمه ما دام الإسلام في طريقه إلى الأمام يتحدى جميع أعدائه ومناهضيه وجاء في الآيات التي شرعت الجهاد ما يلمح إلى ذلك قال سبحانه :
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ . وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ( سورة الأنفال 60 - 62 ) .
وجاء في آية ثانية : فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا .
فالآية الأولى تكاد أن تكون صريحة في أنه انما امر بذلك لإرهاب المجاهرين له بالعداء والمتسترين بالإسلام وهم من ألد أعدائه وخصومه كما امره اللّه ان يسالمهم إذا جنحوا للسلم .
كما تنص الآية الثانية على أنه انما يقاتل ليكف بأس الذين كفروا ونافقوا لا ينتقم ممن آذوه وظلموه ، ولا ليكون من قطاع الطرق كما يدعي الحاقدون على الإسلام .
وقد المح إلى هذا الذي ذكرناه الشيخ الغزالي في كتابه فقه السيرة وأضاف إليه ان هذه السرايا يمكن أن تكون انذارا لقريش واشعارا لها بأن تلك الخطة الجائرة التي استعملتها في مكة ضد النبي ودعوته ، ولا تزال تستعملها بعد ان أصبح لديه من القوة ما يسمح له بالمجابهة الفعلية ، هذه الخطة ستلحق بها الأضرار الفادحة وان الزمن الذي كانوا يعتدون فيه وهم بمأمن من القصاص قد مضى بدون رجعة .
ومهما كان الحال فالراجح ان تلك السرايا التي كانت تتألف من ثلاثين رجلا كما في سرية الحمزة ، أو من ستين كما في سرية عبيدة بن الحارث أو ثمانية كما في سرية سعد بن أبي وقاص وعشرين على قول آخر هذه السرايا التي كانت تتألف من ذلك العدد القليل من المستبعد أن تكون الغاية منها حرب قريش أو غيرها من الأعراب ، في الوقت الذي كانت قوى الشر والعدوان كلها تتكتل ضد النبي وأصحابه من كل الجهات ، وانما كانت تعني ظهوره بمظهر القوي المؤمن بحقه القادر على رد العدوان أيا كان مصدره بعد ان رأى أن لا سبيل له إلا بذلك .
وعلى اي الأحوال فأول غزوة غزاها كما جاء في تاريخ الطبري وسيرتي ابن إسحاق وابن هشام ان أول غزوة غزاها بعد ان دخل المدينة باثنتي عشر شهرا هي غزوة ودّان يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهي غزوة الأبواء فوادعته فيها بنو ضمرة ، وكان الذي وادعه منهم كبيرهم مخشي بن عمرو ورجل آخر ، ثم رجع رسول اللّه إلى المدينة ولم يقع بينه وبين أحد شيء .
وجاء في رواية المفيد في الإرشاد ان رايته فيها كانت مع علي ( ع ) وهي أول راية عقدها في الإسلام ، وبعد حوالي شهرين من مقدمه أرسل عبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين فسار بهم حتى بلغ ماء في الحجاز بأسفل ثنية الحرة ، فلقي جمعا من قريش ولم يقع بينهم شيء وانصرف كل منهما عن الآخر .
والتحق بالمسلمين في هذه الغزوة المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان بن جابر ، وكانا مسلمين ، ولكنهما خرجا مع المشركين ليجدا الوسيلة إلى الالتحاق بالمسلمين ، فصادفا تلك السرية فالتحقا بها ، وكان يتولى قيادة المشركين عكرمة بن أبي جهل ، وأرسل الحمزة إلى سيف البحر في ثلاثين راكبا ، فالتقى مع أبي جهل ومعه ثلاثمائة من قريش فحجز بينهما مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعا للطرفين .
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  حاله بعد الهجرة					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة