ثواب عيادة المرضى
المؤلف:
الشيخ عبد الله الجوادي الطبري الآملي
المصدر:
مفاتيح الحياة
الجزء والصفحة:
ص318ــ324
2025-10-27
29
المرضى هم من الفئات التي نظر الله تبارك وتعالى إليهم في القرآن الكريم نظرة رحمة وعطف، ورفع عن كاهلهم بعض التكاليف مما لا يطيقون، أو أوكلها إلى ما بعد شفائهم؛ فقد قال في صومهم: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، وفي الاستعاضة عن الغسل أو الوضوء بالتيمم، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]. كما وضع سبحانه وتعالى عن المرضى واجب الجهاد، حيث قال عز من قائل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91].
ووردت عن أئمة الدين وصايا وتعاليم كثيرة في كيفية التعامل مع المرضى نستعرضها في هذا الفصل عبر عدد من الروايات ضمن محاور عيادة المرضى وثواب عيادته وآداب عيادته:
عيادة المرضى
الحضّ على عيادة المريض: روي عن الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) أنه قال: ... وَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) عِيَادَةَ الْمَرِيضِ(1).
وعن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) قوله: عُودُوا مَرْضَاكُمْ وَسَلُوهُمُ الدُّعَاءَ يَعْدِلُ دُعَاءَ المَلَائِكَة...(2).
أهمية عيادة مرضى المؤمنين: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): لِلْمُؤْمِنِ عَلَى المُؤْمِنِ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ... إِنْ خَالَفَهُ خَرَجَ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ وَتَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ.... وَالحَقُّ السَّابِعُ أَنْ... تَعُودَهُ فِي مَرَضِهِ(3).
رعاية المريض في السفر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِذَا كُنْتُمْ فِي سَفَرٍ فَمَرِضَ أَحَدُكُمْ فَأَقِيمُوا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ(4).
عن مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: زَامَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُصَادِفٍ، فَلَمَّا دَخَلْنَا المَدِينَةَ اعْتَلَلْتُ فَكَانَ يَمْضِي إِلَى الْمَسْجِدِ وَيَدَعُنِي وَحْدِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى مُصَادِفٍ، فَأَخْبَرَ بِهِ أَبَا عَبْدِ الله (سلام الله عليه)، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: قُعُودُكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِكَ فِي المسجد(5).
عيادة المرضى من أهل السنة: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) لزيـد الشحام: يَا زَيْدًا خَالِطُوا النَّاسَ بِأَخْلاقِهِمْ؛ صَلُّوا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الْأَئِمَّةَ وَالْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا: ((هَؤُلاءِ الْجُعْفَرِيَّةُ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ)) وَإِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: ((هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ فَعَلَ اللَّهُ بِجَعْفَرٍ مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ))(6).
معاشرة المبتلين بالأمراض الجلدية: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ يُطْعِمُ فَجَاءَ رَجُلٌ أَسْوَدُ بِهِ جُدَرِيٌّ قَدْ تَقَشَّرَ، فَجَعَلَ لَا يَجْلِسُ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا قَامَ مِنْ جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) إِلَى جَنْبِهِ(7).
مرضى بدون عيادة: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): لا عِيَادَةَ فِي وَجَعِ الْعَيْنِ وَلَا تَكُونُ عِيادَةٌ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا وَجَبَتْ فَيَوْمٌ وَيَوْمٌ لَا، فَإِذَا طَالَتِ الْعِلَّةُ تُرِكَ المُرِيضُ وَعِيَاله [ليتم التعامل معه بما يريحه](8).
السفر لعيادة المريض: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي!... سِرْ مِيلاً عُدْ مَرِيضاً(9).
ثواب عيادة المريض
محو الذنوب وثواب جزيل: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: مَنْ عَادَ مَرِيضاً فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ خَطَاهَا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمحِيَ عَنْهُ سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَيُرْفَعُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَيُوَكَّلُ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَلَكِ يُقْعِدُونَهُ فِي قَبْرِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(10).
استغفار الملائكة: قال الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): أَيُّمَا مُؤْمِنٍ عَادَ مُؤْمِناً خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ خَوْضاً، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا انْصَرَفَ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيَسْتَرْحِمُونَ عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ إِلَى تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ غَد(11).
إجابة دعاء المريض: وأيضاً عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه) أنه قال: مَنْ عَـادَ مَرِيضاً في الله لَمْ يَسْأَلِ الْمُرِيضُ لِلْعَائِدِ شَيْئًا إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ(12).
زيارة الله في عيادة مرضى المؤمنين: عن الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه) عن آبائه (سلام الله عليهم) عن جده الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يُعَيّرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: عَبْدِي! مَا مَنَعَكَ إِذَا مَرِضْتُ أَنْ تَعُودَنِي؟ فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ رَبُّ الْعِبَادِ لا تَأْلَمُ وَلا تَمرَضُ، فَيَقُولُ: مَرِضَ أَخُوكَ الْمُؤْمِنُ فَلَمْ تَعُدُهُ وَعِزَّتِي وَجَلالي لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، ثُمَّ لَتَكَفَّلْتُ بِحَوَائِجِكَ فَقَضَيْتُهَا لَكَ وَذَلِكَ مِنْ كَرَامَةِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ وَأَنَا الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ(13).
ثواب الموت في الطريق إلى عيادة مريض: قال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): ضَمِنْتُ لِسِتَّةٍ الجَنَّةَ: ... وَرَجُلٌ خَرَجَ يَعُودُ مَرِيضًا فَمَاتَ فَلَهُ الْجَنَّةُ(14).
ثواب تمريض المريض: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):... وَمَنْ قَامَ عَلَى مَرِيضٍ يَوْماً وَلَيْلَةٌ بَعَثَهُ اللهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (سلام الله عليه) فَجَازَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ(15).
ثواب قضاء حاجة المريض: وكذلك روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:... وَمَنْ سَعَى لِمَرِيضِ فِي حَاجَتِهِ فَقَضَاهَا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمٍ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله وَإِنْ كَانَ المُرِيضُ مِنْ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَجْراً مَنْ سَعَى فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ وَمَنْ ضَيَّعَ أَهْلَهُ وَقَطَعَ رَحِمَهُ حَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُسْنَ الْجَزَاءِ يَوْمَ يَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَضَيَّعَهُ...(16).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: وَمَنْ سَعَى لِمَرِيضِ فِي حَاجَةٍ قَضَاهَا أَوْ لَمْ يَقْضِهَا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمٍ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ(17).
ثواب إطعام المريض: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ أَطْعَمَ مَرِيضًا شَهْوَتَهُ أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ ثمارِ الْجَنَّةِ(18).
وأيضاً عنه (صلى الله عليه وآله) قوله: لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ(19).
النهي عن أذى المرضى: وعن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) قال: لا تَنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْزُنُهُمْ(20).
أدب العيادة
يحث المعصومون (سلام الله عليهم) في تعاليمهم على عيادة المريض وذلك لإلقاء الطمأنينة والسكينة في نفسه والتخفيف من آلامه وعذاباته الروحية، ويتحقق ذلك عبر اتباع بعض الآداب من قبيل إظهار الحب والود له، وتقديم بعض الهدايا المناسبة وغير ذلك، وقد وردت الإشارة إلى هذه الأمور في بعض الروايات:
تقديم هدية للمريض: جاء في رواية أحد أصحاب الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) ما يلي: مَرِضَ بَعْضُ مَوَالِيهِ [الإمام الصادق سلام الله عليه]، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ نَعُودُهُ وَنَحْنُ عِدَّةٌ مِنْ مَوَالِي جَعْفَرٍ، فَاسْتَقْبَلَنَا جَعْفَرٌ (سلام الله عليه) فِي بَعْضٍ الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَنَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقُلْنَا : نُرِيدُ فُلاناً نَعُودُهُ، فَقَالَ لَنَا: قِفُوا فَوَقَفْنَا، فَقَالَ: مَعَ أَحَدِكُمْ تُفَّاحَةٌ أَوْ سَفَرْجَلَةٌ أَوْ أَتْرُجَّةٌ أَوْ لُعْقَةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ قِطْعَةٌ مِـنْ عُودِ بَخُورٍ؟ فَقُلْنَا: مَا مَعَنَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُرِيضَ يَسْتَرِيحُ إِلَى كُلِّ مَا أُدْخِلَ بِهِ عَلَيْهِ(21)؟
إظهار المحبة والود: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى رَأْسِهِ وَتَقُولَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ وَكَيْفَ أَمْسَيْت...(22).
تخفيف العيادة: عن الإمام أمير المؤمنين علي (سلام الله عليه) الفظين أنه قال: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْعُوَّادِ أَجْراً عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمَنْ إِذَا عَادَ أَخَاهُ خَفَّفَ الْجُلُوسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ المريضُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيُرِيدُهُ وَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ(23).
وفي رواية أخرى، قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): الْعِيَادَةُ قَدْرُ فُوَاقِ نَاقَةٍ أَوْ حَلْبٍ نَاقَةٍ(24). عادة لا تزيد فترة حلب الناقة عن 10 إلى 15 دقيقة.
طلب الدعاء من المريض: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ عَائِداً لَهُ فَلْيَسْأَلْهُ يَدْعُو لَهُ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ مِثْلُ دُعَاءِ الْمَلائِكَةِ(25).
__________________________
(1) روضة الواعظين، ص388.
(2) مشكاة الأنوار، ص 281.
(3) روضة الواعظین، ص 291 - 292.
(4) قرب الإسناد، ص 64.
(5) الكافي، ج 4، ص 545.
(6) الفقيه، ج 1، ص 383.
(7) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص 201.
(8) الكافي، ج 3، ص 117.
(9) الفقيه، ج 4، ص 361.
(10) روضة الواعظين، ص372.
(11) الكافي، ج 3، ص 120.
(12) ثواب الأعمال، ص 194.
(13) وسائل الشيعة، ج 2، ص 417.
(14) الفقيه، ج 1، ص 140.
(15 و16) ثواب الأعمال، ص289.
(17) الفقيه، ج 4، ص 16.
(18) الدعوات، ص230.
(19) دعائم الإسلام، ج 2، ص 144.
(20) مشكاة الأنوار، ص28.
(21) الكافي، ج 3، ص 118.
(22) الأمالي، الطوسي، ص 639.
(23) الكافي، ج 3، ص 118.
(24) الكافي، ج 3، ص118.
(25) الكافي، ج 3، ص 117.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة