سبع مسائل من امّهات مسائل الإمامة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص256-263
2025-10-26
37
هناك سبع مسائل من أهم مسائل الإمامة التي تقول بها الشيعة وتصرّ عليها والتي تمثّل الحدّ الفاصل بينهم وبين أهل السنّة (الذين لا يعتبرون أيّاً منها شرطاً للإمامة).
المسألة الاولى: الإمامة غير قابلة للانتخاب:انّ الإمامة ليست قابلة للاختيار والانتخاب، بل هي مجعولة بجعلٍ الهيّ يُعلن للناس من قبل النبّي او الإمام السابق، او باتّضاح الإمام نفسه للناس بواسطة النصوص والمعجزات، لأنّه أولًا: وكما قلنا- فانّ الله سبحانه وتعالى يعرّف هذا المنصب في القرآن الكريم بعنوان(الجعل والتنصيب الالهيّ)، حيث ورد:{قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً}[1].
ويقول أيضاً: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا}[2].
ويقول أيضاً: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}[3].
وفي جميع هذه الِآيات التي ذكرت منصب الإمامة، فإنّها أوردت عنوان الجعل الالهيّ.
ثانياً: انّ الإمامة قوّة الهيّة في نفس الإمام يحصل بواسطتها على الاطّلاع على ملكوت ونفوس الأشياء ويسيطر عليها، كما هو مستفاد من جملة {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا}، فمن كانت فيه هذه القوّة كان هو الإمام، ومن خلا منها لم يكن إماماً.
ولا دخل للاختيار والانتخاب في هذا الأمر، ليس لجهة قولنا انّ الناس باعتبار جهلهم بالملكوت وبمقام العصمة لا يمكنهم معرفة الامام، ولذا فانّ انتخابهم واختيارهم ليس صحيحاً، بل اننا لو فرضنا انّ جميع الناس صار لهم اطّلاع على ملكوت الأشياء وروحها، وانّ الله قد أعطاهم نوراً يمكنهم به تشخيص مقام العصمة، فانّ الإمامة- مع ذلك- لن تكون قابلة للانتخاب، لأنها- وكما قلنا سابقاً- ملكة الهيّة وقوّة قدسيّة موجودة في نفس الإمام، وليس هناك من معنى للقول بأنّ الانسان ينتخب موجوداً خارجياً، فالموجود الخارجي موجود ولا يحتاج إلى انتخاب الانسان ليوجد.
أمن الصحيح أن نقول للعالم الذي صارت لديه مَلَكة استنباط الأحكام: انّنا ننتخب اجتهادك؟ أو نقول للبطل الفائز في المسابقات والذي وصلت القدرة في بدنه إلى الفعلية: انّنا ننتخب قوّتك؟ أو نقول لحافظ القرآن الكريم: انّنا ننتخب حفظك؟! كلّا بالطبع، فهذا الكلام ليس صحيحاً أبداً.
انّ الانتخاب يحصل في الأمور الاعتباريّة التي دورانها بيد الاعتبار والانتخاب، والتي توجد بواسطة الانتخاب وتفنى بعدمه. امّا في الأمور التكوينية والواقعيّة التي وجدت قبل مرحلة الانتخاب وامتلكت وجودها، فانّ الانتخاب ليس له مجال فيها أبداً.
المسألة الثانية: انّ الامام يجب أن يكون معصوماً حتماً: انّ الإمام يجب حتماً ان يكون معصوماً بعصمة الباري جلّ وعزّ، وقد استنتجنا بعض الاستنتاجات في هذا الباب من آيات: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. وجملة: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} وجملة: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}؛ وأصبح معلوماً أنّ الإمام حينما عبر جميع مراحل النفس وتحقّق بوجود حضرة الحق، وتحكّمت في وجوده إرادة ومشيئة الحق دون تدخّل النفس الأمّارة، وصار فعله نفس وحي الله، لذا فانّ ذلك الإمام معصوم ومنزّه عن كلّ دنس نفسي، وهذا هو معنى العصمة.
كما اننا استفدنا المصونية والعصمة من آية: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[4].
بحيث أوضحت الآيات القرآنية هذه الحقيقة بشكل كامل.
المسألة الثالثة: انّ الإمام يجب ان يكون مؤيّداً من قبل الله تعالى: ان الامام يجب ان يكون مؤيّداً من عند الله، أي انّ علومه وإدراكاته تحصل في نفسه بواسطة اليقين والإلهامات الغيبيّة، ويكون الله هو المتكفّل بأموره، وقد أستفيد هذا الأمر من جملة: {وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}[5]، وجملة: {لَمَّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}[6]، وجملة: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا}[7]، لإنّ الإمامة تستلزم امتلاك مقام اليقين، ومقام اليقين كما ذُكر ليس ميسوراً دون انكشاف الملكوت وحقيقة الأشياء وبناءً على هذا فانّ الله سبحانه وتعالى يؤيّده كلّ لحظة بانكشاف الملكوت والهداية بأمر الله.
المسألة الرابعة: انّ الأرض لا تخلو من حجّة أبداً: انّ الأرض وجميع الأفراد الذين يعيشون عليها لهم إمام في كلّ زمان، ولا يمكن أن تخلو الأرض عن حجّة الله أبداً، وقد استفيد هذا الأمر أيضاً من آية: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}[8]، لأن الله سبحانه وتعالى يدعو جميع أفراد بني آدم إلى الحشر يوم القيامة بإمامهم، فلا يوجد فردٌ من البشر إلّا وله إمام، ولا يوجد فردٌ على الأرض بدون إمام، كما انّه ورد في روايات كثيرة انّه لو لم يبقَ على الأرض الّا نفرين، لكان أحدهما إماماً للأخر، ولو لم يوجد الّا شخص واحد لوجب أن يكون الإمام نفسه.
المسألة الخامسة: علم الإمام المحيط بأعمال الأمّة: انّ الامام يعلم بجميع أعمال وأقوال وسيرة وملكات عباد الله، وليس هناك علمٌ غائب أو مخفٍ عن نظر الإمام، وقد بيّنت الأبحاث السابقة هذا المعنى في هذا الأمر استناداً إلى الآيات القرآنية، لأنّ الامام له سيطرة على نفوس وملكوت الموجودات، ومع هذه الملكة فانّ جميع الأرواح والنفوس وروح الأعمال ستكون في مشهد الإمام وفي حضور الولاية، كما انّ موجودات عالم الطبيعة مشهودة عند الشخص البصير وغائبة عند الأعمى.
وبالرغم من أنّ ملكوت كثير من الأعمال والأقوال والنفوس سينكشف لدى الأفراد الذين لم يصلوا بعدُ إلى مرحلة الإمامة، وبالرغم من انّ هذا المعنى سيتّضح لديهم اثر التقوى والعبادة ومخالفة النفس الأمّارة ومجاهدتها، الّا انّهم لن يمتلكوا السيطرة الكلية على جميع الأرواح والنفوس أو هداية كلّ منهما إلى كماله، كلًّا حسب دوره وبقدر ظرفيّته، مع أنّ هذه الدرجة من البصيرة هي بصيرة القلب التي لا توجد لدى الأخرين، الّا ان هذه البصيرة والرؤية قويّة ونافذة لدى الإمام بحيث لا يخفى عنه شيء من الملكوت في كلّ آن وفي أي مكان.
المسألة السادسة: علم الإمام بحاجات العباد: انّ الإمام يعلم جميع الأمور التي يحتاجها العباد في معاشهم أو معادهم، لأنّه- وحسب الفرض- فانّ الإمام يهدي النفوس إلى الحق من ملكوتها، ويوصلها إلى كمالها، فكيف يمكن أن يكون نفسه جاهلًا بما يحتاجه العباد في أمور تكاملهم؟ وهذه الخاصيّة تتّضح أيضاً من الآية القرآنية: يَهْدُونَ بِأمْرِنَا، ومن أفضلية مقام الإمامة على النبوّة حسب مفاد خطاب حضرة الحق لإبراهيم الخليل.
وعلاوةً على ذلك، فلأن فعل الإمام وقوله منطبق على الحق بتمام معنى الكلمة، ولأنّ الإمام قد خطا في مقام العبوديّة والتقرّب إلى مرحلةٍ بعيدة بحيث انّ الله نفسه سيكون هو الأمر والناهي في وجوده، وسيكون فعل الإمام هو عين وحي الله، فكما انّ ما يحتاجه العباد ليس خافياً على الله، فانّه لن يكون خافياً على الإمام الذي هو التجلّي الأتمّ والمجرى الكامل لإفاضات الحضرة الأحديّة إلى الموجودات، وهذا الأمر ليس خافياً على الامام، بل انّ علم الامام هو عين علم الله تعالى، وليس هناك أي تفاوت في أصل المعنى
المسألة السابعة: أفضلية الإمام على أفراد البشر في الكمالات النفسانية: انّ الامام هو أعلى من جميع أفراد البشر من حيث الفضائل النفسانية والملكات الالهيّة، ومن المستحيل أن يكون هناك شخص أفضل من الإمام في محاسن الاخلاق والملكات الانسانية، لأنّه- وكما فرضنا- فانّ الطريق إلى الله عن طريق ملكات وصفات النفس. ولأنّ الامام أعلى وأرفع من سائر الأفراد في هذه المرحلة، لذا فانّه يهديهم عن طريق الملكوت إلى الحق، واذا ما وجد في هذه الحالة شخصان أحدهما يفوق الأخر في هذا المعنى، فانّ الشخص المتفوّق سيكون حتماً إماماً للآخر، لإنّ الذي أفق ملكوته ونفسه أنور وأكثر مضاءة وبصيرة سيستطيع أن يدعو إلى منزله ومحله الشخص الأخر الذي ليس في مستوى أفقه، وفي هذه الحالة فانّه سيكون هو الإمام، خلافاً للشخص الضعيف الذي لن يستطع تحريك القوى أو تحمّل ثقله.
وهذه المسائل السبع هي من أصول مسائل الإمامة، وسائر المسائل الأخرى متفرّعة عنها.
أفضلية أمير المؤمنين في جميع الفضائل النفسيّة:
امّا في أفضلية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام على جميع أفراد البشر عدا خاتم الأنبياء، فليس فيه مجال للشبهة والشكّ، وهذه الحقيقة يعترف بها العدوّ والصديق. وبغضّ النظر عن الظهورات التي صدرت عنه عليه السلام خلال ثلاث وعشرين سنة في حياة رسول الله، وخلال ثلاثين سنة بعد رحلته في فنون العلوم المختلفة، وفي حلّ المسائل الرياضيّة الغامضة، والقضاء بالحق، وفي علوّ النفس والهمّة والإيثار، والاتّصال بحرم الله والإنجذاببالجذبات الالهيّة، وفي إدراك الحقائق والمعارف الكلية المعنوية الإلهيّة وعبور جميع مراحل النفس وآثارها، وفي السبق إلى الاسلام والهجرة والجهاد.
وبغضّ النظر عن الأحاديث التي رويت عن رسول الله والتي تُثبت أفضليته عليه السلام بالمعنى الضمني او الالتزامي، مثل حديث: "أنتَ مِني بمنزلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى، وحديث: إنّ عَليّاً وَزِيرِي، ووَصِيّي، ووَارِثِي، وأخِي في الدّنيا والآخِرَةِ، وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي، ووَليّ كُلّ مُؤمِنٍ مِنْ بَعْدِي، وإنّ عَليّاً أميرُ المؤمِنينَ، وسَيّدُ المسْلمينَ، ويَعْسُوبُ المؤمِنينَ، وقَائِدُ الغُرّ المحَجّلينَ، وهُوَ الصّدّيقُ الأكْبَرُ، والْفَارُوقُ الأكْبَرُ، وعَالم هَذِهِ الامّةِ، وذُو قَرْنِهَا".
وبغض النظر عن حديث: "أنَا مَدِيَنَةُ الْعِلْم وعليّ بَابُهَا، والأحاديث الأخرى في علمه عليه السلام".
وبغض النظر عن الأحاديث التي وردت مستفيضة في الدلالة على أنّه عليه السلام له حكم نفس رسول الله، وعن الأحاديث التي تُشير إلى انّه عليه السلام كان يمتلك فضائل خاصّة به، مع ان كلًّا منها يدلّ بمفرده على أفضليته عليه السلام على سائر الأمّة.
لو غضضنا الطرف عن هذا كلّه، فانّ هناك روايات كثيرة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن طريق أهل البيت وشيعتهم وعن طريق العامّة أيضاً تدلّل على أفضليّته على الأمّة، بل على جميع أفراد البشر، بل على الأنبياء والمرسلين، وهذه الأحاديث تدلّ بالمعنى المطابقي على أفضلية ذلك الإمام المعصوم.
[1] بعض الآية 124، من السورة 2: البقرة.
[2] صدر الآية 24، من السورة 32: السجدة.
[3] صدر الآية 73، من السورة 21: الأنبياء
[4] صدر الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
[5] صدر الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
[6] ذيل الآية 24، من السورة 32: السجدة.
[7] مقطع من الآية 24، من السورة 32: السجدة.
[8] صدر الآية 71، من السورة 17: الإسراء.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة