دور الإدارة في مرحلة المحاكمة
المؤلف:
سارة عدنان سالم
المصدر:
دور الإدارة في تحريك الدعوى الجزائية في التشريع العراقي
الجزء والصفحة:
ص 129-137
2025-10-25
62
ان الدعوى الجزائية هي وسيلة المجتمع التي يستطيع من خلالها محاسبة مرتكبي الجرائم، وان المحاكمة هي اجراء من اجراءات الدعوى الجزائية، وذكرنا في موضوع سابق كيفية التحقيق وكيف يتم انتهاءه وبعدها تنتقل الدعوى من تحقيق ابتدائي الى تحقيق قضائي، وهذا هو التحقيق الذي يتم من قبل قاضي الموضوع حصرا، وسنبين في الفرعيين الآتيين، ما هي اجراءات التحقيق الابتدائي وما هو دور الادارة في جميع اجراءاته.
الفرع الأول
حضور الادارة طرف من اطراف الدعوى (1)
بعد وقوع جريمة معينة فان قاضي التحقيق او المحقق المسؤول عن التحقيق، يتخذ جميع الاجراءات وبحضور اطراف الدعوى، وبعد اكماله التحقيق في الجريمة ينظر، إذ كانت تدخل في اختصاص القضاء ام تدخل في اختصاص الوحدات الإدارية؛ كون الادارات كان لها حق النظر في بعض الجرائم؛ اذ ان القانون قد منح بعض المديرين ورؤساء الوحدات الادارية صلاحية قاضي جزاء، فيتم احالتها مع نتائج التحقيق التي حصل عليها، وفي الغالب تكون الدعاوى التي ينظرها رؤساء الوحدات الإدارية هي المخالفات الا ان ذلك لا يعني أنه لا يقوم بالنظر في الدعاوى التي تكون مهمة، وينظرونها ؛ بكونهم يملكون سلطة قاضي جنح اذ علق عمل القضاء في بعض الحالات، واعطيت سلطاته لرؤساء الوحدات الإدارية؛ وذلك من اجل ان يحقق الهدف من سياسة التشريعات، اذ نص القانون العراقي؛ وذلك من اجل ان ينظم السياسة التي تكفل تطوير الوضع الاقتصادي للبلاد حيث ان هذا القانون يمنع الاحتكار والتلاعب بأسعار السلع ومن تطبيق احكام قانون تنظيم التجارة منح المشرع سلطات جزائية للمحافظ وللقائمقام، وتخويله سلطة قاضي جنح بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح وزير التجارة (2) ، كما منح قانون الآثار ؛ وذلك كون هذه الجرائم تمس بمصلحة البلاد العليا، وقد ذكرها قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1999 ، وان المصلحة المحمية هي مصلحة عامة ولا تقتصر على فرد معين؛ ومن اجل الحفاظ على معالم البلاد الأثرية، وعدم المساس بالإرث الحضاري، اذ كانت أهم الأهداف للتشريع هو الحفاظ على الاثار في جمهورية العراق؛ اذ عدها من اهم الثروات الوطنية؛ لذلك منح لرئيس السلطة الاثارية سلطة قاضي جنح وذلك من اجل النظر للدعاوي بصفته قاضي جنح (3).
هذا وبعد ان يتأكد قاضي التحقيق بان القضية تدخل في اختصاص رؤساء الوحدات الإدارية، يتم احالتها اليه، وان المحاكم التي يقوم بها رئيس الدائرة او رئيس الوحدة الإدارية، تكون له صفة قاضي جنح، اما عن كيفية سير الإجراءات، فتكون حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية الا إذ كان هناك نص في القانون الخاص يبيّن كيفية السير في اجراءات الدعوى الجزائية، فيكون واجب التطبيق ، (4) وان اجراءات المحاكمة تبدأ بتوجيه تهمة إلى المتهم بشأن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها، وتقرر مصيره عنها، إلا أن القانون لم يشترط توجيه التهمة عند ابتداء المحاكمة، بل إنها تؤخر حتى انتهاء التحقيق وتتضح طبيعة الأفعال المسندة إلى المتهم، وتحدد الجريمة التي يلزم أن يحاكم عنها. وان العلة من تأجيل توجيه التهمة إلى ما بعد انتهاء بعض أو كل إجراءات التحقيق الذي تقوم به الإدارة في أن يمكن المحكمة إمكانية اتخاذ القرارات اللازمة في الدعوى التي لا تستدعي من حيث الأساس مباشرة كل إجراءات التحقيق، كقرارات الصلح أو عدم المسؤولية، كما إن المحكمة قد تجد بعد اتخاذها لإجراءات التحقيق القضائي بأن الأدلة لا تكفي؛ لتوجيه التهمة إلى المتهم، فتقرر الإفراج عنه، كما ان تأجيل توجيه التهمة حَتَّى انتهاء تحقيق الأفعال المسندة إلى المتهم وتحديد الجريمة، يجعل بالإمكان توجيه تهمة تنطبق مع الوقائع المبينة فيها على مادتها العقابية، من دون الحاجة إلى توجيه تهمة ثُمَّ سحبها ؛ مما يؤدي إلى استغراق وقت المحكمة وجهدها (5).
ان دور المحاكمة أخطر أدوار الدعوى ؛ اذ أنَّ بدء الاجراءات في المحاكمة تكون قد دخلت في مرحلتها الأخيرة، ويكون قد آن للقضاء أن يقول كلمته الفاصلة فيها، ومهما كانت إجراءات التحقيق الابتدائي والتصرف فيه متينة البنيان، مؤدية على وجه سليم رسالتها الخطيرة في إعداد عناصر الدعوى قبل طرحها على القضاء، فهيهات أن تتحقق عدالة صحيحة، ما لم يقم لإجراءات المحاكمة التحقيق الابتدائي وما يتجاوزه بكثير، فمن مصلحة الجميع أن يَبْراً البريء ويدان المسيء من دون خطأ بينهما ولا خلط، ومن مصلحة الجميع أيضا ان تجيء كلمة العدالة حاسمة سريعة حَتَّى يتسنى للمشاعر التي أقلقتها الجريمة أن تسكن راضية مرضية، لكن إذ كانت السرعة للعدالة مزية كبيرة، فإن عدم التسرع مزية أكبر، فليس من مصلحة أحد أن يصدر حكم القضاء بغير أن تهيأ له أسبابه ومجادلة حرة متكافئة من كل ذي حق مشروع في هذا القضاء (6)، لذلك فقد رسم قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي مجموعة من الإجراءات تجري المحاكمة في الدعوى غير الموجزة وفقها، كما حدد تسلسلها الذي يجب على المحكمة التقيد به حيث تبدأ المحاكمة بالمناداة على المتهم أولاً، ثُمَّ ينادى على باقي الخصوم، كالمشتكي، وتكون الادارة في الجرائم التي تضرر منها هي المشتكي والمدعي بالحق المدني ووكلاء هم من المحامين اما الادارة، فأن ممثلها القانوني هو من يقوم مقامها في المحاكمة، وبعد ذلك تبدأ جلسة المحكمة بتدوين هوية المتهم، وان جميع الاجراءات تبتديء بالمتهم قبل باقي الخصوم؛ وذلك من اجل توفير الضمان اللازم؛ كونه هو الطرف الاضعف في المحاكمة، لأنه الطرف الذي سيطوله القانون بالعقاب، إذ ما ثبتت عليه الجريمة، يبدأ القاضي بتلاوة قرار الإحالة لإحاطة المتهم وباقي أطراف الدعوى علما، بما في قرار الإحالة من وقائع وأطراف، وما توصلت إليه سلطة التحقيق من تكييف للوقائع والتهمة التي تم إحالة المتهم عنها ، ثُمَّ تباشر بعدها المحكمة بسماع الشهادات وفق ترتيب معين وقراءة التقارير التي قام بها الخبراء في اثناء مرحلة التحقيق الابتدائي والكشوف والمحاضر التي قام بها المحقق او قاضي التحقيق، وبعد قرائتها يتم استدعاء الشهود الذين قد قدموا شهاداتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي، اما المحقق او امام قاضي التحقيق، هذا ويتم استدعاؤهم بورقة تكليف للحضور تبلغ اليهم بواسطة اجد اعضاء الشرطة أو أحد المعتمدين في الدائرة التي اصدرتها او المختار او أي شخص يتم تكليفه بذلك طبقا للقانون (7) اما منتسبي المصالح الحكومية والدوائر الرسمية وشبه الرسمية، يتم تبليغهم عن طريق دوائرهم، في بعض الحالات يمتنع الشاهد عن الحضور، أفتكفي شهادته التي ادلى بها امام قاضي التحقيق ام تتخذ المحكمة اجراءات اخرى لقد اختلفت التشريعات في هذا الامر ، ففي التشريع الفرنسي سلطة دعوة الشاهد اما إذ امتنع عن الحضور، فأنّ لها اصدار أمر القبض؛ إذ ان امتناعه يجعله مسؤولاً جنائياً ومدنياً، وتفرض عليه الغرامة، ويكون ملزماً بالتعويض (8) ، اما القانون المصري، وقد جاء بنص من قانون الاجراءات الجنائية أنه إذ كان الشاهد مريضاً أو لديه ما يمنعه من الحضور تسمع شهادته في محل وجوده، فإذ انتقل القاضي؛ لسماع شهادته، وتبين له عدم صحة العذر، جاز له أن يحكم عليه بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، وللمحكوم عليه أن يطعن في الحكم الصادر عليه بطريق المعارضة أو الاستئناف؛ طبقاً لما هو مقرر في المواد السابقة (9) اما المشرع العراقي، فان عدم امتثال الشاهد لأمر المحكمة، جاز لها ان تقوم بأرسال تبليغ له بالحضور او تقوم المحكمة بإصدار أمر بالقبض عليه، وتوقيفه واحضاره امامها ؛ للأدلاء بشهادته، أما إذا حضر ، وقام بتقديم عذر للمحكمة، جاز لها ان ترجع الحكم الصادر عليه(10)، ان وضع العقوبات المالية قد يكون لها الأثر النفسي على الشاهد لإجباره على الحضور، وامتثاله الأوامر المحكمة لحضوره وتقديمه الشهادة الا ان المشرع العراقي لم يضع غرامة مالية اسوة بالقانون الفرنسي والقانون المصري على من يتهرب من الادلاء بشهادته، وقد تكون شهادته هي الفيصل في الحكم في تبرئة المتهم او ادانته؛ لأن بعض الافراد يحصلون على معلومات بحكم عملهم، اما إذ تعذر حضور الشاهد بشكل نهائي، فقد نص المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية ان يمكن للمحكمة ان تقوم بتلاوة شهادته التي ادلى بها سابقا في مرحلة التحقيق الابتدائي، والتي تم تدوينها في محضر التحقيق امام المحقق او قاضي التحقيق، ويتم اعتبارها بمثابة شهادة تم اداؤها امامها (11).
ان القواعد العامة في الشهادة التي يجب ان تراعى قانونا أثناء المحاكمة، إذ ان القواعد العامة في الشهادة المعمول بها في مرحلة التحقيق الابتدائي هي ذاتها في مرحلة التحقيق القضائي، كجواز الاستعانة بالإشارة المعهودة إن كان الشاهد أخرس أو أصم أو جواز كتابة الشاهد لشهادته، إذ كان عاجزا عن الكلام أو الاستعانة بمترجم عند عدم تكلم الشاهد بلغة المحكمة بعد تحليف المترجم اليمين القانونية (12)، كما يتعين ان تكون الشهادة علنا؛ وذلك من اجل ان تبث الطمأنينة في نفس المتهم والممثل القانوني للدائرة وللمدعي العام ؛ كونه ممثلاً عن المجتمع، كما ان سماع الشاهد علناً؛ يكون من اجل توخي الدقة، والابتعاد عن الزيف والحفاظ على معين العدالة صافيا، (13) وان دور الادارة يتمثل بالحضور امام المحكمة كطرف من اطراف الدعوى؛ كون الممثل القانوني للإدارة هو من يقوم بتقديم الشكوى ضد المتهم، وله أن يقوم بسؤال المدعى عليه لكن لا يتم هذا السؤال الا بعد أن يتم توجيهه للقاضي، وهو يقوم بسؤال المتهم، كما لممثل القانون الحق في سؤال الشهود، وذلك بطلب الاذن من القاضي ؛ وهذا يكون من اجل الحفاظ على نظام الجلسات داخل المحاكم الجزائية.
الفرع الثاني
دور الادارة في استجواب المتهم اثناء المحاكمة
ان الاستجواب للمتهم اثناء المحاكمة يعني مناقشة المتهم تفصيليا في جميع الدلائل والأدلة القائمة على نسبة التهمة إليه، أما سؤال المتهم فهو مطالبته بالرد على الاتهام الموجه إليه، و لم يكن سؤال المتهم محل اعتراض من الفقهاء، فهو عمل جائز في أي دور من أدوار الدعوى العامة، أما الاستجواب هو إجراء ممقوت؛ إذ ينطوي بذاته على التأثير على المتهم، وقد يدفعه تعدد الأسئلة ودقتها الى ارتباك المتهم اذ قد يؤدي إلى أن يقول ما ليس في صالحه، وهذا ما حدا ببعض الفقهاء إلى تحريم الاستجواب في كل أدوار الدعوى، ويرى أغلب الفقهاء أن الاستجواب عمل غير لازم في دور المحاكمة حين تكتمل للدعوى عناصر إثباتها (14)، وهذا ما أخذ به قانون الإجراءات الجنائية المصري في المادة (1/274) التي نصت على أنه لا يجوز استجواب المتهم إلا إذ قبل ذلك... ، فيما خالف المشرع العراقي هذا الاتجاه مضموناً، و سايره بظاهر الألفاظ في بعض النصوص، فقد نصت المادة (179) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على حق المحكمة في سؤال المتهم، فلها في سبيل الكشف عن الحقيقة أن توجّه للمتهم ما تراه من الأسئلة قبل توجيه التهمة إليه، ومن ظاهر هذا النص يتضح أن القانون منح المحكمة حق سؤال المتهم، لا الاستجواب إلا أنه في مضمون نص المادة اللاحقة لها، أن ما أراده القانون هو إعطاء المحكمة حق الاستجواب على المتهم، لا مجرد السؤال، إذ تنص المادة (180) على أنه إذ امتنع المتهم عن الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه أو كانت أجوبته تخالف أو تتعارض مع أقواله السابقة فللمحكمة أن تأمر بتلاوتها وتسمع تعقيبه عليها وهذا يعني أن امتناع المتهم عن الإجابة عن أسئلة المحكمة موقف لا يحميه من طائلة المساءلة من المحكمة؛ وبالتالي فهو مطالب بالإجابة والرد على الأسئلة، فيكون بذلك قد دخل في إطار الاستجواب لا المساءلة فحسب، وما يؤكد ذلك هو إرداف المادة بالقول : (...فللمحكمة أن تأمر بتلاوتها ...) أي ما ورد من أقواله التي أدلى بها أثناء مرحلة التحقيق في المحكمة ما هو إلا استجواب للمتهم من السلطة القائمة بالتحقيق، وما تقوم بها مرحلة المحاكمة ما هو إلا امتداد لذلك الاستجواب، إذ أدلى بأقوال تخالف أقواله السابقة، فإن لم تقتنع المحكمة بما أدلى من أقوال أمامها، فلها أن تعيد عليه ما أدلى به أمام قاضي التحقيق، ومن ثم تسمع تعقيبه عليها ان الادارة في هذا الحال لا يحق لها تدخل بموجب القانون لأن الاستجواب يكون فقط من قبل القاضي الا ان دور الادارة في المحاكمة، يكون فقط عندما يعطي القاضي الأذن لمحامي المتهم ومحامي الدفاع بأبداء ما لديهم من ملاحظات، وتقديم اي مستندات فأن الممثل القانوني للإدارة هو المسؤول عن تقديم المستندات ان وجدت او احضار شهود، تكون شهادتهم لمصلحة الادارة؛ كون الممثل القانوني هو المسؤول عن هذا الامر.
إن المشرع العراقي قد أخذ بالرأي الفقهي الذي يذهب إلى جواز الاستجواب في مرحلة المحاكمة فيه من المنافع يفوق ما فيه من المضار، فعلى الرغم مما قبل في مساوئ الاستجواب، وخصوصا في مرحلة المحاكمة، إلا أنه لا يخلو من المحاسن والضمانات، لا سيما للمتهم؛ اذ أن ما أدلى به المتهم من أقوال أثناء مرحلة التحقيق، كان بالإكراه واستخدام وسائل التعذيب ومضت المحكمة على ما جرى في مرحلة التحقيق، وأصدرت حكمها ، كان حكمها جائرًا ومخالفا للحقيقة؛ إذ أن ما أدلى به المتهم تحت ضغط التعذيب ما هو إلا كذب وفرار من التعذيب، وإن كان ما أدلى به صحيحا، كان حكمها مخالفا للقانون؛ لأن الاعتراف انتزع بالقوة منه فهنا تظهر الفائدة من إعادة سؤال واستجواب المتهم أثناء مرحلة المحاكمة الثبيت من صحة إجراءات التحقيق، والتثبت من صحة أقوال المتهم، إلا أن ذلك لا يعني أن للمحكمة إجبار المتهم على الإجابة إذ امتنع عنها، كما إن امتناعه لا يعد دليلاً ضده (15)، ويجب تدوين الاستجواب بمحضر، ويذكر فيه جميع تفصيلاته؛ لغرض ضمان سلامة الإجراءات وحماية مصلحة الدفاع (16)، وقد جعل القانون استجواب المتهم في مرحلة المحاكمة بعد الانتهاء من سماع شهادات الإثبات وتلاوة التقارير والكشوف والمستندات؛ وذلك لتمكين المتهم من مناقشة الشهود. ونفي ما ورد فيها وتفنيدها بما لديه من أدلة أو أن يوضح مشروعية ما صدر منه، فلو ذكر الشهود أن المتهم هو الفاعل الجريمة القتل مثلاً، وأقر على نفسه بذلك، ولكنه قد يؤكد بانه قد ارتكب الفعل بناء على أمر صادر إليه من رئيس أو أداء الواجب، أو دفاعا عن النفس، كما إن للمحكمة أن تدون أسماء الشهود الذين يطلب المتهم حضورهم لسماع الشهادة؛ استجابة لطلبات المتهم أثناء الاستجواب، إذ رأت ضرورة لذلك، إلا إذ كانت طلباته نوعًا من المماطلة بهدف تأخير حسم الدعوى (17).
ثم بعد ان يتم اكمال الاجراءات يتم تلاوة قرارات المحكمة والتي تتم بعد أن تطبق المحكمة الإجراءات كافة التي تم ذكرها سابقا والتي ألزمها القانون القيام بها من سماع شهادات الإثبات، وتلاوة التقارير والمستندات والكشوف والاستماع إلى إفادة المتهم، واستجوابه تكون ملامح الدعوى، قد اتضحت لدى المحكمة، وتكون قد توصلت إلى قناعات قانونية في الدعوى ؛ لذلك فإن قرارات المحكمة تكون ما يأتي من القرارات:
1 - رفض الشكوى تنص المادة (181/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن المشتكي إذْ تنازل عن شكواه، أو عدته المحكمة متنازلاً عنها وفق ما جاء في المادة (150) منه، وكانت الجريمة مما يجوز الصلح عنها دون موافقة القاضي، هنا يصدر قرار المحكمة برفض الشكوى، أي إن هذه المادة نصت على نوعين من التنازل هما التنازل الصريح والتنازل الحكمي الذي يتحقق إذ ترك المدعي دعواه، سواء بتغيبه و عدم حضوره بنفسه أم بوكيل عنه وبغير عذر مقبول في أول جلسة للمحكمة بعد تبليغه وفق القانون (18) ، ويمثل هذا النظام مرحلة من مراحل تطور نظام العدالة الجنائية، ويعني تحقيق العدالة من دون صدور حكم قضائي يفصل في الدعوى، وإنها بطريق التراضي بين المشتكي والمتهم فسميت بالعدالة الاتفاقية، أو التفاوضية (19).
2- الإفراج عن المتهم وفي هذه الحالة تكون القناعة لدى قاضي التحقيق مما تدعوه إلى الظن بأن المتهم قد ارتكب الفعل المسند إليه، مِنْ ثُمَّ إحالة الدعوى بناء على ذلك إلى المحكمة المختصة، فأن ذلك لا يعد ملزما للمحكمة المختصة في تكوين قناعتها تجاه الدعوى. فإذ اتخذت المحكمة الإجراءات المبينة في المواد الخاصة بإجراءات مرحلة المحاكمة، وتبين لها بأن الأدلة لا تدعو إلى الظن بأن المتهم قد ارتكب الجريمة المسندة إليه، فتقرر الإفراج عنه (20) ، وعمليا لا يصار إلى اتخاذ هذا القرار في الجنايات، إلا بعد استكمال الإجراءات التالية على توجيه التهمة(21)، ومن المعلوم أن قرار الإفراج عن المتهم لا يمنع من استمرار الإجراءات ضده عند ظهور أدلة جديدة، تستوجب ذلك خلال مدة سنة من تاريخ صدوره، أما بعد مضي المدة المحددة على الدعوى الجزائية (22)، ووضع هذا السقف الزمني؛ لاعتبار قرار الإفراج بأنخ أمر أملته ضرورات استقرار الأحكام القضائية، واستقرار الأوضاع الاجتماعية للأفراد، وجدير بالذكر أنه لا يجوز إصدار القرار بالإفراج عن المتهم فيما لو توصلت المحكمة إلى نتيجة مفادها خلو العنصر الدعوى من المحكمة رفض الجزائي، حَيْثُ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، بل يتعين الشكوى وغلق الدعوى نهائيًا، أما قرار الإفراج، لعدم كفاية الأدلة، فيكون في حالة وجود جريمة، لكن الادلة غير كافية للإدانة، اما إذ وجدت ادلة فيتخذ اصدار امر بالقبض (23).
3- توجيه التهمة إذ تراءى للمحكمة بعد اتخاذها الإجراءات المذكورة آنفا أن الأدلة تدعو إلى الظن بأن المتهم ارتكب جريمة من اختصاصها النظر فيها، فتوجه إليه التهمة التي تراها منطبقة عليها، ثم تقرأها عليه وتوضحها، له وتسأله إن كان يعترف بها أو ينكرها (24)، إن القانون يسمح للمحكمة أن تبني قراراتها على مجرد الظن بأن المتهم قد ارتكب الفعل المسند إليه، وهذا طبعا من خلال ما يتراءى لها أدلة من ووقائع واعترافات وشهود... إلخ، وذلك أن القانون قد أوجب ثمَّة إجراءات أخرى يجب على المحكمة أن تخذها بعد توجيه التهمة. وتوجه التهمة في محكمة الجنح من القاضي، أما في محاكم الجنايات والأحداث، فيتم توجيهها من رئيس المحكمة، وينبغي في جميع الأحوال أن تضمن ورقة التهمة على اسم المتهم الكامل ولقبه وعمره ومهنته ومحل إقامته، ومكان ارتكاب الجريمة، وزمان وقوعها، ويفضل أن يذكر التاريخ باليوم والشهر والسنة، ويذكر نوع الجريمة والمادة القانونية المنطبقة عليها، واسم المجنى عليه والشيء الذي وقعت عليه الجريمة، فأن لم يُعرف اسمه ذكرت عبارة المجنى عليه في جريمة... ، ويجب تحديد الشيء الذي وقعت عليه الجريمة تحديدًا واضحا، كأن تحدد ماهية الأموال المسروقة أو المختلسة بشكل كامل في جرائم السرقة والاختلاس، وأيضا الوسيلة المرتكبة بها الجريمة ثُمَّ تختم ورقة التهمة بتاريخ توجيه التهمة، واسم وتوقيع القاضي، أو رئيس المحكمة، وإيضاح أن من حق المتهم نفي التهمة، والدفاع عن نفسه تجاه ما نسب إليه(25).
__________
1- ان اطراف الدعوى الجزائية هم الادعاء العام والمشتكي او المتضرر من وقوع الجريمة والمتهم.
2- ينظر : المادة (19) ثانيا) قانون تنظيم التجارة حيث إجازة تخويل أي موظف من موظفي وزارة الخارجية ممن لا نقل درجته عن المدير والمحافظين والقائممقامين سلطة جزائية وفق القانون.
3- ينظر: المادة (48) أولا (ب) و (ج) قانون الاثار والتراث رقم (55) لسنة 2002.
4- قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم بالرقم 156 في 1980/1/28.
5- د. سعيد حسب عبد الله، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، دار ابن الاثير للطباعة والنشر، الموصل، 2005 ، ص322.
6- د. رؤوف عبيد المصلحة في النقض الجنائي، بحث منشور مجلة المحاماة، العدد 2، السنة 40، 1960، ص 469.
7- ينظر: المادة (59) قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971.
8- jean pradel et andre varinard, les grands arrest de la procedure penale, 3e edition, dalloz, paris 2016, p281.
9- ينظر: المادة (121) قانون الاجراءات المصري رقم (150) لسنة 1950.
10- ينظر : المادة (174) قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971.
11- ينظر: المادة (172) قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971.
12- ينظر : المادة (167) قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 وللقاضي ان يفهم الاصم الابكم بنفسه أو من اعتاد عليه او عن طرق خبير نقض مصري 1932111124، مجموعة القواعد القانونية ج3 رقم 16، ص 15.
13- حاتم بكار، حماية حق المتهم في محاكمة عادلة، منشأة المعارف الاسكندرية، 1997، ص 216.
14- د. محمود محمود مصطفى، الأحكام العامة والإجراءات الجنائية، ط 2 ، جامعة القاهرة، الكتاب الجامعي، 1979 ، ص 300.
15- ينظر : المادة (179) قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971.
16- محمد محمد مصباح القاضي، قانون الإجراءات الجنائية منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2013، ص517.
17- الاستاذ عبد الامير العكيلي و د سليم حرية اصول المحاكمات الجزائية، دار الكتب العلمية للطباعة والنشر، القاهرة، 1980 ، ج 2، ص123.
18- ينظر : المادة (22) من قانون أصول الجزائية رقم (23) لسنة 1971
19- د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، ط7، دار الطباعة الحديثة، مصر، 1993، ص 261.
20- د عبد الأمير العكيلي و د سليم إبراهيم حربة، مرجع سابق، ص 150 كما اشارت له المادة (181) ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 .
21- د. فخري الحديثي، اصول الإجراءات الجرائم الاقتصادية، مطبعة الزمان، بغداد، 1987، ص 408.
22- أسماء إبراهيم حسين المحاكمة في الدعوى الموجزة وغير الموجزة، بحث منشور في مجلة الجمعية العراقية العلمية للمخطوطات، العدد الثالث، المجلد الثاني، 2021، ص 635.
23- د. حسن الجوخدار، التحقيق الابتدائي في قانون أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط 2، 2011، ص 467.
24- ينظر: المادة (181) الفقرة ج قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971.
25- د. براء منذر كمال عبد اللطيف شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 2011، ، ص 294
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة