عصمة أمير المؤمنين عليه السّلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص78-82
2025-10-05
293
هذا الإستدلال راجع لعموم المقرّبين من الله سبحانه، لكنّه بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهو يعسوب الدين ووليّ المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين- له دلالة أوفى وأتمّ على عصمته عليه السّلام.
فلقد تربّى ذلك الإمام في احضان رسول الله منذ الطفولة، وكان تحت تربيته وتعليمه؛ يقول محمّد بن طلحة وهو شافعيّ المذهب توفّي سنة 654 هـ[1]، وابن الصبّاغ المالكي المذهب المتوفّى سنة 855 هـ:[2] و[3] ولما نشأ علي بن أبي طالب [عليه السلام] وبلغ سن التمييز، أصاب أهل مكّة جدبٌ شديد وقحطٌ أجحف بذوي المروة وأضرّ بذوي العيال إلى الغاية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم لعمّه العبّاس- وكان من أيسر بني هاشم- يا عمّ إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى، فانطلق بنا إلى بيته لنخفّف من عياله فتأخذ أنت رجلًا واحداً وآخذ أنا رجلًا فنكفلهما عنه.
قال العبّاس: أفعلُ. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: اذا تركتما لي عقيلًا وطالباً فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم عليّاً وضمّه اليه وأخذ العبّاسُ جعفراً فضمّه اليه؛ فلم يزل عليّ مع رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم حتى بعث الله عزّ وجل محمّداً نبيّاً فاتّبعه علي عليه السلام وآمن به وصدّقه وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر[4] من عمره لم يبلغ الحلم وقيل غير ذلك. وأكثر الأقوال وأشهرها انّه لم يبلغ الحلم، وأنّه أول من أسلم وآمن برسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم من الذكور[5]،... .
قاله الثعالبي[6] في تفسير قوله تعالى: {السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ}[7]، وهو قول ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمّد بن المنكدر وربيعة المرائي؛ وقد أشار علي بن أبي طالب [عليه السلام] إلى شيء من ذلك في أبيات قالها رواها عنه الثقات الأثبات، وهي هذه الأبيات: (والعجب من هذين العالمين السنيين كيف يعدّان هذه الأشعار لأمير المؤمنين عليه السلام يقيناً وكيف سيعترفان ويقرّان بدخول ظالميه إلى جهنّم تبعاً لقوله عليه السلام!!) وقد نُقل عن جابر بن عبد الله الأنصاري انه قال: سمعتُ علي بن أبي طالب عليه السلام يُنشِد ورسول الله يسمع: قال: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهُ وقَالَ: "صَدَقْتَ يَا عَلي!" ويشرح أمير المؤمنين عليه السلام في (نهج البلاغة) ضمن خطبته (القاصعة) فترة صباه في صُحبته لرسول الله: "وَ قَدْ عَلمْتم مَوْضِعِي مِنْ رَسوُلِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله بِالقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والمنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَني في حِجْرِهِ وأنَا وَلَدٌ ويَضُمُّني إلى صَدْرِهِ، ويَكْنُفُني إلى فِرَاشِهِ ويمُسُّنِي جَسَدَهُ، ويَشُمُّنِي عُرْفَهُ، وكَانَ يمضَغُ الطَّعَامَ ثم يُلَقِّمنيهِ، ومَا وَجَدَ لي كِذْبَةً في قَوْلٍ، ولَا خَطْلَةً في فِعْلٍ.
وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ صلى اللهُ عَليه وآله مِن لَدُنْ أنْ كَانَ فَطِيما أعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ المكَارِمِ ومَحَاسِنِ أخْلاقِ الْعَالم ليلَهُ ونَهَارَهُ، ولَقَدْ كُنْتُ أتَّبِعُهُ اتّبَاعَ الْفَصِيلِ أثَرَ أمّهِ، يَرْفَعُ لي في كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أخْلاقِهِ عِلما ويَأمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ.
وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بحراءَ، فَأرَاهُ ولا يَرَاهُ غيري، ولم يَجْتمعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ في الإسْلَامِ، غير رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وخَدِيجَةَ، وأنَا ثَالِثُهمَا، أرَى نُورَ الْوَحيِ والرِّسَالَةِ، وأشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حين نَزَلَ الْوَحي عَليهِ صلى اللهُ عليه وآله، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيطَانُ أيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إنَّكَ تَسْمَعُ مَا أسْمَعُ وتَرَى مَا أرَى، إلَّا أنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيّ ولَكِنَّكَ وَزِيرٌ وإنَّكَ لَعَلَى خَيرٍ"[8].
والعجب انّه مع هذا المقام والمنزلة والوصايا التي أكّد عليها الرسول وجعلِهِ عليّاً وصيّاً ووزيراً ووليّاً للمؤمنين وخليفته من بعده، فانّهم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة قبل أن يُدفن جسد الرسول المطهّر، ففعلوا ما فعلوا، ولم يكتفوا بسلب الخلافة، بل عمدوا إلى مصادرة بُستان الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله، فسلبوا نِحلة رسول الله وكسروا فؤاد بنت رسول الله.
[1] (مطالب السؤل في مناقب آل الرسول)، ص 11.
[2] (الفصول المهمّة)، ص 14. ’
[3] وقد أورد الطبري هذه القصّة في تاريخه (تاريخ الامم والملوك)، ص 58.
[4] أكثر علماء الشيعة يقولون بأن السنّ المبارك. لأمير المؤمنين زمن بعثة رسول الله كان عشرة سنوات.
[5] روي الطبري في ج 2، ص 57 عن ابن اسحق قال: كان أول ذَكَر آمن برسول الله صلّي الله عليه[ وآله] وسلّم وصدّق بما جاء به من عند الله على بن أبي طالب، وهو يؤمئذٍ ابن عشر سنين. وكان ممّا أنعم الله به علي على بن أبي طالب أنّه كان في حجر رسول الله صلّي الله عليه[ وآله] وسلّم قبل الإسلام. كما يقول ابن الأثير في (أسد الغابة)، ج 4، ص 16: وهو اول الناس إسلاماً في قول كثير من العلماء علي ما نذكره. وينقل في (غاية المرام)، ص 499 في انّ أمير المؤمنين كان اول من أسلم 47 حديثاً من طريق العامة، وفي ص 504 الباب 22 يورد 18 حديثاً من طريق الخاصة.
[6] النقل عن الثعالبي في (الفصول المهمّة) فقط، وليس موجوداً في (مطالب السؤل).
[7] صدر الآية 100، من السورة 9: التوبة.
[8] (نهج البلاغة) عبدة، ج 1، ص 392، الخطبة 190 القاصعة.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة