بلية أيوب
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج4، ص301 - 305
2025-10-02
218
قال تعالى: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 44]
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} حزمة صغيرة من خشب فاضرب به ولا تحنث وذلك أنه حلف أن يضرب زوجته في أمر ثم ندم عليه فحل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود كما ورد عنهم: إنا وجدناه صابرا فيما أصابه في النفس والأهل والمال نعم العبد أيوب (عليه السلام) إنه أوّاب مقبل بشر اشره على الله.
في العلل عن الصادق (عليه السلام) قال إنما كانت بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلما صعد عمل أيوب (عليه السلام) بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب (عليه السلام) لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة فسلّطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة فقال قد سلطتك على دنياه فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عز وجل ثم رجع إليه فقال يا رب أن أيوب يعلم إنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه فسلّطني على بدنه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة قال عز وجل قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه قال فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا.
وعن الكاظم (عليه السلام) مثله وزاد قلّما اشتدت به البلاء وكان في آخر بلية جاء أصحابه فقالوا يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلى بمثل هذه البلية إلا لسريرة شر فلعلك أسررت سوء في الذي تبدي لنا قال فعند ذلك ناجى أيوب (عليه السلام) ربه عز وجل فقال رب ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي قال فعرضت له سحابة فنطق فيها ناطق فقال يا أيوب أدل بحجتك قال فشد عليه ميزره وجثا على ركبتيه فقال ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا إلتزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة من طعام إلا وعلى خواني يتيم قال فقيل له يا أيوب من حبب إليك الطاعة قال فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال أنت يا رب.
وعن الصادق (عليه السلام) إن الله تبارك وتعالى إبتلى أيوب (عليه السلام) بلا ذنب فصبر حتى عير وإن الأنبياء لا يصبرون على التعيير.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) إن الله تعالى يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوب (عليه السلام) كيف سلط إبليس على ماله وعلى أهله وعلى كل شيء منه ولم يسلطه على عقله ترك له يوحد الله عز وجل وفي روآية فسلط على أيوب (عليه السلام) فشوه خلقه ولم يسلطه على دينه.
وفي الخصال والعلل عنه (عليه السلام) ابتلي أيوب سبع سنين بلا ذنب.
وفي الخصال عنه عن أبيه (عليهما السلام) قال إن أيوب (عليه السلام) ابتلي بغير ذنب سبع سنين وأن الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا وقال إن أيوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة[1] من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج وقد قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له معه الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق وإختصاص ولئلا يحقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء متى شاء كيف شاء بأي شيء شاء ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة إلا بالله.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس عن دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب (عليه السلام) حسده ابليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا فقيل له قد سلطتك على ما له وولده قال فانحدر ابليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه فازداد أيوب
لله شكرا وحمدا قال فسلّطني على زرعه قال قد فعلت فجمع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب (عليه السلام) لله شكرا وحمدا فقال يا رب فسلّطني على غنمه فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب (عليه السلام) لله شكرا وحمدا فقال يا رب سلّطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجوه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم (عليه السلام) تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده قال فلما طال عليه البلاء ورأى ابليس صبره أتى أصحابا لأيوب (عليه السلام) كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهباء فجاؤوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يملكنا إذا سألناه وما نرى ابتلائك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحدا إلا من أمر كنت تستره فقال أيوب وعزة ربي أنه ليعلم إني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني فقال الشاب سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها فقال أيوب يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي بعث الله عز وجل إليه غمامة فقال يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل فقال يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم اسبحك قال فنودي من الغمامة بعشرة الاف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك قال فأخذ التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرا وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويونسه فأقبلت إمراته معها الكسرة فلما إنتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عز وجل شكرا فرأى ذوابتها مقطوعة وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب فقالوا لها بيعينا ذوابتك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لأيوب فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مأة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عز وجل إليه خذ بيدك ضغثا فاضربه ولا تحنث فأخذ عذقا مشتملا على مأة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه قال فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه وسئل أيوب (عليه السلام) بعد ما عافاه الله أي شيء كان أشد عليك مما مر عليك فقال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره جراد الذهب وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الريح منه بشيء عدا خلفه فرده فقال له جبرئيل أما تشبع يا أيوب قال ومن يشبع من رزق ربه عز وجل.
أقول : لعل المراد ببدنه الذي قيل في الروآية الاولى أنه لم ينتن رائحته ولم يتدوّد بدنه الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينته خلقت منها أرواح المؤمنين وببدنه الذي قيل في هذه الروآية أنه أنتن وتدود بدنه العنصري الذي هو كالغلاف لذلك ولامبالاة للخواص به فلا تنافي بين الروايتين.
[1] المدة بالكسر وتشديد المهملة : ما يجتمع في الجرح من التقيح الغليظ.
الاكثر قراءة في قصة النبي أيوب وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة