x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التفسير الترتيبي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

أخبار القرآن الكريم في المدينة

أخبار القرآن الكريم في مكة

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

القصة القرآنية

البلاغة القرآنية

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي ثمود وقومه

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

قصة أو حكاية العبد الصابر

المؤلف:   الدكتور محمود البستاني.

المصدر:  قصص القران الكريم دلاليا وجماليا  .

الجزء والصفحة:  ج2،ص320-329.

24-5-2021

1642

أيوب (عليه السلام) يعد واحدا من الأنبياء الذين تتكرر الإشارة إليهم، بخاصة فيما يتصل إما بسرد نعم الله تعالى عليهم، أو بالشدائد التي يعانونها، ومن ثم التحدث عنهم من خلال النعم المشار إليها، مع ملاحظة أن أيوب (عليه السلام) يظل أكثر الأنبياء عرضة للشدة المتمثلة في جسده وأهله وممن يتصل به اجتماعيا.

على أية حال، نبدأ لنتحدث عن القصة المذكورة، فنقول:

بانتهاء قصتي داود وسليمان تبدأ اقصوصة ثالثة هي قصة العبد الصابر أيوب (عليه السلام) فيما منحها النص شيئا من التفصيلات التي يمكننا أن نعدها حكاية قصصية، مؤتلفة مع قصتي داود وسليمان من حيث وجود واقعة فيها، ومن حيث وجود بعض السمات المرسومة لشخصية أيوب، ومن حيث إكساب هذه الشخصية نفس السمة العامة التي رسمتها سورة «ص» لداود وسليمان، ونعني بها:

سمة أواب، مثلما أكسبتهما سمة جديدة تتسق مع الواقعة القصصية التي رسمها النص لأيوب (عليه السلام) وهي سمة الصبر. فضلا عن أنها رسمت سمة مشتركة بين أيوب وسليمان (عليهما السلام) وهي سمة نعم العبد...

هذه السمات وما رافقتها من الوقائع وصلتها بذات الوقائع والسمات المرسومة لشخصيتي داود وسليمان، تسوغ لنا عدها حكاية أو اقصوصة تصاغ في نطاق مفهوم خاص يشدد النص عليه ألا وهو: التذكير بنعم الله على عباده المصطفين الذين أخلصوا في العبادة فمنحتهم السماء امتيازات ضخمة جزاء لاخلاصهم في المهمة الخلافية على الأرض.

و الآن، لنتجه إلى حكاية أيوب (عليه السلام):

{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أ ني مسني الشيطان بنصب وعذاب}

{اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}

{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الألباب}

{وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}

{إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}

هذه الحكاية تظل متصلة من جانب بقصتي داود وسليمان، مثلما تظل من جانب آخر مستقلة ذات طرح لبعض المفاهيم التي ينبغي أن نقف عندها.

لقد رسم النص القصصي شخصية أيوب (عليه السلام) بملامح ثلاثة هي:

{إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}

ومثلما قلنا، فإن سمة أواب ظلت طابعا مشتركا للشخصيات الثلاث: داود، سليمان، أيوب.

أما السمة الثانية، فهي نعم العبد وهذه السمة خلعها النص على شخصية سليمان (عليه السلام)أيضا.

وأما السمة الثالثة، فقد خص النص بها أيوب ونعني بها سمة الصبر.

إذن، ثمة سمة خص بها أيوب وسمة شاركه فيها سليمان وسمة شاركه فيها سليمان وداود.

ومثل هذا التوزيع للسمات، ينبغي ألا نغفل عن موقعه الهندسي الجميل في بناء القصة من حيث صلة هذا البناء بأبنية القصص المتقدمة عليها... ومن حيث استقلاله في هذا الصدد أيضا.

ومثلما رأينا في قصتي داود وسليمان من أن السمات الخاصة بهما، قد فصلت في تضاعيف القصة بنحو أكبر حجما من السمات المشتركة. هنا في قصة العبد الصابر، أيوب نلحظ الطابع ذاته حيث تجيء سمة الصبر طابعا مستقلا لشخصية أيوب (عليه السلام) مما يعني من حيث المبنى الفني، أن تفصيلات القصة ستبقى حائمة على مفهوم الصبر أكثر من السمتين الاخريين، وفعلا نجد ذلك متجسدا في الواقعة وفي الموقف الذي استجاب له سليمان في هذا الصدد.

ولنقرأ من جديد:

{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أ ني مسني الشيطان بنصب وعذاب}

إن قراءة هذه الفقرة بعيدا عن النصوص المفسرة توحي للمتلقي بأن أيوب قد ابتلـي وعذب وإلى أ نه دعا الله أن يرحمه برحمته وأن ينصره على الشيطان.

بيد أن المتلقي يظل في تطلع وتشوق لمعرفة نمط البلاء والعذاب النازلين على أيوب، كما أنه يتطلع لمعرفة أسباب ذلك.

ومع أن النص القصصي لم يتحدث مباشرة عن أسباب البلاء والعذاب... إلا أن الطريقة الفنية في صياغة هذه القصة وصلتها بالقصتين السابقتين تكشفان للمتلقي أسباب البلاء والعذاب.

ترى: كيف يتم كشف السبب عن المحنة، فنيا ؟

إن القارئ أو السامع على إحاطة تامة من أن داود وسليمان في القصتين السابقتين قد تعرضا للفتنة...، للاختبار...، للامتحان... في قضية الحكم وموت الابن، وإلى أنهما قد اجتازا هذا الامتحان بنجاح فاستغفرا، وغفر لهما.

هنا في قصة أيوب، أي العبد الصابر لم تسرد القصة قضية الاختبار أو الفتنة، بل اكتفت بسرد العذاب والبلاء الواقعين على أيوب. إن القصة تركت السامع أو القارئ يستكشف بنفسه أسباب البلاء والعذاب، بحيث يتداعى ذهنه إلى الاختبار الذي تجريه السماء على عبادها المخلصين.

وواضح أن هذا المنحى الفني من صياغة القصة ينطوي على جملة من الأسرار، منها:

1 ـ الاقتصاد في السرد.

2 ـ إتاحة الفرصة للمتلقي بأن يمارس عملية الكشف بنفسه.

3 ـ تركه بأن يستخلص أكثر من دلالة بحسب خبراته في الحياة.

وهذا بأجمعه يواجه المتلقي فعلا، حينما يربط سريعا بين الفتنة التي تعرض لها داود وسليمان وبين الاختبار الذي تعرض له أيوب، ثم يظل في تطلع وتشوق لمعرفة المزيد من تفصيلات المحنة وطريقة الدعاء التي مارسها أيوب.

إن المتلقي يتساءل بتشوق: ما هو نمط البلاء النازل على أيوب ؟

كم استمر البلاء: أياما أم أشهرا أم سنوات ؟ هل صبر عليه أيوب مشفوعا بالدعاء لإزالته ؟ أم صبر عليه شاكرا الله عليه ؟

ثم لماذا جاء رسم الشيطان في نطاق الاختبار الذي تعرض له أيوب ؟

كل هذه الأسئلة يطرحها المتلقي في خضم معرفته الإجمالية بأن أيوب يعاني محنة من المحن.

وطبيعيا فإنه سيصل إلى جملة من الاستخلاصات دون أن يركن إلى يقين تام بأحدها... وهذا التأرجح نفسه لدى المتلقي ينطوي على معطيات جمالية وفكرية تثري من تذوقه الفني، وتعمق من عنصر التفكير لديه.

ولكن، خارجا عن ذلك فإن حقيقة فنية اخرى لابد من توضيحها في هذا الصدد، وهي أن حذف التفصيلات المتصلة بنمط البلاء، وطريقة استجابة أيوب حيال البلاء، والمدة التي استغرقها البلاء... هذه التفصيلات تظل ثانوية مادامت الفكرة الأساسية قد تحددت بوضوح، وهي الاختبار، وما عداه يظل من نصيب المتلقي الذي ينبغي أن يقطع رحلة طويلة من عمليات التذوق، واستخلاص الدلالات، وتقليب وجوه الاحتمال حتى يثري ذهنه ويستمتع بالمزيد من تذوق الجمال الفني للنصوص.

والآن، مادمنا قد أوضحنا أهمية الطريقة الفنية التي اتبعتها القصة في عرض المحنة التي واجهت أيوب (عليه السلام)... يجدر بنا ـ حينئذ ـ أن نتجه إلى النصوص المفسرة حتى نتعرف على مدى تقارب أو تباعد النتائج التي حصل المتلقي عليها عبر تذوقه الخالص.

إن النصوص المفسرة تقدم لنا تفصيلات متنوعة، حافلة بالإثارة والدهشة والانبهار حيال عملية الصبر التي جعلها النص طابعا لشخصية أيوب (عليه السلام).

والمتلقي يتوقع تماما أن تكون المحنة التي تعرض لها أيوب بالغة الشدة بحيث تـتناسب مع مستوى الأنبياء وبحيث تـتناسب مع طابع الصبر الذي رسمه النص سمة لأيوب.

ومن الواضح، أن القصة عندما تقرر عن أيوب بهذه الفقرة:

{إنا وجدناه صابرا}

يعني أن الصبر الذي اتسم به أيوب، هو صبر يتجاوز المألوف من الصبر قطعا، وإلا، لم خلع النص هذه السمة عليه دون سواه ؟

إن هذا يعني ـ للمرة الجديدة ـ أن أيوب قد واجه محنة بالغة الشدة، وإلى أ نه استجاب لها استجابة صابرة تدعوإلى الدهشة والانبهار.

طبيعيا، لا يعني هذا أن الصبر هو سمة لأيوب وحده بقدر ما يعني أن القصة تستهدف التركيز على ظاهرة سلوكية، أو ظاهرة عطاء معين تمنحه السماء لعبادها المصطفين، ثم تختار واحدا من الشخوص المصطفاة وترسم لنا تلك الظاهرة المستهدفة، لتبين لنا كيف أن هذه الشخصية أو تلك قد استجابت مخلصة لهذه الظاهرة السلوكية أو تلكم الظاهرة ذات العطاء المعين مثلا، فتارة تنتخب إسماعيل مثلا للحديث عن ظاهرة الصدق في الوعد، وتارة تنتخب أيوب (عليه السلام) للحديث عن ظاهرة الصبر... إلى آخره، وهذا يعني أن الشخصيات المصطفاة جميعا تحمل هذه السمات، كل ما في الأمر أن الله تعالى يجعل كل واحدة منها حديثه مع التشدد أوالتغليب لهذه الصفة أو تلك.

على أية حال، يعنينا أن نتقدم إلى النصوص المفسرة، لنقف على نمط المحنة التي تعرض لها أيوب ونمط الاستجابة حيالها، بغية أن يفيد المتلقي منها في تعديل سلوكه وضبط انفعالاته حيال الشدائد التي يواجهها، تأسيا بالأنبياء الكرام الذين اصطفتهم السماء نماذج رفيعة في سلوكهم العبادي على الأرض.

تتفاوت النصوص المفسرة في تحديد نمط البلاء و العذاب النازلين على أيوب (عليه السلام): بعضه يتصل بذهاب أهله و ولده، و بعضه يتصل بذهاب ممتلكاته، و بعضه يتصل بمختلف الأمراض التي لحقت به و هذا يعني: أن البلاء و العذاب شملا الحاجات أو الدوافع الرئيسة التي لابد من اشباعها لتحقيق التوازن الداخلي للشخصية.

فالمرض بمفرده كاف في إحداث التوتر الذي لا إزاحة له إلا بذهابه و بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار تلك الأمراض التي يصاحبها الألم من جانب، و استجابة الآخرين السلبية حياله من جانب آخر.

و مع أننا لا نطمئن إلى تلك النصوص التي تشي بسرد أعراض جسمية تنفر الآخرين من المريض، إلا أننا في الآن ذاته نملك يقينا تاما بأن المرض كان من الشدة، أو أن أعراضه كانت من النوع الذي يصحبه عرض خارجي ـ على الأقل ـ مما يستدعي مثلا أن تزاح أعراضه بالاغتسال من عيون الأرض، و هذا مما سردته القصة ذاتها حينما طالبت أيوب (عليه السلام) بالممارسة الآتية:

{اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب}

وهذا يعني أن السماء طالبت أيوب بأن يغتسل من ماء معين، لذهاب العرض الجسمي الذي ألم به، كما طالبته بأن يشرب منه، لسبب داخلي أو آخر سكتت حتى النصوص المفسرة عنه.

ومع ذلك، فإن المتيقن من ذلك كله، أن البلاء كان من النوع الذي جعل الآخرين يجتنبون صحبة أيوب.

ولعل النص الذاهب إلى أن الناس قد اجتنبوه لفقره وضعفه، وجهلهم لتأييد السماء لأيوب... وليس لوجود أعراض منفرة أو مشوهة، وهذا النص لعله أشد النصوص المفسرة صحة، مادام يأتلف مع واقع الشخصيات النبوية من جانب ومادام ينفي بصراحة كل النصوص التي تتحدث عن التشويه الجسمي والاستيحاش منه من جانب آخر.

والمهم أن هذا النص يشير إلى هزال الجسم فحسب، لكنه بنحو يتطلب اجتناب الآخرين عنه، مما يعني في الحالين أن ثمة ألما عضويا يتصل بالحالة الجسمية لأيوب (عليه السلام)، وثمة ألما نفسيا يتصل باستجابة الآخرين حيال مرضه وهو: الاجتناب.

والمهم أيضا، أن الألم النفسي حينما يضاف إلى الألم العضوي، حينئذ فإن الاستجابة المؤلمة يتضاعف حجمها دون أدنى شك.

وتبعا لذلك فإن الصبر عليه يتطلب قابلية ضخمة لا يمارسه إلا العباد الذين اصطفتهم السماء ومنهم: أيوب (عليه السلام).

وفعلا مثلما تذكر النصوص المفسرة، فإن أيوب كان يزداد شكرا لله كلما تضاعف حجم المرض لديه حتى انتهى إلى إزالته بالنحو الذي سردته القصة في واقعة الاغتسال من الماء الذي نبعت به الأرض حينما دفعها برجله، فاغتسل به وشرب منه، وانتهى الأمر.

هذا كله فيما يتصل بالمرض.

وأما فيما يتصل بذهاب الأهل والممتلكات، فإن النص المفسر الذي سبق أن قلنا بأشدية وثاقته، قد أشار إلى الفقر وتسبيبه اجتناب الآخرين عنه، مما يعني أن ممتلكاته قد ابيدت فعلا.

والنصوص المفسرة تذكر أرقاما ضخمة عن الممتلكات المتنوعة، لا يعنينا سرد تفصيلاتها... ولكن يكفي أن يظل الفقر سمة تحسم كل أمر، مما يتطلب بدوره صبرا لا يمارسه إلا المصطفون من العباد، ومنهم: أيوب (عليه السلام).

وأخيرا يظل ذهاب الأهل واحدا من أنماط البلاء الذي واجه أيوب، بصريح النص القصصي ذاته، حينما قرر:

{ووهبنا له أهله ومثلهم معهم...}

والنصوص المفسرة تذكر بأن الله سبحانه رد على أيوب أهله الذين هلكوا وأعطاه بمثلهم بنين وبنات.

والمهم، أن الصبر على ذهاب الأولاد يظل متصلا بدافع الابوة الذي يشكل أقوى الدوافع إلحاحا في تركيبة الفرد وبخاصة أن هلاكهم كان جملة، كما هو لسان النصوص المفسرة.

إذن يظل البلاء والعذاب فيما واجههما أيوب بالغ الشدة، نظرا لتنوعه من جانب، واتصاله بأشد الدوافع إلحاحا من جانب ثان، واقترانه بالشدة النفسية المترتبة على استجابة الآخرين حياله، من جانب ثالث.

يقابل ذلك أن أيوب (عليه السلام) قد استجاب للبلاء المذكور استجابة صابرة تـتناسب مع شدة البلاء.

ثم يترتب على ذلك: أن يظل الفرج بعد الشدة هو النتيجة الحتمية التي واجهها أيوب فعلا، حينما ازيلت أوجاعه وأمراضه، وحينما ردت إليه ممتلكاته، وحينما رد إليه أهله.

هذه هي الوقائع والمواقف التي واكبت قضية أيوب (عليه السلام)، بما يرافقها من استخلاص الأفكار المستهدفة من سرد الوقائع والمواقف المتقدمة وفي طليعتها:

قضية الاختبار، وضرورة الصبر على الشدة وانفراجها في نهاية المطاف.

خطر الحلف:الحنث

 بقي أن نشير إلى واقعة جزئية وردت في نطاق المحنة التي ألمت بأيوب (عليه السلام)، ألا وهي:

{وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}

وهذه الواقعة تتصل كما تذكر النصوص المفسرة بيمين على امرأته أن يضربها مائة جلدة لمفارقة ارتكبتها، فأمرته السماء بأن يضربها دفعة واحدة، وطالبته بعدم اليمين في الممارسات بعامة.

ولعل المتلقي يتساءل عن الموقع الهندسي لهذه الواقعة، وصلتها بمحنة أيوب.

ونحن لا نحتاج إلى تأمل كبير في استخلاص السر الفني لسرد هذه الحادثة في سياق المحنة المذكورة، طالما ندرك بوضوح أن النص القرآني الكريم حينما يستهدف التشدد ولفت الانتباه إلى خطورة بعض الممارسات، حينئذ يصوغها في سياق أحداث متسلسلة، بقطع تسلسلها، بغية أن يلفت الانتباه إلى تلك الممارسة التي تتسم بالخطورة.

والحلف كما هو واضح من أشد الممارسات التي ينهى المشرع عنها، نظرا لصلتها بقدسية السماء التي ينبغي ألا تظل موضع تعامل مألوف في ممارسات الآدميين.

من هنا طالب النص بعدم اليمين تأكيدا للحقيقة المتقدمة، مبينا من خلال إيرادها خارجا عن سلسلة الأحداث والمواقف الحائمة على مفهوم معين:

خطورة الحلف، وضرورة عدم ممارسته.

وأخيرا، ينبغي أن نلفت الانتباه أيضا إلى المنحى الفني الذي سلكه النص في تقرير الحقائق المتصلة بمحنة أيوب (عليه السلام). فالنص لم يقرر مباشرة أن أيوب قد واجه محنة في الجسم والأهل، بل رسم نتائج المحنة، أي: تفريجها. تاركا للمتلقي أن يستنتج ذلك بنفسه من خلال تفريج المحنة، وأن يتعرف على نمطها الذي بينه النص من أنه متصل بالمرض وبذهاب الأهل.

وبهذه الطريقة الفنية الممتعة يكون النص قد حقق جملة من الإمتاع الجمالي للمتذوق. فهو برسمه التفريج عن المحنة بدلا من ذكر المحنة، يحسسنا بأن التفريج للصابر هو النتيجة الحتمية، أي أنه يستهدف لفت انتباهنا إلى الفرج، حينما يبدأ برسم الفرج بدلا من رسم المحنة... ويكون بهذا قد حقق إمتاعا فنيا جديدا، مضافا إلى الإمتاع الفني الذي حققه المتلقي، حينما استخلص بنفسه نمط المحنة بدلا من أن يبينها النص مباشرة.