ثانياً - مفهوم مشاركة العاملين:

1- التأصيل الفكري للمشاركة: لقد خصَّ الله سبحانه وتعالى الإنسان بقدرات هائلة وميزه عن سائر المخلوقات بان وهبه العقل الذي يسير به شؤون حياته ويتغلب من خلاله على الصعاب التي تواجهه غير ان قدرات الإنسان محدودة وليست مطلقة، كما إنها تتباين من شخص لآخر. وهذه من حكم الباري (عزوجل) ، كي يجعل الإنسان بحاجة إلى أبناء جنسه وهم بحاجة له، وبالتالي يحصل التفاعل والانسجام بين بني البشر . فالإنسان مهما علت منزلته فهو دائم الحاجة إلى غيره، ويمدنا القرآن الكريم بشواهد وصور عن أهمية المشاركة والحث عليها فقد طلب نبي الله موسى (عليه السلام) من ربه أن يجعل من أخيه هارون وزيراً يعاضده ويتشاور معه ويشاركه في شؤون تبلیغ رسالته، ويمجد القرآن الكريم المشاركة، كما في قوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ) [الشورى:38]. وقوله تعالى: (فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]. 

وكان النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) قد رسخ المبادئ الأخلاقية للحكم من خلال التشاور مع صحابته وإشراكهم في أمور الدولة كالسياسة والحرب، بالرغم من كونه معصوما من الخطأ، فقد كان يستأنس بآرائهم ويحاورهم ويصغي إلى جميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم، عن اعتماده للجدل وإظهار الحجة كما كان يفعل مع المشركين أو أصحاب الديانات الأخرى لإقناعهم بحقيقة الدين الإسلامي، وبذلك كان قدوة لصحابته في قيادة الدولة وشؤون المسلمين، إذ مثل سياق المشاركة و التشاور إحدى دعائم الدولة العربية الإسلامية.

ويشدد ابن خلدون،( 1978: 168 292). على أن التفرد في الحكم والأعراض عن مشاركة الآخرين فيه هي من أسباب سقوط الدولة وفنائها فيقول: (وان أول ما يقع من آثار الهرم في الدولة وانقسامها وذلك عندما يستبد صاحب الدولة بالمجد وينفرد به ويأنف عن المشاركة ويصير إلى قطع أسبابها ما استطاع.. ويكون نطاق الدولة قد اخذ بالتضايق ورجع عن القاصية). وبهذا الفهم تكون المشاركة أحد ابرز سمات البشرية والتحضر التي رافقت مسيرتها عبر العصور المختلفة وبأشكال شتى لتتلاءم مع متطلبات كل عصر، إلا إن جوهر المشاركة ومضمونها الذي يفهمه الجميع لم يتغير.

2- تعريف مشاركة العاملين:

ان مسألة وضع تعريـف شـامل لمشـاركة العاملين (Employees Participation) تكتنفها بعض الصعوبات، اذ يحيط هذا المفهوم اللبس والغموض بسبب كونه موضوعاً واسعاً من جهة ولانه يتصل بموضوع الديمقراطية بالإدارة من جهة أخرى، وأفضل من عبر عن هذا اللبس (1974, Hopwood عندما وصف المشاركة بأنها تعني أي شيء لأي فرد (العنزي، 56:1990).   

 فكثيرون هم الذين يرددون مصطلح «المشاركة » دون ان يعوا حقيقة مضمونة. وكثيرون هم المدعون تطبيقه والالتزام به في حياتهم الرسمية وفي اتخاذهم للقرارات الإدارية ولكنهم يظلون من أبعد الناس إليه واقلهم إيمانا به وهنا يكمن الخطر، ومن هنا تأتي أهمية التعريف بحقيقة المشاركة وبمضامينها (الكبيسي وحرحوش، 1989: 9). فهي تثير الكثير من التساؤلات، كونها تنطوي على مجموعة من المصطلحات غير المحددة على نحو واضح، و تأتي من فروع المعرفة المختلفة كعلم النفس الاجتماع الاقتصاد السياسة والقانون، كما إنها تتعلق بجوانب سلوكية وادارية، تتدرج من دافعية الفرد واعتبارات القابليات عبر القيادة وديناميكية الجماعة إلى العوامل التنظيمية والعوامل السياسية والاجتماعية، وان هناك القليل من الإشارات في الأدبيات حول تكامل القضايا الجزئية والكلية لموضوع المشاركة ( & Dachler 1978:1,Wilpert). وقد انعكس ذلك على تحديد مضامينها في مختلف الدول، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يميلون إلى تعريف المشاركة على نحو يتناغم مع نظرية (Y) لـ (McGroger)، حيث يأخذ الفرد مكانه على مستوى المنظمة. أما في السويد فان المشاركة تتضمن تعاون بين الإدارة والعمال مبني على عقيدة عاطفية تحمل الإخلاص والهدف الجاد. لكنها في بريطانيا تمثل تحد وقلق للإدارات بسبب التخوف من تدخل اتحادات العمال في شؤون الإدارة، إذ إن المشاركة من اكثر القضايا المستقطبة والمسيسة (1976:72 ,Foy & Gadown). وعرفت المشاركة على المستويين النظري والميداني باتجاهات كثيرة ومتباينة (1988:8,Cottan et al). فهناك من يرى المشاركة بأنها (تعبير الفرد عن احتياجاته ورغباته ووجهات نظره) أو إنها (عملية اتصال بين الرؤساء والمرؤوسين أو بين القمة والقاعدة) (الكبيسي وحرحوش، 1989: 9). ويشدد البعض من الكتاب على التفويض، ويرون أن المشاركة ما هي إلا عملية يحصل بموجبها الفرد على حرية اكبر في صنع القرارات في مجال عمله، فريق آخر يحصر المشاركة بالمؤسسات الرسمية مثل مجالس الإدارة.  

تعريفات أخرى تعتنق المشاركة اللارسمية 2001:50,Poutsma).  

ومن التعريفات المهمة للمشاركة هو ما طرحه Davis) والذي تبنى الاتجاه السلوكي في تعريفه للمشاركة، فقد رأى إنها: اندماج عقلي وعاطفي للإفراد في ظروف الجماعة التي تشجعهم كي يسهموا لأهدافها ومقاسمتها المسؤولية) (1997:229,Davis Newstrom) و (1967:128,Davis). وهذا التعريف يتضمن ثلاثة أفكار مهمة وهي الاندماج (Involvement» والمساهمة Contribution» والمسؤولية Responsibility»، التي تمثل عناصر المشاركة، وطبقا لـ (Davis) فان الاندماج يعني ان المشاركة لا تقتصر على النشاط العضلي بل إن ذات الفرد تكون مشتركة (ego-involved) وليس مجرد مهماته، أما المساهمة فتشير إلى دوافع الأفراد لكي يسهموا في أنشطة المنظمة، إذ لا بد ان يكونوا متمكنين ويمتلكون زمام المبادرة ، وهنا المشاركة ليست مجرد موافقة الإدارة على قراراتها، في حين ان المسؤولية تعني ان المشاركة تشجع الأفراد على قبول المسؤولية عن أنشطة الجماعة وبذلك ترسخ مبادئ المواطنة التنظيمية الصالحة. وبذات الاتجاه السلوكي طرح العنزي 1995 (65) تعريفا اكثر شمولية للمشاركة يأخذ بنظر الاعتبار معطيات ومحددات البيئة التي تعمل فيها المنظمة، إذ رأى إن المشاركة: ما هي إلا تفاعل الفرد ذهنيا ووجدانيا وعاطفيا واجتماعيا مع جماعة العمل، بما يساعد في توضيح دوره الذي يعلبه ضمنها، ويفيد في تعبئة جهوده وطاقاته لتحقيق الأهداف المشتركة وتحمل المسؤولية إزاءها بادراك وحماس ذاتيين في النجاح والفشل، وفي ظل معطيات ومحددات البيئة التي تعمل خلالها المنظمة).  

وعلى وفق المدخل الستراتيجي لادارة الموارد البشرية عرفت مشاركة العاملين بكونها (سلسلة من الستراتيجيات التي تتبناها المنظمة والتي تسمح للعاملين بمزيد من المسؤولية والمحاسبة عليها في تهيئة المنتج أو تقديم الخدمة) (1999:465,Anthony et al).

ويطل في الدراسة اتجاه آخر في تعريف المشاركة. عبر نافذة عملية صنع القرارات، فقد كان لرواد التنظ يم الأوائل، أمثال (Simon&March, Taylor, Barnard, Weber) رؤى ووجهات نظر تتصل بأوجه مشاركة الفرد في صنع القرار التنظيمي (1972:117,Alutto & Belasco). بل يرى بعضهم ان المشاركة بحد ذاتها تنصرف نحو عملية صنع القرار (Dachler& Wilper1987:2). وفي هذا السياق عرفت المشاركة (بأنها انغماس الجماعة الصغيرة في عملية صنع القرار والتفويض من اكثر الوسائل المعتادة لإنجازها)(1985:129,Williams etal).  

أما الاتجاه الحديث في تعريف مشاركة العاملين فعبر عنه (2000:5 Poutsma) الذي عرفها بكونها: العملية التي يسمح من خلالها للعاملين بممارسة بعض التأثير على عملهم وعلى الظروف التي يعملون تحتها وعلى نتائج عملهم). ويعكس الجزء الأخير من التعريف هذا الاتجاه، إذ تترتب للفرد عوائد مما ينتجه وهي في الغالب عوائد مالية خارج إطار التعويضات المعتادة، وهي ما تعرف بالمشاركة المالية .(Financial Participation) 

ويبدو جلياً مما تقدم أن تعريفات المشاركة لا تسير على نسق واحد وهو ما يتفق وسعة هذا المفهوم، وتباين وجهات النظر في تناوله، ومن وجهة نظرنا يمكن وصف مشاركة العاملين بأنها معادلة ذات طرفين، تمثل الإدارة من مشرفين ومدراء ومجالس إدارة طرفها الأول، فيما يمثل العاملون أفراداً وجماعات طرفها الثاني، والمشاركة بهذا الوصف لا تفعل خارج رغبة واستعداد وإيمان كلا الطرفين بها، فلا الإدارة بقادرة على فرض المشاركة قسراً على العاملين من غير رغبتهم وأيمانهم بها، وبالمقابل فان العاملين ليس بإمكانهم أن ينجزوا مشاركتهم خارج نطاق موافقة ودعم الإدارة.   

اخر الاخبار

اخبار العتبة العباسية المقدسة

وفد العتبة العباسية المقدسة يهنئ الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة بمناسبة تعيينه

العتبة العباسية المقدسة تنظم دورة في الإسعافات الأولية لعدد من ملاكاتها

في مستشفى الكفيل.. فريق طبي ينجح بمعالجة مسن يعاني من انسداد القناة الصفراوية

المجمع العلمي يقيم جلسةً قرآنية لتعليم أحكام التلاوة في النجف الأشرف

المزيد

الآخبار الصحية

الأطعمة الحارة.. "سر صغير" يغير صحة قلبك وعقلك

وباء صامت.. الملايين حول العالم مصابون بالسكري دون أن يعلموا !

لماذا ينصح بتناول تفاحة يوميا؟

8 فواكه طبيعية تمنحك نوما هنيئا.. وتخلصك من الأرق

المزيد

الآخبار التكنلوجية

ثلاث علامات على وجود مشاكل خطيرة في محرك السيارة ؟

ماذا نعرف عن اللقاح الروسي ضد السرطان؟

مركبة فضاء تعثر على دليل عن وجود حياة قديمة على المريخ

لتدريب الذكاء الاصطناعي.. الصين تخطط لإنشاء شبكة حوسبة موحدة

المزيد

مواضيع ذات صلة

أهميـة مـشاركـة العاملـيـن و تـصنيـفـها

النظريـات والنـماذج التـي تـفـسـر مـشاركـة العـامليـن

تـمييـز مـفهـوم المشاركـة عـن المفاهيـم الأخـرى

العوامل المؤثرة في الالتزام المنظمي وبناء ثقافة الالتزام المنظمي

مـداخـل دراسـة الالتـزام المنـظمـي في المنظمات

تمييز الالتزام المنظمي عن بعض المتغيرات التنظيمية

إدارة الموارد البشرية في إطار الإلتزام والمشاركة وإدارة الجودة الشاملة (مفهوم وتعريف الالتزام المنظمي)

قـيـاس نـوعيـة حيـاة العـمـل في المنظمات وفق مقياس والتـون

أبـعـاد نـوعيـة حـيـاة العـمـل 2

أبـعـاد نـوعيـة حـيـاة العـمـل 1

نشاطات نوعية حياة العمل ونتائج الاهتمام بها

مفهوم نوعية حياة العمل وأهميته لمنظمات الأعمال المعاصرة