القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
البعد الاجتماعي في اكتساب الجنسية على أساس عائلي
المؤلف:
احمد فليح زبالة الخزاعي
المصدر:
الوظيفة الاجتماعية للجنسية
الجزء والصفحة:
ص 21-33
2025-09-13
49
يتمثل الأساس العائلي في أساس حق الدم من جهة الأب ، أو الأم أو معا، وقد منحت معظم الدول العربية حق الدم من جهة الأم دوراً ثانوياً ، والقليل منها حقق المساواة بين حق الدم من جهة الأب ، والأم ومنها العراق ومصر.
فقد ركز المشرع العراقي في القانون النافذ على الرابطة الاجتماعية التي تفيد الحاق فرد بعضوية شعب دولة معينة متى ما كان يحمل دماء أصولها ، فالرابط الروحي والاجتماعي بالشعب العراقي يتضمن البعد الاجتماعي في حق منح الجنسية(1). وتسمى هذه الجنسية بالجنسية المفروضة؛ لأنها تفرض على الشخص فرضاً بحكم القانون فور الميلاد على أساس عائلي ، أو جغرافي، فالأساس الأول يتحقق عند حمل الأبوين الصفة الوطنية أو الأب أو الأم (2).
وتشترط معظم القوانين العربية للتمتع بالجنسية الوطنية الأساس العائلي، وأن يكون الأصل الاجتماعي للوليد يتصف بالصفة الشرعية ، أي: وجود نسب شرعي بين الطفل والعائلة، وإنَّ سبب انتقال الجنسية من الأصول ( الآباء ) إلى الفروع ( الأبناء ) هو رابطة البنوة ، التي هي من آثار العلاقة بين الرجل والمراءة، فإن كانت البنوة شرعية فأنها أثر من آثار الزواج، وإن كانت البنوة طبيعية (غير شرعية ) فهي أثر لعلاقة واقعية بين رجل وامرأة ، ويمكن أن تكون البنوة اصطناعية (بالتبني)، والمشرع العراقي أعتمد البنوة الشرعية كأساس لحق الدم من أجل استيعاب استمرار العلاقة الاجتماعية والإنسانية بين المولود وذويه، ولكنه لم يحرم من يولد ببنوة طبيعية لمجهولية والده كثمرة لعلاقة غير مشروعة، وقد استوعب المُشرع العراقي وكذلك العربي ومعظم التشريعات البنوة المجهولة الأصل ولاسيما اللقيط أو مجهول الأبوين فور العثور عليه بمظلة الجنسية الأصلية، في حين استوعب مجهول الأب مع معلومية الأم تحت مظلة الجنسية المكتسبة إذا حصلت والدته خارج إقليم دولة الأم، كما فعل المُشرع العراقي في المادة (4) من قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 ، التي نصت (( للوزير ان يعتبر من ولد خارج العراق من ام عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية اذا أختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد الا اذا حالت الظروف دون ذلك بشرط ان يكون مقيما داخل العراق وقت تقديمه الطلب )) في حين تدارك المشرع من يولد في العراق لأب مجهول ، أو لا جنسية له من أم وطنية، مع وطنية مكان الميلاد ، فهنا ارتفع المُشرع بمستوى احترام البعد الاجتماعي للعلاقة ليمنح الجنسية الأصلية بدلاً عن الجنسية المكتسبة؛ وذلك لوجود ارتكاز جغرافي واجتماعي في العراق .
وتستهدف الوظيفة الاجتماعية للجنسية الأصلية الحفاظ على العائلة بوصفها نواة المجتمع واستمرارية تعضيد ارتباطها بدولة الأصول (أساس حق الدم )، أو مكان الميلاد (حق الإقليم)، ويمكن القول إن الجنسية الأصلية تستوعب كل رابطة بين الأفراد نشأة بشكل مشروع ، أو غير مشروع، ولكن في إطار الدول العربية والإسلامية تستوعب العلاقة الاجتماعية المشروعة في الأصل، ولكنها استثناء تستوعب العلاقات غير المشروعة ، فتضحي بالاعتبارات الاجتماعية لأجل الاعتبارات الإنسانية، أما الدول الاجنبية ومعظم الدول غير الإسلامية فتستوعب كل العلاقات، تخلط بين الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، وترافق هذا التطبيق مشاكل تتعلق بالعائلة والمجتمع (3).
وتمثل الأسرة نواة المجتمع ؛ فالحفاظ على جنسية الأسر تعني المحافظة على النسيج الاجتماعي لمجتمع الدول وشعبها ، ويكون ذلك للاعتبارات أعلاها، واختلاف الدول بين الاطلاق والتقييد ، لذلك يصطلح على أساس حق الدم بالأصل العائلي، إذ أن أكثر الدول أخذت بحق الدم كأساس لاكتساب الجنسية ، فالشخص الذي يولد يكتسب جنسية والديه أو أحدهم ، وهذا يدل على مبدأ رابطة الدم بين المولود وأسرته ، وهنا يأتي دور الأبوين في التربية التي من خلالها تجعل المولود يحب بلده ، وهذا هو أساس الرابطة الاجتماعية والوظيفة الاجتماعية للجنسية، التي تجعل المولود مرتبطاً ارتباطاً روحياً بوطنه (4).
ولهذا نرى أن التشريعات قد عملت بهذه الخصوصية ، وجعلت حق الدم عاملاً هاماً في اكتساب الجنسية ، ولا يوجد خلاف بينها إلا بمدى تطبيق هذا المبدأ ، فقد أخذ بعضهم بمبدأ حق الدم ، بصورة أوسع ، وجعل الجنسية تنتقل من الأب ، أو الأم إلى المولود ، سواء كان هذا المولود ثمرة علاقة مشرعة أم لا ، بينما رأى بعضهم أنّ هذا الانتقال مقيد في العلاقات المشروعة، وقد اعتمد المشرع العثماني هذا الأساس في القانون العثماني الصادر عام 1869 في المادة الأولى التي نصت على أن (( يكون عثمانياً كل شخص ولد من أبوين عثمانيين أو كان أبوه عثمانياً)) (5)
وقد انتقل الأساس أعلاه إلى المشرع العراقي في الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون المرقم (42) لسنة 1924 والمعدل بقانون رقم (3) لسنة ،1928، التي نصت على أنه (( يعتبر عراقياً كل من كان له حين ولادته بصرف النظر عن محلها والد عراقي بعلة تولد في العراق أو اكتسابه الجنسية العراقية بطريق التجنس أو بالطرق المبنية في المادتين الثالثة والسابعة )) (6).
فكل مولود سواء كان ذكراً أم أنثى ولد من أب عراقي الجنسية يكون بحكم القانون عراقي الجنسية سواء كانت الولادة داخل العراق أم خارجه ، ولا يشترط أن تكون الولادة أثناء حياة الأب، فيمكن أن تكون الولادة بعد مماته في حال كانت الأم حاملاً وتوفي الأب ، ولم يكتف النص بصفته الأب ليكتسب ابنه المولود الجنسية العراقية ؛ بل اشترط أن يكون الأب قد اكتسب الجنسية العراقية بإحدى الطرق التي تم ذكرها في المادة (8/ أ) من قانون رقم (42) لسنة 1924 ، فقد عينت هذه المادة الطرق التي بموجبها يكتسب الأب جنسيته إذ جاء فيها أنَّ ((من كان له والد عراقي بعلة تولده في العراق أو اكتسابه الجنسية العراقية بطريق التجنس أو بالطرق المبيئة في المادتين الثالثة والرابعة )) (7).
وهذا الحصر يؤدي إلى اكتساب الوالد للجنسية العراقية ، وعدم الإطلاق يقيدنا في تطبيق النص على الأمور الوارد ذكرها فيه ، ولا يشمل ما عداها الوالد الذي يكتسب الجنسية على وفق المادة (8/ج) من القانون نفسه، وهذه المادة تتعلق في اكتساب الجنسية العراقية من قبل العثماني؛ بسبب اشتغاله كموظف أو مستخدم في الحكومة العراقية في 1924/8/6 ، أو قبل ذلك ، وعليه فإنَّ من اكتسب الجنسية العراقية بموجب الفقرة (ج) من المادة (8) لا يستفيد من نص المادة (8/أ)؛ وذلك لأن نصوص الجنسية تنظم مسائل متصلة اتصالاً وثيقا بكيان الدولة وتتعلق بالصالح العام فيها (8).
وكان الأجدر بالمُشرع العراقي تجنب هذا التعداد في طرق اكتساب الأب للجنسية العراقية والاكتفاء بتمتع الأب بالجنسية العراقية وبأي سبب من أسباب كسب الجنسية ، أو من خلال شرح المادة (8) بفقراتها من القانون الملغى ، إذ يتبين لنا أنَّ الولد يكتسب جنسية والده العراقية حتى وإن كان من أم اجنبية أو تحمل غير الجنسية العراقية ، وهنا عد الجنسية العراقية رابطة اجتماعية قوية الأواصر بين الأب وولده ، وهذا الترابط يعزز من القيمة الاجتماعية بوصف الجنسية رابطة روحية وجدانية ، ولكن ما الحكم لو كان الأب مجهولا؟ ، فهل تأخذ بجنسيه الأم العراقية ويكتسب ولدها هذه الجنسية بمقتضى نص المادة (8/ أ) أم لا ؟
هناك آراء حول هذا الموضوع ، فقد ذهب بعضهم إلى قصر كلمة الوالد الواردة بهذا النص على الأب دون الأم ؛ لذلك فإنَّ الولد غير الشرعي لا يكتسب جنسية أمه بموجب الفقرة (8/ أ)، وحجة أنصار هذا الرأي هو وجود كلمة (father) في النص الانكليزي لقانون الجنسية بمقابل كلمة والد ، وهي تخص الأب دون الأم (9)، وإنَّ العمل بهذا الرأي يؤدي إلى خلق حالات معينة من حالات اللا جنسية التي يجب تلافيها بنص صريح.
ونرى أن كلمة (والد) تستوعب الأب والام ، فالمولود من أم عراقية وأب مجهول النسب يكتسب الجنسية العراقية بموجب نص المادة (8/أ) ؛ لإنَّ كلمة (والد) الواردة في النص العربي الرسمي واجب العمل بها، لأنه يشمل الأب والأم ، ويؤدي هذا المضمون ويدعمه ما ورد في نص المادة الثانية من القانون نفسه التي جاء بموجبها أنَّ (( كل تذكير في هذا القانون يشمل التأنيث مالم تقم قرينة على خلاف ذلك )) ، إذ نجد أنَّ التشريعات القديمة قد أعطت الأم الحق في منح ابنها الجنسية العراقية، على الرغم من أن الأب مجهول الجنسية ، وهذا يؤكد الرابطة الاجتماعية للجنسية بين الأم وولدها ، فالوظيفة الاجتماعية تتحقق بشكل كامل في ظل استيعاب الأب والأم، وتكون بشكل جزئي إذا قصرناها على الأب دون الأم (10).
وهذا الحل تعززه مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعا ، والمتمثلة بإعطاء هؤلاء جنسية معينة، وعدم تركهم بلا جنسية ، مما يؤدي إلى إضعاف الرابطة الاجتماعية للجنسية في مثل هكذا حالات ، وأقرب جنسية لهم هي الجنسية التي أساسها حق الدم والروابط العائلية المستمرة من الأم، ومبادئ العدالة والمساواة تلزمنا أيضا بالاعتراف لهم بالجنسية العراقية ؛ وذلك لولادتهم من أم عراقية؛ لإن رابطة الأمومة لا تقل عن رابطة الأبوة من حيث تأثيرها الاجتماعي في هذه الحالة.
يتضح مما سبق أن كل شخص ولد من أم عراقية وأب مجهول النسب في المدة الواقعة من 1924/8/6 إلى 1963/6/19 فهو عراقي ؛ لذلك نجد القانون القديم قد أشار إلى الرابطة الاجتماعية للجنسية ، وذلك بمنح الأبناء الجنسية العراقية المنحدرة من جهة الأم (11) ، ونلاحظ أن قانون (43) لسنة 1963 الملغى قد فرق في الحكم بين المولود من أب عراقي ، والمولود من أم عراقية على النحو الآتي:
1- المولود من أب عراقي : جاء في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من قانون رقم (43) لسنة 1963 التي نصت على أنه (( يعتبر عراقيا من ولد في العراق أو خارجه لأب يتمتع بالجنسية العراقية ))، وبذلك فإن الأبوة قد منحت الجنسية للابن سواء كانت الولادة داخل العراق أم خارجه، بشرط تمتع الأب بالجنسية العراقية، وهذا نص صريح على الرابطة الاجتماعية للجنسية ، وبصفة عامة يثبت وقت الميلاد نسب الولد لأبيه على وفق أحكام ثبوت النسب بالقوانين العراقية؛ لإن ثبوت النسب أو الإقرار به يعد كاشفاً للجنسية التي لا منشأ لها ، فمجرد ولادة الولد من أب عراقي، وثبوت نسبه فهو عراقي منذ ولادته وبحكم القانون تكون جنسيته في هذه الحالة جنسية أصلية (12).
2- المولود من أم عراقية : نجد اختلاف الآراء في امكانية اكتساب الجنسية العراقية من قبل المولود من أم عراقية ، فبموجب الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون القديم واراد رفع المُشرع الخلاف بهذا الموضوع ، فقام بمعالجته صراحة في قانون رقم (43) لسنة 1963 ، وذلك في الفقرة (الثانية) من المادة (الرابعة) ، وفي الفقرة الخامسة) والمعدلة في قانون رقم (206) لسنة 1964 ، إذ نصت على أنَّه (( يعتبر عراقيا من ولد في العراق من أم عراقية واب مجهول أو لا جنسية له ))، والمادة الخامسة تنص على أن (( للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية واب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد ، بشرط أن يكون مقيما في العراق وغير مكتسب جنسية اجنبية )).
ونجد في النصوص السابقة أنَّ المُشرع العراقي فرّق في الحكم بين المولود في العراق من أم عراقية ، وبين من ولد خارج العراق من أم عراقية :
الحالة الأولى : الولادة داخل العراق من أم عراقية : جعل المشرع الولادة في العراق من أم عراقية سبباً لكسب الجنسية العراقية الأصلية بقوة القانون ، وذلك بتوافر الشروط الآتية:
أولاً : الولادة من أم عراقية، أي: أنَّ الأم تتمتع بالجنسية العراقية عند ولادة الطفل ولا فرق سواء كانت جنسيتها أصلية أم لاحقه.
ثانياً : الولادة في الإقليم العراقي ، لا يكتفي أن تكون الولادة من أم عراقية ، ولكن يجب أن تكون الولادة داخل العراق؛ وذلك لكسب جنسية الطفل من أمه.
ثالثاً : الولادة لأب مجهول أو لا جنسية له ، فإن حق الدم المستمد من الأم والمعزز بحق الإقليم لا يسعفان الولد الحصول على جنسيته المنحدرة من الأم، إذا كان الأب معلوماً ، لذلك يجب أن يكون الأب مجهولاً عند الولادة ؛ كي يتحقق اكتساب الجنسية العراقية المنحدر من حق الأم والإقليم، وفي حالة الولادة من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له خارج العراق (13)، سيتخلف الأساس الجغرافي على الرغم من توافر الأساس الاجتماعي ، فالجنسية الممنوحة لا تكون أصلية ، لإن علاقة الوليد تقوم على أساسين : الأساس الاجتماعي كون الأم عراقية ، والأساس الجغرافي كون الولادة في العراق (14).
الحالة الثانية : الولادة خارج العراق من أم عراقية : عالجت المادة الخامسة المعدلة من قانون الجنسية العراقي المرقم (43) لسنة 1963 الملغى موضوع الولادة من أم عراقية خارج العراق، ففي هذه الحالة لا يتم اكتساب الجنسية العراقية بحكم القانون ، أو بقوة القانون على الرغم من أنه ولد من أم عراقية، وأن انتسابه إلى أب غير معلوم أو معلوم لكنه لا يتيح بجنسية أحد الدول؛ لذلك يجب أن يعلن عن رغبته في الحصول على الجنسية العراقية أثناء سنة من بلوغه سن الرشد ، وأن يراعى في هذا الاختيار حصول موافقة وزير الداخلية ، وأن يكون مقيماً في العراق ، وغير مكتسب الجنسية الاجنبية ، وهنا نجد بروز البعد الاجتماعي الذي أشار إليه المشرع العراقي، فقد أعطى المولود وفقاً لهذه الحالة فرصة الاندماج بالمجتمع العراقي، مما يعزز الرابطة الاجتماعية للجنسية العراقية، فالمُشرع هنا لا يتخلى عن أبناء بلده فأعطاهم الفرصة الاندماج بالمجتمع العراقي (15).
يتضح لنا من ذلك الفارق بين حكم الولادة من أم عراقية داخل العراق ، والولادة منها خارج العراق ، فنجد أن الاكتساب بالنسبة الأولى كان بحكم القانون ، بينما في الثانية كان بحصول موافقة وزير الداخلية ، وكانت الأولى منذ الميلاد ، بينما كانت الثانية من تاريخ الموافقة ، وقد منح الأول كافة الحقوق الخاصة بالعراقيين ، بينما قيدت المادة العاشرة الفقرة الأولى حقوق الثاني بتلك التي يتمتع بها الاجنبي المتجنس بالجنسية العراقية.
وفي الاتجاه نفسه كان موقف قانون الجنسية رقم (46) لسنة 1990 ، الذي لم ينفذ على الرغم من نشره في الجريدة الرسمية (16).
يعتمد التوجه الحديث أساس حق الدم من جهة الأب والأم ، وقد اعتمده المشرع العراقي في قانون الجنسية الجديد المرقم (26) لسنة 2006 ، فحقق للأب والأم الدرجة نفسها من التأثير في نقل الجنسية للأبناء ، ونصت المادة (1/3) من قانون الجنسية النافذ على أنه (( يعتبر عراقيا من ولد لأب عراقي أو أم عراقية ))، ولم يفرّق المُشرع العراقي هنا بين حصول الولادة داخل العراق أو حصولها خارجه إذ تكون جنسية المولود لأم عراقية داخل العراق أو خارجه أصلية ، تفرض عليه فور الميلاد طالما كان والده معلوماً، ونستنتج من ذلك أن مجهول الأب أو انعدام جنسيته، وكون ولادة المولود خارج العراق لا تفيد في فرض الجنسية العراقية الأصلية هنا ، وإنّما له الحق في اختيارها في سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد ، بشرط أن يكون مقيماً في العراق وتمت تقديمه لطلب الحصول على الجنسية العراقية ، وهذا ما أكدته المادة (4) من قانون الجنسية الجديد ، والتي سنبحث تفاصيلها لاحقا ، وتنص على أن (( للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية واب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد إلا اذا حالت الظروف الصعبة دون ذلك بشرط أن يكون مقيماً في العراق وقت تقديمه طلب الحصول على الجنسية العراقية)).
فأعطت هذه المادة بعداً اجتماعياً للمولود وذلك بإعطائه فرصة أن يعود إلى العراق أو أثناء سنة من بلوغه سن الرشد أن يقدم طلب الحصول على الجنسية العراقية ، فأعطى المُشرع العراقي فرصة للمولودين خارج العراق أن يعودوا إلى العراق ، ولن يتخلى عنهم لوجود طرف عراقي ، وهو الأم ، فمن هنا يتضح أن وجود الأم عزز من الرابطة الاجتماعية للجنسية ، وحافظ المشرع العراقي على هذا الرابط بمنحه للمولود خارج العراق فرصة الاستفادة من هذه الرابطة الاجتماعية للحصول على الجنسية العراقية.
وهذا يعني أن المولود من أم عراقية في العراق ومن أب مجهول أولاً جنسية ، فله أن يأخذ الحالة نفسها لمن يولد من أم عراقية وأب اجنبي خارج العراق بحسب اطلاق نص المادة (3/1)، وتقييد حكم المادة (4) أعلاه (17) .
وبذلك يكون المشرع العراقي قد حقق المساواة بين الأب والأم ، وهذه المساواة نسبية نوعاً ما، فالمولود داخل العراق، أو خارجه من أب عراقي يعدّ عراقياً بحكم القانون، بينما المولود من أم عراقية داخل العراق فقط ، يعد عراقياً بحكم القانون أما إذا حدثت ولادته خارج العراق ، فلا يعد عراقياً بحكم القانون فور الميلاد ، وإنما بعد بلوغه أثناء سنة إذا اختارها ، وكان يقيم في العراق عند تقديمه الطلب، وكان مجهول الأب أو عديم الجنسية (18)، وهذا يعني أنه إذا كان الأب معلوماً ستكون جنسية الطفل عراقية فور الميلاد داخل العراق أم خارجه ، والحكم نفسه بالنسبة لمن يولد من أم عراقية لأب غير عراقي خارج العراق ، أو داخله ، على الرغم من مجهولية والده ، فالاعتبارات الاجتماعية التي قامالمشرع بمراعاتها متحققة في الفروض المتقدمة ، ووحدة الاعتبارات تتطلب وحدة المعاملة والحكم.
وعلى الرغم من استجابة المشرع العراقي لما استقر عليه التوجه العالمي في تحقيق المساواة بين جنسية الأب ، وجنسية الأم في موضوع جنسية الأبناء ، لكننا نرى أن ذلك يفضي إلى توسيع أسباب فرض الجنسية الأصلية ، وهذا بدوره يطرح فرضية توسيع المساحة البشرية للعراق على حساب مساحته الجغرافية ، وموارده الاقتصادية ، وذلك يؤدي إلى التأثير السلبي في الجانب الثقافي والاقتصادي للمجتمع والدولة، إذ لابد من توازن بين المساحة الجغرافية للعراق ، وموارده المادية من جهة ، وبين الموارد البشرية له من جهة أخرى ، فلا يجوز التضحية بهذا التوازن من أجل الأهداف الاجتماعية والإنسانية من خلال تطبيق المساواة بين دور الأب والأم في نقل الجنسية للأبناء، وهذا يطرح مشاكل عدة على مستوى الفرد والدولة حاليا ، ومستقبلاً ، ويحذر بعضهم تطبيق مبدأ المساواة من دون شروط وقيود (19) ، ونحن ندعوا إلى تقيد فرض الجنسية العراقية
إن التوجه الحديث الذي تعتمده الدول يستند على قرينة مفادها أن التربية الوطنية التي يتربى عليها أفراد الأسرة تؤدي إلى حبهم للوطن ، والاخلاص لدولتهم والولاء لها (20)، وهذا ما يتطلب تنشيط حق الدم من جهة الأب والأم معاً ، ويسوغ من نادى باعتماد حق الدم كأساس لبناء الجنسية الأصلية، في أنه يحقق استمرارية التجانس بين أفراد الشعب في الدولة ؛ وذلك لإنَّ الجنسية علاقة روحية بين الشخص والدولة، وهذا يؤدي إلى تعزيز الرابطة الاجتماعية للجنسية، فهو يرفع ويسرع درجة تجانس مجتمع الدولة بشكل أقوى من أساس حق الإقليم (21) ؛ لما له من اعتبارات اجتماعية وثقافية كثيرة.
أما منح الجنسية على أساس العائلي في القوانين المقارنة ومنها التشريع المصري فنجد أن القانون المصري سنة 1929 الملغى منح الجنسية الأصلية على أساس حق الدم ، ومنح الولد الشرعي جنسية أبيه المصري سواء ولد بمصر أم خارجها ، وكذلك منح الولد الذي لم يثبت نسبه لأبيه قانوناً جنسية أمه المصرية سواء ولد في مصر أم خارجها (22).
أما في قانون سنة 1950 فقد قصر المُشرع المصري حول منح الجنسية الأصلية المنحدرة من حق الدم على حالة الميلاد من أب مصري وجمع بين حق الدم ، والإقليم بالنسبة للمولود من أم مصرية ، فاقتضى بجانب الميلاد من أم مصرية أن يولد في مصر كي يتمتع المولود بالجنسية المصرية الأصلية، فالمادة الثانية الفقرة الأولى من قانون 1950 نصت على أن (( من ولد لأب مصري ))، ويبين النص أنَّ الولد يعد مصرياً مهما كانت جنسية الأم، ويعد المولود مصرياً في حالة كون الأب مصرياً وقت الميلاد، فالأصل أن يعتمد في مناط الجنسية الأصلية على حق الدم بجنسية الأب بوصفه رب الأسرة ، والذي يتحدد به حق التربية، وأحياناً تمنح الجنسية للمولود من جهة الأم المصرية ، إما بغية تحقيق مصلحة دولية هي محاربة انعدام الجنسية، أو تحقيق مصلحة وطنية هي زيادة كثافة السكان (23)، أو تقوية الأواصر الاجتماعية ، وهذه الوظيفة هي موضوع دراستنا ويكون اللجوء إلى جنسية الأم بصدد الولد غير الشرعي ، والولد الشرعي لأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له ، ولا يكتفي بصلة الأمومة وحدها في الغالب إذ يقتضي معها اعتبار إقليمي ، فقد منح قانون 1950 الولد جنسية أمه مما يعكس حالة التلازم الإقليمي والإداري .
ويمثل قانون الجنسية المصرية لعام 1929 الأصل التاريخي للحالة التي أكدها، والتي تفيد الدمج الاجتماعي لمجهول الأب من أم مصرية في المجتمع المصري، وكان لذلك امتداداً في ظل موقف المشرع في قانون الجديد رقم (26) لسنة (1975) المعدل بالقانون رقم (153) لسنة (2004)، فقد زاد المشرع على الحالة السابقة حالة عكستها في المادة (2/2) التي أكدت على حق اللقيط في اكتساب الجنسية، إذ نصت المادة على أن (( يكون مصرياً ..... من ولد في مصر من أبوين مجهولين ، ويعتبر اللقيط مولوداً فيها ، ما لم يثبت العكس ..))، واشترط على اللقيط لاكتساب الجنسية أيضاً، الميلاد في الإقليم المصري، وهذا يعني أن تحصل الولادة ضمن الإقليم المصري البري الجوي البحري ، أي: المكان الذي يرفع فيه علم مصر، ولو كان على ظهر سفينة تجوب في البحار الإقليمية أو على أعالي البحار في أجواء الجو العليا (24). ومن أهم الاعتبارات التي يقوم عليها حق الدم هو الاعتبار الاجتماعي(25)، الذي يرى أن أساس حق الدم ومبرراته ، ليس بالانتماء إلى جنس أو أصل واحد، فالجنسية لا تقوم على فكرة الجنس، فمن الدول ما يضم أجناساً عدة ، تشملهم جنسية واحدة ، ولذلك يجب أن يقوم حق الدم على أساس أو اعتبار اجتماعي ، يتمثل في التربية العائلية، ففيها يتلقى الفرد من والديه الشعور الروحي تجاه وطنه، وهذا الشعور يقوي الرابطة الاجتماعية لأفراد الأسرة الواحدة ، ثم المجتمع، فالدولة، وهذه الرابطة تفيد الاندماج بالمجتمع والشعور بالولاء إلى الدولة، فما دامت الجنسية صفة قانونية فإنها ستجسد روح الولاء والانتماء إلى الدولة ، ونجد أن المشرع يفترض تلقي الولد من والديه هذه المشاعر وروح الانتماء والانتساب إلى الدولة على أساس حق الدم ومنذ الميلاد، إذ تتأصل في الولد تلك المشاعر وهذه الروح منذ الوقت الذي تكون فيه توجهاته بكراً ، لم تخالطها شائبة توزع الولاء (26) ، وإنَّ هذا الاعتبار تقوم عليه الدولة ؛ لإنه يقوي العائلة وهي نواة مجتمع الدولة.
وهذا يرتكز إلى المشاعر الاحتمالية إذ يفترض أن المولود لوالد وطني كان حتماً سيعبر عن مشاعره، حبه ، وولائه لوطن ،آبائه وهذا الولاء يعزز الرابطة الاجتماعية للجنسية المصرية، فالمشرع المصري أقر حق الولد في الجنسية ، التي ينتمي إليها والديه أحدهما ، أو كلاهما كي يكون الولد مدركاً نفسه ، ويملك تحديد مصيره ، ومباشرة تصرفاته ببلوغه سن الرشد، فليس من الواقع أن يضار بأمر خارج عن طوعه وإرادته ، فكان حق الدم أو النسب أساساً لبناء الجنسية الأصلية (27)، وهناك اعتبارات أخرى منها الاعتبار القانوني التي تضعه الدولة ، ويمس حياة الفرد، وكذلك الاعتبار السياسي الذي يعتمد على فكرة التوارث في التابعية ، وتلقي الولد الجنسية عن والديه بحق الدم.
أما التشريع الفرنسي فقد ظهر قانون الدم في القرن السادس عشر وتطور في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وبصورة أساسية من أجل تحسين مصير الأولاد الشرعيين المولودين في الخارج من أب فرنسي، وإن الأولاد الطبيعيين المولودين في الخارج من أم فرنسية هم فرنسيون إذا كان الأب أو الأم احتفظ بنية العودة إلى فرنسا، وأعطى القانون المدني ( قانون نابليون 1804) مكانه أولية لقانون الدم أي: أن كل ابن فرنسي هو فرنسي (28)، وقد نصت المادة ( 18 ) من القانون المدني الفرنسي على أن يكون فرنسياً الطفل الذي يكون أحد والديه فرنسياً )).
_____________
1- ينظر : د. عصام الدين القصبي، القانون الدولي الخاص المصري الجنسية، مركز الاجانب ، تنازع الاختصاص القانوني ، النسر الذهبي ، القاهرة ،2003 ، ص 14 .
2- ينظر : عبد الحميد عمر وشاحي، القانون الدولي الخاص في العراق ، ج 1، مطبعة النقيض الأهلية، بغداد، (1940 - 1942)، ص 578
3- د. عماد خلف دهام، د. طلعت جياد لجي الحديدي، شرح أحكام قانون الجنسية دراسة مقارنة، مكتبة زين الحقوقية، ط1، 2016، ، ص 45.
4- د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي ، مطبعة الرشاد ، بغداد ، 1967، ص 65.
5- د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي ، مطبعة الرشاد ، بغداد ، 1967، ص 65.
6- د. حسام الدين فتحي ناصف مشكلات الجنسية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص 84.
7- المادتان الثالثة والرابعة خاصتان باكتساب العثماني للجنسية العراقية سواء بسكانهم عادة في 1924/8/6 أو بسبب ولادتهم في العراق ، ينظر د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، ص67.
8- ينظر : د. جابر جاد عبد الرحمن القانون الدولي الخاص، المقدمة العامة الجنسية الموطن تمتع الاجانب بالحقوق ، مجموعة محاضرات القيت على طلبة الصف الرابع ط1 مطبع شركة والطباعة العراقية المحدودة 1949 ص 115.
9- د. حسن الهداوي الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، مصدر سابق ، ص 68
10- د. عبد الرسول الأسدي التقليد والتجديد في أحكام الجنسية دراسة مقارنة، ط1، 2012 ، ص 64.
11- د. حسن الهداوي ، الجنسية، ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، المصدر السابق ، ص 69.
12- د. عباس العبودي شرح أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 والموطن ومركز الاجانب ، مكتبة السنهوري ، بغداد ،2012 ، ص 72-73.
13- د. ياسين طاهر الياسري، قانون الدولي الخاص الجنسية ومركز الاجانب، الطبعة الثانية بغداد 2019 ، ص102.
14- د. حسن الهداوي الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، مصدر سابق، ص73.
15- د. حسن الهداوي الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، مصدر سابق، ص 74.
16- صدر هذا القانون بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (290) في 1990/7/18 ، ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3319) في 6/8/1990 ، ولم ينفذ على الرغم من ذلك.
17- د. عبد الرسول الأسدي، التقليد والتجديد في أحكام الجنسية، مصدر سابق، ص 65.
18- المصدر نفسه، ص 66.
19- د. عبد الحميد محمود عليوة ، د. هشام علي صادق ، د. حفيظه الحداد دروس في القانون الدولي الخاص، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية 2000 ص 60 وما بعدها ، ينظر د. عبد الرسول الاسدي، التقليد والتجديد في أحكام الجنسية دراسته مقارنة، المصدر السابق ، ص 67.
20- ىينظر د. عبد الحميد عمر وشاحي، القانون الدولي الخاص في العراق ، ج 1، مطبعة النقيض الأهلية، بغداد، (1940 - 1942) ، ص580.
21- د. هشام صادق د. عكاشة محمد عبدالعال، د. حفيظة ،الحداد، القانون الدولي الخاص – الجنسية – طبعة الاولى 2005 ، ص109-110، ينظر د. ياسين السيد طاهر، الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي، 3، مطبعة شركة الوفاق للطباعة الفنية، 2010 ، ص 105.
22- د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951 ، ص223.
23- د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951 ، ص 226.
24- ينظر : د. أبو العلا النمر ، النظام القانوني للجنسية ، ص 93 ، ينظر كذلك د. عماد خلف دهام، د. طلعت جياد لجي الحديدي، شرح أحكام قانون الجنسية دراسة مقارنة، مكتبة زين الحقوقية، ط1، 2016، ص 93 ، ينظر كذلك د. عماد وطلعت شرح أحكام قانون الجنسية ، دراسة مقارنة ، ص 33 .
25- عبد المنعم حافظ السيد أحكام تنظيم الجنسية ،، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، ط1، 2012، ص 136 ، ينظر د. عزالدين عبدالله، ج1، مصدر سابق، ص 155-156 . ود. فؤاد عبد المنعم رياض، مبادئ القانون الدولي الخاص، ج1 الجامعة الافتراضية السورية ، ص37.
26- ينظر : د. احمد عبد الكريم سلامة القانون الدولي الخاص، ج 1، في الجنسية والموطن ومركز الاجانب، ص 160.
27- د. عبد المنعم حافظ السيد أحكام تنظيم الجنسية ،، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، ط1، 2012، ، ص138، ينظر د. احمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص 161.
28- د. أياد مطشر صيهود، موسوعة أحكام الجنسية المقارنة ، ج 1، النظام القانوني للجنسية الوطنية ، مكتبة السنهوري، بيروت، 2019 ، ص 52-53.
الاكثر قراءة في القانون الدولي الخاص
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
