القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
البعد الاجتماعي في اكتساب الجنسية على أساس جغرافي
المؤلف:
احمد فليح زبالة الخزاعي
المصدر:
الوظيفة الاجتماعية للجنسية
الجزء والصفحة:
ص 33-44
2025-09-11
49
بما أن اكتساب الجنسية بسبب الولادة من شخص ينتمي لجنسية الدولة والمنحدر من أصولها الوطنية على أساس عائلي ، فقد احتاط المُشرّع في معظم بلدان العالم إلى حالات لم يستوعبها الأساس العائلي لدمج الفرد اجتماعيا ، ووطنيا بمجتمع الدولة فقد وفر بديلاً عن ذلك لاستيعاب هذا الفرد ، تمثل بأساس يقوم على وطنية مكان ميلاده نسبة للدولة ، الذي يصطلح عليه بحق الإقليم ، لذلك يلزمنا التعرض لهذا البديل ، الذي يقصد به فرض الدولة جنسيتها على كل من ولد داخل حدودها الإقليمية الوطنية بغض النظر عن الصفة الوطنية أو الاجنبية لوالديه ، فإذا كان هذا المكان وطنياً بالنسبة للدولة ، فالمولود وطني ، حتى وإن كانت أصوله اجنبية، وهذا ما نصت عليه المادة (5) من قانون الجنسية المرقم (26) لسنة 2006 على أنَّ (( للوزير أن يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب غير عراقي مولود فيه أيضاً وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده، بشرط أن يقدم الولد طلباً بمنحه الجنسية العراقية ))، فهنا نجد أنَّ المُشرّع العراقي أكد على ما يصطلح عليه بالولادة المضاعفة ، التي يراد بها تعاقب ولادة جيلين من خلال وجود ولادة سابقة ، وهي ولادة والده مما يضاعف من تأثير الرابط الاجتماعي بين الأب والأبن كون الأب مولوداً في العراق ، فجاء الرابط الاجتماعي ثنائياً بالنسبة للابن (1)
فالرابطة أعلاه تتصف بأنّها رابطة اجتماعية مزدوجة أدت إلى ربط الأبن بالعراق؛ كون ولادة والده في العراق على الرغم من أنّه اجنبي، فكان له رابط اجتماعي متعدد بالعراق ، من خلال ولادته وولادة والده ، فكانت للمُشرع العراقي ردة فعل ايجابية تجاه هذه الفرد ؛ احترما لتعاقب ميلاد جيلين، وتمثلت ردة فعل المشرع بمنحه وضع خاص، وقد مكنه هذا الوضع الخاص الاستفادة القصوى من الوظيفة الاجتماعية للجنسية ، فمنح معاملة تميّزه على من يكتسب الجنسية في المواد (4، 6، 7، 11)، وعندما نتساءل عن المسوغات وراء ذلك التمييز ، سنجد الإجابة متمثلة في أنَّ صلة المعني بالعراق أعمق من الذي يكتسبها على وفق المواد أعلاها، وكذلك لأنَّ الأبن امتداد الأب ، فوالده مولود في العراق ، وهو
مولود في العراق ، فهذه الولادات عمقت وقوت الصلة بالعراق ، فجاء احترام المُشرع سالعراقي لذلك وجعل الوظيفة الاجتماعية للجنسية في هذا الموضع تؤدي أعلى مستوى في وظيفتها، أي: أنَّ الاستفادة القصوى من الجنسية تحققت في هذه الفئة .
وقد أخذ المشرع العراقي بحق الإقليم (2) كوسيلة تؤهل المولود في الإقليم العراقي باكتساب الجنسية العراقية في حالات محدودة ، ففي القانون القديم أشار الى ( الولادة المضاعفة ) و ( الولادة من أب أجنبي في العراق ) و ( ولادة العثماني في العراق ( ففي الحالة الأولى فرض الجنسية عند البلوغ ، وبحكم القانون، بينما في الحالة الثانية قد فرض الجنسية على من يولد من أب أجنبي في العراق ، أما في الثالثة جعل اكتسابها متوقفاً على موافقة الحكومة العراقية، وهذا يوضح أنَّ المُشرع العراقي لم يعتمد على مجرد الولادة في العراق (3) لاكتساب الجنسية العراقية، وإنّما تطلب فضلاً عن ذلك أن تدعم هذهِ الولادة ببعض القرائن الدالة على تعلّق المولود في الجنسية العراقية أو في المجتمع العراقي، ولم يكن القانون القديم ليقوم على مجرد الولادة حتى في الحالات التي تقرها معظم التشريعات وهي حالات اللقيط والمولود من أبوين مجهولين الجنسية ، أو من أبوين لا جنسية لهم، وقد تدارك القانون الجديد هذا النقص، ووضع القوانين المناسبة له، وبهذا أضاف حالة من حالات اكتساب الجنسية بناء على الولادة في العراق، إذ أنَّ الوظيفة الاجتماعية للجنسية أهتمت بها جميع التشريعات من عام 1924 إلى 2006 من خلال تقوية البعد الاجتماعي بين الفرد والدولة ولو تطرقنا إلى:
أولاً : جنسية اللقيط الذي ولد بالعراق من أبوين مجهولين
نجد أن القانون القديم المرقم (42) لسنة 1924 لم يعالج جنسية اللقيط والمولود لأبوين مجهولين، أو أبوين لا جنسية لهما، فقد أهمل القانون هذا الموضوع ، ولم يضع النصوص المنظمة له، مما دفع الفقهاء والمُشرع العراقي إلى معالجة هذا النقص، ففي ظل القانون القديم عرض موضوع جنسية اللقيط على ديوان التدوين القانوني، فذهب إلى جعله مولوداً من أب عراقي الجنسية، وقد تبنت وزارة العدلية هذا الاتجاه بكتابها المرقم (8189) في 1946/12/298 ، والمعنون إلى وزارة الداخلية والمتعلق بجنسية اللقيط، الذي جاء فيه (( حيث أنَّ الشخص موضوع البحث مولوداً في العراق فأنه والحالة هذه يعتبر مولوداً من والد عراقي وبهذا الاعتبار يكون عراقياً بقرينه الحال )) (4) .
وكذلك جاء في تسجيل النفوس رقم (61) في 1957/10/12 ما نص على (( اعتبار اللقيط عراقياً ما لم يثبت العكس ))، وقد جاء في قانون الجنسية العراقي رقم (43) لسنة 1963 في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة (( يعتبر عراقياً من ولد بالعراق من والدين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولوداً فيه مالم يقم الدليل على خلاف ذلك ))، ويتضح من هذا النص أنَّ كل ولادة تحصل على إقليم العراق ومن أبوين مجهولين يعدّ عراقياً الجنسية بحكم القانون(5)، وهذا يؤدي إلى تقوية الرابطة الاجتماعية للجنسية ، إذ أنَّ المُشرّع العراقي منح للقيط فرصة الاندماج الاجتماعي بالمجتمع العراقي مراعاة للقضايا الإنسانية ، إذ يصبح المولود عراقي الجنسية ، والجنسية التي يحصل عليها في هذه الحالة جنسية أصلية أساسها حق الإقليم، أي: تركيز الميلاد في داخل الإقليم (6) .
وهناك حالة أخرى تتمثل باللقيط الذي يعثر عليه في العراق ، فيكتسب الجنسية العراقية أيضاً على أساس حق الإقليم، وقد يسأل سائل : ليس من المستبعد أن تكون الولادة خارج العراق ، ، ويرمي بالمولود داخل الأراضي العراقية تخلصاً منه فهنا افترض القانون أنَّه مجرد العثور على اللقيط في الأراضي العراقية يعد قرينة بسيطة على ميلاده في العراق ، ويكسبه الجنسية العراقية على أساس حق الإقليم ، أي : الولادة في الإقليم العراقي، وكان قصد المُشرع العراقي منح اللقيط الذي يكون مجهول الأبوين أو من أبوين لا جنسية لهما الجنسية العراقية ، وذلك تجنباً لحالة اللا جنسية ، وما ينتج عنها من مصاعب(7)، وفي الوقت نفسه تزول الجنسية المكتسبة ، التي حصل عليها اللقيط في حال وجود الدليل القاطع على وقوع الولادة خارج العراق، فالكشف عن النسب أو ثبوت وقوع الولادة خارج العراق يؤدي إلى تخلف شرط من شروط الواردة في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون الجنسية العراقي المرقم (43) لسنة 1963 ، الملغى ، وهكذا يكون اكتساب الجنسية بمقتضى النص غير وارد.
أما قانون الجنسية العراقية النافذ رقم (26) لسنة 2006 فقد أشار في المادة (3/ب) إلى حالة المولود من أبوين مجهولين ، وكذلك اللقيط، إذ نصت على أن (( يعتبر عراقيا من ولد في العراق من أبوين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولوداً فيه مالم يقم الدليل على خلاف ذلك))، وهنا نجد أنَّ المُشرع العراقي منح فرصة الاندماج الاجتماعي للقيط الذي يندمج مع المجتمع العراقي، وهذا الاندماج يقوي الرابطة الاجتماعية للجنسية، ويعد ذلك تطبيقاً لاتفاقية الجامعة العربية لعام 1954 (8) التي صادق عليها العراق عام 1955(9).
وقد كان موقف المُشرّع العراقي ممتثلاً للتوجه العالمي في هذه المسألة ، ويؤكد على وجوب أن يعيش الإنسان بجنسية فور الميلاد ، وقد مثلت هذا التوجه الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية السياسية، التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1966/12/16 بقرار رقم (2200)، فقد نصت المادة (24/3) على (( أن لكل طفل الحق أن تكون له جنسية )) ، وكذلك اتفاقية لاهاي لعام 1930 ، التي أكدت على أن يكون للطفل مجهول الأبوين جنسية دولة الميلاد (10)، وأنَّ اعتماد المُشرع العراقي هذا الحكم يضمن للأفراد مجهولي الأبوين الارتباط بالدولة ، وأنَّ ذلك سيمنح الدولة سيطرة معلومة على هؤلاء الأفراد (11)، وفضلاً عن ذلك فأنّ هذا الحكم يمنع ظاهرتين هما انعدام الجنسية؛ لأنَّ الإنسان يولد بجنسية مكان ميلاده، وازدواج الجنسية ؛ لأنَّ مكان الميلاد واحد.
أما موقف المُشرع المصري فقد نصت المادة (2) فقرة (4) من القانون المصري المرقم (391) لسنة 1956 على (( أن يكون مصرياً من ولد في المملكة المصرية من أبوين مجهولين ويعتبر اللقيط في المملكة المصرية مولوداً فيها ما لم يثبت العكس )) ، كذلك أشارت المادة (2) فقرة (2) من قانون المصري النافذ رقم (26) لسنة 1975 المعدل بقانون رقم (154) لسنة 2004 بشأن الجنسية المصرية التي نصت على أنَّ (( من ولد في مصر من أبوين مجهولين ويعتبر اللقيط في مصر مولوداً فيها ما لم يثبت العكس ))، ونلاحظ أن النص يعالج من يولد في مصر من أبوين مجهولين ، فيقدر المُشرّع المصري هذا الظرف ويعتمد بصلة الإقليم المبنية على الميلاد في مصر ، ويمنحه الجنسية المصرية الأصلية منذ ميلاده؛ بغية محاربة اللا جنسية، وهنا أراد المُشرع المصري أن يعطي اللقيط المولود بالأراضي المصرية فرصة الاندماج بالمجتمع المصري ، وهذا ما يعزز الرابطة الاجتماعية للجنسية، وكان هذا التشريع مطابقاً للتشريع العراقي (12).
أما قانون الجنسية الفرنسي فيعلن القانون المدني يعد فرنسياً كل من ولد في فرنسا من أبوين غير معروفين في (م19/1) من قانون المدني الفرنسي، أو من أبوين مشردين في (م19/1/1) من قانون المدني الفرنسي أو من أبوين جنسيتهما لا يمكن بأي شكل من أشكال نقلها إليه ، أما في (م19/1/2) من قانون المدني الفرنسي، فأنَّ الوليد الجديد المعثور عليه في فرنسا يشبه بالقرينة البسيطة بالطفل المولود في فرنسا ، وفي (م2/19/ من القانون المدني الفرنسي ) أعطي الطفل الذي اعتبر فرنسياً أحد النصوص السابقة الذكر ، وأثناء حداثته الجنسية الاجنبية من أحد والديه، فأنه يفقد بأثر بموجب رجعي صفة الفرنسي في (م 2/19 و 1/19/ الفقرة الأخيرة من القانون المدني)(13).
ثانياً :- الميلاد المضاعف
يقصد به تعدد الولادة في إقليم دولة من الدول كأن يولد الأب والأبن في الدولة نفسها ، فتعدد الولادة قرينه على كثرة التقاء العائلة في مجتمع الدولة ، التي تمت الولادة على إقليمها ، وهذا يدل على ارتباطهم بها وتقاربهم من أبنائها ، واستناداً إلى ذلك فقد أخذ قانون الجنسية العراقي القديم رقم (42) لسنة 1924 في المادة ( 8 / ب ) بالولادة المضاعفة ، فنص على أنّه (( يعتبر عراقياً كل من ولد في العراق وبلغ سن الرشد إن كان والده مولوداً في العراق ، وكان مقيماً به عادة حين ولادة ابنه ))، ولم تكن هذه الحالة منصوصاً عليها في قانون الجنسية العثماني لسنة 1869 ، إذ كان هذا القانون يرى أنَّ ابن الاجنبي المولود في إقليم الامبراطورية العثمانية يبقى اجنبياً ، حتى ولو كان والده وجده مولودين فيها ، وأراد المُشرع العراقي من إحداث هذه القاعدة تلافي تزايد العائلات الاجنبية المستقرة في العراق منذ مدة طويلة (14)، وتشابهت أخلاقهم بأخلاق العراقيين ، فمصلحتهم ومصلحة العراقيين قضت آنذاك الأخذ بالولادة المضاعفة كسبب لفرض الجنسية العراقية على من تحققت فيه الشروط الواردة في نص المادة ( 8 / ب ) وهي ولادة الولد والوالد في العراق ، وإقامة الوالد في العراق حين ولادة الولد ، وبلوغ الولد سن الرشد . وإنَّ من تحققت فيه الشروط أعلاه يعد عراقياً من اللحظة التي بلغ فيها سن الرشد وبقوة القانون ، ولا حاجة إلى تقديم طلب أو موافقة السلطة ، فالجنسية تفرض عليه فرضاً ، وقد أجيز له أن يتخلى عنها إذا أراد ذلك ، أثناء سنة من تاريخ اكتسابه لهما (15).
أما قانون الجنسية العراقي رقم (43) لسنة 1963 الملغى فقد جاء بأحكام وشروط تختلف عما كان عليها الحكم بالنسبة للولادة المضاعفة في القانون القديم ، فقد قسمها في المادة السادسة إلى حالتين: خصصت الأولى لولادة الولد والوالد والجد الصحيح في العراق ، وخصص الثانية بولادة الولد والوالد بالعراق ، وقد نظمت الفقرة الثانية من المادة السادسة الحالة الأولى فنصت على أنَّه ((يعتبر عراقياً من ولد بالعراق ، وبلغ سن الرشد فيه وكان أبوه وجده الصحيح مولودين فيه))، وبهذا فأنه يلزم لاكتساب الجنسية العراقية أن تتم ولادة الولد والوالد والجد في العراق ، وكذلك بلوغه سن الرشد في العراق بتوافر هذين الشرطين ، ويعدّ الولد عراقي الجنسية بحكم القانون ، وسن الرشد بمقتضى القانون العراقي هو اتمام الثامنة عشر من العمر ، والحكمة من اشتراط تعدد الولادة في العراق لثلاثة أجيال هي رغبة المُشرع العراقي في التأكد من اتصال العائلة الاجنبية بالعراق، واندماجها بالمجتمع ، وهذا الاندماج حدده المشرع لربط الأواصر الاجتماعية، فهو يحقق بذلك الوظيفة الاجتماعية للجنسية (16).
أما من ناحية ولادة الولد والأب في العراق فقد نظمتها الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون (43) لسنة 1963 فجاء فيها أنَّ ( للوزير أن يعتبر عراقياً من ولد في العراق ، وبلغ سن الرشد فيه من أب اجنبي مولود فيه ايضاً وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند الولادة ولده))؛ لذلك أصبحت الشروط وفقاً لهذه المادة هي الولادة المضاعفة في العراق ، وإقامة الأب في العراق حين ولادة الولد ، وبلوغ سن الرشد ، وموافقة الوزير (17).
وفي الحالة الأولى وهي ولادة الولد والأب في العراق أشار إليها القانون القديم وقانون (43) لسنة 1963 الملغى حول حصول الولادة المضاعفة ، أما القانون النافذ رقم (26) لسنة 2006 فقد أشارت المادة الخامسة على الولادة المضاعفة ، فنصت على أنَّ (( للوزير أن يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب غير عراقي مولود فيه أيضاً ، وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده ، بشرط أن يقدم الولد طلباً بمنحه الجنسية العراقية )) ، وهنا نلمح أثر البعد الاجتماعي في أنَّ المُشرع العراقي في القانون النافذ قد أعطى للمولود داخل العراق من أب أجنبي ، والمولود أيضاً داخل العراق الفرصة بالاندماج بالمجتمع العراقي باكتساب الجنسية العراقية ، وهذا ما أراده المُشرع العراقي ، وهو تقوية الرابطة الاجتماعية للجنسية العراقية.
أما الولادات على البواخر العراقية الحكومية فيعد المولود عراقياً سواء كانت السفينة في المياه الإقليمية العراقية ، أم في المياه الإقليمية للدولة ، أما الطائرات العراقية الحكومية فأنَّ الولادة فيها تعدّ على إقليم العراق أينما كان وجود الطائرة سواء في أجواء العراق أم أجواء دول أخرى.
أما في الحالة الثانية وهي إقامة الأب حين ولادة الولد فهنا لم يكتفِ المُشرع العراقي بالميلاد المضاعف ليكسب بمقتضاه الجنسية العراقية، وذلك لاحتمال وقوعه في العراق صدفة؛ بل اشترط المُشرع العراقي فضلاً عن ذلك إقامة الأب في العراق حين ولادة الولد.
وهذا يعد قرينة على التقاء العائلة الاجنبية واتصالها بالحياة العراقية ، وتشبعها بالأفكار والمشاعر العراقية ، ومن ثم توثيق صله المولود بالمجتمع الوطني ، وهذا ما يدل على قيام المُشرع العراقي بتعزيز الرابطة الاجتماعية للجنسية ؛ لاندماج الولود بالمجتمع العراقي على وفق الضوابط المذكورة .
ولا يراد بالإقامة هنا وجود الوالد في العراق بصورة مستمرة مع نية البقاء فيه ، وإنما يكتفي لتحقيق هذا الشرط أن يتخذ الاجنبي من العراق مركزاً له لأعماله والاقامة فيه ، وتكون الولادات قد تمت خلالها (18)، ولا تمنع وفاة الأب أيضاً قبل ولادة الولد من تحقيق الإقامة الاعتيادية في العراق ما دامت الإقامة استقرت حتى تاريخ وفاته ، وبهذا قد أفتى ديوان التدوين القانوني في قراره المؤرخ 25 / 5 / 1941، عندما نص على (( أما وفاة الوالد في العراق قبل ولادته ابنه ، فهذه الحالة تعتبر إقامة الأب الاعتيادية في العراق مستمرة حكماً إلى حين ولادة ابنه )) (19)، وكذلك فأن وفاة الأب خارج العراق لا تؤثر في استمرار الإقامة الاعتيادية في العراق ما دامت نية العودة كانت متوفرة عند مغادرته العراق وهنا نجد أنَّ المُشرع العراقي أعطى فرصة للمولود بالاندماج في المجتمع العراقي، مما يعزز الرابطة الاجتماعية للجنسية ، وذلك بمنحه الجنسية استناداً إلى الشروط التي تم ذكرها، أما الحالة الثالثة وهي بلوغ سن الرشد فهي من الشروط الهامة ، فقد أعطى المُشرّع العراقي أهمية بعد الولادة والإقامة هو بلوغ سن الرشد لتحقيق اكتساب الجنسية العراقية ، وتقدير سن الرشد يرجع فيه إلى القانون القديم للجنسية العراقية (20) ، فالمُشرع العراقي أخضعهم جميعاً لسن معين ، وهو تمام الثامنة عشر من العمر ، وهذا ما قررته الفقرة (1/3 ) فقد جاء فيها أنَّ (( سن الرشد ثماني عشرة سنة كاملة بحسب التقويم الميلادي ))، ولم يكتف القانون بادراك هذا السن ؛ بل اشترط ادراكه في العراق قاصداً من هذا إعطاء دليل آخر على ارتباط الولد في العراق ، مما يعزز البعد الاجتماعي للجنسية ، فمتى أتم المولود الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه في ظل القانون القديم فهو عراقي بحكم القانون ، وقد أضيف إلى قانون رقم (43) لسنة 1963 شرطاً رابعاً وهو موافقة وزير الداخلية ، ولم يعد من توفرت فيه الشروط الثلاثة في قانون (42) لسنة 1924 كافياً لكسب الجنسية العراقية ؛ بل أضاف القانون الجديد (43) لسنة 1963 شرطاً ألا وهو موافقة وزير الداخلية ، أما الشروط الواجب توفرها للحصول على موافقة وزير الداخلية فهي توافر الشروط الثلاثة في القانون القديم، فضلاً عن أنَّ المدة التي يلزم فيها تقديم الطلب هي سنتان ، وتبدأ هذه المدة من تاريخ بلوغه سن الرشد .
ويندرج تحت أساس حق الإقليم نوعين : حق الإقليم المجرد المطلق ، وحق الإقليم المقيد النسبي ، فحق الإقليم المجرد المطلق تكون له كفاية ذاتية للفرد في أن يحصل على جنسية الدولة. وفي التشريع العراقي لا نجد اعتماد هذا الأساس في الأصل ، ولكن اعتمده على سبيل الاستثناء في حالات معينة ، ومنها قانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 الملغى، وكذلك في قانون الجنسية رقم (26) لسنة 2006 النافذ ، فالتشريع العراقي يبحث عن الأسس التي تقوم على روابط عميقة لها دور اجتماعي في حياة الفرد ، والدولة على المستوى المستقبلي ، فضلاً عن أنها دول لا ترغب في توسيع المساحة البشرية على حساب مساحتها الجغرافية (21) ، وهذه تمثل عوامل ازدهار أساس حق الإقليم فيها ، ومقابل ذلك هناك عوامل قوة نشاط أساس حق الدم لديها.
أما حق الإقليم المقيد النسبي على وفق هذا الأساس فإنَّ جنسية الشخص تتحدد وفقاً لشروط منها ما هو سلبي مثل مجهولية الأبوين أو انعدام الجنسية ، أو مجهولية الأب ، ومنها ما هو ايجابي كشرط تحقق الميلاد على الأراضي الوطنية للدولة (22) ، وأنَّ تحقق أيّ شرط من الشروط أعلاه يصلح كسبب في فرض الجنسية الأصلية ، فانقطاع الصلة الروحية على أصل الدم ، وتحقق الصلة المكانية بين المولود، ومكان الميلاد يوفر للمولود بديلاً للحصول على الجنسية ، إذ يرى بعضهم أنَّ ذلك يحقق حالة من التعايش بين الفرد والمجتمع الذي ولد فيه(23)، وهنا يمكن أن تحقق الجنسية وظيفة اجتماعية في تقريب الفرد من مجتمع مكان ميلاده .
وأمام مجهول الأبوين تمثل دولة مكان ميلاده الفرصة الأخيرة له في كسبه الجنسية، وهذا ما وفرته معظم التشريعات ومنها التشريع المصري (24).
ففي قانون الجنسية المصري رقم (26) لسنة 1975 في المادة الثانية نصت على أن (( يكون مصرياً : 1- من وُلِدَ لأب مصري أو أم مصرية. 2- من وُلِدَ في مصر من أبوين مجهولين ويعتبر اللقيط في مصر مولوداً فيها ما لم يثبت العكس...)).
يتضح مما سبق أنَّ الجنسية الأصلية التي تفرض على أساس حق الإقليم تظهر الوظيفة الاجتماعية للجنسية في حق الإقليم المطلق أكثر من حق الإقليم النسبي ، إذ نجد في حق الإقليم المطلق طفلاً مجهول الأبوين ، والوضع الإنساني يحتم علينا استيعابه اجتماعياً ودمجه في الدولة المانحة للجنسية.
وإن أساس حق الإقليم يعكس الرابطة الاجتماعية للجنسية ، فالأخيرة تقوم على أساس اتصال الولد بإقليم الدولة اتصالاً وثيقاً قوامه استقرار أسرته على هذا الإقليم، لذلك يرى معظم الشراح أنَّ الجنسية المبينة على حق الإقليم جنسية موطن أسرة الولد في الغالب (25) ، ولا شك أن توطن الأسرة واستقرارها يجعلها تشارك أبناء الدولة مشاعرهم ، وارتباطهم الاجتماعي، وعندها ستنشط الوظيفة الاجتماعية للجنسية
والدولة حرة في اتخاذ الأساس المناسب لجنسيتها ، وهناك عدد من الحجج المؤيدة إلى منح الجنسية على أساس حق الإقليم ، ومنها حجة سياسية ، وذهب المُشرع المصري في هذه الحجة إلى أنَّ الاجانب الذي يستقرون بأرضها سيكونون جماعات ، قد يكون وجودهم من وجهة نظر الدولة خطراً عليها، لذلك وجب عليها أن تدمجهم في مجتمعها ؛ لتزيل صفة الاجنبية، وتدفع مستوى الخطر الذي سينخفض ؛ لذوبانهم في الوعاء الوطني (الجنسية).
وهناك حجة ومفادها أنَّ الفرد لا يتأثر بالجماعة التي ينتمي إليها بأصله فحسب ؛ بل يتأثر بالوسط الذي يولد فيه وينشأ، ومن ثم يأخذ بطباعه وعاداته وتقاليده وتكون صلة الفرد بالجماعة التي ينتمي إليها بمحل ميلاده، أهم من انتمائه بالجماعة التي ترتبط بأصله العائلي، فتثبت له جنسية الدولة التي يولد فيها دون جنسية الدولة التي يتبعها والده.
أما أهم الاعتبارات التي يقوم عليها حق الإقليم فمنها الاعتبار الاجتماعي، الذي يدور حول البيئة الإقليمية، إذ يقوم حق الإقليم على أساس أنَّ الدولة التي يولد فيها الفرد تكون هي الدولة التي توطن فيها والداه عادةً ، وأقاما فيها ، ووجود هذه الصلة الإقليمية المكانية وحدها من شأنها أن يبعث في الشخص شعوراً بالولاء نحو هذه الدولة ، التي ولد على إقليمها وتعلق بها، ويؤدي إلى اندماج هذا الشخص في مجتمعها ، وتطبعه بأطباعها ، مما يقوي الرابطة الاجتماعية للجنسية للفرد الذي اندمج بالمجتمع (26).
أما حق الإقليم في التشريع المصري لعام 1929 الملغى في المادة (2) الفقرة (4) التي تنص على أنَّ (( من ولد في المملكة المصرية من أبوين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة المصرية مولوداً فيها ما لم يثبت العكس )) (27) ، فنلاحظ أنَّ الدول هنا لا تعتد بالأصل العائلي للمولود ، إذ أنَّها لا تنظر إلى جنسية الأب، وإنّما تعتد بالإقليم الذي يولد عليه الفرد ، وتمنحه جنسيته بصرف النظر عن جنسية الأب، وهنا نجد أنَّ الرابطة الاجتماعية للجنسية تتأسس على أساس اتصال الولد بإقليم الدولة تصالاً وثيقاً ، قوامه استقرار أسرته على هذا الإقليم، لذلك فإنَّ الجنسية المبنية على حق الإقليم هي في الغالب جنسية موطن أسرة الولد (28) ، ومما لا شك فيه أنَّ توطن الأسرة واستقرارها يجعلها تشارك أبناء الدولة مشاعرهم وارتباطهم الاجتماعي أمَّا التشريع الفرنسي للولادة المضاعفة في القانون الفرنسي، فنجد فرضية اسناد الجنسية بحسب قانون الأرض، الذي أدخله قانون عام 1851 ، فقد نصت المادة (3/19) ، والمادة (2/20) من القانون المدني الفرنسي على أنَّ (( الفرنسي هو الطفل الشرعي أو الطبيعي المولود في فرنسا، إذا كان أحد والديه مولوداً في فرنسا))، وهؤلاء هم فرنسيون بحكم القانون أذ أعطت المادة (19/3) لمعظم الفرنسين الوسيلة الأبسط من أجل إثبات جنسيتهم ، وهذا يكفي بإبراز وثيقة الولادة ووثيقة والديهم، وينتج عن ذلك أنَّ الأطفال المولودين في فرنسا من أبوين اجنبين ، الذين ولدوا قبل استقلال بلدهم كانوا فرنسيين(29).
____________
1- د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي ، مطبعة الرشاد ، بغداد ، 1967، ص79.
2- د. عبد الرسول الأسدي التقليد والتجديد في أحكام الجنسية دراسة مقارنة، ط1، 2012، ، ص 68-69.
3- د. ياسين طاهر الياسري، قانون الدولي الخاص الجنسية ومركز الاجانب، الطبعة الثانية بغداد 2019 ، ص103.
4- د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الأجانب وأحكامها في القانون العراقي، مصدر سابق ، ص 80.
5- د. عماد خلف دهام، د. طلعت جياد لجي الحديدي، شرح أحكام قانون الجنسية دراسة مقارنة، مكتبة زين الحقوقية، ط1، 2016، ص 47
6- د. حسن الهداوي الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، مصدر سابق ، ص81
7- ينظر : د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951 ، ص200. ود. شمس الدين الوكيل ، الجنسية مركز الاجانب ، ط 2 ، منشأة المعارف الاسكندرية ، 1968 ، ص 297.
8- المادة (5) من الاتفاقية نصت على أنه " يكتسب اللقيط جنسية البلد الذي ولد فيه ويعتبر مولوداً في البلد الذي وجد فيه حتى ثبوت العكس".
9- د. جابر ابراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في أحكام الأجانب في القانون الاردني دراسة مقارنة، ط1، 1986، ص 212 ، ص 212.
10- المادة (14) من اتفاقية لاهاي لعام 1930 ، ينظر د. عبد الرسول الاسدي التقليد والتجديد في أحكام الجنسية ، دراسة مقارنة، بيروت لبنان ،2011 ، ص71.
11- د. فؤاد رياض مبادئ القانون الدولي الخاص، في الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، ص23.
12- د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي، ص 74.
13- د. أياد مطشر صيهود، موسوعة أحكام الجنسية المقارنة ، ج 1، النظام القانوني للجنسية الوطنية ، مكتبة السنهوري، بيروت، 2019، ، ص72.
14- د. عباس العبودي شرح أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 والموطن ومركز الاجانب ، مكتبة السنهوري ، بغداد ،2012 ، ص91.
15- د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي مصدر سابق ، ص 85
16- د. حسن الهداوي الجنسية ومركز الاجانب مصدر سابق ص86
17- د. ياسين طاهر الياسري، قانون الدولي الخاص الجنسية ومركز الاجانب، الطبعة الثانية بغداد 2019 ، ص105.
18- ينظر : د. جابر جاد عبد الرحمن القانون الدولي الخاص، المقدمة العامة الجنسية الموطن تمتع الاجانب بالحقوق ، مجموعة محاضرات القيت على طلبة الصف الرابع ط1 مطبع شركة والطباعة العراقية المحدودة 1949 ، ص122.
19- مجموعة قوانين الجنسية والإقامة والسفر ، ص 172 ، ينظر د حسن الهداوي، الجنسية مركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي ، مصدر سابق، ص 92 .
20- ينظر د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب في القانون العراقي، المصدر السابق ،ص93 .
21- د. جمال محمود الكردي، التعديلات الجديدة على القانون الجنسية المصري في الميزان دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية، 2005 ، ص 87-88.
22- د. هشام خالد ، اهم مشکلات قانون الجنسية العربي ، ص 103 - 10 ، د. عكاشة محمد عبد العال، أحكام الجنسية اللبنانية ، ص 125-126.
23- د. شمس الدين الوكيل ، الجنسية مركز الاجانب ، ط 2 ، منشأة المعارف الاسكندرية ، 1968، ص82.
24- قانون الجنسية المصري رقم (26) لسنة 1975 في المادة (2).
25- د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951، ص 120.
26- د. السيد عبد المنعم حافظ السيد أحكام تنظيم الجنسية ،، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، ط1، 2012، ص 141-142 ، ينظر د. عز الدين عبدالله ، ج 1، مصدر سابق، ص 162 - 163 ، ينظر د. فؤاد رياض مبادئ القانون الدولي الخاص، في الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، ص 38 ، ينظر د. بدر الدين عبد المنعم شوقي، في الجنسية والموطن ومركز الاجانب، دراسة مقارنة ط1، مكتبة النهضة العربية القاهرة، 2010، ص 113.
27- ينظر : د. بدر الدين عبد المنعم شوقي، في الجنسية والموطن ومركز الاجانب، دراسة مقارنة طا، مكتبة النهضة العربية القاهرة، 2010، ص 113، د. أحمد عبد الكريم سلامة، القانون الدولي الخاص، ج 1، الجنسية والمعاملة الدولية للأجانب، القاهرة ، دار النهضة العربية، ص 163.
28- د. عزالدين عبد الله ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب، مصدر سابق، ص 120.
29- د. أياد مطشر صيهود، موسوعة أحكام الجنسية المقارنة ، ج 1، النظام القانوني للجنسية الوطنية ، مكتبة السنهوري، بيروت، 2019، ص73.
الاكثر قراءة في القانون الدولي الخاص
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
