وحدة الوجود أو وحدة الموجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص170-172
2025-08-17
723
هذه القضيّة من امّهات أو مهمّات قضايا الفلسفة الإلهيّة وهي تتّصل اتّصالًا وثيقاً بعلم الحكمة العالية والإلهيّ بالمعنى الأعمّ الذي يُبحث فيه عن الامور العامّة، كالوجود والموجود وكالواجب والممكن، والعلّة والمعلول والوحدة والكثرة، وأمثالها ممّا لا يتعلّق بموضوع خاصّ، ولا حقيقة معيّنة من الأنواع لا ذهناً ولا خارجاً، وللتمهيد والمقدّمة نقول: إن من المسائل الخلافيّة بين حكماء الإسلام وفلاسفة المسلمين مسألة أصالة الوجود أو الماهيّة، بمعنى أن المتحقّق في العين والخارج هل هو الوجود والماهيّة أمر اعتباريّ يُنتزع من الوجود المحدود المقيّد المتعيّن بالتعيّن الذي يميّزه عن غيره بالجنس والنوع وغيرهما من الاعتبارات؟ أو أن المتحقّق في ظرف العين والخارج ونفس الأمر والواقع هو الماهيّة والوجود مفهوم اعتباريّ خارج عنها مُنتزَع منها محمول عليها من خوارج المحمول لا المحمولات بالضميمة؟ فماهيّة النار مثلًا إذا تحقّقت في الخارج وترتّبت عليها آثارها الخاصّة من الإضاءة، والإحراق والحرارة صحّ انتزاع الوجود منها وحمله عليها، فيقال: النار موجودة وإلّا فهي معدومة.
وهذا القول، أعني أصالة الماهيّة وأن الوجود في جميع الموجودات حتى الواجب اعتبار محض، على الظاهر كان المشهور عند الحكماء إلى أوائل القرن الحادي عشر وعليه تبتني شبهة الحكيم ابن كمّونة[1] التي أشكل بها على التوحيد زاعماً أنّه: «ما المانع من أن يكون في ظرف التحقّق ونفس الأمر والواقع هويّتان مجهولتا الكُنه والحقيقة؛ بسيطتان متباينتان بتمام ذاتيتهما وينتزع وجوب الوجود من كلّ منهما ويحمل على كلّ واحدة منهما من قبيل خارج المحمول لا المحمول بالضميمة، لأنّ ذات كلّ منهما بسيطة لا تركيب فيها، إذ التركيب يلازم الإمكان وقد فرضنا وجوب كلّ منهما».
وقد أعضلت هذه الشبهة في عصره على أساطين الحكمة واستمرّ إعضالها عدّة قرون حتى صار يُعبَّر عنها كما في أوّل الجزء الأوّل من «الأسفار» ب- افتخار الشياطين.
وسمعنا من أساتذتنا في الحكمة أن المحقّق الخونساريّ[2] صاحب «مشارق الشموس» الذي كان يُلقّب بالعقل الحادي عشر، قال: «لو ظهر الحجّة عجّل الله فرجه لما طلبتُ معجزة منه إلّا الجواب عن شبهة ابن كمّونة». ولكن في القرن الحادي عشر الذي نبغت فيه أعاظم الحكماء كالسيّد الداماد،[3] وتلميذه ملّا صدرا،[4] وتلميذيه الفيض[5] واللاهيجيّ (صاحب «الشوارق» الملقّب بالفيّاض)[6]، انعكس الأمر واقيمت البراهين الساطعة على «أصالة الوجود»، وأن الماهيّات جميعاً اعتبارات صرفة ينتزعها الذهن من حدود الوجود، أمّا الوجود غير المحدود، كوجود الواجب جلّ شأنه فلا ماهيّة له، بل (ماهيّته إنّيّته).
[1] «الكلمات المكنونة» ص 8 إلى 11؛ وفي طبعة المظفّريّ: ص 13 إلى 15؛ واستشهد المرحوم الفيض بعد إيراد هذه السطور بأبياتٍ للعارف الصمدانيّ الشيخ محمود الشبستريّ أعلى الله مقامه: جهان جمله فروغ نور حقّ دان حقّ اندر وى ز پيدائي است پنهان يقول:« واعلَم أن العالَم بأسره إنّما هو شعاع نور الحقّ تعالى وهو تعالى محتجبٌ بظهوره». إلى أن قال: تو پنداري جهان خود هست دائم به ذات خويشتن پيوسته قائم يقول:« هل تظنّ أن العالَم قائم ودائم بذاته؟».
[2] قال المُعلّق( القاضي الطباطبائيّ) في حاشية الكتاب ما يلي: عزّ الدولة سعد بن منصور بن سعد بن الحسن بن هبة الله بن كَمّونة البغداديّ الشهير ب-« ابن كَمّونة». له مؤلّفات بخطّه في الخزانة الغَرويّة في النجف الأشرف. جدّه الأعلى هبة الدين بن كَمّونة الإسرائيليّ، كان من فلاسفة اليهود في عصر الشيخ الرئيس ابن سينا. له« شرح الإشارات» أهداه لشمس الدين الجوينيّ صاحب« ديوان الممالك».
[3] الحسين بن محمّد الخونساريّ المحقّق، علّامة زمانه في العلوم. له مؤلّفات نافعة، وُلِد سنة 1016 ه-، وتوفّي سنة 1098 ه--( التعليقة).
[4] مولانا محمّد باقر الحسينيّ الشهير بالداماد، سيّد الحكماء ومن أعظم رؤساء الدين، له مقام شامخ في العلوم ومرتبة سامية في الفقاهة والرئاسة والسياسة. له مؤلّفات نفيسة، توفّي سنة 1041 ه--( التعليقة).
[5] محمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازيّ الشهير بملّا صدرا وصدر المتألِّهين، أكبر فيلسوف عارف متشرّع، أعلم حكماء الإسلام وأفضلهم، وهو إمام مَن تأخّر عنه، واقتفي أثره كلّ مَن نشأ بعده من حكماء الإماميّة. توفّي سنة 1050 ه--( التعليقة).
[6] محمّد بن المرتضى الشهير بملّا محسن الكاشانيّ، الفقيه العارف المحقّق الحكيم المتألِّه، صاحب التصانيف الشهيرة. توفّي سنة 1091 ه ( التعليقة).
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة