نقل العلّامة الطباطبائي للإشكالات الإبليسيّة التي أوردها شارح الإنجيل
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص131-134
2025-08-11
467
قال في «روح المعاني»: وقد ذكر الشهرستانيّ عن شارح الأناجيل الأربعة صورة مناظرة جرت بين الملائكة وبين إبليس بعد هذه الحادثة، وقد ذكرت في التوراة، وهي أن اللعين قال للملائكة: إنّي أسلّم أن لي إلهاً هو خالقي وموجدي، لكن لي على حكمه أسئلة:
الأوّل: ما الحكمة في الخلق، لا سيّما وقد كان عالماً أن الكافر لا يستوجب عند خلقه إلّا النار؟!
الثاني: ما الفائدة في التكليف مع أنّه لا يعود إليه منه نفع ولا ضرر، وكلّ ما يعود إلى المكلّفين فهو قادر على تحصيله لهم من غير واسطة التكليف؟!
الثالث: هب أنّه كلّفني بمعرفته وطاعته، فلما ذا كلّفني بالسجود؟!
الرابع: لمّا عصيتُهُ في ترك السجود، فلِمَ لعنني وأوجب عقابي، مع أنّه لا فائدة له ولا لغيره فيه ولى فيه أعظم الضرر؟!
الخامس: أنّه لمّا فعل ذلك، لِمَ سلّطني على أولاده ومكّنني من إغوائهم وإضلالهم؟!
السادس: لمّا استمهلتُهُ المدّة الطويلة في ذلك، فلِمَ أمهلني، ومعلوم أنّه لو كان العالَم خالياً من الشرّ لكان ذلك خيراً؟!
قال شارح الأناجيل: فأوحى الله تعالى إليه من سرادق العظمة والكبرياء:
يَا إبْلِيسُ! أنْتَ مَا عَرَفْتَنِي؛ ولَوْ عَرَفْتَنِي لَعَلِمْتَ أنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ علي في شَيءٍ مِنْ أفْعَالِي!
فَإنِّي أنَا اللهُ لَا إلَهَ إلَّا أنَا؛ لَا اسْألُ عَمَّا أفْعَلُ- انتهي.
ثمّ قال الآلوسيّ: قال الإمام الرازيّ: إنّه لو اجتمع الأوّلون والآخرون من الخلائق وحكموا بتحسين العقل وتقبيحه لم يجدوا من هذه الشبهات مخلصاً، وكان الكلّ لازماً.
ثمّ قال الآلوسيّ: ويعجبني ما يحكى أن سيف الدولة بن حَمْدان خرج يوماً على جماعته فقال: قد عملت بيتاً ما أحسب أن أحداً يعمل له ثانياً إلّا أن كان أبا فراس، وكان أبو فراس جالساً، فقيل له: ما هو؟ فقال: قولي:
لَكَ جِسْمِي تَعُلُّهُ *** فَدَمِي لَا تَطُلُّهُ؟[1]
فابتدر أبو فراس قائلًا:
قَالَ أن كُنْتُ مَالِكاً *** فَلَي الأمْرُ كُلُّهُ
أقول: ما مرّ من البيان في أوّل الكلام السابق يصلح لدفع هذه الشبهات الستّة عن آخرها ويكفي مئونتها من غير أن يحتاج إلى اجتماع الأوّلين والآخرين ثمّ لا ينفع اجتماعهم على ما ادّعاه الإمام، فليست بذاك الذي يحسب، ولتوضيح الأمر نقول...»[2].
وهنا يبدأ سماحة العلّامة بالإجابة تفصيليّاً على الشبهات الستّ خلال صفحات متعدّدة بلغت أربع عشرة صفحة[3] وبأسلوب رائع رصين يسرّ القارئ ويدخله في بحر من العظمة وافق من النور والبهجة، ولو لا خشية الإطناب في هذا الكلام لُقمنا بنقل ذلك كلّه هنا.
إنّه منطق التوراة وتعالى مها التي تُصوّر الله مقهوراً لمنطق الشيطان ومغلوباً على أمره؛ إذ أن الشيطان بإيراده هذه الشبهات الستّ ودخوله الحديث مع الله والإشكال عليه، كأنّما وضع الله والعياذ بالله في مأزق وحرج للجواب على هذه الشبهات وأجبره على استخدام هراوة الأنانيّة للطرق على رأس الشيطان للتهرّب من الجواب. في حين أنّه طبقاً لمنطق القرآن كما رأينا وكما ذكر سماحة العلّامة ذلك بالبيان الفصيح واللسان المِنطيق والكلام البليغ والاستدلال الرائع بالبراهين، استنتجنا مدى بُعد هؤلاء عن رَكب الإنسانيّة الجاعلين من نظام الخَلق والإنسان والشيطان ألعوبة كما يقوم البعض باللهو في مَسرح الدُّمى.
فلم تُحيِّر الشبهات الإبليسيّة شارح الإنجيل فحسب، بل وكما رأينا، فإنّها جَرَّتْ وراءها الإمام الفخر الرازيّ والآلوسيّ وسيف الدولة بن حَمدان وشاعره أبا فراس وألقَت بهم في غياهب بحر الشبهات. ومُلخّص الكلام أن كلّ مَن عجز عن التخلّص من هذه الشبهات وسقط في حبائلها أو حبائل بعض منها، فهو محتاج إذاً إلى نفس القدر من الهداية في داخل نفسه حتى يتبيّن له الإسلام الحقيقيّ بوضوح وجلاء بعيداً عن كلّ ما يُسمّى بشبهة توحيديّة.
[1] الآيات 221 إلى 223، من السورة 26: الشعراء.
[2] عَلَّه-- ضَرباً: تتابَعَ عَلَيه الضَّرب. طَلَّ- طَلَّا وطُلولًا الدَّمَ: أهْدَرَه.
[3] «الميزان في تفسير القرآن» ج 8، ص 35 إلى 45، سورة الأعراف.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة