أبحاث الشيعة مع أهل السنّة بالأبحاث التاريخيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص126-128
2025-11-16
30
يلاحظ في بعض الأقوال وكذلك في بعض الكتابات، أنّنا لما ذا نأتي بعد مضيّ ألف سنة ونحقّق في أقوال الصحابة وأفعالهم، ونلقي اللوم والعتاب عليهم، ونقيس أقوالهم وأفعالهم بميزان القرآن والأخبار المأثورة عن الرسول الكريم. ونطعن في بعضهم فنخرجهم عن الصدق والأمانة. لقد مضى عصر هذه المناقشات والمداولات، وما يجدينا أساء الصحابة أم أحسنوا، فحسابهم على الله، وما ذا يهّمنا من ذلك؟ ووقتنا ضيّق وعصرنا لا يسمح لنا أن نخوض في الاختلافات التي عرفنا آثارها في الماضي إذ أفضت إلى تهييج المشاعر والعواطف المذهبيّة، وهذا ما سيجرّ إلى الجدال والنزاع. ولكن عند ما نلقي نظرة عابرة على تلك التوجّهات، فسيتّضح لنا أنّها اعتراضات ليست في محلّها، لأنّ النظر في سيرة الصحابة ليس من باب تتبّع العثرات والعيوب حتى يثير العواطف بل هو من باب أن يكون ملاك عملنا واسلوبنا على أساس صحيح وكفى. فلا نضمر قصداً آخر أبداً. ولنجلس مع إخواننا أهل السنّة باخوّة، ونناقش هذه القضايا بحرّيّة تامّة، وننبذ كلّ لون من ألوان التعصّب الجاهليّ، لتتّضح كلّ حجّة من الحجج الشرعيّة التي هي ملاك عملنا، فلا نجعل عملنا- لا سمح الله- على أساس غير إسلاميّ وغير صحيح سنين طويلة وأعمار مديدة وقرون متمادية. فإذا لا نعرف الصحابة، ولا نعرف أساليبهم، ومستواهم العمليّ والإيمانيّ، وجعلنا عملنا وفقاً لعملهم وسيرتهم سنين متمادية دون أن نلتفت إلى ذلك، واحتججنا بأفعالهم، فهل هذا التوجّه صحيح أو لا؟ أنّ موضوعنا لا يحوم حول إحسان الصحابة وإساءتهم من وجهة نظرهم الخاصّة بالذات. وأمير المؤمنين عليه السلام يقول: «وَالْحِسَابُ عَلَى اللهِ»[1].
إنّما نعرض موضوعنا من حيث اصطدام عملنا بسيرتهم. هذا ألمٌ موخِز، فنحن نريد أن نكون مسلمين وفقاً لاعتقادنا، ونجعل الحقّ ملاكاً لعملنا، ونتوكّأ على شريعة سيّد المرسلين، وإذا بنا نرى أنّ الذي يجري هو معاكس لهذا الهدف، وذلك بسبب السير وراء أشخاص لم ينطبق عملهم على الكتاب والسنّة، ونحن نحاول جاهدين أن يكون ديننا خالصاً لله، {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[2]. ثمّ نجده ملوّثاً ومشوباً بالشوائب. فَهَذِهِ هِي المُصيِبَةُ العُظْمَى. وانّنا نخشى أن ننضوي تحت عنوان الآية الشريفة: {وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[3]، ونخشى كذلك أن نكون مصداقاً لهذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[4]، ونخاف أن نفتري على الله، ونمتعض من التشريع المحترم ونفرّ منه، {وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[5].
نحن نريد أن نكون، ومعنا جميع المسلمين، بل وكافّة أهل العالم تابعين للشريعة الحقّة والدين الخالص النقيّ من جميع شوائب الخرافة والتعصّب القوميّ والعنصريّ والمطهّر من كافّة الأوساخ والقاذورات التي علقت به على مرّ التاريخ. {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ واتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ}[6]، فالدين الإسلاميّ هو دين العقل والعلم والبصيرة، دين التفكّر والتأمّل والإمعان، ولذلك فعلينا أن نطّلع اطّلاعاً كافياً على تفاصيل السيرة النبويّة وسيرة الأئمّة المعصومين، ونتعرّف على اسلوب الصحابة وطريقة تفكيرهم بصورة تامّة، ولا نكتفي بالظنّ فقط. {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}[7]، {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}[8]، {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ}[9].
[1] راجع «نهج البلاغة» طبعة محمّد عبدة ج 1، ص 283، الخطبة 154 للوقوف على عمل عائشة في حرب الجمل.
[2] الآية 5، من السورة 98: البينة.
[3] الآية 119، من السورة 6: الأنعام.
[4] الآية 23، من السورة 45: الجاثية.
[5] الآية 7، من السورة 61: الصف.
[6] الآية 14، سورة 47: محمد.
[7] الآية 36، من السورة 17: الإسراء.
[8] الآية 28، من السورة 53: النجم.
[9] الآية 29، من السورة 30: الروم.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة