النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
البرامكة في زمن الإمام الكاظم "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص163-173
2025-08-05
32
البرامكة زنادقة ونواصب !
البرمك : لقب السادن الأكبر لمعبد نوبهار ، وهو معبد للفرس يجمع بين الوثنية والمجوسية ، ويقع في بلخ من أفغانستان . قال الحموي في معجم البلدان : 5 / 307 : « نُوْبَهَار : بالضم ثم السكون ، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه ، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك . . وكانت سُنَّتُهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ، ويقبلوا يد برمك . . كان برمك يُعمر النوبهار ويقوم به ، وهو اسم لبيت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك ، فصار ابنه خالد بن برمك بعده » .
وروى الطبري ( 5 / 215 ) أن قتيبة بن مسلم فتح بلخ وسبى امرأة مرجعهم برمك بن جاماس بن يشتاسف ، وأعطاها لأخيه المجذوم عبد الله فحملت منه ، ثم اتفق مع أهل بلخ على رد الأسرى : « فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم يا نازي إني قد علقت منك . وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة ، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها وردت إلى برمك ، فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاؤوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد فادعوه ، فقال لهم مسلم بن قتيبة : إنه لا بد لكم إن استلحقتموه أن تزوجوه ، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم » !
وهكذا بقي خالد بن برمك ، ولو قبلوا أن يزوجوه لتم نسبه إليهم ، وصار خالد بن عبد الله بن مسلم الباهلي !
وعندما كبر خالد التحق بثورة أبي مسلم الخراساني ، وصار مع القائد قحطبة . حتى اختاره السفاح وزيراً بعد أبي سلمة الخلال ، وجعله قاضي الدولة العباسية ( البدء والتاريخ / 479 ، والآداب السلطانية / 107 ) .
وكان يُتهم بدين المجوس ، ومات سنة 165 وعمره 75 سنة . ( تاريخ دمشق : 16 / 7 - 8 ) .
وبرز بعده ابنه يحيى بن خالد ، وكان مقرباً من المنصور فوضع ابنه الرشيد في حجره ، فكان الرشيد يدعوه أبي ويدعو يحيى أخي ، ويحب جعفر أكثر !
وعندما استخلف استوزر يحيى بدل علي بن يقطين ، الذي كان وزير أبيه المهدي وأخيه موسى الهادي ، طيلة خلافتهما . ( ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 ) .
عداوة البرامكة للإمام الكاظم ( عليه السلام )
كان علي بن يقطين يكتم تشيعه ، وكان البرامكة يحسدونه ، ويتجسسون عليه ليثبتوا للمهدي والهادي علاقته بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
وكذلك كانوا يحسدون جعفر بن محمد بن الأشعث ، ويعملون لإقناع هارون بأنه شيعي ، وعندما وضع هارون ابنه الأمين في حجره زاد حسدهم له .
وهم الذين أقنعوا هارون بقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ( الإرشاد : 2 / 237 ) فكان الرضا ( عليه السلام ) يدعو عليهم لأنهم قتلوا أباه ( عليه السلام ) : « كان أبو الحسن ( عليه السلام ) واقفاً بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك فقال : إني كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي ، فاستجاب الله لي اليوم فيهم ! فلما انصرف لم يلبث إلا يسيراً حتى بُطش بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم » ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 245 ) .
وروى الصدوق ( رحمه الله ) خطة يحيى بن خالد البرمكي لقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن صالح بن علي بن عطيه قال :
« كان السبب في وقوع موسى بن جعفر ( عليه السلام ) إلى بغداد ، أن هارون أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين له أربعة عشر ابناً ، فاختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة وجعله ولي عهده ، وعبد الله المأمون وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة ، والقاسم المؤتمن وجعل له الأمر من بعد المأمون .
فأراد أن يحُكم ذلك الأمر ويشهره شهرةً يقف عليها الخاص والعام ، فحج في سنه تسع وسبعين ومئة ، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة .
قال علي بن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر ( عليه السلام ) أن وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث ، فساء ذلك يحيى وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي ودوله وُلْدي ، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع ، فأظهر له أنه على مذهبه فَسُرَّ جعفر وأفضى إليه بجميع أموره ، وذكر له ما عليه في موسى بن جعفر ( عليه السلام ) .
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه من نصرة الخلافة ، فكان يقدم في أمره ويؤخر ، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه ( يتكلم معه ليقنعه ) إلى أن دخل يوماً إلى الرشيد فأظهر له إكراماً وجرى بينهما كلام في مزية جعفر لحرمته وحرمه أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئاً حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهاهنا أمر فيه الفيصل ، قال : وما هو ؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة الجهات ، إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الألف دينار التي أمرت بها له ، فقال هارون : إن في هذا لفيصلاً ، فأرسل إلى جعفر ليلاً وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة ، فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى وأنه إنما دعاه ليقتله ! فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس برده فوق ثيابه وأقبل إلى الرشيد ، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ورأى البردة عليه قال : يا جعفر ما هذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة ، لم آمن أن يكون قد قرح في قلبك ما يقول على فأرسلت إلى لتقتلني ! قال : كلا ولكن قد خُبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه ، وأنك فعلت بذلك في العشرين الألف دينار ، فأحببت أن أعلم ذلك ! فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ! فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به تأتيني بهذا المال ، وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال ، فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد ، فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك ! قال صدقت يا جعفر ، انصرف آمناً ، فإني لا أقبل فيك قول أحد ! قال وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر !
قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة قال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك ، ما لك لا تدبر أمور الوزير ! فقد أرسل إليَّ فعادلته وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أن يحيى خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبه في الدنيا فأوسع له منها ! قال : بلى أدلك على رجل بهذه الصفة ، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر ، فأرسل إليه يحيى فقال : أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه ؟ فقال له : عندي الخبر وسعى بعمه ! فكان من سعايته أن قال : من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعه تسمى اليسيرة بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البايع : لا أريد هذا النقد ، أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه ، في ثمن الضيعة !
قال النوفلي قال أبي : وكان موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) يأمر لعلي بن إسماعيل ويثق به ، حتى ربما خرج الكتاب منه بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ، ثم استوحش منه ، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر أن علياً بن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق فأرسل إليه مالك والخروج مع السلطان ؟ ! قال : لأن عليَّ ديناً ، فقال : دينك عليَّ . قال : فتدبير عيالي ؟ ! قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلا الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن إسماعيل بن جعفر بثلاث مائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال له : اجعل هذا في جهازك ولا تؤتم ولدي ! » . ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 70 ، والمناقب : 3 / 423 ) .
وفي غيبة الطوسي / 23 ، أن يحيى بن خالد أحضر علي بن إسماعيل : « فأحس موسى ( عليه السلام ) بذلك فدعاه فقال : إلى أين يا بن أخي ؟ قال إلى بغداد ، قال : ما تصنع ؟ قال : عليَّ دينٌ وأنا ممُلق . قال : فأنا أقضي دينك وأفعل بك وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك ! فقال له : أنظر يا ابن أخي لا تؤتم أولادي ! وأمر له بثلاث مائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) لمن حضره : والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي !
فقالوا له : جعلنا الله فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله ! فقال لهم : نعم ، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله ! فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ورفعه إلى الرشيد ، وزاد عليه . . .
وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنه يريد التشتيت بأمتك وسفك دمائها . ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان ، هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن أبي جعفر المنصور وكان على البصرة حينئذ ، فمضى به فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك ! حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه . . إلى آخر الحديث » .
وفي غيبة الطوسي / 23 : « فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه وقال له : إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وإن له بيوت أموال . . الخ . » !
وفي رجال الطوسي / 540 ، أنه ودع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) فقال له : « يا عم أحب أن توصيني فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي ! فقال : لعن الله من يسعى في دمك ! ثم قال : يا عم أوصني ، فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي . . . !
قال : فخرج إلى العراق فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب ، قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب ، فقال الحاجب : إنزل أولاً وغيِّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك إليه بغير إذن ، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت ، فقال : أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي ! فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله فدخل وقال : يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج ! فقال : والله ، فقال : والله ، قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلما قبضها وحمل إلى منزلة ، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحول من الغد المال الذي حمل إليه ! وروى موسى بن القاسم البجلي : عن علي بن جعفر قال : سمعت أخي موسى ( عليه السلام ) قال : قال أبي لعبد الله أخي : إليك ابني أخيك فقد ملآني بالسفه ، فإنهما شرك شيطان يعني : محمد بن إسماعيل بن جعفر وعلي بن إسماعيل ، وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه » !
أقول : ورد أن الذي سعى بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) علي بن إسماعيل ، وفي بعضها أخوه محمد بن جعفر ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 72 ، والمناقب : 3 / 439 ) والظاهر أنهم ثلاثتهم شركاء في ذلك ، بتحريك يحيى البرمكي !
3 - نكبة البرامكة في أوج مجدهم !
حكم يحيى البرمكي وأولاده سبع عشرة سنة ، من أول عهد هارون سنة 170 ، إلى نكبتهم في أول سنة 187 ، حيث انقلب عليهم هارون فجأة ، فقتل جعفر بن يحيى : « ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطَّع جثته ، وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل » ( الطبري : 6 / 491 ) .
وحبس أباه يحيى وأخاه الفضل وماتا في حبسه : « وكان يحيى بن خالد محبوساً بالكوفة ، ولم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ، ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين » ( ابن خلدون : 3 / 224 ) .
وقال بعضهم إن سبب نكبتهم أن جعفر البرمكي زنا بالعباسة أخت هارون رغم نهيه إياه ( سير الذهبي : 9 / 66 ، والطبري : 6 / 489 ) ولا يصح ذلك ، لأن هارون نفسه كان يشرب معهما ، وكان لا يصبر على منادمتهما !
وقال بعضهم إن البرامكة تآمروا مع عبد الملك بن صالح العباسي لينصبوه خليفة بدل هارون ، وهو أحد أعمام هارون ، وكان شخصية متميزة على كل بني العباس في كفاءته وبلاغته ، وكان هارون يهابه ، وقد بعثه لحرب الروم مرات فلم يُقتل ، ثم ولاه الموصل ودمشق ومصر ، وعزله . ثم اتهمه بالتآمر عليه وحبسه وبقي في حبسه حتى أطلقه الأمين ( تاريخ : 37 / 21 ) .
وتدل سياسة هارون وكلماته فيهم على أنه اعتقد أن البرامكة ارتكبوا جريمة خيانة الخليفة ولذلك بادر بتصفيتهم ! وتعمد أن يكتم السبب فقال : « لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها » ! ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 421 ) .
والمرجح عندي أن الفضل بن يحيى لما سجن عنده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) رأى من كراماته وآياته فمال إليه أو تشيع ، وأخذ يفكر جدياً في انقلاب على العباسيين لمصلحة بعض العباسيين أو العلويين ، وبحث ذلك مع أبيه وأخيه في سرية تامة عن هارون !
وقد حكت الروايات ( الطبري : 6 / 491 ) بطش هارون بالبرامكة بعد أربع سنوات من شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، برواية مسرور خادم هارون ، قال :
« أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بن يحيى لما أراد قتله ، فأتيته وعنده أبو زكار الأعمى المغني وهو يغنيه . . قال فقلت له : أجب أمير المؤمنين قال فرفع يديه ووقع على رجليَّ يقبلهما وقال : حتى أدخل فأوصي ! قلت : أما الدخول فلا سبيل إليه ولكن أوص بما شئت ، فتقدم في وصيته بما أراد وأعتق مماليكه ، ثم أتتني رسل أمير المؤمنين تستحثني به ، قال : فمضيت به إليه فأعلمته فقال لي وهو في فراشه : إئتني برأسه فأتيت جعفراً فأخبرته فقال : يا أبا هاشم الله الله ، والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو سكران ، فدافعْ بأمري حتى أصبح وآمره فيَّ ثانية ، فعدت لأؤامره فلما سمع حسي قال : يا ماص بظر أمه إئتني برأس جعفر ! فعدت إلى جعفر فأخبرته فقال : عاوده فيَّ ثالثةً فأتيته فحذفني بعمود ثم قال : نفيت من المهدي إن أنت جئتني ولم تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك أولاً ثم برأسه آخراً ! قال فخرجت فأتيته برأسه ! قال وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه ومن كان منهم بسبيل ، فلم يفلت منهم أحد كان حاضراً ، وحول الفضل بن يحيى ليلاً فحبس في ناحية من منازل الرشيد ، وحبس يحيى بن خالد في منزله ، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك ، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها ، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم وما كان لهم وأخذ كل ما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم ، وولاه أمورهم ، وفرق الكتب من ليلته إلى جميع العمال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم ! فلما أصبح بعث بجثة جعفر بن يحيى مع شعبة الخفتاني وهرثمة بن أعين وإبراهيم بن حميد المروروذي ، وأتبعهم عدة من خدمه وثقاته منهم مسرور الخادم ، إلى منزل جعفر بن يحيى وإبراهيم بن حميد . وحسين الخادم إلى منزل الفضل بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن . ورشيد الخادم إلى منزل يحيى ومحمد بن يحيى . وجعل معه هرثمة بن أعين ، وأمر بقبض جميع مالهم !
وكتب إلى السندي الحرشي بتوجيه جيفة جعفر إلى مدينة السلام ، ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطع جثته وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل ففعل السندي ذلك ، وأمضى الخدم ما كانوا وجهوا فيه ، وحمل عدة من أولاد الفضل وجعفر ومحمد الأصاغر إلى الرشيد فأمر بإطلاقهم .
وأمر بالنداء في جميع البرامكة : ألا أمان لمن آواهم ، إلا محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه ، فإنه استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد له ، وعرف براءته مما دخل فيه غيره » .
وفي الأخبار الطوال / 391 ، أن هارون أمر « عند ممره ببغداد بخشبة جعفر بن يحيى أن تحرق » ! وبذلك أنهى صلب جثة جعفر البرمكي بعد سنة من صلبها !
ووصف في تاريخ بغداد : 7 / 168 ، الحالة التي وصلت إليها والدة جعفر البرمكي ، التي أفلتت من سجن هارون بعد موته ، قال : « عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة قال : دخلت على أمي في يوم عيد أضحى وعندها امرأة برزة في أثواب دنسة رثة فقالت لي : أتعرف هذه ؟ قلت لا ، قالت : هذه عبادة أم جعفر بن يحيى بن خالد ، فسلمت عليها ورحبت بها وقلت لها : يا فلانة حدثيني ببعض أمركم . قالت أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار لمن اعتبر وموعظة لمن فكر : لقد هجم عليَّ مثل هذا العيد وعلى رأسي أربع مائة وصيفة ، وأنا أزعم أن جعفراً ابني عاقٌّ بي ، وقد أتيتكم في هذا اليوم والذي يقنعني جلدا شاتين أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً » !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
