النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الإمام الكاظم "ع" وموسى الهادي العباسي
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص135-146
2025-08-05
25
الخليفة موسى الهادي قصير العمر كثير الشر
أوصى المهدي بالخلافة إلى ابنيه من زوجته المفضلة خيزران ، فجعل ولي عهده موسى الهادي ، وبعده أخاه هارون الرشيد .
وحكم المهدي عشر سنوات ، وكان في الصيد يطارد مع كلابه غزالاً ، فاقتحم به فرسه خربة فاصطدم رأسه بعتبة بابها فمات على الفور سنة 169 ، فحكم بعده ابنه موسى الهادي سنة وربعاً ، ومات وعمره 26 سنة .
كان موسى الهادي : « طويلاً جسيماً جميلاً ، أبيض مشرباً حمرة ، وكان بشفته العليا تقلص » . « وكان يشرب المسكر ، وفيه ظلم وشهامة ولعب ، وربما ركب حماراً فارهاً » . ( سير الذهبي : 7 / 441 ) . « كان يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان المهدى يسميه ريحانتي » . ( الطبري : 6 / 428 ، 433 ) .
« قال ابن دأب : فدخلت عليه وهو منبطح على فراشه ، وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل ، فقال لي : حدثني بحديث في الشراب ! فقلت : نعم يا أمير المؤمنين خرجت رجُلة من كنانة ينتجعون الخمر من الشام ، فمات أخ لأحدهم فجلسوا عند قبره يشربون . . الخ . » . ( الطبري : 6 / 436 ) .
وقال الطبري : 6 / 421 : « كانت الخيزران في أول خلافة موسى تفتات عليه في أموره ، وتسلك به مسلك أبيه من قبله ، في الاستبداد بالأمر والنهي . . . فكان يجيبها إلى كل ما تسأله حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته ، وانثال الناس عليها وطمعوا فيها ، فكانت المواكب تغدو إلى بابها . قال فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلاً ، فاعتل بعلة فقالت : لا بد من إجابتي . قال : لا أفعل ! قالت : فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، قال فغضب موسى وقال : ويلي على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها ، والله لا قضيتها لك !
قالت : إذاً والله لا أسألك حاجة أبداً » !
أقول : عبد الله بن مالك ، الذي اتهم به موسى الهادي أمه الخيزران ، كان رئيس شرطة أبيه المهدي . ثم رئيس شرطته . ( الطبري : 6 / 443 ) .
كان موسى الهادي مشهوراً بالفسق !
في معاهد التنصيص / 198 ، والوافي : 10 / 86 : « وكان السبب في قتل المهدي بشاراً أنه كان نهاه عن التشبيب فمدحه بقصيدة ، فلم يحظ منه بشئ ، فهجاه فقال :
خَليفةٌ يَزْني بعمّاتِهِ * يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولجَانْ
أَبدَلنَا الله بهِ غيرَهُ * ودسَّ موسى في حِرِ الخيزُرَانْ
وأنشدها في حلقة يونس النحوي ، فسعى به إلى يعقوب بن داود الوزير ، وكان بشار قد هجاه بقوله من البسيط :
بنِي أميةَ هُبّوا طَالَ نوْمُكْمُ * إنّ الخليفةَ يعقوبُ بنُ داود
ضاعتْ خلافَتُكُمْ يا قومُ فالْتَمِسُوا * خَليفةَ الله بين الزّقّ والعُودِ
فدخل يعقوب على المهدي فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك ! قال : بأي شئ ؟ قال : بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري ! فقال : بحياتي أنشدني إياه ، فقال : والله لو خبرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي ! فحلف عليه المهدي بالأيمان التي لا فسحة له فيها ، فقال : أما لفظاً فلا ، ولكنني أكتب ذلك فكتبه ودفعه ! فكاد ينشق غيظاً ! وعمل على الإنحدار إلى البصرة لينظر في أمرها وما في فكره غير بشار ، فانحدر فلما بلغ إلى البطيحة . . فإذا بشار . . . فأمر بضربه بالسوط فضربه بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطاً أتلفه فيها . . . فألقي في سفينة حتى مات ، ثم رمى به في البطيحة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة » . والطبري : 6 / 401 ، وطبعة : 4 / 485 ، و 590 ، والكامل : 6 / 86 ، والأغاني : 3 / 241 ، وفيات الأعيان : 1 / 273 ، وبدائع البداية / 15 .
ثورة الحسين بن علي صاحب فخ على موسى الهادي
كان عهد المهدي العباسي على سوئه ، فسحةً للإمام الكاظم ( عليه السلام ) وشيعته ، أما عهد ابنه موسى الهادي فكان على قصره ، شراً على الأمة وخاصة أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم لأنه نفذ سياسة جده المنصور في إبادة أبناء علي وفاطمة ( عليهم السلام ) !
وقد قرر العلويون مواجهة هذه السياسة ، فكانت ثورة الحسين بن علي في منطقة فخ ، وهو مكان في مكة يعرف بوادي الزاهرية . ( معجم البلدان : 4 / 237 ) .
وفي مقاتل الطالبيين / 294 : « كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أن موسى الهادي ولَّى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه ، فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن .
ووفى أوائل الحاج وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلاً ، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسيناً وغيره ، فبلغ ذلك العمري فأنكره . . فأشاع أنه وجدهم على شراب . . أغلظ العمري أمر العرض وولى على الطالبيين رجلاً يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار ، فعرضهم يوم جمعة ، فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد ، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى والحسين بن علي : ليأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب . . فغضب يحيى بن عبد الله فقال له : فما تريد منا ؟ فقال : أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد ! فقال : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم أعرضهم رجلاً رجلاً فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا ، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنه إن لم يجئ به ليركبن إلى سويقة فيخربها ويحرقها ، وليضربن الحسين ألف سوط ، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته !
فوثب يحيى مغضباً فقال له : أنا أعطي الله عهداً ، وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوماً حتى آتيك . . . فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي ، فلما أذن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحدٌ أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش وصاح : إغلقوا البغلة وأطعموني حبتي ماء !
قال علي بن إبراهيم في حديثه : فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء » !
قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 404 : « وبويع لموسى الهادي بن محمد المهدي . . . وكانت هادئة والأمور ساكنة ، والملوك في الطاعة ، فظهر منه أمور قبيحة ، وضعف شديد ، فاضطربت البلاد . . . وتحرك جماعة من الطالبيين وصاروا إلى ملوك النواحي ، فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة ، وذلك أن موسى ألحَّ في طلب الطالبيين ، وأخافهم خوفاً شديداً ، وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والأعطية ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم !
فلما اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ويحث عليهم ، عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان له مذهب جميل وكمال ومجد وقالوا له : أنت رجل أهل بيتك ، وقد ترى ما أنت وأهلك وشيعتك فيه من الخوف والمكروه ، فقال : وإني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر ، فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم ، فقال لهم : إن الشعار بيننا أن ينادي رجل : من رأى الجمل الأحمر ، فما وافاه إلا أقل من خمس مائة ، وكان ذلك في سنة 169 بعد انقضاء الموسم . فلقيه سليمان بن أبي جعفر ، والعباس بن محمد بن علي ، وموسى بن عيسى ( قادة عسكريون ) بفخ فانهزم ومن كان معه وافترقوا ، وقتل الحسين بن علي وجماعة من أهله ، وهرب خاله إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، فصار إلى المغرب ، فغلب على ناحية تتاخم الأندلس يقال لها فاس ، فاجتمعت عليه كلمة أهلها ، فذكر أهل المغرب أن موسى وجه إليه من اغتاله بسم في مسواك فمات ، وصار إدريس بن إدريس مكانه ، وولده بها إلى هذه الغاية يتوارثون تلك المملكة . . . فلم تزل البلاد مضطربة أيام موسى ( الهادي ) كلها » .
وفي مقاتل الطالبيين / 302 : « لما قتل أصحاب فخ ، جلس موسى بن عيسى ( العباسي ) بالمدينة ، وأمر الناس بالوقيعة ( السب ) على آل أبي طالب ، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد ، فقال بقي أحد قيل له : موسى بن عبد الله ( الحسني ) وأقبل موسى بن عبد الله على أثر ذلك وعليه مدرعة وإزار غليظ وفي رجليه نعلان من جلود الإبل ، وهو أشعث أغبر حتى قعد مع الناس ولم يسلم عليه ، وإلى جنبه السري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب ، فقالوا لموسى بن عيسى : دعني أكسف عليه باله وأعرفه نفسه ! قال أخافه عليك ! قال : دعني فأذن له فقال له : يا موسى ! قال : أسمعت فقل ! قال : كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين عليكم . فقال موسى : أقول في ذلك :
بني عمنا ردوا فضول دمائنا * ينمْ ليلكم أولا يَلُمْنا اللوائمُ
فإنا وإياكم وما كان بيننا * كذي الديْن يقضي دينه وهو راغم
فقال السري : والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة ، ولو كنتم مثل بني عمكم ( الحسينيين ) سلمتم ! يعني موسى بن جعفر وكنتم مثله ، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه ، فهو لا يطلب ما ليس له ! فقال له موسى بن عبد الله :
فإن الأولى تثني عليهم تعيبني * أولاك بنو عمي وعمهم أبي
فإنك إن تمدحهم بمديحة * تُصدق ، وإن تمدح أباك تكذب
قالوا : ولما بلغ العمري ( الوالي ) وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها ، وقبض أموالهم ونخلهم ، فجعلها في الصوافي المقبوضة » . أي في أموال الدولة .
موسى الهادي يقرر قتل الإمام الكاظم ( عليه السلام )
في مناقب آل أبي طالب : 3 / 423 ، عن علي بن يقطين ، وعبد الله بن أحمد الوضاح قال : « لما حمل رأس صاحب فخ إلى موسى بن المهدي ، أنشأ يقول :
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه * فيقبل قيلاً أو يحكم قاضيا
ولكن حد السيف فيكم مسلط * فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن * ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا
فقد ساءني ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان امراً مدانيا
ثم أخذ في ذكر الطالبيين وجعل ينال منهم ، إلى أن ذكر موسى بن جعفر وحلف بالله ليقتله ، فتكلم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه .
وأنهي الخبر إلى الإمام ( عليه السلام ) وعنده جماعة من أهل بيته فقال لهم : ما تشيرون ؟ قالوا : نشير عليك بالابتعاد عن هذا الرجل وأن تغيب شخصك عنه ، فإنه لا يؤمن شره ، فتبسم أبو الحسن وتمثل :
زعمت سخينةُ أن ستقتل ربها * وليغلبنَّ مُغلبُ الغُلاب
ثم أنشد : زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربعُ !
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حده ، ودفع لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته ، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوائح ، صرفت ذلك بحولك وقوتك . إلخ . . .
ورواه في مهج الدعوات / 217 ، بتفصيل ، قال : « فمن ذلك الدعاء المعروف بدعاء الجوشن المروي عنه ( عليه السلام ) رويناه بعدة طرق . . . . حدثنا أبو الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ، وتفرق الناس عنه ، حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي ، فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلاً :
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله * فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فينا مسلط * فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا * ولكن قد أسأنا التقاضيا
ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأخذ من الطالبين ، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر صلوات الله عليه فنال منه ، ثم قال : والله ما خرج حسين إلا عن أمره ، ولا اتبع إلا محبته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه ! فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعمله وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تعريضه وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً !
فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، ولا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ! ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون فقال : وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة ، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين ، وقد ظفر أمير المؤمنين بهم ! ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه .
وقال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بصورة الأمر فورد الكتاب ، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن ( عليه السلام ) على ما ورد من الخبر ، وقال لهم : ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ، وتغيب شخصك دونه ، فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه ، سيما وقد توعدك وإيانا معك !
فتبسم موسى ( عليه السلام ) ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرج روعكم ، إنه لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن مهدي وهلاكه !
فقالوا وما ذاك أصلحك الله ؟ فقال : قد وحرمة هذا القبر مات في يومه هذا ! والله إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ! سأخبركم بذلك : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت عيناي ، إذ سنح لي جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى فما جعل الله لموسى عليك سبيلاً ! فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفاً عدوك ، فلتحسن لله شكرك ! قال ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو ! فقال أبو الوضاح : فحدثني أبي قال كان جماعة من خاصة أبي الحسن ( عليه السلام ) من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسن ( عليه السلام ) بكلمة أو أفتى في نازلة ، أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ، قال فسمعناه وهو يقول في دعائه : شكراً لله جلت عظمته . ثم أورد دعاء الجوشن الذي كان الإمام ( عليه السلام ) دعا به ، وهو طويل » .
أقول : كانت قريش تعاب بأكل السخينة في أيام فقرها ، وهي طعام من الدقيق والسمن .
وقد روي عن الأئمة ( عليهم السلام ) مدح صاحب فخ والثائرين معه ، وذهب أكثر علمائنا إلى شرعية ثورته التي كان هدفها إيقاف خطة إبادة العلويين !
ففي مقاتل الطالبيين / 304 : أن صاحب فخ ( رحمه الله ) قال : « ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر ، فأمرنا بالخروج »
وفي الكافي : 1 / 366 : « لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ ، واحتوى على المدينة ، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة فأتاه فقال له : يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله ، فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد ! فقال له الحسين : إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه ، والله المستعان . ثم ودعه فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه : يا ابن عم إنك مقتول فأجد الضراب ، فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ويسترون شركاً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، أحتسبكم عند الله من عصبة ، ثم خرج الحسين وكان من أمره ما كان قتلوا كلهم كما قال ( عليه السلام ) » .
وفي مقاتل الطالبين / 302 : « جاء الجند بالرؤس إلى موسى والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم أحد منهم بشئ إلا موسى بن جعفر فقال له : هذا رأس الحسين ! قال : نعم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً ، صالحاً ، صواماً ، قواماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ! فلم يجيبوه بشئ » .
وفي عمدة الطالب : 183 ، والسلسلة العلوية لأبي نصر البخاري ، عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) قال : « لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ » .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
