لم نعالج في هذا الفصل حتى الآن سوى الأساس الترمودينامي للاساطر الرمني . على أن هناك عمليات أخرى مهمة لا تناظرية يبدو أنها لا تتعلق مباشرة بعليم الترموديناميك من حيث توصيفها ، رغم أن تفسير اللاتناظر فيها يمكن أن يتصل باللاتناطر الترمودينامي في أعماقه.

نسوق ، كمثال شائع على هذه الظواهر ، اللاتناظر الذي نصادفه عندما نلقي حجراً في بحيرة . نرى عندئذ اضطراباً يأخذ شكل موجة دائرية تنتشر من نقطة سقوط الحجر نحو شط البحيرة . إن الصورة المعكوسة زمنياً ، أي التي تتمثل باضطراب دائري ينشأ تلقائياً من الشط ويضيق متقارباً من نقطة ينطفىء فيها ، لا تحدث بتاتاً .

شکل 3-7. الحركة الموجية المتأخرة ، والمتقدمة. الحجر الملقى في بحيرة هادئة يسبب اضطراباً يسافر صوب الخارج ، ، ويسمى موجة متأخرة ( ) . أما الموجة المتقدمة ( ) ، أي الاضطراب الذي يأتي من تضافر شتى المناطق البعيدة من البحيرة لتوليد اضطراب دائري يتقدم نحو المركز ، فاحتمال لا نصادفه البتة

إن اللاتناظر في الحركة الموجية يظهر في العديد من فروع الفيزياء ، في انتشار أمواج  الراديو مثلاً . فالاشارة الراديوية تستقبل ، في كل حال ، بعد إرسالها لا قبله . أي أن أمواج الراديو تنطلق من هوائي البث الى الفضاء المحيط ، لا في الاتجاه المعاكس بتاتاً .

إن صورة الحركة الموجية التي نصفها هنا ، حيث يتحرك الاضطراب نحو خارج المنبع ، تسمى الحركة الموجية المتأخرة لأن الاضطراب يبلغ النقاط البعيدة متأخراً عن لحظة حدوثة بسبب الفترة الزمنية التي يستغرقها الانتشار عبر الفضاء. أما الحادثة المعكوسة زمنياً ، التي تتمثل بنشوء موجة دائرية قرب ضفاف البحيرة قبل أن تتقارب نحو المنبع . فتسمى الموجة المتقدمة . إن العجيب في هذا الأمر أن قوانين انتشار الأمواج تبيح حدوث هذه الموجة أو تلك على حد سواء . فحل معادلات مكسويل في انتشار الأمواج الكهرطيسية ، مثلاً ، يتضمن حدوث هاتين الموجتين دون تمييز . لكننا نستبعد إمكانية الحل المتقدم بحجة أن الظروف لا تلائم ظهور موجة تتولد على مسافات بعيدة وتتجمع نحو نقطة واحدة. ولكن لماذا لا تحدث هذه الظروف ؟ لقد عجز الفيزيائيون عن الاتفاق على جواب عن هذا السؤال .

لتتأمل أولاً في وضع يبدو أن فيه جواباً واضحاً. ففي حالة البحيرة تكون الجملة التي ندرسها ذات امتداد محدود . فاذا فكرنا بمحاكة شبيهة بتلك التي أجريناها على نموذج بولتزمان الغازي ، نفترض أننا أمام نموذج بحيرة معزولة عن العالم الخارجي ومعزولة أيضاً عن العوامل الترمودينامية ، كاللزوجة التي تسبب تخامد الموجة وما إلى ذلك مما يمكن أن يعقد الموضوع . ففي هذه الجملة المثالية يمكن أن تحدث كل أنواع الأمواج بما فيها ، بعد. زمن يطول أو يقصر ، الحركات الموجية المتقدمة المتقاربة . لكن الأكثر حدوثاً هي الاضطرابات السطحية الفوضوية واللا مرئية - أي ظرف والأنتروبية العالية - التي يمكن أن نعتبرها حالة توازن للبحيرة .

 يكاد لا يختلف هذا في شيء عن جملة بولتزمان التي يمكن أن يحدث فيها اتفاقاً كل . أنواع الحركات الجزيئية والتي تنزع مع ذلك دوماً الى الاقتراب من ظرف التوازن الفوضوي . وقد لا نستغرب التشابه بين هاتين الجملتين، الغاز والبحيرة. فنظرية الكم تخبرنا أن حركة الذرات ، في كلتا الحالتين ، ذات مظهر موجي . إن البحيرة المعزولة تتصرف بتناظر زمني لا يختلف عن مثيله في الغاز المحصور في الصندوق . على أن البحيرة ليست معزولة في الواقع. وعندما نرمي فيها حجراً جاء من خارجها نصنع جملة فرعية ، كما نفعل تماماً عندما نضع مكعب جليد في ماء يغلي . ومرة أخرى نقول : إذا ألقي الحجر عشوائياً فستوجد موجة متأخرة باحتمال عظيم ، لأن من مثل الأكيد أن لا يحدث على الضفاف ، لحظة وصول الاضطراب بالضبط ، تفاوت يجعل الموجة ترتد على أعقابها بالضبط والتمام .

 إن اعتبارات الجمل الفرعية تتحطم ، لسوء الحظ، عندما يكون حجم الجملة لا متناهياً في الكبر . فلو فتحنا صندوق الغاز على الفضاء اللا متناهي الخالي فإن الغاز يتشتت فيه دون عودة. وموجة الراديو التي تسافر في الفضاء اللا محدود ولا تصادف ضفاف البحيرة، لن تعود أبداً . إن تشتت الجسيمات والأمواج هذا ، هو ، من الحوادث اللاتناظرية زمنياً ، نوع جديد يستدعي تعليلاً جديداً. ومن الواضح أن مثل هذا التفسير لا يمكن أن يعتمد على اعتبارات موضعية . فالذي يجب أن نشرحه هو لماذا لا تحدث في مناطق العالم النائية ظروف تجعل أمواج الراديو وجزيئات الغاز تهرع كلها معاً لتتركز في حيز صغير . إن التفكير في مثل هذه الحوادث الغريبة ، كرجوع أمواج الراديو على أعقابها من تخوم الفضاء الكوني ، قد يبدو للقارىء أمراً مضحكاً بكل بساطة ، كما يبدو البحث عن تعليل عدم حدوثها مهمة فارغة . لكننا سنرى أن نتائج هذه الدراسة يمكن أن تفرض قيوداً صارمة على العالم الذي نعيش فيه . وسنرى فوق ذلك أن بعضاً من النماذج الكونية، التي يمكن أن تتضمن شبهاً مع عالمنا، قد تتيح فعلاً حدوث مثل هذه الأمور المضحكة من وقت لآخر.

إن التمحيص في أصل تشكل الجمل الفرعية ، وفي لا عكوسية (اللاتناظرية الزمنية) الحركة الموجية ، قد أفضى الى اعتبارات تتناول خصائص العالم الكوني بأبعد مداه . وقبل أن نسوق تعليلات مقنعة لهذه الأمور في الفصل السادس لابد من شرح ما هو معلوم عن أصل هذا العالم وعن بنيته وعن تطوره. وفي سبيل ذلك نشرح أولاً طبيعة الثقالة

اخر الاخبار

اخبار العتبة العباسية المقدسة

خمسون عامًا من العطاء.. نجم الأعرجي خادم الزائرين بلا انقطاع

العتبة العباسية المقدسة تواصل إقامة مجالسها العزائية لإحياء شهر المحرم

العتبة العباسية المقدسة تطلق سلسلة محاضرات قرآنية عاشورائية في بابل

في مساء اليوم الخامس من المحرّم.. المواكب الكربلائيّة تواصل فعالياتها العزائية

المزيد

الآخبار الصحية

لهذا السبب.. إغلاق 25 مركزًا لعلاج الإدمان في مصر ؟

خلافا للاعتقاد الشائع.. علماء يكشفون أسرار بذور البطيخ ؟!

هذا ما يحدث لجسمك عند تناولك الطماطم بانتظام !

تعرف على أطعمة تسرّع "تعافي الجسم" من حروق الشمس

المزيد

الآخبار التكنلوجية

الثلوج تغطي الصحراء الأكثر جفافا في العالم!

بتلسكوب "ألما".. التقاط صورا غير مسبوقة لبدايات الكون !

هل هاتفك مراقب؟.. 5 علامات خطيرة تكشف التجسس عليك

دبي تطلق أول رحلة تجريبية للتاكسي الجوي

المزيد

مواضيع ذات صلة

اجتياز الضوء الأصفر

دوران السيارة حول نفسها بسبب الضغط المفاجئ على المكابح

القوافل والاختناقات المرورية

الحد الأدنى للمسافة الفاصلة بين السيارات(خرافة المسافة الآمنة: الفيزياء تكشف خطأ القاعدة التقليدية)

موجات الصدمة على الطريق السريع

الركض أم السير تحت الأمطار ؟(عندما تلتقي قطرات المطر مع قوانين الفيزياء)

كهرطيسية مكسويل والأثير

نظرية نيوتن في التثاقل الكوني

ماخ والرؤية العلائقية

المكان والزمان عند نيوتن

نماذج الفضاء الرياضية (مقدمة في النماذج الرياضية للمكان والزمان: من النقطة إلى الزمكان)

مقدمة في بنية المكان والزمان: كيف غيّرت الفيزياء فهمنا للكون