تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
المكان والزمان عند نيوتن
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص25
2025-06-28
12
إن الخواص المترية للفضاء بالقرب من سطح الكرة الأرضية قد بحثت بالتفصيل لدى مهندسي الاغريق في وقت مبكر ، وقد اكتسبت هذه السمات السكونية للعالم شكل نصوص في مسليمات الهندسة الاقليدية ونظرياتها . لكن الخواص الحركية للعالم لم تدخل في نظرية منهجية رياضية حتى جاءت أعمال إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر . فقد قدم نيوتن نظرية في حركة الأجسام المادية . وبما أن الجسم المتحرك . بسير خلال الفضاء في الزمن ، فإن هذه النظرية تربط المكان مع الزمان بروابط مجموعة من القوانين . أي أن نيوتن قد اكتشف علاقات رياضية بسيطة تتحكم في حركة الأجسام الصلبة المثالية . وهذا العمل العظيم طبع بطابعه الخاص بنية علم الفيزياء قروناً عديدة.
إن نموذج الفضاء الذي اقترحه نيوتن كان نموذج هيولة ، ذات وجود مستقل ، تتحرك فيها الأجسام والإشعاع ، على شاكله سمكة تسبح في الماء . فكان لكل جسم موضع وتوجه في الفضاء ، وكانت المسافة بين حادثين معرفة تعريفاً جيداً حتى ولو كان الحادثان يحدثان في زمنين مختلفين .
إن مفهوم الزمن عند نيوتن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة التزامن . فالزمن في هذا النموذج شامل ومطلق . إن الزمن الشامل يعطي معنى لقولك إن الحادثين متزامنان (أي يحدثان في زمن واحد ، في لحظة واحدة) - وذلك حتى لو وقعا في نقطتين منفصلتين من الفضاء . فعلى هذا الأساس، إذا كانت الساعة السابعة في لندن فإنها السابعة أيضاً في كل أنحاء العالم الكوني رغم أن سكان نيويورك يسمونها الساعة الثالثة ، لكن هذا محض اصطلاح ، وهما وقت واحد في نظرية نيوتن. فالمكان والزمان النيوتنيان مفترضان مطلقين دوماً - فهما مسرح سرمدي ، أو إطار لا يتأثر بسلوك محتوياته (الأجسام المادية) . رغم أن الفضاء ، عند نيوتن وكما سنرى ، مفروض أن يفعل في المادة ، في بعض الظروف ، دون أن تقوم المادة بأي رد فعل على الفضاء .
لكن معالجة نيوتن للفضاء، على أنه هيولة مستقلة قائمة بذاتها ، جعل نظريته تدخل في صراع مع المدرسة العلائقية التي ترى في الكلام عن المكان والزمان محض صطلاح لغوي في الكلام عن العلائق فيما بين الأجسام المادية . فأنصار هذا المذهب يرون ان اعتبار الفضاء كياناً فيزيائياً لايزيد في معقوليته عن معقولية اعتبار «الجو الفاسد» بين شخصين متخاصمين مقداراً فيزيائياً حقيقياً . لأن القول عن شخص أنه منزعج من الجو الفاسد بعد الخصام ليس سوى تعبير لغوي عن مزاج المتخاصمين بعد الخصام . ولم يخطر لأحد أن يعتبر هذا الجو المزعوم كياناً قائماً بذاته مستقلاً عن وجود المتخاصمين ولا أن يفكر بإمكانية كشفه بجهاز ما . والفضاء ، كغرض فيزيائي ، لا يكتسب معنى إلا إذا أمكن كشفه والشعور به ، أو إذا كان بإمكانه أن يولد تأثيرات فيزيائية . فكيف نعين نحن وضع جسم في الفضاء ؟ والفضاء ، بالتعريف ، غير ذي سمات ولا معالم . وبإمكاننا ، طبعاً ، أن نعين وضع جسم بالنسبة لمجموعة أجسام أخرى فتحديد خطي العرض والطول ، هو تحديد لبعد المكان عن خط الاستواء وعن خط طول غرينويتش على التوالي وفوق ذلك ، فإن كل خواص الفضاء مستمدة حصراً من أرصاد تتناول الأجسام المادية والإشارات الضوئية . فيمكن مثلاً أن نتحقق ، بسهولة وبدرجة عالية من الدقة ، أن مجموع زوايا المثلث يساوي 180 درجة ، وذلك إذا تزودنا بآلات لقياس الزوايا وبأقطاب فكيف يمكن أن نستنتج هذه الخاصة في الفضاء الخالي ؟ وفي كل الأحوال ، فإن كل جزء من البحر المحيط لا يختلف في منظره عن أي جزء آخر ، لكن وجوده كوحدة مادية منفصلة ليس موضع شك لأننا نستطيع أن نسافر خلال المحيط وأن نشعر بمقاومته . فهل حركة الجسم خلال الفضاء تولد آثاراً محسوسة ؟ هل يفعل الفضاء في الجسم المتحرك كما يفعل ماء البحر في السمكة المتحركة ؟
في نموذج المكان والزمان النيوتنيين يوجد معنى لمناقشة سرعة الجسم خلال الفضاء إن السؤال بأية سرعة أنت تتحرك ؟ يشكل جملة شائعة ذات معنى كاف لأن يجعل المرء يتوقع عموماً جواباً شافياً عنها . والرجل الجالس في غرفته يحسب عادة نفسه ساكناً . لكن قليلا من التفكير يذكره بأنه متحرك في واقع الأمر مع الأرض حول الشمس . فبأية سرعة تتحرك الأرض إذن ؟ لا يمكن أن نعطي جواباً عن هذا السؤال دون أن نعرف سرعة حركة الشمس . فالواقع أن الشمس في حالة دوران حول المجرة . وليس هذا هو السؤال الأخير ، لان كل المجرات المعروفة تتباعد بعضاً عن بعض، على صورة توسع عام . فالعالم الكوني يعج بالحركة . وهذه الاعتبارات تلقي ظلا من الشك على كل وسيلة ميكانيكية نأمل بها أن نقرر فيها إذا كان شيء ، أي شيء ، في حالة سكون في الفضاء الكوني . فكيف نعرف إذن حالة السكون فيه ؟ كان يعتقد خلال عدة قرون أن الأرض ساكنة في الفضاء ، وأن الشمس والقمر والنجوم تدور حول الأرض بتوقيت لا خلل فيه، لكن الأرض نفسها ساكنة . بيد أن كوبرنيق (البولوني ، (1473 - 1543) حطم هذه الصورة المريحة التي تضع الجنس البشري في مركز العالم (وفي مركز اهتمام الله ) وذلك بالبرهان على أن الشمس تقع في مركز المنظومة الشمسية وأن الأرض تدور حولها. ولم يسترد الجنس البشري حتى الآن وعيه من هول الصدمة التي أفقدته هذا المركز المتميز في الوجود .
يجد الصبيان الصغار صعوبة في تقبل حقيقة أن الأرض تتحرك ، لأنها لا تولد شعوراً بأنها تتحرك . ويمكن أن نكتسب إداركاً عميقاً لطبيعة علم الميكانيك بتحليل سديد لنوع الحركة الذي يولد شعوراً . إن المسافر في الطائرة ، عندما يريد أن يعرف فيهما إذا كان طائراً خلال الهواء أو ساكناً على الأرض ، ماعليه سوى أن يتطلع من النافذة الى ماهو خارجها كي يعرف الجواب. واذا كانت الطائرة دون نوافذ فسيتتابه شك في الحركة ، لكن الاضطراب الذي تولده عاصفة عارضة ، أو مناورة الربان أثناء الأقلاع أو الهبوط ، يكفي لاقناعه بأنه محمول ومتحرك في الهواء. أما إذا كان الطيران منتظماً فإن شعوره بالحركة يختفي . والواقع أن من السهل جداً أن ينخدع المرء نفسياً بخصوص حالة حركته . ولا نشك في أن القارىء قد تعرض إلى ظاهرة شائعة تحدث للمره الجالس في عربة قطار ا يتوهم بأن قطاره آخذ بالحركة ثم يكتشف بعد وقت قصير أن قطاره مايزال ساكناً ، عندما أما الذي كان يتحرك فهو القطار الذي كان يدرج على السكة المجاورة الموازية لسكة قطاره وبالاتجاه المعاكس .
إن تعميم الخبرات التي من هذا القبيل تظهر أن الاحساس بالحركة لا يحدث إلا عندما تكون هذه الحركة غير منتظمة. فالاضطرابات الحركية للطائرة ، أي تغير سرعتها إبان صعودها أو هبوطها أو انعطافها أو تأثرها بالعاصفة ، يمكن أن يشعر بها الراكب الأعمى في الطائرة . كما أن الاندفاع الذي تعانيه الأحسام في القطار ، نحو الأمام أثناء جم الحركة المفاجىء أو نحو الوراء أثناء انطلاق القطار، كاف لإقناع المسافر بأن قطاره هو الذي يعاني هذه الأمور ، لا القطار المجاور. وبدقيق العبارة نقول : إن الحركة ذات السرعة المنتظمة دون تغير في قيمة سرعتها ولا في منحاها) لا يمكن أن تُحس ، لكن الحركة المتسارعة ، أي تلك التي تتغير سرعتها ، زيادة أو نقصانا أو انعطافاً ، هي التي تُحس .
لقد وضع نيوتن هذه الاعتبارات ، وهي بالأحرى تأويلات بشرية ، ليؤمن أساساً علمياً في صياغة قوانينه الحركية بحيث تكون مستقلة تماماً عن سرعة الجملة الفيزيائية ولتكون ، بدلاً من ذلك ، متعلقة بتسارعها فقط . فهو بذلك يكون قد عنى مايلي : إذا كانت جملتان متحركتين بسرعتين منتظمتين مختلفتين، فلا يمكن بأية تجربة إقامة الدليل لتقرير أيها الساكنة حقاً وأيها المتحركة ولا التأكيد أن كلتيهما متحركتان . وليس من قول ذي معنى سوى القول بأن إحداهما تتحرك بالنسبة للأخرى حركة منتظمة (انظر الى الشكل 1 - 5) . وقد جرت العادة في نسب حالة الحركة الى مرجع مقارنة ، ويمكن أن نتصور
شكل 1 - 5. السرعة المنتظمة نسبية. مرکبتان فضائیتان تتقاربان بسرعة 10000 كيلومتر في مكان ناء. إن أياً من القاطنين فيهما لا يشعر بالحركة بل يظن أن مركبته ساكنة وأن المركبة الأخرى هي التي تتحرك نحوه، فمن هو المحق؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال. ولا قدرة لأي جهاز موجود في أي من المركبتين على أن يكشف الحركة المنتظمة للمركبة التي هو فيها. وكل ما يمكن كشفه هو سرعة مركبة بالنسبة للأخرى.
راصداً افتراضياً مرتبطاً بكل مرجع . وعندئذ ندرك أن قوانين نيوتن تنكر وجود طائفة من المراجع متميزة بامكانية أن توصف بأنها في حالة سكون . فكل الحركات المنتظمة نسبية في ميكانيك نيوتن . فاذا قلنا إن سيارة تتحرك بسرعة 50 كيلو متراً في الساعة فإننا بذلك تعني 50 كيلو متراً في الساعة بالنسبة للطريق». فقوانين نيوتن تتضمن أن هذا هو كل ما يعنيه ذلك القول .
وكشيء يتميز بشدة عن نسبية السرعة المنتظمة تطرح قوانين نيوتن تسارع الحركة كشيء مطلق . وهذا معناه أننا نستطيع إقامة تجارب للإجابة بوضوح تام عن السؤال : ه هل هذا المرجع متسارع خلال الفضاء المطلق ؟ وأن هذه التجارب يمكن أن تقام بتمامها ضمن المرجع المتسارع نفسه دون حاجة لأن نستشير العالم الخارجي في هذا الشأن . فبالعودة إلى أحد الأمثلة التي سقناها آنفاً نستنتج أن البيضة الموضوعة على منضدة مستوية في طائرة متحركة بانتظام لا تفعل شيئاً يفشي سر الحركة المنتظمة للطائرة . لكن البيضة تتدحرج حتى تسقط وتنكسر إذا تباطأت الطائرة فجأة أو انعطفت حركتها . فالتسارع هو الذي يكسر البيضة ، لا الحركة المنتظمة.
إن الحركة المنتظمة تبدو في ميكانيك نيوتن وكأنها شيء غير ذي بال . ولهذا السبب لم يحاول نيوتن تعليل الحركة المنتظمة ، التي يمكن عندئذ اعتبارها حالة طبيعية . لكنه كان يرى ، في مقابل ذلك ، أن تسارع الحركة يحتاج لزاماً الى ، سبب ، وقد أطلق على مسببات التسارع اسم القوى . فالحجر مثلا يهبط نحو الأرض لأن قوة التشاقل تسرعه نحو الأسفل. وهناك قوة مماثلة تتسلط على حركة الأرض حول الشمس . فقوانين نيوتن تدعي سرعة كوكبنا في الفضاء لاتحتاج بحد ذاتها الى تعليل ، وهذا من حسن الحظ ، لأننا عندما نتطلع في اتجاه سرعة الأرض لا نرى شيئاً ذا بال يمكن أن يوجب هذه السرعة فحسب ، بل نرى أيضاً أن منحى الحركة يتغير باستمرار متبعاً انعطاف مسار الأرض حول الشمس . فهذا الانحناء في مسار الأرض هو الذي يتطلب من النظرية تفسيراً ، لأن الجسم الذي يتحرك في خط منحن يكون في كل الأحول متسارعاً باتجاه انعطاف المسار . فالكوكب المتحرك في خط دائري مثلاً يغير منحاه دوماً نحو مركز الدائرة (انظر الشكل 1-6) . فدوام تسارع الأرض نحو مركز المدار هو الذي يجب أن نجد له تفسيراً ، ولا حاجة لتفسير السرعة في اتجاه الحركة. وعندما نتطلع نحو مركز مدار الأرض نرى بالفعل شيئاً ذا شأن - نرى الشمس . فالجذب الثقالي الناشيء عن الشمس هو الذي يجبر الأرض المتحركة على الانعطاف الدائم نحو الشمس وه حدث واختفت الشمس اتفاقاً فإن الأرض لابد أن تعود إلى الحركة المنتظمة فتندفع محبوبه الوثاق في خط مستقيم .
شكل 1-6 . إن للحركة الدائرية تسارها الأرض تدور حول الشمس في مسار دائري تقريباً وبسرعة ثابتة القيمة . لكن منحى هذه السرعة متغير باستمرار ففي النقطة A تتجه حركة الأرض نحو 8 ، لكنها بسبب انحناء المسار تأتي إلى C لتغير التجاه الحركة ، على طول B C ، يتم نحو الشمس. إن هذا التغير في السرعة - أي التسارع - بجم عن فوه الشامل التي تسلطها الشمس لتجذب الأرض على طول المنحى BC (السهم المضاعف). إذ لا يوجد قوة تفعل في منحى السرعة المدارية (الأسهم المفردة) .
إن ما يسمى قانون نيوتن الحركي الثاني يقول إن تسارع الجسم يتناسب مباشرة مع القوة المسبية له ، المتسلطة على الجسم . وحاصل القسمة الثابت ، للقوة على التسارع ، الكتلة العطالية للجسم ؛ وبذلك نكتب :
القوة = ( الكتلة العطالية ) × (التسارع ) (1-1)
وهكذا ، عندما تزول القوة يزول التسارع ، فيروح الجسم يتحرك حركة مستقيمة منتظمة . والمعادلة ( 1 - 1 ) لا تتغير باضافة سرعة ثابتة إلى الجسم ، لأن تغير السرعة
وحده - التسارع - هو الذي يدخل في القانون الثاني. وتعبر المعادلة ( 1 - 1 ) أيضاً عن خبرتنا في أن الجسم كلما كان كبير الكتلة كانت عملية تسريعه بالقوة ذاتها أصعب ( إن من الأصعب أن ندفع سيارة من أن تدفع دراجة ) . ومن الواضح أننا لا نستطيع حل المعادلة ( 1 - 1 ) إلا إذا علمنا كل شيء عن القوة ، لأن هذه القوة قد تتغير بمرور الزمن أو بتغير موضع الجسم
هذا ولو قرأنا قانون نيوتن من اليسار إلى اليمين فانه يدل على أن الجملة المتحركة بانتظام لا تتسلط قوى على مكوناتها . وعلى هذا فان سلوك هذه المكونات ( ربما الكائنات البشرية من ضمنها ( لا يمكن أن يتأثر بالسرعة المنتظمة العالية . وهكذا فان أية حالة حركية منتظمة لا يمكن أن تتميز عن أمثالها بأية وسيلة ميكانيكية إن السبب في عدم التضاح هذه المبادىء الحركية لعامة الناس يكمن في واقع أن خبرتنا اليومية تبدو لأول وهلة متناقصة مع هذه المبادىء . إذ يتضح مثلا أننا نحتاج إلى قدرة محركة قدرة المحرك البترولي هنا - كي تستطيع أن نحرك سيارة على طريق أفقي بسرعة منتظمة تساوي 50 كيلومتراً في الساعة مهل تتناقض هذه التجربة مع قانون نيوتن الثاني الذي يقضي بأن مثل هذه الحركة المنظمة لابد أن تستمر بطبيعة حالها دون توقف ، وبأن الحركة المتسارعة وحدها هي التي تتطلب قدرة محركة خاصة ؟ إن الجواب يكمن في واقع أن السيارة تتطلب قدرة محركة حتى للإحتفاظ بسرعة منتظمة ، لأن من الضروري التغلب على قوى الاحتكاك ومقاومة الهواء التي تحول دوماً دون استمرار الحركة عملياً والتي ، بموجب المبادىء المعروضة أعلاه ذاتها ، تؤدي إلى تباطؤ حركة السيارة حتى السكون ( بالنسبة للطريق ) بعد أن ينقطع فعل قوة المحرك عنها . أما في حركة الكواكب حول الشمس فان مثل قوى الاحتكاك هذه مهملة ولا حاجة لأن تؤخذ بعين الإعتبار. وسبب ذلك أن الأرض تتحرك في فضاء يكاد يكون خالياً تماماً ، وليس في وسط مادي يمكن أن يعيق حركتها . وهذا ما يحدث أيضاً للمركبة الفضائية التي ، بعد أن تكتسب من محركات الصاروخ تسارعاً يوصلها إلى خارج جو الأرض ، تستمر في رحلتها عبر الفضاء الخالي دون أن يعيق حركتها احتكاك ، فلا تتطلب بعدئذ أية قدرة محركة . إن الفضاء بحد ذاته لا يسلط أية قوة على الجسم المتحرك .
إن واقع تباطؤ الحركة واختفائها ، في حال زوال القوة المحركة عن الأجسام الأرضية هذه القوى الاحتكاكية المبددة . ، هو الذي يطبع في الذهن الوهم بوجود حالة سكون طبيعية في هذا الكون تصل إليها الأجسام المتحركة ، بعد أن تستنفذ ذخيرتها من الطاقة و تتوقف ) . حتى أن بعض قصص الخيال العلمي المعقدة قد رسخت الاعتقاد بحقيقة هذا الوهم وذلك بالحاحها على تزويد المركبة الفضائية بمحركات وصواريخ تعمل دون توقف كي تحتفظ للمركبة بسرعة منتظمة في الفضاء. وفي أحد المسلسلات التلفزيونية الشهيرة كان على المركبة أن تتسمر ( ميتة في الفضاء ) ، بقدر محتوم ، بمجرد أن تنفذ طاقتها . فمما لا ريب فيه أن هذا النوع من السخافات ذو أثر ضار جداً في تثقيف الجمهور . ومن المؤسف جداً ، في عصرنا الذي شهد منذ أكثر من ثمانين عاماً تفوق نسبية آينشتاين على ميكانيك نيوتن ، أن بعض كتاب الخيال لم يدركوا بعد حتى مبادىء نيوتن التي عمرها الآن أكثر من 300 عام !
والآن ، كيف تنطوي قوانين نيوتن الحركية ، بنجاحها المذهل في التوصيف الصحيح المسارات الكواكب حول الشمس، على نموذج المكان والزمان لديه ؟ إن الخواص الميكانيكية للأجسام لا تؤمن وسيلة لتعيين مواقع هذه الأجسام في الفضاء ولا لتعيين سرعتها خلاله . وهذا يشكل ، بكل وضوح ، مستنداً قوياً لأصحاب النظرية العلائقية التي تدعي أن نسب الحركة إلى الفضاء نفسه أمر لا معنى له . بيد أن ميكانيك نيوتن ، على ما يبدو ، يفسر فعلاً إمكانية كشف بعض الحركات عبر الفضاء ، وهي الحركات المتسارعة . والتسارع يقود إلى قوى معروفة جيداً ، تسمى أحياناً قوى عطالية ؛ ومن هذه القوى مثلاً ضغطة القدمين على أرض المصعد نحو الأسفل لفترة قصيرة هي فترة تسارع الحركة في بدء الصعود ، أو القوة النابذة التي تسعى إلى إبعاد الجسم الدوار عن مركز الدوران ( كما في حلقة الأطفال وهم يدورون معاً ) . فليس من الضروري هنا أن ننظر إلى الأجسام المادية المحيطة بنا كي نشعر أن المصعد أو الجسم الدوار متسارعان ما هو أصل هذه القوى العطالية ؟ كان نيوتن يعزوها إلى الفضاء الذي يحدث فيه التسارع . فاذا . صح هذا فان القوة النابذة الناشئة عن الحركة الدورانية بالنسبة للفضاء المحيط ستظل قائمة حتى ولو اختفت بقدرة قادر كل محتويات هذا العالم منه ، ما عدا الجسم الدوار. وعندئذ يمكن أن يُتخذ وجود قوى العطالة حجة النقض وجهة نظر العلائقيين ودليلاً على حقيقة الخواص الفيزيائية للفضاء
الاكثر قراءة في الفيزياء العامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
