الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
قلة الطعام
المؤلف:
السيد حسين نجيب محمد
المصدر:
الشفاء في الغذاء في طب النبي والأئمة (عليهم السلام)
الجزء والصفحة:
ص235ــ239
2025-03-27
75
إنَّ قلة الطعام والشراب أنفع للصحة الجسدية والعقلية والروحية ولكنّا لا نريد بذلك الجوع المؤدّي إلى الضعف والهزال فإنَّ ضرره كضرر الإسراف وعلى حد تعبير الإمام علي (عليه السلام) وهو يتحدث عن المعادلة في الطعام: ((... وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسده))(1).
وإنما نريد به الطعام الذي يكفي لدوام الحياة واستمرارها.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه))(2).
عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((قلة الأكل محمودة في كل حال، وعند كل قوم، لأن فيه المصلحة للباطن والظاهر))(3).
فإنَّه أنفع لصحة الإنسان في أبعادها الثلاث.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((من قل طعمه صح (بدنه) وصفا قلبه، ومن كثر طعمه سقم (بدنه) وقسا قلبه))(4).
عن الإمام علي (عليه السلام): ((من قل طعامه قلَّ آلامه))(5).
فمن الناحية الجسدية فإنَّ قلة الطعام تعطي النشاط والقوة والحيوية، وهذا ما نجده في الفقراء دون الأغنياء.
ولذا ليس غريباً إن وجدنا أنَّ قوت جيش المسلمين في كثير من الغزوات كان التمر والماء.
وعن الإمام علي (عليه السلام): ((... وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإنَّ الشجرة البرية أصلب عوداً والرواتع الخضرة أرق جلوداً، والنباتات العذبة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً))(6).
وأما من الناحية العقلية والنفسية والروحية فإنَّ قلة الطعام تصفي الذهن فيزداد الذكاء وتُصفّى النفس والروح فيزداد الإشراق.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((نور الحكمة الجوع))(7).
وعنه (صلى الله عليه وآله): ((اشربوا وكلوا في إنصاف البطون فإنَّه جزء من
النُّبوَّة))(8).
من هنا فقد كان العُبَّاد يوصون مريدهم الذين يريدون السير إلى الله تعالى، ويريدون العلم النوراني، بقلة الطعام والشراب والمنام.
ففي وصية الإمام الصادق (عليه السلام): ((... فإيَّاك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً وسم بالله وأذكر حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، فإن كان ولا بُدَّ، فثلثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))(9).
وعنه (عليه السلام): ((قلة الأكل محمود في كل حال وعند كل قوم، لأنَّ فيه المصلحة للباطن والظاهر، والمحمود من الأكل أربعة: ضرورة، وعدة، وفتوح، وقوت: فالأكل بالضرورة للأصفياء، والعدة للقوام الأتقياء، والفتوح للمتوكلين، والقوت للمؤمنين، وليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة، والجوع إدام للمؤمن وغناء الرّوح، وطعام القلب، وصحة البدن، قال النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله): ما ملأ ابن آدم وعاء أشرّ من بطنه، وقال داود (عليه السلام): ترك اللقمة مع الضرورة إليها أحبُّ إليَّ من قيام عشرين ليلة، وقال النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله): المؤمن يأكل بمعي واحد والمنافق بسبعة أمعاء، وقال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله): ويلٌ للنَّاس من القبقبين فقيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: الحلق والفرج، وقال عيسى بن مريم (عليه السلام): ما مرض قلب بأشدّ من القسوة وما اعتلت نفس بأصعب من نقص الجوع، وهما زمامان للطرد والخذلان(10).
قال بعضهم لابنه: يا بُني عوّد نفسك الاثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تقضم قضم البراذين، ولا تُدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال، إنَّ الله جعلك إنساناً، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً، واحذر سرعة الكظّة، وداء البطنة، فقد قال الحكيم: إذا كنت بَطِناً فعدّ نفسك من الزَّمنى.
وقال الأعشى:
* والبِطّنَة يوماً تُسفِّه الأحلاما *
واعلم أنَّ الشبع داعية البشم، والبشم داعية السَّقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه الميتة فقد مات موتة لئيمة، وهو مع هذا قاتلُ نفسه وقاتل نفسه ألوم من قاتل غيره، يا بني، والله ما أدى حق السجود والركوع ذو كظّة، ولا خشع لله ذو بِطنة، والصوم مصحة، ولربَّما طالت أعمار الهند، وصحت أبدان العرب، ولله در الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم، وأنَّ الداء إدخال الطعام في إثر الطعام، يا بُني لم صفت أذهان الأعراب، وصحت أذهان الرهبان مع طول الإقامة في الصوامع، حَتَّى لم تعرف وجع المفاصل، ولا الأورام، إلا لقلة الرزء، ووقاحة الأكل،، وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك بین صحة البدن وذكاء الذهن وصلاح المعاد والقرب وعيش الملائكة، يا بُني لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً، إلا لأنَّه يتبلَّغ بالنَّسيم، ولم زعم الرسول (صلى الله عليه وآله) أنَّ الصوم وجاء، إلا ليجعله حجاباً دون الشهوات! فافهم تأديب الله ورسوله، فإنَّهما لا يقصدان إلا مثلك، يا بُني، إنِّي قد بلغتُ تسعين عاماً ما نقص لي سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفتُ دنين أنف، ولا سيلان عين، ولا تقطير بول، ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد، فإن كُنتَ تحبُّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كُنتَ تريد الموت فلا يُبعد الله إلا من ظلم.
_______________________
(1) نهج البلاغة: حكم 180.
(2) المحجة البيضاء: ج 3، ص9.
(3) المصدر نفسه : ص9.
(4) طب المعصومين: ص39.
(5) المصدر نفسه.
(6) نهج البلاغة: كتاب 45.
(7) طب المعصومین: ص 115.
(8) المصدر نفسه ص30.
(9) تزكية النفس: ص 170.
(10) بحار الأنوار: ص 337.