الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الحرب والفساد الأخلاقي
المؤلف: محمد تقي فلسفي
المصدر: الأفكار والرغبات بين الشيوخ والشباب
الجزء والصفحة: ص 261 ــ 263
2024-07-24
477
الحرب نتيجة من نتائج الثورة الصناعية، وتؤثر تأثيراً عميقاً في أخلاق الناس، والحرب كانت موجودة في جميع مراحل حياة الإنسان، وكانت لها نتائج مدمرة. ولكن الثورة الصناعية وظهور الآلات القوية، وقاذفات القنابل السريعة، والأسلحة المدمرة، غيرت من وضع الحرب بحيث لا يمكن مقارنتها بالحروب السابقة، وبما أن صناعة الآلات تتطور يوماً بعد يوم فإن الأسلحة الحربية أيضاً تصبح، كل سنة، أحدث وأكثر فتكاً ويزداد خطرها. ولهذا السبب فإن خسائر الحرب العالمية الثانية، التي ابتلي بها الناس على وجه الأرض، هي أكثر بكثير من خسائر الحرب العالمية الاولى، فإذا ما وقعت حرب عالمية ثالثة فإن خسائرها ستكون فادحة جداً بحيث لا يمكن تصورها وربما أدت إلى محو جميع آثار الحضارة وهلاك أكثر البشر.
(نتيجة التقدم الصناعي، في العصر الحاضر، صنعت أسلحة مدمرة فتاكة تكفي لتدمير جميع المجتمعات المتحضرة. وقد زاد اختراع القنابل الذرية، والهيدروجينية، والكوبالت، والديوتريوم، القدرة التدميرية للحرب إلى درجة لا يمكن تصورها.
فمنذ القرن الخامس عشر ولحد الآن، ومع ازدياد القدرة التخريبية للأسلحة فقد ازدادت بالتالي وتبعاً لها خسائر الحرب أيضاً، وإحصائيات خسائر الحرب العالمية الثانية عظيمة، ومن المسلم به أنه لو قامت حرب أخرى ستكون الخسائر أعظم من خسائر الحرب العالمية الثانية، لأن وسائل الحرب الحالية، كالصواريخ والأقمار الصناعية والطائرات السريعة، والقنابل الذرية، لها قدرة تخريبية مرعبة ولو سقطت قنبلة هيدروجينية عادية (وليست متطورة) في مدينة كبيرة مزدحمة مثل نيويورك فإن الدمار في لحظة الانفجار يشمل (250) ميلاً مربعاً ويقتل 7,5 مليون إنسان، ثم تبدأ امواج الإشعاع والغبار المميت بتعذيب وقتل الأحياء، وبعض ذرات الغبار تنفذ حتى إلى باطن العظام لدى الحيوانات وتبقى فيها لسنوات وتفسد الجسد) (1).
إن الحرب هي منشأ الكثير من الآلام والمتاعب للعائلات والمجتمعات، قتل، نهب، دمار، خوف واضطراب، عدم أمن واستقرار، قلق، أمراض، نقص في الأعضاء فقر وجوع، وعشرات المصائب الأخرى هي نتائج الحرب. وإلى جانب هذه الويلات فإن معنويات الناس تتغير أيضاً، وينتشر فساد الأخلاق، وتحل الرذائل مكان الفضائل، وتزداد المشاكل.
(يقول ويل ديورانت: لقد زال التعاون والسلام اللذين تطورا مع الصناعة والتجارة في الحرب العالمية الأولى، ودفعت الحرب بالرجال نحو العنف والفحشاء، وقد جاء آلاف الرجال بعد الحرب إلى منازلهم ووطنهم بأمثال هذه الأمراض الإجتماعية، ونتيجة لعمليات القتل العمياء، انخفضت قيمة الحياة، وظهرت الأمراض النفسية، والجرائم، واللصوصية الجماعية، وفقد الملايين إيمانهم بالعناية الإلهية، وتركوا الإعتماد على العقائد الدينية.
بعد انتهاء الحرب ومرحلة المثالية، ظهر جيل مخدوع ألقى بنفسه في أحضان الاستهتار والفردية والانحلال الخلقي. وأصبحت الحكومات في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، واستأنفت الطبقات الصراع فيما بينها، واستهدفت الصناعات الربح بصرف النظر عن الصالح العام، وتجنب الرجال الزواج خشية مسؤوليته، وانتهى الأمر بالنساء إلى عبودية خاملة، أو إلى طفيليات فاسدة، ورأى الشباب نفسه وقد منح حريات جديدة، تحميه الاختراعات من نتائج المغامرات النسائية في الماضي، وتحوطه من كل جانب ملايين المؤثرات في الفن والحياة، فمشاكل هذا الجيل وحياته جديدة ومختلفة عن الجيل السابق وهو واقع بين براثن الثورة الصناعية التي تعدل عاداته وأزياءه وعمله ودينه وسلوكه... فصاحب الخلق وعديم الخلق كلاهما في تغير مستمر، بين التقاليد الثابتة المولية والعادات الجديدة التي تشق طريقها إلى الظهور، ولا يعرف أحد بالضبط مدلول الأخلاقية أو اللاأخلاقية وكيف يمكن تعريفهما من جديد لنستعين بهما في فهم سلوك الإنسان في العصر الصناعي والمدني) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مبادئ علم الاجتماع، ص 317.
2ـ مباهج الفلسفة، ص 98.