x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الخوف وعقدة الحقارة
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص185ــ193
2023-09-05
1407
إن الشاب الذي يعاني من عقدة الحقارة نتيجة سوء تربية الأبوين ولا يثق بنفسه أبداً يعيش على الدوام حالة الخوف الإنفعالية . فهو يرى نفسه أصغر من أن يستطيع أن يتآلف مع المجتمع ويثبت وجوده ، ولهذا السبب نجده يضطرب عندما يواجه الناس، وتعتريه حالة من الخوف والقلق نلاحظها من خلال حركات غير طبيعية يقوم بها وشرود نظراته وتلعثمه في الكلام.
ويقوم أمثال هؤلاء الشباب أحيانا بحركات جريئة ويتكلمون بما يوحي إلى قدرتهم وشجاعتهم وذلك لإخفاء عقدة الحقارة وستر الخوف الذي يساورهم غافلين عن أن الحركات غير الطبيعية والكلمات المصطنعة لا يمكنها أن تزيل الخوف الباطني أو تهدئ من اضطراب الإنسان وقلقه وخوفه.
«ثلاثة أطفال ذهبت بهم أمهم إلى حديقة الحيوانات للتنزه ، وما ان وصلوا إلى قفص الأسد وسمعوا صوت زئيره حتى ارتمى أحدهم في أحضان أمه باكياً ، وقال الثاني وقد شحب لونه وارتجف صوته إنني لا أخاف من الأسد ، بينما تسمرت عينا الطفل الثالث على الأسد وضرب الأرض بقدميه وقال لأمه : دعيني أذهب وأبصق على هذا الأسد» .
«إن الاحساس بالخوف قد بان على هؤلاء الأطفال الثلاثة بأشكال مختلفة ، فالأول قد أبدى تخوفه بصراحة ، أما الاثنان الآخران فقد تصورا أن بإمكانهما أن يوحيا بعدم تخوفهما أو أن يسترا تخوفهما بشكل أو بآخر»(1).
الخوف وأثره على الجسم والروح :
يشكل الخوف غير المبرر مصدر خطر على عامة الناس وخاصة الشباب الذين يقضون ربيع أعمارهم وما زالوا في بداية حياتهم الاجتماعية ، وإذا ما لازم هذا الخوف الإنسان لفترة طويلة فإنه سيؤدي به إلى الفشل والاحباط وسيضعف من قواه الجسمانية والروحية.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : من هاب خاب(2).
«إن الخوف الذي لا يدفع الإنسان إلى القيام بعمل ضروري ونافع ، من شأنه أن يضعف جسمه وروحه ، لأن هناك غدداً ترشح إفرازات عند الخوف، وهذه الافرازات تتحول إلى مادة سامة تعيث في أجسامنا وتخل تفكيرنا وسلوكنا ما لم يستهلكها نشاط العضلات»(3).
لا يمكن معالجة مرض الخوف باستعراض القوة والتظاهر بعدم الخوف فقط ، بل يجب مكافحة جذوره النفسية الحقيقية لإنقاذ الروح من أسرها ، فطالما لم تحل عقدة الخوف في أعماق الإنسان فإن القلق والاضطراب لن يزولا عنه أبداً .
لقد شارك أهل البصرة وخلافاً للمعايير الاسلامية في حرب الجمل وحملوا على ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وبعد هزيمتهم أصيبوا بحالة من الخوف والقلق وأصبحت البصرة معرضة لأخطار جديدة نتيجة هذه الحالة النفسية التي ضربت أهلها ، فكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عباس والي البصرة آنذاك يدعوه إلى العمل على تهدئة النفوس وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في السابق.
ومما جاء في كتابه (عليه السلام) لابن عباس :... فحادث أهلها بالإحسان إليهم واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم(4).
علاج الخوف:
إن الشاب الذي ينمو منذ طفولته ضعيف الارادة عديم الشخصية ويخشى معاشرة الناس والمجتمع نتيجة تحقير الأبوين له بإمكانه أن يجد علاجاً لمرضه وأن يتخلص من مسببات آلامه وعذاباته إذا ما استطاع أن يطبق أفكاره وأعماله مع النقاط التالية:
1- عليه ان يعلم أن الخوف يعتبر من الأمراض الخطيرة التي تفتك بمجتمعات اليوم، كما أنه يشكل عاملاً مهماً في شقاء الإنسان وتعاسته.
فالخوف مصدر الفشل والاحباط وعدو راحة البال والاستقرار، وكلما ازداد الإنسان خوفاً كلما ازداد ضعفاً ووهناً وساهم في تحطيم شخصيته ، وبإمكانه لو بأدر إلى معالجة نفسه أن يضمن سبل شفائه وسلامة نفسيته وبالتالي سعادته وهنائه.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): لا ينبغي للعاقل أن يقيم على الخوف إذا وجد إلى الأمن سبيلا(5).
2- عليه أن يعلم أن عدم الاتزان في أقواله وفعاله إنما نابع من الخوف الباطني ، وطالما لم يقتلع جذور هذا الخوف من أعماقه لا يستطيع أن يحقق الثقة بنفسه ولا يمكنه أن يتكيف مع الناس ويضبط أقواله وفعاله أمامهم .
«لا تكفي مكافحة الشعور بالخوف والتظاهر بعدم الخوف ، ولا بد من مكافحة سبب الخوف ، بمعنى أن نسعى لإزالة سبب الخون فور ما ندركه ، وإلا فلا طائل من مكافحة الشعور بالخوف ما دام السبب باق»(6).
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : من حسنت سريرته حسنت علانيته(7).
3- عليه ان يحاسب نفسه بدقة ويحلل حالته النفسية بشكل سليم ليقف على سبب خوفه ثم يعمل على إزالته.
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام): من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر(8).
ونشير على سبيل المثال إلى الشاب الذي سبق وتحدثنا عنه وهو ذاك الذي يعاني من عقدة الحقارة نتيجة التربية الخاطئة التي تلقاها في صغره ، وبات يخاف من معاشرة الناس ويخشى التحدث إليهم ، مثل هذا الشاب إذا بادر إلى محاسبة نفسه وعرف أن سبب ما يعانيه اليوم ليس سوى تحقير ابويه له في طفولته ، يستطيع أن يعالج نفسه بواسطة المنطق ، إذ بإمكانه ان يقنع نفسه بأن ذاك الزمن الذي كان يحقر فيه من قبل أبويه قد ولى الى غير رجعة وها هو اليوم اصبح فرداً بالغاً من افراد المجتمع الذي لا يمكن ان يضمر العداء له ، فإذا ما خطا خطوات صحيحة وأدى ما عليه من واجبات استطاع أن يثبت وجوده في مجتمعه ويكسب اهتمامهم وثناءهم .
وليس هناك من شك في أن محاسبة النفس على أساس المنطق والعقل من شأنها أن تخفف من قلقه ومخاوفه وتبعث في أعماقه نور الأمل وتجعله متفائلاً إزاء مستقبله ، ويكون بذلك قد خطا الخطوة الأولى على طريق علاج مرض الخوف.
4- بعد محاسبة النفس والشعور بالأمل ، ينبغي على الشاب إذا ما أراد ان يتجرأ على معاشرة الناس والتحدث إليهم أن يتبع أبسط الأساليب الأخلاقية في أولى روابطه الاجتماعية وذلك بهدف كسب ود الناس ومحبتهم له. وقد أكدت كتب علم النفس أهمية هذه الخطوة بعد أن سبقها في ذلك الائمة الاطهار (عليهم السلام) قبل 14 قرناً.
«إن من علامات الفرد الخجول صعوبة تعرفه على الآخرين وعدم تمكنه من التحدث بطلاقة وحرية أمام الغير. وإذا ما أردنا أن نكافح الخوف والخجل معاً علينا أن نلتفت إلى نقطتين صغيرتين ولكن مهمتين في الوقت نفسه علنا نستطيع التخلص كلياً أو جزئياً من معاناة الخجل».
«النقطة الأولى أن نكون البادئين بالسلام على من نلقاه ، والنقطة الثانية أن نكون مبتسمين بشوشين مع الآخرين. وقد يبدو هذا العلاج في نظركم سخيفاً لكنه أنقذ الآلاف من المصابين بمرض الخجل ، وأنتم ما عليكم إلا أن تجربوه ، وسوف لا تندمون(9) .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لكل داخل دهشة فآبدأوا بالسلام (10).
وعنه (عليه السلام) : البشاشة حبالة المودة(11).
نستشف مما ورد أن القساوة المفرطة التي تصدر عن الآباء والأمهات بحق أبنائهم لا سيما الأطفال تشكل أحد عوامل الخوف الذي يسيطر على الإنسان في فترة شبابه. فالطفل الذي يربى وسط جو من الاضطراب والقلق والخوف يسود محيط أسرته يفتقر إلى الثقة بالنفس ، وعندما يكبر يتملكه الخوف من معاشرة الناس ، مثل هذا الشاب إذا ما عزم وتوكل فإنه قادر على حل عقدته الباطية والتخلص من قيود الخوف والقلق.
ثمة عوامل أخرى للخوف منها المحبة المفرطة التي يتلقاها الأبناء في طفولتهم. فالطفل الذي يربى في كنف أبوين جاهلين يغدقان عليه بالحب والحنان دون حساب فيصبح مدللاً مغروراً ، والطفل الذي لم يوبخه أبواه لسوء فعاله، وكذلك الطفل الذي يربى على التنويه دون التوبيخ والثواب دون العقاب والأمل دون الخوف تسوء تربيته، مثل هؤلاء الأطفال عندما يكبرون ويدخلون المحيط الاجتماعي يواجهون مشاكل متعددة في مسألة التكيف مع الناس وإحراز الشخصية ، وسرعان ما تؤدي بهم هذه المشاكل إلى الفشل. فهم يتوقعون أن يفرح الآخرون لدى رؤيتهم ويحترمونهم وينفذون لهم ما يريدون رغم عدم امتلاكهم لشروط الكفاءة.
وعندما يرى مثل هؤلاء الذين لم يرفض لهم طلب يوماً من قبل أسرهم وليس في قاموسهم أي معنى للاعتراض والتجاهل، عندما يرون أن الناس يتجاهلونهم ويستهزؤن بهم ويسخرون من توقعاتهم غير المبررة فإنهم ينكفئون وينقطعون عن المجتمع خوفاً من سخرية الناس وإهاناتهم.
وهذه الفئة من الناس تشمل في الغالب الرجال والنساء الذين انقطعوا عن الناس وهجروا الحياة بسبب سوء التربية.
«يقول «ماك برايد» : إلتقيت في وسط مدينة لندن مؤخراً ناطقاً متجولاً في سلامة تامة وعافية ، وبينما كنا نتحدث شكا لي ان الجميع كانوا يحبونه عندما كان طفلاً صغيراً إلا أن أحداً لا يهتم له الآن بعد أن أصبح رجلاً ، وكان هذا الناطق المتجول يمسك بقبعته ويجمع قوت يومه من المارة تماماً كالمتسول . لو أن هذا الرجل قد كرس جل وقته واهتمام من أجل التعليم لكان بمقدوره اليوم أن يؤمن قوت يومه بسهولة وأن يكون مجموعة من الأصدقاء حوله. لكنه كان خائفاً من الحياة، وحسبما بدا لي من حديثه كان يتمنى ان يعود طفلاً صغيراً لكنه لم يكن مستعداً لأن يعتمد على نفسه».
«إن الطفل الصغير المدلل لن يستطيع مقاومة مصاعب الحياة تماماً كالزهرة المنزلية التي تفقد المقاومة أمام رياح الشتاء الباردة»(12).
تبقى أفكار الإنسان الذي تمتع بدلال مفرط في كنف ابويه وترعرع ضعيف الإرادة والشخصية ، صبيانية حتى في مرحلة شبابه وكهولته ، ويبقى عاجزاً عن التآلف مع الناس، ويخشى تحمل أية مسؤولية اجتماعية. فهو لن يتجرأ حتى على اختيار شريكة له في حياته ، حتى وإن اضطر لذلك تراه يختار امرأة تكبره في السن لتكون له بمثابة الأم ، وإذا ما اختار امرأة في سنه توقع منها ايضاً أن تكون له اماً قبل ان تكون زوجة.
ومثل هذا الشاب مثل ذاك الشاب الذي يعاني من عقدة الحقارة ، بإمكانه إذا ما أراد أن يبادر إلى محاسبة نفسه ويقف على أسباب حالة الخوف النفسية التي تسيطر عليه ويتخذ العلاج اللازم وفق برنامج عملي صحيح للتخلص من شر خلقه الذميم.
من أنواع الخوف الأخرى التي تثير قلق الشاب وتشوش أفكاره وتسهم في انهيار شخصيته الخوف من المرحلة الدراسية والحرمان من التعليم ، وهذا الخوف يظهر في الشباب لا سيما أولئك الذين أخفقوا مرة أو أكثر في الامتحان . إلا أنه من الممكن أيضاً إزالة هذا الخوف وتوفير سبل السعادة وانجاح من خلال محاسبة النفس واستشارة أصحاب الفكر والمعرفة .
«كان هناك طالب جامعي يحاول أن يبرهن من خلال حديثه على عدم أهمية علم الرياضيات أو كان يتحدث عن عجزه في هذا الحقل إن لم يجد من يصغي إليه ، وكل ذلك كان بسبب رسوبه في هذه المادة مرة أو مرتين . وذات يوم التقى هذا الشاب لحسن حظه أستاذاً حنوناً حاول بعد عدة لقاءات أن يثبت له أهمية علم الرياضيات وضرورته وقدرة الطالب على تعلمه واستيعابه ، فأشرف على تدريسه حتى أصبح الطالب الذي كان حتى الأمس يشعر بحقارته وعدم كفائته امام الأستاذ عالماً رياضياً شهيراً»(13) .
وثمة أنواع أخرى من الخوف يبتلى بها الإنسان خلال مرحلة شبابه ، لكنها قابلة للعلاج بالعزم والإرادة.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إن كنتم للنجاة طالبين فارفضوا الغفلة واللهو والزموا الجهاد والجد(14).
_______________________________
(1) البهجة، ص105.
(2) غرر الحكم، ص613.
(3) البهجة، ص 48.
(4) نهج البلاغة، الرسالة 18.
(5) غرر الحكم، ص851.
(6) البهجة، ص51.
(7) غرر الحكم، ص630.
(8) نهج البلاغة، الكلمة 199.
(9) البهجة، ص 56.
(10) غرر الحكم، ص579.
(11) مجموعة ورام1، ص31.
(12) عقدة الحقارة ، ص 15.
(13) البهجة، ص106.
(14) غرر الحكم، ص277.