x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الانسان وعمارة الأرض
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص341ــ344
2023-09-02
1074
وقال عز من قائل : {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
يقول الشيخ الطوسي (رحمه الله) في تفسير التبيان : واستعمركم فيها أي جعلكم قادرين على عمارة الأرض ومكنكم من عمارتها.
وفي موضوع أن الله سبحانه وتعالى قد سخر الكرة الأرضية وما فيها وما عليها للإنسان ، ووهبه القدرة على الاستفادة من كل ثرواتها. هناك نقطتان مهمتان لا بد من تبيانهما :
النقطة الأولى هي أن المقصود من تسخير ما في الأرض للإنسان ليس بمعنى أن يكون الإنسان منطلقاً في حريته متسلطاً على ما في الأرض دون قيد أو شرط يحقق كل رغباته وميوله ، بل المقصود هو أن يستطيع الإنسان بعقله وذكائه استيعاب مقررات الخلقة واكتشاف أسرار نظام التكوين ، ويسعى جاداً لتطبيق نفسه مع أسباب عالم الطبيعة ومسبباته ، ويوفر لنفسه ظروفاً يتمكن من خلالها استثمار ما في الأرض لصالحه وتأمين مقومات عمارتها.
وبعبارة أوضح نقول إن الإنسان بمقدوره اكتشاف سر الكهرباء والعمل على تأمين ظروف مؤاتية لإنتاج الطاقة الكهربائية، والاستفادة من هذه الطاقة في تحسين الوضع المعيشي وإعمار الأرض ، كما يستطيع الإنسان أن يكتشف تأثيرات بعض المواد الطبيعية ليستخدمها في صنع دواء يساعده في مكافحة الكثير من الأمراض ، والإنسان بإمكانه أيضاً أن يتعرف على ظروف حياة النبات والحيوان وكيفية نموهما ليستفيد من ذلك في وضع مشاريع مفيدة ترمي إلى تحسين الوضع الزراعي والحيواني وتمكنه من الحصول على نوعية غذاء جيدة ووفيرة ، إلا أن الإنسان لا يستطيع أبداً تغيير نظام الطبيعة أو تبديل قوانين الخلقة ، كما أنه عاجز عن إيقاف دوران الكرة الأرضية أو إرباك نظم المجموعة أو المنظومة الشمسية ، والإنسان ليس بقادر على تجريد الأرض من قوة جاذبيتها أو اجراء تعديل على قانون الحياة والموت.
«يقول «راسل» : إن الإنسان مهما بلغ في مجال العلم لا يمكن أن يكون ذا قدرة مطلقة ، فقدرته محدودة بحدود الطبيعة ، لكنه يستطيع من خلال العلم والمعرفة توسيع نطاق هذه الحدود ، إلا أنه ليس بقادر على التحرر منها نهائياً».
(في الوقت الذي نستطيع فيه إقناع الطبيعة بتحقيق الكثير من امانينا وطموحاتنا ، لا يمكننا أن نحكم عليها او ان نفعل شيئاً ما يؤدي إلى انحراف الطبيعة عن مجراها قيد أنملة)(1).
النقطة الثانية هي أن قدرة تسخير الأرض واستثمار ثرواتها إنما هي عطية إلهية منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان على شكل استعدادات غير محدودة ، ويستطيع الإنسان ان يتحكم بالأرض بكل ما فيها من ثروات بمقدار ما يبرز من استعدادات عن طريق العلم والعمل ويفجر من طاقات .
والإنسان يجدّ ويسعى منذ أمد بعيد لإبراز استعداداته الطبيعية وإثبات كفائته ، وقد اكتشف الكثير من أسرار الطبيعة وخطا نحو تسخير ثروات الأرض وبسط سيادته كإنسان على الكرة الأرضية معتمداً بذلك على قوة العقل وعامل الذكاء والذاكرة وسائر القوى الأخرى ، وأخذت المعلومات التي استحصل عليها الإنسان والتجارب التي أجراها تنتقل من جيل لآخر عبر القلم والبيان.
ورغم أن إنسان اليوم الذي ورث عن إنسان الأمس علومه وتجاربه قد استثمر كل طاقاته واستعداداته وحقق نجاحات باهرة في مجال تسخير الأرض وثرواتها العظيمة، إلا أن كنز الاستعداد البشري والقدرة الإنسانية لم ينته عند هذا الحد ، وما زال طريق الرقي والتكامل مفتوحاً أمام الإنسان ، وبمقدور الأجيال القادمة أن ترتقي مدارج اسمى وتحقق تقدماً اكبر وأفضل من خلال التفكر والتدبر والسعي والعمل .
لقد فكر إنسان اليوم بعد ان سخر الكرة الأرضية وبسط سيادته على الصحاري والبحار ، بغزو الفضاء ، وهذا ما حصل ، فقد شق طريقه بواسطة سفينة اخترعها بنفسه إلى الفضاء ونزل على سطح القمر، وهو مصمم على توسيع نطاق حكومته من خلال اكتشاف سائر الأجرام السماوية واستثمار ثرواتها .
ويرى المسلمون أن الإنسان مؤهل لتحقيق هدف كبير كهذا ، لأن الله سبحانه وتعالى قد وهبه منذ أنشأه استعداداً يمكنه من تسخير الأجرام السماوية ، وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد في العديد من آياته الشريفة إمكانية استثمار ثروات الأجرام السماوية.
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
وقال عز من قائل : {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 12، 13].
_________________________
(1) الآمال الجديدة ، ص 41.