الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
عوامل ترويض الغرائز
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص325 ــ 330
2023-05-09
1389
ثمة عوامل يمكنها ان تساهم في تحديد الرغبات النفسية والحد من الاعتداءات التي تحصل بدافع غريزي ، كالإشراف القومي واستياء الرأي العام والقوانين الجزائية وغيرها، ولكل منها أثرها في تعديل الرغبات والحد من الحريات المفرطة، إلا أن العوامل الأساسية الثلاثة، العقل ، والعلم ، والتربية هي التي اشتهرت في عالمنا هذا بعوامل ترويض الغرائز، حيث جعل منها المربون التربويون أساساً لمناهجهم ، ولكن كما سبق وذكرنا فإن أياً من هذه العوامل لا يمكنها أن تقاوم أمام طغيان الشهوات والغرائز ، إذن ، فهي ليست إيجابية ومثمرة في جميع الأحوال .
وهنا لعل البعض يتساءل ، لماذا لا يستطيع العقل والعلم والتربية كبح الغرائز والأهواء النفسية ؟، بل لماذا ينهزم العقل والعلم والتربية ، ويفقد كل منها أي أثر له أمام فورة الشهوة وهياج الغضب؟
وللإجابة على هذين السؤالين نقول : تعتبر قوة الأحاسيس أكبر قوة محركة للإنسان ، فهذه القوة هي التي تدفعه إلى القيام بصالح الأعمال وطالحها ، وهي التي تمنحه قدرة الحركة والنشاط . فالشجاعة والشهامة والصراحة والتضحية والإيثار من جهة، والخوف والجبن والرياء والخبث والغرور والحطّة من جهة اخرى، كلها تنبع من الأحاسيس.
والعقل قادر على تحديد طريق السعادة والهناء للإنسان وفق محاسبات دقيقة ، ولكن القدرة التي تمكن الانسان من طي المسالك الوعرة وتجاوز المنعطفات الخطيرة في مسيرة الحياة، هي قدرة الأحاسيس .
فالرأفة والمحبة والإحسان وحب الناس والسخاء وغيرها من الأحاسيس النبيلة هي التي تضمن للإنسان سعادته ، أما الحسد والغرور والتكبر والبخل وسوء الخلق وما إلى ذلك من أحاسيس رذيلة، فهي التي توقع الإنسان في التعاسة والشقاء ، ومن هنا كانت الأحاسيس القوة المحركة للإنسان .
قوة الغرائز وضعف العقل والعلم :
مع الأخذ بعين الاعتبار انتماء الغرائز والأهواء النفسية إلى مجموعة الأحاسيس القوية جداً في أعماق الإنسان ، يتضح لنا سبب عجز العقل والعلم والتربية عن كبح الغرائز والنزوات، لأن قوة اندفاع الغرائز والميول النفسية أكبر بكثير من قوة العقل والعلم ، ولا يمكن أبداً لقوة صغيرة أن تسخر قوة كبيرة لها أو تتغلب عليها .
بفضل التقدم العلمي العظيم في عصرنا الحالي ، يتم كبح جريان مياه الأنهار العظيمة بواسطة سدود عظيمة تقام فوق الأنهار ، ويتم ادخار ملايين الأمتار المكعبة من المياه خلف السدود ، للاستفادة منها في مجالي العمران والزراعة وفق خطط ومشاريع مدروسة ، وبهذا العمل يكون الإنسان قد استفاد من مياه الأنهار استفادة قصوى ، وفي الوقت ذاته صان نفسه ومصالحه من الأضرار التي يتسبب بها فيضان الأنهار .
ومما لا شك فيه أن الشرط الأساس في وقف جريان الماء ، هو إيجاد توازن بين قوة ضغط الماء وقوة بناء السد . وهذا ما يدخل في إطار عمل المهندسين الذين يجرون دراسة دقيقة لإنشاء سد تفوق قوة مقاومته قوة ضغط الماء ليصمد أمام ارتفاع منسوب مياه الأنهار وفيضانها.
والغرائز والأهواء النفسية في كل فرد منا أشبه ما تكون بينابيع وعيون دافقة ، إذا ما اهتممنا بها وفتحنا لها ترعات وقنوات وفق دراسة دقيقة ، فلا شك أنها ستنعش ليس الفرد فحسب ، بل المجتمع برمته ، أما إذ أهملناها وتركنا مياهها تتدفق بغزارة ، فإنها ستتلف كل شيء ، وتعود علينا جميعا بمخاطر كبيرة .
كبح الغرائز:
لكي يستطيع الإنسان كبح الإحساس الغريزي وهوى النفس في اعماقه ، عليه أن يستنفر إحساساً ذا قوة أكبر من قوة الإحساس الغريزي، ولما كان العقل والعلم والتربية جميعاً عاجزين عن مقاومة إعصار الغرائز ومنعها من الطغيان والتمرد، يبقى الإحساس بحد ذاته هو الوحيد القادر على تطويع وتسخير غيره من الأحاسيس.
«ليس هناك من هو مستعد للتضحية بنفسه في سبيل حقيقة علمية ، حتى غاليلو أنكر نظريته العلمية خشية الشهادة في سبيلها. لا يكفي أن تكون صحة واجب ما هي الدافع الإلزامي لإطاعة هذا الواجب . فعندما تؤثر نظرية ما في سلوك الناس ، يكون مرد ذلك احتواؤها على عوامل عاطفية إلى جانب العوامل المنطقية» .
«إن الحب هو الوحيد القادر على تحطيم قلاع النفس التي تتحصن خلفها أنانياتنا ، وبث روح الحياة في نفوسنا، وجعلنا نتعشق التضحية وإن كانت مؤلمة. فحب الأم لابنها الصغير مثلاً هو الذي يجعله يكتسب سلوكاً مهذباً وعاقلاً. إن مطالعة كتاب في الحقوق لا يمكنها أن تثير فينا روح الحياة ، والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المسيح لم يخسروا حياتهم من أجل بعض القوانين الطبيعية والوضعية، فليس لأي مفهوم القدرة على إثارة الإنسان ما لم يكن مقترناً بالعقيدة»(1) .
لقد استأثرت العوامل المساعدة في كبح الغرائز وتعديل الميول النفسية مثل العقل والعلم والتربية والحياء الاجتماعي والرقابة الحكومية وقوانين الجزاء وما إلى ذلك من عوامل مؤثرة ، استأثرت باهتمام الإسلام ، وقد نزلت في ذلك الكثير من الآيات الكريمة والروايات التي نقلها إلينا التاريخ، ولكن العامل الأقوى والأهم الذي أكد عليه الإسلام لكبح الغرائز ، وجاءت نتائجه مثمرة ، هو عامل الحس الديني .
لقد أوجد الإسلام في نفوس أتباعه الحقيقيين سداً عظيماً من قوة الإيمان وحب الله الواحد القهار ، يقيهم من مخاطر أعتى الغرائز والشهوات ، ويحفظهم من شر الميول والرغبات المتمردة .
وبعبارة اخرى نقول: لم يكتف الإسلام بقوة العقل والعلم والمنطق لتعديل الميول وتحديد الرغبات النفسية للإنسان ، بل جاء ليؤكد أهمية قوة الإيمان والحس الديني في تحقيق هذا الهدف ، وبذلك هدف إلى حماية أتباعه من مخاطر تمرد الميول وطغيان الرغبات النفسية.
وهنا لا بد من توضيح مختصر لمفهوم التربية في الإسلام .
الضمير الأخلاقي:
إن المعرفة الإلهية والضمير الأخلاقي قد امتزجا بفطرة الإنسان ، والطفل كلما ترعرع وزادت قوة إدراكه ، كلما تفتحت ملكاته الفطرية ونضجت.
والضمير الأخلاقي الذي عبر عنه القرآن الكريم بالإلهام الإلهي، هو ركن أساس من أركان التربية ، وهو بمثابة شعلة وهّاجة يتصاعد لهيبها من أعماق روح الإنسان لا يمكن إخمادها بأي شكل من الأشكال .
رسوخ الضمير:
«يقول هنري باروك : ليس الضمير الأخلاقي ردة فعل مصطنعة ، بل هو أكثر العوامل تعمقاً في كيان الإنسان الفطري ، وليس بمقدور الإنسان مهما كانت الظروف قتل الضمير في نفسه. إضافة إلى ذلك ، فإن رسوخ الضمير الأخلاقي في أعماق الإنسان حتى وإن كان مريضاً أو مختلا عقلياً أو مكتئباً نفسياً، وكذلك بقاؤه بعد خفوت العقل والذكاء ، لدليل واضح على أهميته ومكانته في الإنسان».
«يتساءل بعض العلماء، أليس الضمير الأخلاقي وليد التربية والتعليم والدين؟ ، وهنا لا بد من القول إن هناك دلائل بارزة على وجود الضمير حتى عند الانسان البدائي ، فالإحساس بالذنب الذي كان يساور القبائل البدائية ويدفعها إلى الاستغفار ، لدليل ثابت على أن الضمير موجود في أعماق الإنسان منذ بدء الخليقة ، وإنكارنا لهذه الحقيقة يعكس عدم إلمامنا بشخصية الإنسان»(2).
الميل إلى المعرفة الدينية :
يعتقد جميع العلماء أن هناك ميولاً أخرى إلى جانب المعرفة الفطرية والضمير الأخلاقي تتوضح معالمها بشكل طبيعي في الإنسان لدى بلوغه سن الـ 12، أي مع بداية مرحلة الحداثة والفتوة ، ومن جملة هذه الميول ، الميل إلى المعرفة الدينية ، وهذا الميل يزداد ويشتد تدريجياً مع تفاعل العوامل الطبيعية للبلوغ حتى يصل ذروته في سن الـ 16.
«يقول جان . بي: كايزل : لقد أثبتت الاختبارات أن الإيمان بالدين يبدأ تفاعله في أعماق الإنسان من سن الـ 12 »(3).
«أما موريس دبس فيقول : يبدو أن هناك إجماعاً بين علماء النفس على وجود علاقة بين أزمة البلوغ والوثوب المفاجىء للحس الديني لدى الإنسان . وفي هذه الفترة يلاحظ وجود نوع من النهضة الدينية والوعي الديني حتى عند أولئك الذين لم يكونوا ليعيروا اهتماماً من قبل بكل ما يتعلق بالدين والإيمان . وهذا الحس الديني يبقى يتفاعل في أعماق الإنسان حتى يصل في سن الـ16 إلى ذروته»(4).
ونستنتج من هذا البحث أن هناك ثلاثة ميول وجدانية في ذات الفتيان والشبان تشكل ثروة فطرية ، هي المعرفة الإلهية والعلاقة بما وراء الطبيعة، والضمير الأخلاقي الذي يميز بين أمهات الفضائل والرذائل ، والمعرفة الدينية.
ويمكن القول: إن الميلين الأول والثاني يكمنان في الميل الثالث أي المعرفة الدينية، وإذا ما عمل الإنسان على إرضاء هذا الميل ، يكون في الحقيقة قد أرضى الميول الثلاثة بكاملها من حيث لا يشعر .
«من الصعب جداً الفصل بين حدود ما وراء الطبيعة والقضايا الدينية في ذهن الفتيان ، وذلك بسبب التقاء كل القيم الوجدانية والمعنوية في نقطة واحدة» (5).
______________________________
(1) سبل الحياة، ص113.
(2) ماذا أعرف؟، الأمراض النفسية والعصبية ص 67.
(3) البهجة، ص 41.
(4) ماذا أعرف؟، البلوغ، ص118.
(5) نفس المصدر، ص118.