النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي في ظل أبيه الجواد ( عليهما السّلام )
المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر: أعلام الهداية
الجزء والصفحة: ج 12، ص 43-62
2023-04-12
1325
لقد تقلّد الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) الزعامة الدينية والمرجعية الفكرية والروحية للشيعة بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) سنة ( 202 ه )[1].
وكان عمره الشريف حوالي سبع سنوات وكان مع حداثته يدبّر أمر الرضا ( عليه السّلام ) بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم لا يخالف عليه أحد منهم[2].
وقال صفوان بن يحيى : قلت للرضا ( عليه السّلام ) : قد كنا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر فكنت تقول يهب اللّه لي غلاما فقد وهب اللّه وأقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك فإذا كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر ( عليه السّلام ) وهو نائم بين يديه . فقلت : جعلت فداك هو ابن ثلاث سنين ![3]
فقال له أبو الحسن ( عليه السّلام ) : إن اللّه بعث عيسى بن مريم قائما بشريعته وهو في دون السنّ التي يقوم فيها أبو جعفر على شريعتنا[4].
وعاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلّا خمسا وعشرين يوما[5] وهي مدة إمامته ( عليه السّلام ) .
الشيعة وإمامة الجواد ( عليه السّلام )
بعد التحاق الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بالرفيق الاعلى ، كان عمر الإمام الجواد ( عليه السّلام ) سبع سنوات وهذه الإمامة المبكرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند الشيعة أنفسهم فضلا عن غيرهم . واحتار بعض رموز الشيعة فضلا عن غيرهم بالرغم من التمهيد لهذه الظاهرة من قبل الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قبل إشخاصه إلى خراسان وبعده .
من هنا اجتمع جملة من كبار الشيعة في بيت أحدهم يتداولون في أمر الإمامة ، وكان من بين هؤلاء المجتمعين ، الريّان بن الصلت ، ويونس ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، فجعلوا يبكون ، فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي - أي الإمام الجواد ( عليه السّلام ) - فردّ عليه الريان بن الصلت قائلا :
« إن كان أمر من اللّه جلّ وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة وإن لم يكن من عند اللّه فلو عمّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه ، وهذا مما ينبغي أن ينظر فيه . . . »[6].
ويتّضح من النص السابق تأكيد الريّان على مفهوم الإمامة باعتبارها منصبا إلهيا كالنبوة من حيث الاختيار والانتخاب لهذا المنصب . فإنه بيد اللّه سبحانه ، قال تعالى : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وليس للناس فيها أمر واختيار .
عصر الإمام الجواد
عاصر الإمام الجواد ( عليه السّلام ) من خلفاء بني العباس المأمون ( 198 - 218 ه ) والمعتصم ( 218 - 227 ه ) ، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجواد ( عليه السّلام ) وزوّجه ابنته أم الفضل ، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وولّاه عهده وقرّب العلويين[7]. أمّا حكم المعتصم فكان حكما استبداديا مقرونا بشيء من العطف وحسن التدبير ، وقد وصفه المسعودي[8] بحسن السيرة واستقامة الطريقة .
وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها على الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية ، مما أدى إلى سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسساتها المختلفة ، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس ، حتى جاء المعتصم - وكانت أمه تركيّة - فاعتمد على العنصر التركي واتّخذهم حرسا له ، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحل محلهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعا .
ولم يقتصر الصراع على ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه إلى قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه ، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين ، وعرب الجنوب اليمنيين[9]. وهذا يوضح لنا شدّة الصراع داخل الأسرة الحاكمة نفسها .
فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكون من :
1 - العرب ( المضريين واليمنيين ) .
2 - الفرس ( الخراسانيين ) الذين ساعدوا العباسيين في انشاء حكومتهم .
3 - الترك ، الذين آلت إليهم إدارة الدولة .
4 - أهل الذمة ( أهل الكتاب ) وهم : اليهود والنصارى .
وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال ، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر ، واقتصر تغيير الدين على الدخول في الإسلام ، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الاسلامي وكانت سمرقند تعدّ من أكبر أسواق الرقيق ، إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها .
وكان لا تساع رقعة الدولة العباسية ، ووفرة ثرواتها ، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتى لقد غدا الناس جميعا من الخليفة إلى العامة طلابا للعلم أو على الأقلّ أنصارا للأدب ، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعيا إلى موارد العلم والعرفان ليعودوا إلى بلادهم وهم يحملون أصنافا من العلم ، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف ، والّتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقعة من قبل[10].
هذا في الشرق الإسلامي .
وأما في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الأندلس حتى جذبت مساجدها الاوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية ، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والأدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم . ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين على العلوم النقلية مثل علم التفسير ، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام ، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية ، كالفلسفة ، والهندسة ، وعلم النجوم ، والطب ، والكيمياء ، وغيرها .
وفي العصر العباسي الأول اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن ، وتدخّل المأمون في ذلك ، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته ، ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الأمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) على سائر الخلفاء[11].
وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء :
الصنف الأول : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم .
والصنف الثاني : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل[12].
كما نشطت في هذا العصر أيضا ، في ميدان الفقه مدرستان : مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق .
الحالة السياسية
كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملا مهمّا في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد لأن أحدهما كان يرى أن يولي العهد ابنه بدلا عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون[13].
وقد كان الأمين شديد البطش لكنه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة ، والتي استمرت من سنة ( 93 - 98 ه ) حيث تمكن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد ، ومن ثم تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين ، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين .
وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكن منها جيش الدولة ، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة ، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام ( 217 ه )[14].
ويصور أحد شعراء العصر العباسي الأول - من أهل بغداد وهو يعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى - الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :
أضاع الخلافة غشّ الوزير * وفسق الإمام ورأي المشير
وما ذاك إلّا طريق الغرور * وشر المسالك طرق الغرور
فعال الخليفة أعجوبة * وأعجب منه فعال الوزير
وأعجب من ذا وذا أننا * نبايع للطفل فينا الصغير
ومن ليس يحسن مسح أنفه * ولم يخل من متنه حجر ظير
وما ذاك ، إلّا بباغ وغاو * يريدان نقض الكتاب المنير
وهذان لولا انقلاب الزمان * أفي العير هذان أم في النفير
ولكنها فتن كالجبا * ل نرتع فيها بصنع الحقير[15]
ولما قتل الأمين حمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ، وأعطى الجند ، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : إلعن هذا الرأس فقال : لعن اللّه هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من امّهاتهم ، فقيل له : لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس ورده إلى العراق[16] .
وجابه حكم المأمون تحديات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :
1 - ثورة ابن طباطبا[17] سنة ( 199 ه ) بقيادة أبي السرايا .
وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجواد ( عليه السّلام ) وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضى من آل محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) . وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم . واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) ويجعلهم قادة في جيشه مما أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته .
ووجّه إليه المأمون ، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل ، ولكن زهيرا انهزم جيشه واستبيح عسكره ، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشا آخر أرسله المأمون إليهم ، واستولوا على ( واسط ) .
ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين ، فهرب أبو السرايا إلى القادسية ، ودخل هرثمة إلى الكوفة ، ثم قتل أبو السرايا ، وكان ذلك في سنة ( 200 ه )[18].
2 - ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) .
وفي سنة احدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضا ( عليه السّلام ) في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر ، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه إبراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة[19].
وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق اغراضه من فرض ولاية العهد - كما يريد - على الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث ومائتين[20].
3 - احداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح[21].
4 - احداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه السنة ظهر نصر بن أشعث العقيلي ، وكانت بينه وبين عبد اللّه بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد[22].
5 - غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر[23].
وامتدت هذه الحروب أكثر من سنتين ، وقد أسّرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام ( 217 ه ) .
الإمام الجواد ( عليه السّلام ) والمأمون العباسي
لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس . ويعد هذا التحول في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلا على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأمة والمجتمع الاسلامي مع انشداد الغالبية المؤثرة بالأئمة ( عليهم السّلام ) والقول بمرجعيتهم الفكرية والروحية ، وكانت ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السّلام ) أحد أوجه هذا التحول في السياسة والذي يعبر عن ذكاء ودهاء المأمون في محاولته تلك للحد من تأثير الإمام ( عليه السّلام ) ووضعه قريبا منه لتحديد تحركه وتحجيم دوره إضافة لرصد تحركه وتحرك القواعد الشعبية المؤمنة بقيادة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ودورهم الريادي في الأمة ، فبعد استشهاد الإمام الرضا ( عليه السّلام ) عمد المأمون إلى إشخاص الإمام الجواد من المدينة إلى بغداد وتزويجه بإبنته أم الفضل مع احتجاج الأسرة العباسية على هذا التقريب والتزويج ، فالمأمون كان بعيد النظر في تعامله هذا ، وكان يرمي من ورائه إلى أهداف تخدمه وتضفي نوعا من الشرعية على سلطته ، وقد خدع الأكثرية من أبناء الأمة بإظهاره الحبّ والتقدير للإمام الجواد ( عليه السّلام ) من أجل إزالة نقمتهم التي خلّفتها عهود الخلفاء قبله لاستبدادهم وبطشهم فضلا عن إسرافهم في اللهو والترف وخروجهم عن مبادئ الاسلام الحنيف في كثير من مظاهر حياتهم الخاصة والعامة ، ومما يؤكد لنا وجهة النظر هذه في سياسة المأمون أنه في عام ( 204 ه ) وفي شهر ربيع الأول قدم بغداد ولباسه ولباس قواده وجنده والناس كلهم الخضرة فأقام جمعة - اي سبعة أيام - ثم نزعها وأعاد لباس السواد[24]. والذي كان قد أمر بنزعه بعد توليه الحكم والعهد بالولاية من بعده للإمام الرضا ( عليه السّلام ) سنة ( 201 ه ) .[25] والتي انتهت باستشهاد الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بعد دس السم له سنة ( 203 ه ) .
زواج الإمام الجواد ( عليه السّلام )
واستمرارا لتوطيد علاقة المأمون بأهل البيت ( عليهم السّلام ) كان تزويجه لابنته - أم الفضل - من الإمام الجواد ( عليه السّلام ) ، ولما بلغ بني العباس ذلك اجتمعوا فاحتجوا ، لتخوفهم من أن يخرج السلطان عنهم وأن ينتزع منهم - بحسب زعمهم - لباس ألبسهم اللّه ذلك ، فقالوا للمأمون : ننشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمرا قد ملّكناه اللّه وتنزع منّا عزا قد ألبسناه اللّه ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا ، وما كان عليه الخلفاء قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا اللّه المهم من ذلك ، فاللّه اللّه ان تردنا إلى غمّ قد انحسر عنّا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره .
فقال لهم المأمون : اما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم . . . واما أبو جعفر محمد بن علي ( عليه السّلام ) فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والأعجوبة فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما عرفته منه[26].
فخرجوا من عنده وأجمعوا رأيهم على مساءلة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان ، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك .
واتفقوا مع المأمون على يوم تتم فيه المساءلة ، حيث يحضر معهم يحيى بن أكثم . ثم كان بعد ذلك أن جلس الإمام الجواد ( عليه السّلام ) يستمع إلى أسئلة يحيى بن أكثم والذي بهت حين سأل الإمام حول محرم قتل صيدا فما كان من الإمام ( عليه السّلام ) إلّا ان فرّع عليه سؤاله فلم يحر جوابا وطلب من الإمام ( عليه السّلام ) أن يوضح ذلك والمأمون جالس يستمع إلى كل ذلك ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟ ثم أقبل على أبي جعفر ( عليه السّلام ) وطلب منه أن يخطب ابنته فخطبها واحتفل المأمون بذلك .
ثم إن المأمون بعد اجراء العقد وإتمام الخطبة عاد فطلب من الإمام الجواد ( عليه السّلام ) أن يكمل جواب ما طرحه مشكلا به على ابن أكثم ، فأتم الإمام ( عليه السّلام ) الجواب ، فالتفت المأمون إلى من حضره من أهل بيته فقال لهم ، هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ؟ ويعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟
قالوا : لا واللّه ، ان أمير المؤمنين أعلم بما رأى .
فقال - المأمون - لهم : ويحكم ان أهل البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال ومن ثم ذكر لهم ان الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) افتتح الدعوة بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الاسلام .[27].
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الاهتمام المبالغ فيه من قبل المأمون تجاه الإمام الجواد ( عليه السّلام ) كان قد سلك مثله مع أبيه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) حتى تم له ان دس له السم وقتله ، فكان المأمون يتحرك إزاء الإمام ( عليه السّلام ) بهدف إبعاد الإمام ( عليه السّلام ) عن خاصته وعامة الناس ، حيث اشخصه من المدينة إلى بغداد ليكون قريبا منه وتحت رقابته وعيونه ، فيعرف الداخل عليه والخارج منه ظنا من المأمون أنّه سوف يتمكن بذلك من تحجيم دور الإمام ( عليه السّلام ) وابعاده عن التأثير فضلا عن اكتساب الشرعية لحكمه من خلال وجود الإمام ( عليه السّلام ) إلى جنبه ، ووفقا لذلك كان موقف المأمون تجاه العباسيين الذين كانوا لا يرون في الإمام ( عليه السّلام ) إلّا صبيا لم يتفقه في الدين ولا يعرف الحلال والحرام .
وهكذا قضى الإمام الجواد ( عليه السّلام ) خمس عشرة سنة خلال حكم المأمون حيث مات المأمون سنة ( 218 ه ) .
الإمام الجواد ( عليه السّلام ) والمعتصم
والمعتصم هو محمد بن هارون الرشيد ثامن خلفاء بني العباس بويع له بالخلافة سنة ( 218 ه ) بعد وفاة المأمون ، وقد خرج المعتصم سنة ( 217 ه ) لبناء سامراء[28]. ثم نقل عاصمة الدولة إليها ، ولم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد ( عليه السّلام ) في خلافة المعتصم طويلة فإنها لم تتجاوز السنتين حيث استشهد الإمام ( عليه السّلام ) بعد ان استقدمه المعتصم إلى بغداد سنة ( 220 ه ) .
وكان الإمام الجواد ( عليه السّلام ) قد خلّف ولده الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وهو صغير بالمدينة لمّا انصرف إلى العراق في العام الذي توفي فيه المأمون بأرض الروم[29]. وهو عام ( 218 ه ) .
ونصّ الإمام الجواد ( عليه السّلام ) قبل استشهاده على إمامة ابنه علي في أكثر من موقع .
نصوص الإمام الجواد ( عليه السّلام ) على إمامة ولده الهادي ( عليه السّلام )
أ - النص الأول : عن إسماعيل بن مهران قال : لما اخرج أبو جعفر في الدفعة الأولى من المدينة إلى بغداد فقلت له : إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة ، فلما استدعاه المعتصم صرت اليه فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من الأمر بعدك ؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ، ثم التفت إليّ فقال : عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي »[30].
ب - النص الثاني : عن الخيراني ، عن أبيه - وكان يلزم أبا جعفر للخدمة التي وكل بها - قال : كان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر ليعرف خبر علّة أبي جعفر ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن عيسى وخلا به أبي فخرج ذات ليلة وقام احمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول واستدار أحمد بن محمد ووقف حيث يسمع الكلام ، فقال الرسول لأبي : ان مولاك يقرأ عليك السلام ويقول : « انّي ماض والأمر صار إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي » ، ثم مضى الرسول فرجع أحمد بن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قال لك ؟ قال : خيرا ، قال : فإنني قد سمعت ما قال لك وأعاد اليه ما سمع فقال له أبي : قد حرم اللّه عليك ذلك لأن اللّه تعالى يقول : وَلا تَجَسَّسُوا فأما إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ، وإياك أن تظهرها لأحد إلى وقتها .
فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها .
قال : فلما مضى أبو جعفر ( عليه السّلام ) لبث أبي في منزله فلم يخرج حتى اجتمع رؤساء الامامية عند محمد بن الفرج الرخجي يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن أبي الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده وانه لولا مخافة الشهرة لصار معهم اليه وسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار اليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع أحضروها . فأحضروها وفضّها وقال : هذا ما أمرت به . فقال بعض القوم : قد كنا نحب ان يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر فقال لهم أبي : قد أتاكم اللّه ما تحبون ، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة ، وسأله أن يشهد فتوقف أبو جعفر فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه باللّه فلما حقق عليه القول قال : قد سمعت ذلك ولكنني توقفت لأني أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب فلم يبرح القوم حتى اعترفوا بإمامة أبي الحسن وزال عنهم الريب في ذلك »[31].
ج - النص الثالث : عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة « شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه واخوته وجعل أمر موسى إذا بلغ اليه ، وجعل عبد اللّه بن المساور قائما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد .
صير عبد اللّه بن المساور ذلك اليوم اليه ، يقوم بأمر نفسه وإخوانه ويصير أمر موسى اليه ، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها ، وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه وشهد الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ، وهو الجوائي على مثل شهادة أحمد بن خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده .[32]
د - النص الرابع : حدثنا محمد بن علي ، قال حدثنا عبد الواحد بن محمد ابن عبدوس العطار ، قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال حدثنا حمدان بن سليمان ، قال حدثنا الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) يقول : « الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي »[33] ، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه . ثم سكت فقلت له : يا بن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن ؟
فبكى ( عليه السّلام ) بكاءا شديدا ثم قال : ان بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر ، فقلت له :
يا ابن رسول اللّه ولم سمي القائم ؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته . فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون »[34].
ه - النص الخامس : حدثنا علي بن محمد السندي ، قال محمد بن الحسن ، قال حدثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن هلال ، عن [ أمية بن علي ] القيسي ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني ( عليه السّلام ) من الخلف من بعدك ؟ قال :
ابني علي . ثم قال : انّه سيكون حيرة . قال : قلت والى أين ؟ فسكت ثم قال : إلى المدينة . قلت : والى أي مدينة ؟ قال : مدينتنا هذه ، وهل مدينة غيرها[35] ؟
و - النص السادس : قال أحمد بن هلال : فأخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه حضر أمية بن علي وهو يسأل أبا جعفر الثاني ( عليه السّلام ) عن ذلك ، فأجابه بمثل ذلك الجواب .
وبهذا الاسناد عن أمية بن علي القيسي ، عن أبي الهيثم التميمي ، قال :
قال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) : إذا توالت ثلاثة أسماء كان رابعهم قائمهم محمد وعلي والحسن[36] .
ي - النص السابع : روى الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه أنّ أبا جعفر ( عليه السّلام ) لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها أجلس أبا الحسن في حجره بعد النصّ عليه وقال له : ما الذي تحبّ أن أهدي إليك من طرائف العراق ؟ فقال ( عليه السّلام ) : سيفا كأنّه شعلة نار ، ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له : ما تحبّ أنت ؟ فقال : فرسا ، فقال ( عليه السّلام ) : أشبهني أبو الحسن ، وأشبه هذا امّه[37].
استشهاد الإمام الجواد ( عليه السّلام )
إن تقريب الإمام الرضا ( عليه السّلام ) والعهد إليه بولاية الأمر من قبل المأمون العباسي وكذا ما كان من المأمون تجاه الإمام الجواد ( عليه السّلام ) يعبر عن دهاء سياسي في التعامل مع أقوى معارضي الدولة ، حيث يمتلك الإمامان القواعد الشعبية الواسعة مما كان يشكل خطرا على كيان الدولة ، فكان تصرّف المأمون معهما من أجل تطويق الخطر المحدق بالكيان السياسي للدولة العباسية وذلك من خلال عزل الإمام ( عليه السّلام ) عن قواعده للحدّ من تأثيره في الأمة ، فتقريبه للإمام ( عليه السّلام ) يعني إقامة جبرية ، ومراقبة دقيقة تحصي عليه حتى أنفاسه وتتعرّف على مواليه ومقربيه ، لمتابعتهم والتضييق عليهم .
قال محمد بن علي الهاشمي : دخلت على أبي جعفر ( عليه السّلام ) صبيحة عرسه ببنت المأمون - أي أم الفضل - وكنت تناولت من أول الليل دواء فأوّل من دخل في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء ، فنظر أبو جعفر ( عليه السّلام ) في وجهي وقال : أراك عطشانا قلت : أجل قال : يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي : الساعة يأتونه بماء مسموم ، واغتممت لذلك ، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثمّ قال : يا غلام ناولني الماء فتناول وشرب ، ثمّ ناولني الماء وشربت[38].
فقال محمد بن علي الهاشمي لمحمد بن حمزة : واللّه إني أظن أن أبا جعفر ( عليه السّلام ) يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة[39].
فالهاشمي هذا ليس من شيعة الإمام ( عليه السّلام ) ، غير أنه كان يدرك ما يدور في خلد العباسيين ويعرف وسائلهم في التخلص من معارضيهم ، وربّما يستفاد من قوله هذا تأكيد أن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قد مضى مسموما من قبل المأمون .
وروى المسعودي : أنّ المعتصم وجعفر بن المأمون دبّرا حيلة للتخلص من الإمام الجواد ( عليه السّلام ) ، فاتفق جعفر مع أخته أم الفضل - زوج الإمام الجواد ( عليه السّلام ) - أن تقدّم له عنبا مسموما ، وقد فعلت ذلك وأكل منه الإمام ( عليه السّلام ) ، فندمت وجعلت تبكي فقال لها الإمام ( عليه السّلام ) : ما بكاؤك ! واللّه ليضربنك اللّه بفقر لا ينجلي وبلاء لا ينستر . . . فبليت بعلّة فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس - أي معونتهم - وقد تردى أخوها جعفر في بئر فأخرج ميتا وكان سكرانا .
ويروى أن ابن أبي داود القاضي كان السبب لقتل الإمام ( عليه السّلام ) وكان سبب وشايته : أنّ سارقا جاء إلى الخليفة ، وأقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة أن يطهّره بإقامة الحد عليه ، فجمع المعتصم الفقهاء وسألهم عن مكان قطع اليد لإقامة الحد على السارق هذا فاختلفوا في مكان القطع فالبعض قال من المرفق ، وآخر قال من الكرسوع ، واستشهدوا بآيات من القرآن الكريم تأولا بغير علم ، فالتفت المعتصم إلى الإمام ( عليه السّلام ) وقال : ما تقول يا أبا جعفر ؟ قال : قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين . قال : دعني مما تكلموا به ، أي شيء عندك ؟ قال : أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال : أقسمت عليك باللّه لما أخبرتني بما عندك فيه ، فقال : إذا أقسمت عليّ باللّه ، إني أقول : إنهم أخطأوا فيه السنّة ، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل الأصابع فيترك الكف . قال : لم ؟ قال لقول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال اللّه تبارك وتعالى : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً وما كان للّه لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف .
قال زرقان : إن ابن أبي داود قال لي : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار قال : ما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه ، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك . وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه ، وكتّابه وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ويدّعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء .
قال ابن أبي داود : فتغير لونه - أي المعتصم - وانتبه لما نبّهته له ، وقال :
جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا . . . »[40].
من هنا ندرك أنّه كيف اندفع المعتصم للتآمر على الإمام الجواد ( عليه السّلام ) مع جعفر ابن المأمون وأخته أم الفضل فلا تعارض بين هاتين الروايتين والحال هذه .
[1] إثبات الوصية : 184 .
[2] إثبات الوصية : 185.
[3] إثبات الوصية : 185 و 186 .
[4] إثبات الوصية : 185 و 186 .
[5] الكافي : 1 / 572 ، ح 12 .
[6] دلائل الإمامة : 205 .
[7] تاريخ الاسلام : 2 / 66 - 67 للدكتور حسن إبراهيم حسن .
[8] مروج الذهب : 3 / 476 .
[9] تاريخ الاسلام : 395 .
[10] تاريخ الاسلام : 2 / 321 - 323 .
[11] تاريخ الاسلام : 2 / 321 - 323 .
[12] تاريخ الاسلام : 2 / 324 .
[13] مروج الذهب : 4 / 350 - 353 .
[14] تاريخ الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، أحداث السنين ( 199 - 217 ه ) .
[15] مروج الذهب : 3 / 397 .
[16] مروج الذهب : 3 / 414 .
[17] هو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
[18] تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : 112 - 113 .
[19] تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : 112 - 113 .
[20] إثبات الوصية : 181 - 183 .
[21] تاريخ الذهبي ، دول الاسلام : 114 .
[22] تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : 115 - 117
[23] تاريخ الذهبي ، دول الإسلام : 115 - 117
[24] تاريخ اليعقوبي : 2 / 193 .
[25] تاريخ أبي الفداء : 1 / 328 .
[26] الارشاد : 2 / 282 وعنه في إعلام الورى : 2 / 101 بلا اسناد ، وفي كشف الغمة : 3 / 144 بالاسناد .
[27] الارشاد : 2 / 281 - 287 وعنه في إعلام الورى : 2 / 101 - 105 ، وفي كشف الغمة : 3 / 143 - 147 .
[28] تاريخ أبي الفداء : 1 / 343 .
[29] إثبات الوصية : 192 .
[30] الكافي : 1 / 323 ، بحار الأنوار : 50 / 118 باب النصوص على الخصوص عليه ، الارشاد ، للمفيد : 308 .
[31] الكافي : 1 / 324 ، بحار الأنوار : 50 / 120 باب النصوص على الخصوص عليه ، الارشاد ، للمفيد : 308 .
[32] الكافي : 1 / 383 .
[33] في طبعة : ثم سكت فقلت يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد علي قال ابنه الحسن . قلت : بعد الحسن فبكى ( عليه السّلام ) بكاءا شديدا ثم قال : انّ محمدا من بعد الحسن ابنه . . .
[34] اكمال الدين : 2 / 278 وإعلام الورى : 436 .
[35] غيبة النعماني : 18 باختلاف ما في اللفظ وزيادة .
[36] اكمال الدين : 2 / 334 وكذا فيه : إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم .
[37] بحار الأنوار : 50 / 123 باب النصوص على الخصوص عليه ( عليه السّلام ) .
[38] الكافي : 1 / 495 و 496 .
[39] أصول الكافي : 1 / 495 ح 6 ب 132 وعنه في الارشاد : 2 / 291 .
[40] تفسير العياشي : 1 / 319 ، مدينة المعاجز : 7 / 403 ، بحار الأنوار : 76 / 191 .