الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
قصائد لابن زيدون
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة: مج3، ص:271-288
2023-03-15
3423
قصائد لابن زيدون
وكتب الوزير الشهير أبو الوليد ابن زيدون إلى الوزير أبي عبد الله ابن عبد العزيز إثر صدوره عن بلنسية (1):
راحت فصح(2) بها السقيم ريح معطرة النسيم
مقبولة هبت قبو لا فهي تعبق في الشميم
۲۷۱
أفضيض مسك أم بلنسية لرياها نميـم
بلد حبيب أفقه لفتى يحـل به كريم
إيه أبا عبد الإله نـداء مغلوب العزيم
ان عيل صبري من فراقك فالعذاب بـه أليم
أو أتبعتك حنينها نفسي فأنت لهـا قسيم
ذكري لعهدك كالعرار سرى فبرح بالسليم
مهما ذممت فما زماني في ذمامك بالذميم
زمن كمألوف الرضاع يشوق ذكراه الفطيم
أيتام أعقـد ناظري في ذلك المرأى الوسيم
وأرى الفتوة غضة في ثوب أواه حليم
الله يعلم أن حبك لك من فؤادي في الصميم
ولئن تحمل عنك لي جسم فعن قلب مقیم
قل لي بأي خلال سر ك فيك أفتن أو أهيم
المجدك العمم الذي نسق الحديث مع القديم
أم ظرفك الغض الجنى أم عرضك الصافي الأديم
أم برك العذب الجمام وبشرك الغض الجميم
إن أشمست تلك الطلاقة فالندى منها مغيم
أم بالبدائع كاللالي لي من نثير أو نظيم
لبلاغة إن عد أهلموها فأنت بها زعيم
فقر تسوغ بها المدام إذا يكررهـا النديم
إن الذي قسم الحظوظ حباك بالخلق العظيم
لا أستزيد الله نعمى فيك لا بل استديم
فلقد أقر العين أنك غرة الزمن البهيم
حسبي الثناء بحسن برك ما بدا برق وشيم
۲۷۲
ثم الدعاء بأن تهنأ طول عيشك في نعيم
ثم السلام تبلغنه فغيب مهديه سليم
ولما ورد إشبيلية نزل بدار الوزير الكاتب ذي الوزارتين أبي عامر ابن مسلمة وهو يبني مجلساً ، فصنع أبياتاً كتبت فيه(3):
عمر من يعمر ذا المجلسا أطول عمر يبهج الأنفسا
وبعد ذا عوض من داره عدنا ومن ديباجه السندسا
ولقي النور(4) بها والرضى ووقي الأسواء والأبؤسا
ودام عباد لعضد(5) الهدى يحرس حتى يفني الأحرسا
معتضد بالله إحسانه جم إذا ما الدهر يوما أسا
الملك الغمر الندى المقتني من كل حمد علقه الأنفسا
إن رام يوماً وصف عليائه مفوه مقتـدر أخرسا
لا زال بدراً طالعاً نيراً يكشف عن آمالنا الحند سا
وقال فيه أيضاً(6):
أدرها فقد حسن المجلس وقد آن أن تترع الأكؤس
ولا تنس أن أوان الربيع(7) إذا لم تجد فقده الأنفس
فإن خـلال أبي عامر بها يحقر الورد والنرجس
وكتب إلى الوزير أبي المعالي المهلب بن عامر يستدعيه(8):
۲۷۳
طابت لنا ليلتنا الحاليه فلنتبعنها هـذه الثانية(9)
أبا المعالي نحن في راحـة فانقل إلينا القدم العاليه
لأنها(10) عاطلة إن تغيب عنا فزرنا كي ترى حاليه
أنت الذي لو تشتري ساعة بدهي لم تكن غاليه
وكتب إليه ذو الوزارتين أبو عامر المذكور معاتبا(11):
تباعدنا على قرب الحوار كأنا صدنا شحط المزار
تطلع لي هلال الهجر بدراً وصار هلال وصلك في سرار
وشاع شنيع قطعت لي بوصلي فهلا كان ذلك في استتار
أيجمل أن ترى عني صبوراً فأصبح(12) مولعا دون اصطبار
وكنت أزيد سمعك من عتابي ولكن عافني فرط الخمار
فراع مودتي واحفظ جواري فإن الله أوصى بالجوار
وزرني منعما من غير أمر وآنس موحشا من عقر داري
فكتب إليه ابن زيدون (13):
هواي وإن تناءت عنك داري كمثل هواي في حال الجوار
مقيم لا تغيره عواد تباعد بين أحيان المزار
رأيتك قلت إن الهجر بدر منى خلت البدور من السرار
ورابك أنني جلد صبور وكم صبر يكون عن اصطبار
٢٧٤
ولم أهجر لعتب، غير أني أضرت بي معاقرة العقار(14)
وساعات يحول اللهو فيها مجال الطل في حدق البهار(15)
وإن يك فر عنك اليوم جسمي فديت فما لقلبي من فرار
وكنت على البعاد أجل شيء لدي فكيف إذ أصبحت جاري
وكان أبو العطاف إذ ورد إشبيلية رسولا قد سأله أن يريه شيئا من شعره فمطله به، حتى كتب إليه شعراً يستبطئه، فأجابه ابن زيدون في العروض والقافية(16):
أفدتني(17) من نفائس الدرر ما أبرزته غوائص الفكر
من لفظة قارنت نظائرها قرآن سقم الجفون للحور
وهي أكثر مما ذكر(18).
وكتب رحمه الله تعالى – أعني ذا الوزارتين ابن زيدون ـ إلى ولادة(19):
أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب دنيانا تجافينا
ألا وقد حان صبح الليل صبحنا حين فقام بنا للحين ناعينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم حزنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا
أن الزمان الذي ما زال يضحكنا أنساً بقربهم قد عاد يبكينـا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن نغص فقال الدهر آمينـا
۲۷٥
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
بالأمس كنا(20) وما يخشى تفرقنا واليوم نحن وما يرجى تلاقينـا
يا ليت شعري ولم تعتب أعاديكم هل نال حظا من العتبى أعادينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم رأيا ولم نتقلد غيره دينـا
كنا نرى اليأس تسلينا عوارضه وقد يئسنا فما لليأس يغرينا
بنتم وبنا فمـا ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينـا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينـا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت سوداً وكانت بكم بيضا ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ومورد اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا فنون الوصل دانية قطوفها فجنينا منه . ما شيئا
ليسق عهد كم عهد السرور فما كنتم لأرواحنـا إلا رياحينـا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا أن طال ما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلا منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به من كان صرف الهوى والود يسقينا
واسأل هنالك هل على تذكرنا إلفـا تذكره أمسى يعنينـا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيا كان يحيينا
من لا يرى الدهر يقضينا مساعفة فيـه وإن لم يكن عنا يقاضينـا
من بيت(21) ملك كأن الله أنشأه مسكا وقد أنشأ الله الورى طبنـا
أو صاغه ورقاً محضاً وتوجه من ناصع التبر إبداعـا وتحسينا
إذا تأود آدته رفاهية توم العقود(22) وأدمته البرى لينا
۲۷٦
كانت له الشمس ظئراً في تكلله بل ما تجلى لها إلا أحايينا
كأنما أثبتت في صحن وجنته زهر الكواكب تعويذا وتزيينا
ما ضر إن لم نكن أكفاءه شرفا وفي المودة كاف من تكافينـا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا ورداً جلاه الصبا غضا ونسرينا
ويا حيـاة تملينا بزهرتها منى ضروبا ولذات أفانينا
ويا نعيما خطرنا من غضارته في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
لسنا نسميك إجلالا وتكرمة وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت وما شوركت في صفة فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينـا
يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها والكوثر العذب زقوما وغيسلينا
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا والسعد قد غض من أجفان واشينا
سران في خاطر الظلماء تكتمنا حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت عنه النهي وتركنا الصبر ناسينـا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أما هواك فلم تعدل بمشربه شرباً وإن كان يروينا فيظمينـا
لم نجف أفتق جمال أنت كوكبه سالين عنه ولم تهجره قالينا
ولا اختياراً تجنبناك عن كثب لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حنت مشعشعة فينـا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا سيما ارتياح ولا الأوتار تلهينا
دومي على العهد ما دمنا محافظة فالحر من دان إنصافاً كما دينا
فما استعضنا خليلا عنك يحبسنا ولا استفدنا حبيباً عنك يغنينا
ولو صبا نحونا من أفتق مطلعه بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا
ابلي وفاة وإن لم تبذلي صلة فالطيف يقنعنا والذكر يكفينـا
وفي الجواب متاع لو شفعت به بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت صبابة بك تخفيها وتخفينـا
۲۷۷
وإنما ذكرت هذه القصيدة –مع طولها– لبراعتها، ولأن كثيراً من الناس لا يذكر جملتها ، ويظن أن ما في القلائد وغيرها منها هو جميعها ، وليس كذلك ، فهي وإن اشتهرت بالمشرق والمغرب لم يذكر جملتها إلا القليل ، وقد كنت وقفت بالمغرب على تسديس لها لبعض علماء المغرب ولم يحضرني منه الآن إلا قوله في المطلع :
ما للعيون بسهم الغنج تضمينا وعن قطاف جنى الأعطاف تحمينا
تألف كان يحيينا ويضنينـا تفترق عاث في شمل المحبينا
أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب دنيانا تجافينا
وما أحسن قوله في هذا التسديس:
ما للأحبة دانوا بالنوى ورأوا تعريض عهد اللقا بالبعد حين نأوا
رعاهم الله كانوا للعهود رعوا فغيرتهم وشاة بالفساد سعوا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن تغص فقال الدهر آمينا
وقد ذكرنا في الباب الرابع موشحة ابن الوكيل التي وطئا فيها لنونية ابن زيدون هذه فلتراجع(23).
رجع - وقال ذو الوزارتين ابن زيدون يتغزل(24):
وضح الصبح(25) المبين وجلا الشك اليقين
ورأى الأعداء ما غـ رتهم منك الظنون
أملوا ما ليس يمسى ورجوا ما لا يكون
وتمنوا أن يخون الـ عبد مولى لا يخون
۲۷۸
فإذا الغيب سليم وإذا العهد مصون
قل لمن دان بهجري وهواني إذ يدين(26)
أرخص الحب فؤادي لك والعلم ثمين
يا هلالاً تتراءا ه نفوس لا عيون
عجباً للقلب يقسو منك والعطف يلين
ما الذي ضرك لو سر بمراك الحزين
تلطفت بصب حنينه فيك يحين
فوجوه اللطف شتى والمعاذير فنون
وقال أيضا(27):
إليك من الأنام غدا ارتياحي وأنت من الزمان مدى اقتراحي
وما اعترضت هموم إلا ومن ذكراك ريحاني وراحي
فديتك إن صبري عنك صبري لدى عطشي عن الماء القراح
ولي أمل لو الواشون كفوا لأطلع غرسه ثمر النجاح
وأعجب كيف يغلبني عدو رضاك عليه من أمضى سلاح
ولما أن جلتك لي اختلاساً أكف الدهر للحين المتاح
رأيت الشمس تطلع في نقاب وغصن البان يرفل في وشاح
فلو أسطيع طرت إليك شوقاً وكيف يطير مقصوص الجناح
على حالتي وصال واجتناب وفي يومي دنو وانتزاح
وحسي أن تطالعك الأماني بأفقك في مساء أو صباح
فؤادي من أسى بك غير خال وقلبي من هوى لك غير صاح
۲۷۹
وأن تهدي السلام إلي شوقاً ولو في بعض أنفاس الرباح وقال(28):
كم ذا أريد ولا أراد الله ما لقي الفؤاد
أصفي الوداد إلى الذي(29) لم يتصف لي منه الوداد
كيف السئلو عن الذي مثواه من قلبي السواد
يقضي علي دلاله في كل حين أو يكاد
ملك القلوب بحسنه فلهـا إذا أمر القياد
يا هاجري كم استفيد الصبر عنك فلا أفاد
أفـلا رثيت لمن يبيت وحشو مقلته السهاد
إن أجـن ذنبا في الهوى خطأ فقد يكبو الجواد
كان الرضى وأعيده أن يعقب الكون الفساد
وقال(30):
منى أنبيك ما بي يا راحتي وعذابي
متى ينوب لساني في شرحه عن كتابي
الله يعلم أني أصبحت فيك لما بي
فمـا يلذ منـامي ولا يسوغ شرابي
يا فتنـة المتعزي وحجـة المتصابي
الشمس أنت توارث عن ناظري بالحجاب(31)
۲۸۰
ما النور شف سناه على رقيق السحاب
إلا كوجهك لما أضاء تحت النقاب
وقال(32):
هل لداعيك مجيب أم لشاكيك طبيب
يا قريبا حين ينأى حاضراً حين يغيب
كيف يسلوك محب زانـه منك حبيب
انما انت نسيم تتلقاه القلوب
قد علمنا علم ظن هو لا شك مصيب
إن سر الحسن مما أضمرت تلك القلوب
و قال (33):
أنى تضيع عهدك أم كيف تخلف وعدك
وقـد رأتك الأماني رضى فلم تتعدك
يا ليت شعري وعندي ما ليس في الحب عندك(34)
هل طال(35) ليلك بعدي كتطول ليلي بعدك
سلني حياتي أهبها فلست أملك ردك
الدهر عبدي لما أصبحت في الحب عبدك
وقال رحمه الله تعالى وقد أمره السلطان أن يعارض قطعا كان يغني بها واستحسن ألحانها (36):
۲۸۱
يقصر قربك ليلي الطويلا ويشفي وصالك العليلا
وإن عصفت منك ريح الصدود فقدت نسيم الحياة البليلا
كما أنني إن أطلت العثار ولم يبد عذري وجنها جميلا
وجدت أبا القاسم الظافر المـ ؤيد بالله مولى مقيلا
لأقلامه فعل(37) أسيافه يظل الصرير يباري الصليلا
وقال يهنيه بالقدوم من السفر(38) :
أيهـا الظافر أبشر بالظفر واجتل التأييد في أبهى الصور
فئوي دونك مثوى قلق يشتكي من ليله مطل السحر
قل لساقينا يجد أكؤسه ولشادينا يطل(39) قطع الوتر
ومنها :
لي فيه المثل السائر في جالب التمر إلى أرض هجر
ثم قد وفق عبد عظمت نعمة المولى عليه فشكر
لا عدا حظك إقبال يرى قاضياً أثناءه كل وطر
واصطبح كأس الرضى من ملك سرت في إرضائه أزكى السير
حين صممت إلى أعـدائه فانتحتهم منك صماء الغبر(40)
۲۸۲
فاض غمر للندى من فوقهم كان يروي شربهم منه الغمر
سبق الناس فصلى سابق إذ رأى آثاره مثل الزهر(41)
وهي طويلة.
وقال رحمه الله تعالى(42):
لم يكن هجر حبيبي عن قلى لا ولا ذاك التجني مللا
سره دعوى ادعائي ثم لم يدر ما غاية صبري فابتلى
أنا راض بالذي يرضى به لي من لو قال مت ما قلت لا
مثل في كل حسن مثل ما صار حالي في هواه مثلا
إن يكن لي أمل غير الرضى منك لا بلغت ذاك الأملا
وقال رحمه الله تعالى (43):
أذكرتني سالف العيش الذي طابا يا ليت غائب ذاك الوقت(44)، قد آبا
إذ نحن في روضة للوصل أنعمها من السرور غمـام فوقها صابا
إني لأعجب من شوق بطالبني فكلما قيل فيه قد قضى ثـابا
كم نظرة لك عندي قد علمت بها يوم الزيارة أن القلب قد ذابا
قلب يطيل معاصاتي لطاعتكم فإن أكلفه يوما سلوة يابي
وقال رحمه الله تعالى(45):
۲۸۳
عاودت ذكر الهوى من بعد نسياني واستحدث القلب بعد العشق سلواني
من حب جـارية يبدو بهـا صنم من الجنين عليها تاج عقيان
غريرة لم تفارقها تمائمهـا تسبي القلوب بساجي الطرف وسنان
لأستجدن في عشقي لها زمنا يحيي سوالف أيامي وأزماني
حتى يكون لمن أحببت خاتمة نسخت في حبها كفراً بإيمان
وقال رحمه الله تعال(46):
أنت معنى الهوى وسر الدموع وسبيل الهوى وقصد الولوع
أنت والشمس ضرتان ولكن لك عند الغروب فضل الطلوع
ليس يا مؤنسي نكلفك(47) العتب دلالا من الرضى الممنوع
إنما أنت والحسود معنى كوكب يستقيم بعد الرجوع
وقال رحمه الله تعالى(48):
يا ليل طل لا أشتهي إلا كعهدي(49) قصرك
لو بات عندي قمري ما بت أرعى قمرك
يا ليل خبر أني التذ عنه خبرك
بالله قل لي هل وفى فقال لا بل غدرك
وقال رحمه الله تعالى(50):
لئن فاتني منك حظ النظر لأكتفين بسماع الخبر
٢٨٤
وإن عرضت غفلة للرقيب فحسبي بتسليمة(51) تختصر
أحاذر أن يتجنى(52) الوشاة وقد يستدام الهوى بالحذر
فأصبر مستيقنا انه سيحظى بنيل المنى من صبر
وقال أيضا رحمه الله تعالى(53):
أيهـا البدر الذي يملأ عيني من تأمل
حمل القلب تباريح التجني فتحمل
ثم لا تيأس(54) فكم قد نيل أمر لم يؤمل
وقال أيضا رحمه الله تعالى(55):
أجيد ومن أهواه في الحب عابث وأوفي له بالعهد إذ هو ناكث
حبيب نأى عني مع القرب، والأسى مقيم له في مضمر القلب ماكث
جفاني بألطاف العدا وأزاله عن الوصل رأي في القطيعة حادث
تغيرت عن عهدي وما زلت واثقا بعهدك لكن غيرتك الحوادث
وما كنت إذ ملكتك القلب عالما بأني عن حتفي بكفي باحث
ستبلى الليالي والوداد بحاله مقيم، وغض وهو للأرض وارث
فلو أنني أقسمت أنك قاتلي وأني مقتول لما قيل حانث
وقال رحمه الله تعالى(56):
۲۸٥
يا غزالا أصارني موثقا في يد المحن
إنني من هجرتني لم أذق لذة الوسن
ليست حظي إشارة منك أو لحظـة تعن(57)
شافعي يا معذبي في الهوى وجهك الحسن
كنت خلواً من الهوى وأنا اليوم مرتهن
كان سري مكتما وهو الآن قد علن
ليس لي عنك مذهب فكما شئت لي فكن
وقال رحمه الله تعالى(58):
أيوحش لي الزمان وأنت أنسي ويظلم لي النهار وأنت شمسي؟
وأغرس في محبتك الأماني وأجني الموت من ثمرات غرسي
لقد جازيت غدراً عن وفائي وبعت مودتي ظلما ببخس
ولو أن الزمان أطاع حكمي فديتك من مكارهه بنفسي(59)
و محاسن ابن زيدون كثيرة وقد ذكرنا منها في غير هذا المحل جملة .
وسألت جارية من جواري الأندلس ذا الوزارتين أبا الوليد ابن زيدون أن يزيد على بيت أنشدته إياه، وهو(60):
يا معطشي من وصال كنت وارده هل منك لي غلة إن صحت: واعطشي
قال وكانت الجارية المذكورة تتعشق فتى قرشياً والوزير يعلم ذلك، وهي لا تعلم أنه يعلم، فقال:
٢٨٦
كسوتي من ثياب السقم أسبغتها ظلما وصيرت من لحف الضنى فرم
أني بصرف الهوى عن مقلة كحلت بالسحر منك وخد بالحمال وشي
لما بدا الصدغ مسودا بأحمره أرى التشاكل(61) بين الروم والحبش
أوفى إلى الخد ثم انصاع منعطفـا كالعقربان انثنى من خوف محترش
لو شئت زرت وسلك الليل(62) منتظم والأفق يختال في ثوب من الغبش
جفا إذا التذت الأجفان طيب كرى جفني(63) المنام وصاح الليل: يا قرشي
هذا وإن تلفت نفسي فلا عجب قد كان قتلي في تلك الجفون حشي
وكان لابن الحاج صاحب(64) قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس صورة : رحمون ، وعزون وحسون فأولع بهم الحافظ الشهير أبو محمد ابن السيد البطليوسي صاحب " شرح أدب الكاتب " وغيره وقال فيهم:
أخفيت سقمي حتى كاد يخفيني وهمت في حب عزون فعزوني
ثم ارحموني برحمون وإن ظمئت نفسي إلى ريق حسون فحسوني
قال : ثم خاف على نفسه ، فخرج عن قرطبة ، وهو القائل:
نفسي الفداء لجؤذر حلو اللمى مستحسن بصدوده أفناني
في فيه سمطا جوهر يروي الظما لو علي ببرود أحيـاني
وهذان البيتان تخرج منهما عدة مقطعات كما لا يخفى .
وقال أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي المعروف بالأبيض،
۲۸۷
في تهنئة بمولود قال ابن دحية(65): وهذا أبدع ما قيل في هذا المعنى:
أصاخت الخيل آذانا لصرخته واهتز كل هزبر عندما عطسا
تعشق الدرع من شدت لفائفه وأبغض المهد لما أبصر الفرسا
تعلم الركض أيام المخاض به فما امتطى الخيل إلا وهو قد فرسا
وقال الوزير الكاتب أبو عامر السالمي(66) في غلام يرش الماء على خديه فتزداد حمرتهما:
لقد نعمت بحمام تطلع في أرجائه قمر والحسن يكمله
يرش بالماء خديه فقلت له: صف لي لما أحمر الياقوت تصقله
فقال: طرفي سفاك بصارمه دماء قوم على خدي فأغسله
وقال أيضا(67):
أوقد النار بقلبي ثم هبت ريح صده
فشرار النار طارت فانطفت في ماء خده
وهو تخييل عجيب.
وقال ابن الحناط المكفوف الأندلسي في المعنى المشهور(68):
لم يخل من نـوب الزمان أديب كلا فشأن النائبات عجيب
وغضارة الأيام تأبى أن يرى فيها لأبناء الذكاء نصيب
وكذاك من صحب الليالي طالباً جداً وفهما فاته المطلوب
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ديوان ابن زيدون: ۲۰۱، وهي في الأخيرة و القلائد.
2- الديوان: فراح
3- ديوان ابن زيدون : ۲۲۷ .
4- الديوان :ووفي الفوز .
5- الديوان : لعهد
6- ديوان ابن زيدون: ۲۲۸.
7- الديوان : ولا بأس إن كان ولى الربيع .
8- الديوان : ۲۲۸.
9- الديوان: فلتنسناها ... التالية.
10- الديوان: ليلتنا.
11- الديوان: ٢٠٤
12- ب: واصبح.
13- الديوان: 205.
14- هذا البيت والذي يليه سقطا من ب.
15- في الأصول الظل ... النهار ، والتعريب عن الديوان.
16- الديوان ٢٠٦.
17- ب: أفادني.
18- هي في عشرين بيتا.
19- ديوان ابن زيدون: 121.
20- لديوان : وقد تكون.
21- الديوان : ربيب.
22- ب : تدمي العقول
23- انظر النفح جـ1، ص: ٦٣٢.
24- ديوان ابن زيدون: ١٧٦.
25- الديوان : الحق.
26- الديوان : وهواء لي دين.
۲7- ديوانه: ١٤٨ .
28- ديوان ابن زيدون : ۱۷۸ .
29- الديوان: مدللا
30- ديوانه : 149 .
31- إلى هنا ينتهي ما سقط من النسخة م .
32- ديوان ابن زيدون : ١٦٤ .
33- ديوانه :165.
34- الديران : يا ليت ما لك عندي من الهوى لي عندك
35- الديران : فطال.
36- ديوانه : 512.
37- الديوان: وأقلامه وفق.
38- ديوانه: ٥١٤.
39- الديوان: يجز ... يصل.
40- سماء النبر: الداهية .
41- الديوان : ....... سنك من ان رأى اثاره الزهر افتقر
42- ديوانه : 165.
43- ديوانه : 123.
44- الديوان : العهد.
45- ديوانه: 192.
46- ديوانه : 166 .
47- الديوان: تكلفك
48- ديوانه: ۱۸۲.
49- الديوان : بوصل .
50- ديوانه : ١٦٨ .
51- الديوان : تسليمة.
52- الديوان : يتظنى .
53- الديوان : ۱۸۲.
54- الديوان : لا يأس .
55- الديوان : ۱۸۳.
56- الديوان : ١٨٦ .
57- الديوان : عنن .
58- الديوان : 185
59- استطردت نسخة م بعد هذا البيت بإيراد أشعار أخرى لابن زيدون وذكر ترجمته من القلائد .
60- ديوان ابن زيدون : ۱۷۰ .
61- الديوان: التسالم .
62- الديوان: النجم .
63- الديوان : صبا ....... جفا.
64- انظر أزهار الرياض 3 : ۱۰۲ ، ١٣٤ ؛ والقطعة الثانية تتفك منها ست قطع.
65- المطرب: ٧٦.
66- المطرب : 77 والشعر ليس للسالمي ، وإنما أنشده السالمي وهو لأبي الحسين ابن مظفر.
67- المطرب : ٧٨ ؛ وهذا الشعر صحيح النسبة السالمي.
68- الذخيرة 1/1 : 392.