اخبار الساحة الاسلامية
أخبار العتبة العلوية المقدسة
أخبار العتبة الحسينية المقدسة
أخبار العتبة الكاظمية المقدسة
أخبار العتبة العسكرية المقدسة
أخبار العتبة العباسية المقدسة
أخبار العلوم و التكنولوجيا
الاخبار الصحية
الاخبار الاقتصادية
السيّد الصافي: الشريعة تُبيّن الأحكام وتشخيص الموضوع مهمّة الانسان الواعي
المؤلف: alkafeel.net
المصدر:
الجزء والصفحة:
2023-02-03
1559
أكّد سماحة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي، أنّ الشريعة السمحاء وظيفتها بيان الأحكام الدينية فيما يكون تشخيص الموضوعات من مهام الإنسان الواعي. جاء ذلك في كلمة لسماحته خلال حفل تخريج الدفعة الثانية، من طالبات شعبة مدارس الكفيل النسوية التابعة للعتبة المقدّسة، الذي أُقيم تحت شعار (من غوالي دماء الشهداء يتضوّع مسك تخرج الولاء)، إذ حضر الحفل عددٌ من أعضاء مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة والوفود والشخصيّات النسويّة الأكاديميّة والحوزويّة، ومديرات المدارس الدينيّة وطالباتها ومسؤولات الشُعب النسويّة. وأدناه نصّ الكلمة: نبارك للأخوات اللواتي اجتزنَ بعض المراحل الدراسيّة بتفوّق، وبذلك قد حصلن على الحُسنَيين، حسن اختيار هذا الطريق وحسن الدرس والتدريس والمواظبة، حيث تكلّلت هذه الجهود إلى هذه الدرجات أو التقييم. أودّ أن أُشير للأخوات إلى قضيّةٍ من الضروريّ جدّاً بيانها، وهي ان الدرس بما هو درس ليس الغاية إنّما هو طريق، وهذا الطريق يوصلنا بعوالم أكبر منها مرضاة الله تبارك وتعالى، أي أن السائر في هذا الطريق يكون دائماً في مرضاة الله تبارك وتعالى، (ومَنْ سلكَ طريقَ إلى العلم سلكَ الله بهِ طريقاً إلى الجنة)، فالدرس بما هو درس ليست له موضوعيّة بقدر ما هو طريق إلى مآرب أُخر، وهذه المآرب والغايات كلّها من الأمور المحبّبة شرعاً، ولا شكّ أنّ الإنسان المؤمن القويّ -كما في الرواية- خير من المؤمن الضعيف، ولفظة (القويّ) صفة للمؤمن وليست صفةً للشخص، بمعنى أنه ليس قويّاً في بدنه إنّما بملاحظة إيمان ذلك الإنسان، أي أنّ هذه القوّة تجعله لا يهتزّ لمجرّد أيّ شبهة أو إشكال، وإنّما هو قويّ متثبّت يعرف ماذا يقول وماذا يفعل، أيضاً له القدرة أن يواجه جميع الإشكالات وجميع الشبهات، وهناك مؤمن ضعيف مع أنّه أحرز الإيمان لكنه ضعيف، لعلّه لا يقوى على ما يقوى عليه المؤمن القويّ، ومن موجبات القوّة هي مسائل الدرس والتفكّر والمطالعة والقراءة. ذكرتُ في حديثي خلال مهرجان روح النبوّة الخامس، أنّ السيدة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة النبيّ (صل الله عليه وآله) وخروجها إلى القوم، وخطبتها التي يعجز عنها بلغاء العرب إلى يومنا هذا، سواء في مضامينها القويّة أو الإلقاء أو السبك، وكانت خطبةً بحقّ هي نوع من الإعجاز، وهنا يتبادر سؤال مهمّ هو ان الزهراء (عليها السلام) عندما خطبت ماذا كانت تريد من القوم؟ والجواب هو انها (عليها السلام) تريد من القوم أن يسمعوا وأن يلتفتوا وأن ينتبهوا إلى خطر قادم، وسيّد الشهداء (عليه السلام) في واقعة الطفّ قبل أن يبدأ القتال بينه وبين القوم، خطب أكثر من خطبة أيضاً، كذلك كانت حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) الشريفة مشحونة بالخطب والكتب التي كان يرسلها إلى الآخرين. لاحظوا أخواتي.. يأمل المتكلّم من المخاطب أن يكون واعياً ومدرِكاً؛ وهذا الوعي والإدراك تتعلّق به مصائر الحضارة عموماً، لهذا فالإنسان الواعي سيكون كالحارس اليقظ لا يخدعه الشيطان، إذ إننا في صراعٍ مرير مع الشيطان، لا يتصوّر أحدٌ أن تكون هناك مسالمة بيننا وبينه يوماً ما، الشيطان الذي عصى الله تبارك وتعالى في السجود لآدم اتّخذ موقفاً لا يتبدّل، وهو أن يكون عدوّاً لي ولكم، والقرآن يقول (اتّخذوهُ عدوّاً) وهذا العدوّ لا شكّ ولا ريب يريد دائماً أن ينتصر، وانتصار العدوّ هو أن نكون في جانبه أو أن نقعد عن نصرة الحقّ، فيحاول بكلّ ما أوتي من قوّة وخديعة ومن دعوة، لأنّه يدعونا بكلّ ما أوتي من هذه الأمور حتّى ينتصر علينا، إذاً هي معركة بيننا وبينه، فنحن إن تنوّرت عقولنا بأن هذا الشيطان لا يُمكن أن يكون مصاحباً لنا دائماً يكون هو في صفّ العدوّ، ولا بدّ أن أتسلّح بكلّ ما أوتينا من قوة خوفاً من أن يخدعني ويمرّر مطالبه عندنا، وما أشطره في ذلك وما أكثر تفنّنه! لذلك الصعوبة تكمن في غوايات هذا الشيطان وقابليته إذا ضمّ إليه بعض شياطين الإنس، وكلّما يكون مع الشياطين إنس كثيرون تزداد الفتنة ضراوةً وقوّة، ولذلك بعض الموازين التي بيّنها الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) تقول: (اعرف الحقّ تعرفْ أهله) فلا بدّ أن نعرف الحقّ.
إن الدرس أحد الأسباب لمعرفة الحقّ سواء كان في الجانب الفقهيّ أو العقديّ أو التفسيريّ أو الأخلاقيّ، ولذلك من الضروريّ جدّاً التأمّل في حياة الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، وهناك مقاطع من بعض الروايات أو من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)، من شأنها أن تجعل الإنسان أكثر إدراكاً ووعياً، نحن عندنا في الفقه موضوعٌ وحكم، لا شكّ أن تشخيص الموضوع ليس من مهمّة الشارع المقدّس، فهو يبيّن الأحكام لكنّ التشخيص من مهام الإنسان الواعي المدرك، إذ لا بدّ أن يكون دقيقاً ومنتبهاً في تشخيص الموضوع، ففي واقعة الطفّ قاتَلَ الإمام الحسين (عليه السلام) مسلمين بحسب الظاهر، والسيدة زينب (عليها السلام) عندما تكلّمت ظاهراً تتكلّم مع مسلم حين قالت: (إلّا أن تخرج عن ملّتنا)، فالمعنى ظاهراً أنّه ما زال يرفع الأذان ويقيم الصلاة ويبني المساجد، فتشخيص الموضوع مهمّ للذي يعرف من هو الحسين (عليه السلام)، وهذا الإمام (عليه السلام) هو الذي جاء جدّه بالشريعة وأمرنا باتّباعها، فيكون عنده الموضوع واضحاً قلّ ناصره أم كثُر، لأنّ هذه المظاهر الخارجيّة ليست هي ميزان الحق إنّما ميزان الحقّ هو "إعرف الحقّ"، وقليلٌ من الناس يعرفون الحقّ و"أكثرهم للحقّ كارهون"، سواء قلنا الحقّ المقصود به الموت كما يقول بعض المفسِّرين، أو طبيعة الدنيا هكذا أنّ الإنسان يريد أن يخرج على القيود فيحاول بوسائل شتّى أن يبرّر التصرّفات لنفسه، والمؤمن القويّ يبقى على منهجه وإن تفرّق عنه الآخرون، فأبو ذر (رضوان الله تعالى عليه) تحمّل ما تحمّل لكنّه كان من الشخصيّات القليلة والنادرة التي تعرف الحقّ، وتحمّل ولم يرضخ والكلّ ماتوا، لكن ميتة أبي ذر تختلف عن ميتة الآخرين. إنّ تشخيص الموضوع في غاية الأهميّة ويعتمد على وعي الإنسان، ففي بعض الحالات يعرف الأحكام من قراءة الرسالة العمليّة، لكن تشخيص الموضوع مهمّ هل هذا هو صاحب الحقّ أم لا؟ ففي واقعة الطفّ هم أيضاً صلّوا وكما يُنقل عن ابن سعد قال عجّلوا بقتل الحسين حتّى لا تفوتنا الجماعة، لكن بالنتيجة أعداء سيّد الشهداء (عليه السلام) يعتقدون أنّ هؤلاء هم الأمراء، والأصحاب الشهداء لا يعترفون بهذا الاعتقاد، أي إنّ تشخيص الموضوع عندهم واضح، بل لا بدّ للإنسان أن يكون دائماً على بصيرةٍ من أمره. أيها الأخوات.. إضافة إلى جانب فهم الحُكم، لا بدّ أن نكون دقيقين في تشخيص الموضوعات، فالدنيا ابتلاء والإنسان يُبتلى بابتلاءاتٍ كثيرة حتّى تجعل اللبيب حائراً، فعليه -(الإنسان)- أن يستوضح الرؤية دائماً وأن يدقّق، إنّه بمجرّد فهم بعض المسائل أو قراءة بعض المطالب الأصولية، فهو يشتبه بتوقّعه أنّه في أمان، لكنّه كلّما اطّلع أكثر كشف لنفسه جهالات كثيرة، وقد يشتبه ببعض الأمور من جهة ميله إلى الدنيا، وغالباً عندما يختار الإنسان طريقاً غير الحقّ لا يعتقد أنّه باطل، بل يُقنع نفسه أنّ هذا هو الحق، ولكن أمام نفسه يعلم أنّه في محطّ اشتباه وهذه الأمور لا تنطلي على الله تعالى، ويقرأ الإنسان آيةً أو آيات يستشعر من خلالها أنّ المسألة تحتاج توفيقاً من الله تعالى للعبد، حتّى يبقى دائماً إلى أن يقضي ما كتب الله له في هذه الدنيا، يقول (يَومَ نَختِمُ على أفواهِهِم...) لاحظوا هذه الصورة الثلاثيّة من سورة (يس) (يومَ نختِمُ عَلى أفواهِهِم...) ثمّ بعد ذلك (وتُكلِّمُنا أيديهم..) ثالثاً (وتَشهَدُ أرجُلُهم بِما كانُوا يَكسِبون)، إذاً عنده ثلاث جوارح وهي إما إلى النار أو إلى الجنّة، فالإنسان يوم القيامة يحاول أن يدافع عن نفسه، والنار ليست بالمعنى البسيط للكلمة إنّما هي مخيفة، فالإنسان يحاول أن يبرّئ نفسه وهذا اللسان الذي تعوّد في الدنيا أن يحلف باللّه كذباً وأن يقول غير الحقّ يوم القيامة لا يوجد، ومقتضى الآية أنّ هذا الكلام ليس قابلاً للخديعة. إنّ تشخيص الموضوع مهمّ جداً، فالإنسان الواعي لا بدّ أن يفهم الأمور ويكون واعياً ودقيقاً بعيداً عن الضوضاء والصراخ، وعنده موازينه يعمل بها بمقتضى ما درس وما تعلّم، وإذا لم تدرس امرأةٌ وأخطأت بهذا الجانب، وعندما نسمع بذلك قبل قد نقول لبساطتها وقعت، لكن عندما تدرس المرأة وتقع في الخطأ فهي غير معذورة، فما فائدة العلم إذن!!