الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
كتمان السر.
المؤلف: مركز المعارف للتأليف والتحقيق.
المصدر: أخلاقنا الإسلاميّة (دروس في المفاهيم الأخلاقيّة)
الجزء والصفحة: ص 45 ـ 58.
25/12/2022
1938
أهداف الدرس:
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح أهمّية كتمان السرّ وآثاره على الفرد والمجتمع.
2- يشخّص بدقّة أحكام إفشاء السرّ وموارده.
3- يتعرّف إلى الدوافع النفسية والاجتماعية لإفشاء السرّ ويعمل على معالجتها.
تمهيد:
إنّ صيانة السرّ والمبالغة في كتمانه هي فضيلة من أسمى الفضائل وخصلة من أكرم الخصال وخلّة من خلال المروءة، وآية من آي الشرف والعقل وسمة من سمات المجد والرشد. فما هو معنى كتمان السرّ؟ وما حكم إفشائه؟ وغيرها من الأسئلة التي نحاول الإجابة عنها في هذا الدرس.
معنى كتمان السرّ:
السِّرِّ لُغَةً: مَا يُكْتَمُ فِي النَّفْسِ، وَالْجَمْعُ أَسْرَارٌ وَسَرَائِرُ. وَأَسَرَّ الشَّيْءَ: كَتَمَهُ وَأَظْهَرَهُ فَهُوَ مِنَ الأْضْدَادِ (1). قَال الرَّاغِبُ: الإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ، وَيُسْتَعْمَل فِي الأْعْيَانِ وَالْمَعَانِي (2). وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللّغَوِيِّ (3).
وكتمان السرّ: هو أن يضبط الكلام من الإنسان عن إظهار ما يضمره ممّا يضرّ به إظهاره وإبداؤه قبل وقته. فهو الصبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره.
السرّ في القرآن الكريم:
المتتبّع لآيات القرآن يجد أن كلمة السرّ ومشتقاتها قد وردت ثلاثين مرّة في أربع وعشرين سورة (4).
وأبان القرآن أنّ السرّ ضدّ العلانية، يقول تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77]. والسرّ خلاف الجهر {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} [النحل: 75]، {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3].
والكتمان هو السرّ وخلاف الجهر والإفشاء، ففي الآية {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 33]، ويقول تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110].
وهناك آيات كثيرة حثّت على حفظ السرّ وآيات أخرى تحدّثت عن أنبياء وأولياء حفظوا أسرارهم فكانت لهم النجاة في الدنيا قبل الآخرة، نالوا خير الدنيا والآخرة. فعندما أسرَّت أمّ النبيّ موسى عليه السلام أمر ولادة نبي الله عليه السلام، وكتمت سرَّ ولادته، وألقته في اليم:
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10]، كان الجزاء الإلهيّ: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [القصص: 13] وحين قصَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام رؤياه على أبيه النبيّ يعقوب عليه السلام, أوصاه بحفظ السر وألاَّ يقصص على إخوته ما رآه: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5] حَفِظَ نبيّ الله عليه السلام السرّ وعمل بالوصية وكان الجزاء الإلهيّ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56]، {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 57].
وهذا ممّا يدلّ على ما لحفظ الأسرار من فوائد عظيمة. هذا فضلاً عن الآيات الكثيرة التي تأمر الإنسان بعدم الإكثار من الكلام، وتبيّن أنّ الإنسان محاسب على كلّ كلمة يقولها، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
موارد الكتمان:
توجد موارد كثيرة لكتمان السرّ، منها ما يتعلّق بالجانب الشخصيّ والعائليّ، ومنها ما يرتبط بالجانب السياسيّ والاقتصاديّ، ومنها ما يرتبط بالجانب الأمنيّ والعسكريّ، والجانب الدينيّ:
1- الجانب الشخصيّ والعائليّ: ففيما يرجع إلى حياة الانسان اليومية والعائلية، والتي تبقى على حفظ بعض الاسرار الخاصة، والخاضعة للتبدّل والتغيّر، فمن كتم سره أمكنه تجنب الأخطاء. يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3].
ومحصّل معنى الآية الشريفة:
وإذ أفضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض أزواجه حديثاً وأوصاها بكتمانه فلمّا أخبرت به غيرها وأفشت السرَّ خلافاً لما أوصاها به، وأعلم الله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّها نبّأت به غيرها وأفشت السرّ، عرف وأعلم بعضه وأعرض عن بعض آخر، فلمّا خبرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث قالت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: من أنبأك وأخبرك أنّي نبّأت به غيري وأفشيت السرّ؟ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: نبأني وخبّرني العليم الخبير وهو الله العليم بالسرّ والعلانية الخبير بالسرائر (5).
ويتضح لنا من خلال مفهوم الآية أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن إفشاء الاسرار العائلية والشخصيّة، وأمر بحفظها.
2- الجانب السياسيّ والاقتصاديّ: وهو خاص بالعاملين في هذا المجال، وعليهم التحرّز من إفشاء أيّ معلومة يمكن لها أن تضرّ بمصالح المسلمين. وقد ورد في قصة نبيّ الله يوسف (عليه السلام) أنَّه عليه السلام ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب الإشراف على الخزانة، وذلك لعلمه أنّه إذا نجح في ترتيب اقتصاد مصر، فإنّه يتمكّن من إصلاح كثير من المفاسد الاجتماعية، كما أنّ تنفيذه للعدالة الاقتصادية يؤدّي إلى سيطرته على سائر دوائر الدولة وجعلها تحت إمرته. والنبيّ يوسف عليه السلام أخبر الملك بمؤهّلاته الإداريّة وبأنَّه حفيظ عليم، قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]. وهذه إشارة إلى أهمية عنصر الإدارة إلى جانب عنصر الأمانة، لكونه قرن ﴿عَلِيمٌ﴾ مع ﴿حَفِيظٌ﴾. وكثيراً ما نشاهد الأضرار الناتجة عن الخيانة لا تقلّ بل تزيد على الخسائر الناتجة عن سوء الإدارة (6). فالأمانة وكتمان الأسرار الاقتصادية، والسياسية، والإداريَّة من أبرز شروط النجاح والظفر.
3- الجانب الأمنيّ والعسكريّ: ولعلّه أكثر الموارد أهمية لكتمان السرّ، لأنّ العدوّ يستفيد من المعلومات المفشاة بسرعة، ويلحق الضرر بالمسلمين ...
معنى إفشاء السرّ:
إذا كان الحفاظ على السرّ واجبًا فإن إفشاء السرّ حرام؛ لأنّه يؤدّي إلى ضرر، فإنّ اختيار سرّيته دليل على أن إفشاءه فيه ضرر، والضرر ممنوع شرعًا - كما أن إفشاءه يكون خيانة حيث يكون السرّ أمانة، ويكون غدراً بالعهد وعدم وفاء بالوعد، إذا كان هناك وعد أو عهد بصيانته.
وبالعنوان العام كلّ سرّ تؤدّي إذاعته أو إفشاؤه إلى مفسدة سواء على المستوى الفرديّ أم الاجتماعيّ، أو العمليّ، فهذا السرّ يجب كتمانه من باب حرمة الإضرار بالنفس أو الآخرين أو إيذائهم فلا يعطى هذا السرّ إلى من يمكن أن تترتّب على إعطائه له محاذير وأضرار.
ويقابل كتمان السرّ إفشاء السرّ: أي نشره وإظهاره، وهو نقيض الحفظ والكتمان، ويطلق على عملية الإفشاء الإذاعة كما ورد في القرآن والروايات.
وقد ورد في رواية العقل والجهل "والْكِتْمَانُ وضِدُّه الإِفْشَاءُ (7) ...
لماذا نفشي الأسرار؟ وما هي الدوافع والأسباب وراء ذلك؟
1- العُجب والفخر والزهو وذلك بإظهار علمه بشيء لا يعلمه غيره.
2- من طبيعة الإِنسان حبُّه إتيان ما مُنع منه، فإنّ المحظور يُغري بارتكابه إن لم تكن هناك عصمة من خُلق أو دين.
3- النكاية أو التشهير، فإنّ إفشاء السرّ يؤذي صاحب السرّ إيذاء شديداً. والسرّ سلاح خطير قد يستعمل في الشرّ إن لم يكن هناك خلق أو دين. ونرى ذلك حين عداوة الأصدقاء أو عندما يطلق الرجل زوجته فتفشي الأسرار نكاية وحقدًا.
4- الاستفادة من هذه الأسرار التي عرفها فهي معلومات يمكن له أن ينتهزها فرصة ويستعملها في خير يفيده.
5- الخيانة، فإفشاء الأسرار والمعلومات السريّة إلى العدوّ من باب الخيانة وبيع النفس لأعداء الأمَّة.
فوائد كتمان السرّ:
لكتمان السرّ فوائد عديدة تربويّة وعمليّة نشير إلى بعضها:
1 ـ تحقيق النصر:
إن كتمان السرّ عامل مهم في تحقيق النصر، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "الظَّفَرُ بِالْحَزْمِ والْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ والرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الأَسْرَارِ" (8).
معنى الحزم لغةً: ضبط الرّجل أمره وأخذه بالثقة، والمقصود من الإجالة: الإدارة.
وقد بيّن (عليه السلام) في هذا الحديث سبيل الظّفر بالمقاصد في ميادين النضال والمبارزة سواء كانت في المعارك واقعةً بين خصمين مع السّلاح والعتاد، أو في ميادين الحرب الباردة.
وأفاد عليه السلام أنّ مبدأ الظفر الأصليّ هو كتمان الأسرار وضبطها وحفظها من مظانّ تطلع الخصم، وإجالة الرأي إشارة إلى طرح البرامج وإقامة الإجتماعات للتشاور في شتّى جوانب النضال، فبإجالة هؤلاء الرّجال آراءهم في شتّى نواحي المبارزة والقتال يتحصّل الحزم والنّظر الصّائب في العواقب، ويتمّ تنظيم الأمور بحيث تصل إلى المطلوب، وتتحقق الأهداف (9).
2- الحفاظ على التوازن المعنويّ للمجتمع:
لإنّ إفشاء الأسرار قد يؤدّي إلى إيجاد حالات من البلبلة في المجتمع. يقول تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].
وتشير هذه الآية إلى حركة منحرفة من حركات المنافقين أو ضعاف الإيمان، تتمثّل في سعيهم إلى تلقّف أيّ نبأ عن انتصار المسلمين أو هزيمتهم، وبثّه بين الناس في كلّ مكان، دون التحقيق والتدقيق في أصل هذا النبأ أو التأكّد من مصدره، وكان الكثير من هذه الأنباء لا يتعدّى الإشاعة قد عَمَد أعداء المسلمين إلى بثّها، لتحقيق أهدافهم الدنيئة, وليسيئوا إلى معنويات المسلمين ويضروا بهم, بينما كان من واجب هؤلاء أن يوصلوا هذه الأخبار إلى قادتهم المحيطين بالأمور, القادرين على أن يوضّحوا للناس ما كان حقيقياً منها وما كان إشاعة فارغة. وهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وخلفاؤه من أئمّة أهل البيت عليهم السلام بالدّرجة الأولى، ويأتي من بعدهم العلماء المتخصّصون في هذه المسائل (10).
3 ـ نجاح الأمور:
أمرت الروايات بالكتمان في قضاء الحاجات فكيف إذا كان ما نكتمه من الأسرار فالأمر فيه أولى وآكد، فعن الإمام علي عليه السلام قال: "اَنْجَحُ الْاُمُورِ مَا اَحَاطَ بِهِ الْكتْماَنُ" (11). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "استعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود" (12) فالكتمان ضرورة، وواجب في كثير من الأحيان من الزاوية الشرعية لحفظ كرامة الآخرين.. وضرورة للحفاظ على النفس.. وضرورة للحفاظ على الآخرين.. وضرورة لنجاح الكثير من المشاريع التي يجب ألّا تسلّط عليها الأضواء، والملاحقات من قبل الآخرين، وتدخّلاتهم السلبيّة، وفضول الكثير من الناس.. وفي جلّ الناس شيء من الفضول ... (13).
4 ـ توثيق الصلة بالإخوان:
كتمان السرّ يوثق صلة الإنسان بأخيه حين يحفظ أسراره، وحيث يثق الإنسان بأنّ صاحبه يحفظ أسراره يمهّد ذلك له استشاره فيما لا يحبّ أن يطلع عليه الناس.
عواقب إفشاء السرّ:
إنّ انتشار السرّ فيه مخاطر عديدة منها:
1ـ إفشاء السرّ قد يؤدّي إلى القتل:
فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 112].
فَقالَ: "أَمَا والله مَا قَتَلُوهُمْ بِأَسْيَافِهِمْ ولَكِنْ أَذَاعُوا سِرَّهُمْ وأَفْشَوْا عَلَيْهِمْ فَقُتِلُوا" (14).
2ـ الذلّ في الدنيا وعدم النور في الآخرة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "...يَا مُعَلَّى مَنْ أَذَاعَ أَمْرَنَا ولَمْ يَكْتُمْه أَذَلَّه الله بِه فِي الدُّنْيَا ونَزَعَ النُّورَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْه فِي الآخِرَةِ وجَعَلَه ظُلْمَةً تَقُودُه إِلَى النَّارِ..."(15). وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "مَا قَتَلَنَا مَنْ أَذَاعَ حَدِيثَنَا قَتْلَ خَطَأٍ ولَكِنْ قَتَلَنَا قَتْلَ عَمْدٍ" (16).
3ـ إيذاء الآخرين:
إفشاء السرّ يؤدّي إلى إيذاء وإهانة بحقّ الأصدقاء أو غيرهم من المسلمين، وهو من رذائل قوة الغضب إن كان منشأه العداوة، ومن رذائل قوة الشهوة إن كان منشأه تصوّر نفع ماليّ، أو مجرّد اهتزاز النفس بذلك لخباثتها (17).
4 ـ إفشاء السرّ ضرر في كثير من المجالات:
إفشاء السر موجب للضغينة، موقع في الحرج، مفرق بين الأحبة، مخرّب للأسرة، مسبّب اضطراب الأمن، ممكِّن للعدو من النيل من الإِنسان أو الجماعة، فقد يكون عند الإِنسان ثروة لو عرف الغير سرها لأغرت اللصوص أو أكثرت الحساد عليه، وقد يكون مشروع علمي لو اطّلع الغير عليه لسبقه إليه أو تخطيط حربيّ لو عرفه العدوّ لأفاد منه.
نصائح لمعالجة إفشاء السرّ:
يمكن القول إنّ إفشاء السرّ يكون إمّا لطبيعة في النفس، وإمّا لإرادة الشرّ للغير، أو حبّ الخير للنفس.
وعلى الإنسان المؤمن أن يقوم بتربية نفسه على الخير والبعد عن الظُّلم في إفشاء الأسرار وحتى يعوِّد المرء نفسه على حفظ السر عليه:
أولاً: مراقبة الله وهو موقن بأنّه سبحانه مطّلع على كلّ خافية فلا يعصيه بإفشاء سرّ استؤمن عليه.
ثانيًا: حبّ الخير لكلّ مسلم ومعرفة أنّ هناك ضررًا قد يقع على صاحب السرّ إذا أظهره.
ثالثًا: استشعار الضرر الذي يقع على المسلم من جراء إفشاء سره فلربما لحقه أذى عظيمٌ من جراء إفشاء سره فقد تكون زوجة تطلّق أو موظفًا ينال منه أو قريبًا يهجر أو صديقًا فتنقطع المودة.
رابعًا: إن إفشاء السرّ مظلمة لأخيك يجدها يوم القيامة ويحاجُّك بها عند الله.
خامسًا: من صفات الأخوة المحافظة على العهد والوعد وعدم إفشاء ما يسمع من أخيه المسلم.
سادسًا: إنّك بإفشاء السرّ تفقد نعمة عظيمة وهي نعمة مشاورة الناس لك واختيارهم إياك وثقتهم فيك.
المفاهيم الرئيسة:
1- السِّرِّ لُغَةً: مَا يُكْتَمُ فِي النَّفْسِ، وَالْجَمْعُ أَسْرَارٌ وَسَرَائِرُ. وَأَسَرَّ الشَّيْءَ: كَتَمَهُ وَأَظْهَرَهُ فَهُوَ مِنَ الأْضْدَادِ (18). قَال الرَّاغِبُ: الإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ، وَيُسْتَعْمَل فِي الأْعْيَانِ وَالْمَعَانِي (19). وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُغَوِيِّ (20).
2 ـ إنَّ المتتبّع لآيات القرآن يجد أن كلمة السرّ ومشتقاتها قد وردت ثلاثين مرّة في أربع وعشرين سورة (21).
3 ـ توجد موارد كثيرة لكتمان السرّ، منها ما يتعلّق بالجانب الشخصيّ والعائليّ، ومنها ما يرتبط بالجانب السياسيّ والاقتصاديّ، ومنها ما يرتبط بالجانب الأمنيّ والعسكريّ، والجانب الدينيّ.
4 ـ يقابل كتمان السرّ نشره وإظهاره، وهو نقيض الحفظ والكتمان، ويطلق على عملية الإفشاء الإذاعة كما ورد في القرآن والروايات. وقد ورد في رواية العقل والجهل "والْكِتْمَانُ وضِدُّه الإِفْشَاءُ " (22).
5 ـ من دوافع إفشاء السرّ: العُجب والفخر، النكاية أو التشهير، الخيانة.
6 ـ لكتمان السرّ فوائد عديدة تربوية وعملية هي: تحقيق النصر، الحفاظ على التوازن المعنويّ للمجتمع، نجاح الأمور. توثيق الصلة بالإخوان.
7 ـ إنّ انتشار السرّ فيه مخاطر عديدة منها أنَّ إفشاء السرّ قد يؤدّي إلى القتل والذلّ في الدنيا وعدم النور في الآخرة، كما أنَّه يُعدُّ إيذاء الآخرين، وضرر في كثير من المجالات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: الزبيدي، تاج العروس، ج6، ص 511، سرر.
(2) الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، 1412هـ.، ط 1، ص 404، سرر.
(3) راجع: الموسوعة الفقهية الميسرة، الشيخ محمد علي الأنصاري، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1422هـ، ط 1، ج4، ص 288.
(4) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص 428.
(5) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج19, ص 331.
(6) أنظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 7، ص 242-243.
(7) الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 22، كتاب العقل والجهل، ح 14.
(8) السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 477، حكمة رقم 48.
(9) انظر: الهاشمي الخوئي، الميرزا حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة وتكملة منهاج البراعة، ترجمة حسن زاده الآملي، ومحمد باقر كمرئي، تحقيق وتصحيح إبراهيم ميانجي، طهران، المكتبة الإسلامية، 1400هـ، ط 4، ج 21, ص 87-88.
(10) انظر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3, ص 348.
(11) الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 123.
(12) ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قم، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1404هـ.، ط 2، ص 48.
(13) ينظر: الشيخ حسن معن، النظرات حول الإعداد الروحي، ص 250.
(14) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 371، باب الإذاعة، ح7.
(15) المصدر نفسه، ص 224، باب الكتمان، ح8.
(16) المصدر نفسه، ص 370، باب الإذاعة، ح4.
(17) النراقي، ملا محمد مهدي، جامع السعادات، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، تقديم الشيخ محمد رضا المظفر، النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، ج 2، ص 210.
(18) راجع: الزبيدي، تاج العروس، ج6، ص 511، سرر.
(19) الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، 1412هـ.، ط 1، ص 404، سرر.
(20) راجع: الموسوعة الفقهية الميسرة، الشيخ محمد علي الأنصاري، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1422هـ، ط 1، ج4، ص 288.
(21) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص 428.
(22) الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 22، كتاب العقل والجهل، ح 14.